الخدمات

ابواب التحكيم الرئيسية
  • التنفيذ / وقف القوة التنفذية لأحكام التحكيم / المجلات العلمية / مجلة التحكيم العالمية - العدد 30 / حكم تحكيمي - دعوى بطلانه - العيوب في تقدير الوقائع أو مخالفة القانون لاتجعله موصوفا بالبطلان - المحكم لايتحرر في التحكيم من القيود والضوابط الجوهرية - القضاء يمارس لاسلطة الرقابة بقصد التحري عن المطاعن، وأن الحكم لا يمثل عدوانا على قواعد النظام العام الجوهرية - القضاء لا يعيد تقدير صحة الأسباب أوعدهما - القضاء لايصحح أسباب المعتبرة عماداً لمنطوق الحكم التحكيمي - الأسباب يجب أن لاتهبط الى مستوى التناقض أو التهاتر أو اللغو الذي يؤدي مباشرة إلى هدم البناء القانوني للحكم - الحكم يعتبر غير مسبب لأنه لوجود السبب يلزم وجود المسبب - الحكم بتعويض دون التثبت من الضرر المعوض عنه أو نفيه - هيئة التحكيم لم تستند الى مصادر لها وجود واقعي وفعلي - حكمها فاسد - السلطة التقديرية لهيئة التحكيم وليست مطلقة، وحدها ماهو مقرر قانون من قيود أو ضوابط - حرية التعبير لاتقيد بأغلال - إبطال الحكم المطعون فيه

  • الاسم

    مجلة التحكيم العالمية - العدد 30
  • تاريخ النشر

  • عدد الصفحات

  • رقم الصفحة

    443

التفاصيل طباعة نسخ

 

  إن دعوى إبطال حكم التحكيم لا شأن لها بالنتيجة التي خلص إليها الحكم أو بصحة تطبيق المحكم للقواعد القانونية التي تحكم المنازعة من ناحية الموضـوع. وأخطـاء حكـم التحكـيم المتعلقة بعيوب في التقدير بالنسبة للواقع أو بمخالفة القانون لا تجعله موصوفاً بالبطلان. فـي مجال دعوى البطلان التي نظّمها قانون التحكيم، ليس للقضاء أن يتدخل في عدالة المحكـم أو حريته في الاقتناع ولو أخطأ في ذلك. بوجه عام، فقاضي البطلان إنّما يراقب حكم التحكيم مـن أجل الحفاظ على نزاهة العملية التحكيمية التي تمت والاسـتيثاق مـن أن حقـوق الأطـراف الإجرائية التي لا يجوز تجاوزها قد روعيت، وذلك في ضوء النطاق المحدد في القانون لإبطـال أحكام التحكيم (المادة 53 تحكيم خاصة). التحكيم ليس مقصوداً لذاته، ولا هو مزية يتحرر فيه المحكم من القيود والضوابط الجوهرية التي أوردها المشرع في شأن العملية التحكيمية، تلك الأطر الكلّية غير المسموح بإهدارها.

 الضوابط التي قيد بها المشرع العمل التحكيمي والحدود الضيقة التي أجاز فيها رفع دعوى إبطال حكم التحكيم لا تعني حرمان قاضي الطعن بالبطلان من أن يمر على أسباب الحكم، فاحصاً إياها "بعناية" في ضوء العناصر المطروحة في دعوى التحكيم، توصلاً إلى اسـتظهار أسـباب الطعن المثارة واستبيان مفترضاتها، وذلك من أجل أن يقول القضاء ك لمته فـي شـأن بطـلان الحكم أو برفض دعوى إبطاله. رقابة القضاء على التحكيم ونواحيه الإجرائية ضـرورة تُقـدر بقدرها لتقصي مواطن الخلل التي اعترته والمؤدية إلى بطلان حكمه .... ممارسة قضاء البطلان سلطته الرقابية على حكم التحكيم إنّما تكون بقصد التحري عن المآخذ أو المطاعن التي يتمسك بها الطاعن بالبطلان، وأيضاً للتثبت من أن حكم التحكيم لا يمثّل فيما تضمنه عـدواناً علـى قواعد النظام العام الجوهرية التي يتوخى المشرع تأمينها. إن الحديث عن ضوابط تسبيب أحكام التحكيم يجب النظر إليها من زاوية التحكيم ومنظاره. في خصوص الوقائع المعروضة على التحكيم، فليس للقضاء الحق في إعادة بحثها أو المجادلة فيها أو في تقدير صحة الأسباب الواردة بشأنها أو عدم صحتها، لأن القـضاء لا يعـد جهـة استئنافية لحكم التحكيم، ولا يمكن له استبدال وجهة نظر هيئة التحكيم بوجهة نظره. بحسب الأصل لا تعقيب للقضاء على حرية هيئة التحكيم في تحصيلها للواقع والاقتناع به، وإن ساء حكمها أو خالفت فيه القانون أو أخطأت في تطبيقه. وفي كل الأحـوال، لا يـستطيع القضاء استكمال وتصحيح أسباب حكم التحكيم. أن حكم التحكيم يتعرض لجزاء البطلان إذا اشتمل "بوضوح" علـى أسـباب، وهميـة أو افتراضية لا وجود لها أو أسباب غامضة أو عقيمة أو متناقضة أو غير منطقية يأباها العقل ولا تفرضها حقائق الأشياء، طالما كانت هذه الأسباب المعيبة جوهرية "ومؤثرة في الحل الوارد في المنطوق"، أي: طالما كان العيب واقعاً في الأسباب المعتبرة قواماً وعماداً لمنطوق الحكم الـذي حكمت به هيئة التحكيم. على قاضي الإبطال بالضرورة مراقبة المطاعن والحجج الموجهة إلـى حكم التحكيم في هذا الشأن. لا توجد قيود خشنة تحد من حرية المحكم في تسبيب حكمه، فلا شكل معـين أو ترتيـب خاص، ولكن المتعين ألا تهبط الأسباب التي برر بها المحكم حكمه إلـى مـستوى اللغـو أو التناقض أو التهاتر أو التماحي الذي يؤدي مباشرة إلى هدم البناء القـانوني للحكـم وإهـدار دعامته "الأساس"، تلك الدعامة التي لا يقوم منطوق الحكم بغيرها، بحيث لا يبقى من الأسـباب ما يقيم الحكم ويحمله، هنا يعتبر الحكم كأنّه غير مسبب (خالٍ من الأسباب مجازاً). والحال كذلك عند الغياب الكلي لأسباب خاصة تتعلق بمسألة قانونية جوهرية في النزاع كانـت أساسـاً لمـا خلص إليه الحكم، بحيث لا يستقيم بغيرها، فيلزم لوجود السبب أو النتيجة وجود المسبب الحكم بالتعويض لم يستند إلى ضرر يؤدي إليه، لأنّه لم يوضح نوع ذلك الضرر – المادي منه أو الأدبي- ومداه وكيفية تحقّقه بالفعل. استيفاء واقع ركن الضرر يعتبر أمراً سابقاً بالضرورة على الخوض في تقدير التعـويض عنه، لأن الضرر هو علّة ومناط الحكم بالتعويض، فالضرر يكون متـصلاً بـالتعويض اتـصال السبب بالمسبب. عدم استظهار الحكم في أسبابه مكونات الضرر المعوض عنه رغم حيوية ذلك الأمر (تسبيب هذا الجزء من الحكم) وتأثيره في النتيجة التي خلص إليها، من شأنه أن يجعـل استخلاص هيئة التحكيم للوقائع التي كونت منها عقيدتها لا يستند إلى مصادر لها وجود واقعي فعلي، وهو ما يفسد حكمها. في كل الأحوال، لا يصح لهيئة التحكيم أن تتطوع من تلقاء نفسها، دون مواجهة أو دفاع، وتنتحل ضرراً لم يقل به المدعي في دعوى التحكيم.

 حرية التعبير هو أن يكون التماس الآراء والأفكار وتلقّيها عن الغيـر وإليـه، بقـصد أن تترامى آفاقها، وأن تتعدد مواردها وأدواتها، سعياً لتعد د الآراء وإرسـاء قاعـدة مـن حيـدة المعلومات ليكون ضوء الحقيقة مناراً لكل عمل.

 لذلك فإن حرية التعبير تمثّل في ذاتهـا قيمـة عليا لا تنفصل الديمقراطية عنها. أن حرية التعبير - والكلام لمحكمتنا الدستورية - أبلغ ما تكون أثراً في مجـال اتصالها بالشؤون العامة وعرض أوضاعها تبياناً لنواحي التقصير فيها بما يحول بين السلطة وفـرض وصايتها على العقل العام، وألا تكون معاييرها – معايير السلطة- مرجعاً لتقييم الآراء التـي تتصل بتكوينه –العقل العام- ولا عائقاً دون تدفّق الآراء، لذلك لم يعد جائزاً تقييد حرية التعبير وتفاعل الآراء التي تتولّد عنها بأغلال تعوق ممارستها سواء من ناحية فرض قيـود مـسبقة على نشرها أو من ناحية العقوبة اللاحقة التي تتوخّى قمعها. القضاء ببطلان الحكم المطعون فيه يكون متعيناً.

(محكمة استئناف القاهرة، الدائرة السابعة التجارية، جلسة 6 يناير 2016)

الحكم في الدعاوى أرقام: 11 ،12 ،14 لسنة 132 قضائية تحكيم، المقامة بطلب بطـلان دعوى تحكيم مؤسسي برقم 941 لسنة 2014 مركز القاهرة للتحكيم (CRCICA (الخصوم:

ـــــــ باسم رأفت يوسف ـ شركة كيوسـوفت للبرمجيـات ـ شـركة المـستقبل للقنـوات الفـضائية والإذاعيـة "مركـز تليفزيـون العاصـمة سـي بـي سـي" ـــــــــــ".

 الوقـــــــائع

- 1 - مقدمة عامة حول خلفية النزاع التحكيمي

(1) بموجب عقد مؤرخ 1/7/2012 اتفقت شركة كيوسوفت للبرمجيات مـع الـدكتور/ باسـم رأفت يوسف على أن يقوم الأخير بتقديم برنامج تليفزيوني ساخر هزلي باسم "البرنـامج" تنتجه كيوسوفت وتملك وحدها وحصرياً الحقوق الماليـة المتعلقـة بـه. وبعقـد مـؤرخ  25/7/2012 رخّصت الشركة المنتجة (كيوسوفت) لشركة المستقبل للقنـوات الفـضائية - مركز تليفزيون العاصمة سي. بي. سي. "c.b.c –"بحق احتكـاري ببـث حلقـات هـذا المصنّف أو المنتج الفني "البرنامج" على قنواتها التليفزيونية بداية من 11 نـوفمبر 2012 ولمدد (مواسم) محددة وورد في هذا العقد (عقد 25/7/2012) أن شخص "باسم يوسـف" وما يتمتع به من قبول جماهيري مميز يعد من الشروط الجوهرية الباعثة على قيام شركة المستقبل بالتعاقد على البث التلفزيوني لــ"البرنامج" على قنواتهـا سـي. بـي. سـي . "c.b.c ."وتعهدت كيوسوفت في العقد نفسه بموافاة شركة المستقبل بسكربت كـل حلقـة أثناء المونتاج للتأكد أن محتوى الحلقة لا يتعارض بشكل صارخ مع الـسياسة التحريريـة لقنوات المستقبل، بحيث تملك الأخيرة حق مراجعة محتوى كل حلقة وإجـراء التعـديل أو التنقيح فيها.

 (2) في 9/12/2012، وبسبب النجاح الذي حقّقه البرنامج، حرر الأطراف الثلاثة (كيوسـوفت وباسم يوسف و  c.b.c (اتفاقاً تكميلياً، تضمن على وجه الخصوص (وعلى عكس مـا ورد في عقد 25 يوليو) التزام المستقبل (c.b.c (بالامتناع عـن إجـراء أي تعـديل أو حتـى الاعتراض على المحتوى "الاسكربت" الذي يسلّم إليها عن كل حلقة قبل إذاعتهـا، وبثهـا للجمهور تليفزيونياً.

 في هذا الاتفاق التكميلي تعهد باسم يوسف بمسؤوليته القانونية عن أي نزاع ينشأ بمناسبة محتوى "البرنامج"، لأنّه صاحب الإشراف الكامل على إعداد اسـكربت الحلقات، وفقاً لما يتراءى له وبحريته الكاملة، فمصنّ ف البرنامج في نهايـة الأمـر وليـد شخصيته وطاقته ومنسوب إليه ومقترن باسمه (طبقاً لمبدأ حق الأبوة في مجـال الملكيـة الفكرية). (3 (في خصوص "البرنامج" أيضاً، وبموجب عقد محرر في 24/2/2013 اتفقـت الـشركتان (كيوسوفت والمستقبل) على زيادة المقابل المادي الذي تتحصل عليه الشركة المنتجة مـع توسيع نطاق حق المستقبل في بث وإعادة بث واستغلال وتسويق"البرنـامج".

 وبمناسـبة الأحداث المعروفة ب "ثورة" 30 يونية وتولي الجيش أمور البلاد وما صاحب ذلـك مـن ظروف، توقفت حلقات "البرنامج" خلال صيف عام2013، ثم تقرر العودة إلى إنتاجـه وتقديم حلقات أخرى منه وعرضها عبر قنوات المستقبل، وفقاً للتعاقدات السابقة. وإذ تـم إعداد وتصوير وإنتاج حلقة جديدة من البرنامج، وبعد عرضها تلفزيونياً على الجمهور في يوم الجمعة 25 أكتوبر 2013 فقد أصدرت شركة المستقبل بياناً منسوباً لـرئيس مجلـس إدارتها -المهندس محمد الأمين- تتبرأ فيه من محتوى ومضمون تلـك الحلقـة، مؤكـدة حرصها على ثوابت الشعور الوطني وإرادة الشعب المصري ورمـوز الدولـة ودعمهـا لثورتي 25 يناير و30 يونيو.

(4) وامتنعت قنوات المستقبل عن بث الحلقة التالية وأصدرت في الموعـد المحـدد لعرضـها (الجمعة 1/11/2013) بياناً ثانياً ذكرت فيه أن  د . باسم يوسف وكيوسوفت أصـرا علـى عدم التزام السياسة التحريرية لقنواتها رغم ردود الأفعال الشعبية الغاضبة التي صـاحبت عرض الحلقة السابقة (حلقة 25 أكتوبر)، وأوضحت الشركة في بيانها تسلمها في 30/10- و31/10 كتابين من رئيس الإدارة المركزية للمنطقة الحرة العامة الإعلامية ينذرها فيهمـا بضرورة اتخاذ ما يلزم من إجراءات لضمان عدم تكرار ما حدث بــالحلقة المغـضوب عليها (حلقة 25/10) دعماً للشعور الوطني، وبالابتناء على هذا الظرف الاستثنائي-هكذا أوضحت المستقبل- فقد قامت من جانبها بإيقاف بث حلقة الجمعة أول نوفمبر 2013. - 2- عرض النزاع على التحكيم والحكم فيه.

(5) على أثر ذلك، وبتاريخ 14 نوفمبر 2013 ،أرسلت شركة كيوسوفت إلى شركة المـستقبل إنذاراً بفسخ التعاقد حول البرنامج، وتفعيلاً منها لشرط تحكيم شمله عقد اسـتغلال حقـوق البث ( قد 25/7/2012 ) تقدمت كيوسـوفت إلـى مركـز القـاهرة الإقليمـي للتحكـيم CRCICA، بطلب تحكيم ضد شركة المستقبل، وقُيد بسجلاته كدعوى تحكيم مؤسـسي تحت رقم 941 لسنة 2014 ،طالبة الحكم بإثبات تقايلها والمحتكم ضدها عن ذلـك العقـد (انقضائه أو تفاسخه ضمناً) واحتياطياً الحكم بفسخه، وفي الحالتين الحكم بإلزام المـستقبل بتعويضها عما أصابها من أضرار نتيجة إخلالها بالتعاقد وامتناعهـا عـن بـث حلقـات البرنامج.

 (6) بدورها، وبتاريخ 5/1/2014 تقدمت شركة المستقبل إلى مركز التحكيم نفـسه بــطلب تحكيم عارض أو مقابل، ووجهته إلى شركة كيوسوفت (المحتكمة أصلياً) والدكتور باسـم يوسف، طالبة إلزامهما بالتضامن بتعويضها جراء عدم تنفيذهما عقد النزاع (عقـد 25/7 (وامتناعهما عن تسليم باقي حلقات البرنامج ومخالفتهما السياسة التحريرية لقنواتهـا. فـي نطاق مركز القاهرة الإقليمي للتحكيم ولوائحه، تشكلت هيئة تحكيم ثلاثية، نظرت دعـوى التحكيم (الأصلية والمقابلة معاً) وقدم كل طرف طلباته ودفاعه وحججه وأدلته.

 وفي جواب باسم يوسف على التحكيم بادر بالتأكيد على أنّه لم يشارك في عقد النزاع وليس طرفاً فيـه فلا يحتج عليه بشرط التحكيم الوارد فيه، ولا يجوز بالتالي إقحامه في خصومة التحكـيم، وتمسك بالتالي بعدم اختصاص هيئة التحكيم بالطلبات الموجهة إليه في التحكيم المقابل.

(7) بتاريخ 10/11/2014 أصدرت هيئة التحكيم حكمها، بأغلبية الآراء، برفض الـدفع بعـدم الاختصاص المقدم من باسم يوسف ورفض دعواه ودعوى شركة كيوسـوفت (المحتكمـة الأصلية)، وفي التحكيم المقابل بإلزام الأخيرة أن تدفع لشركة المستقبل مبلـغ25 مليـون جنيه عن الضرر المادي الذي أصابها، ومبلغ مماثل عن الضرر الأدبي، وحكمت كذلك – وبالمثل- بإلزام باسم يوسف بأن يدفع للمستقبل مبلغ25 مليون جنيه عن الضرر المادي، ومبلغ 25 مليون جنيه عن الأضرار الأدبية، والفوائد عند عدم الوفاء بتلك المبالغ.

(8) في حكم التحكيم، أرفق المحكم المسمى عن شركة كيوسوفت ود.باسم يوسف رأيه المخالف -لرأي الأغلبية- في ما انتهى إليه الحكم في منطوقه وأسبابه، موضحاً أن شرط التحكيم لا يسري في مواجهة باسم يوسف، لأنّه ليس طرفاً في عقد النزاع، وأضاف أنّه يرى - بعـد الفحص والمناقشة وإنزال حكم القانون على الواقع - أحقية كيوسوفت في طلب فسخ التعاقد مع وجوب رفض دعوى التعويض المقامة من المستقبل(المدعية في التحكيم المقابل) لعدم إخلال كيوسوفت بالتزاماتها، ومن ثم انتفاء شروط المسؤولية العقدية في جانبها.

 (9) وورد في حكم التحكيم أن باسم يوسف ملتزم -بإرادته الصريحة- بعقد النـزاع وشـرطه التحكيمي وأيضاً بالسياسة التحريرية لقناة المستقبل، ولم يثبت حصول التقايل الضمني من التزامات عقد النزاع (عقد 25/7) وليس في إمكان كيوسوفت فسخه بإرادتها المنفردة دون اللجوء إلى التحكيم. وذهب الحكم إلى أن المستقبل لم تعرض حلقة البرنامج في1/11 لأن التزامها عرضها صار مرهقاً لها ويهددها بخسائر فادحة نتيجة ظروف استثنائية (أوضاع طارئة غير متوقّعة) جراء رد الفعل الشعبي الغاضب المترتّب على عرض وإذاعة حلقـة 25/10 وما استتبعه ذلك من إنذارها بك تابي الإدارة المركزيـة للمنطقـة الحـرة العامـة .2013/10/31و 30 في الإعلامية.

(10) وأضاف الحكم، أن كيوسوفت وباسم يوسف ساهما بخطأ من كل منهما فـي نـشوء تلـك الظروف الاستثنائية ويتحملا بالتالي تبعاتها، وذلك بسبب ما تضمنته حلقة 25 أكتوبر مـن ألفاظ وتلميحات وإيحاءات جنسية أدت إلى إيذاء مشاعر الجماهير وخدش الذوق العام، فقد وصف باسم يوسف التأييد الشعبي "للشخصية العامة" بأنّه عبـارة عـن قـصائد وآهـات وتنهيدات. وأفصح الحكم، أن الحلقة احتوت في جزءٍ منها على شخصية تُسمى "جمـاهير" تجمعها علاقة حب بابن خالتها الضابط صاحب الميول السيادية، ... على لسان جمـاهير هذه، التي ترمز إلى جماهير الشعب المصري، قيلت عبارة مفادها أنّها وأبن خالتها الضابط "ماشيين بورقة تفويض" وهي إشارة صريحة إلى الزواج العرفي.

(11) هذه الإشارات الموحية من شأنها - في اعتقاد هيئة التحكيم- الإساءة إلى رمـوز الدولـة وتؤدي في الظروف التي تمر مصر بها إلى إحداث الفتن والقلاقل. وورد فـي مـدونات الحكم أن مضمون الحلقة (حلقة 25 أكتوبر) - وما خلفته من آثار عند عرضها- لا يخالف السياسة التحريرية للمستقبل فحسب، بل يعد فعلاً محرماً ويشكّل مـساساً بالنظـام العـام ويناقض الآداب العامة، وأكثر من ذلك، فإن التعاقد مع قناة تليفزيونية منافسة (mbc لبث "البرنامج" على الرغم من سريان الحق الحصري الذي تملكه المستقبل، يعد خطأ عقدياً من جانب باسم يوسف وكيوسوفت.

 (12) واختتمت هيئة التحكيم حكمها بأنّه: "إذا كانت البرامج الساخرة منتشرة في الدول المتقدمة، ففضلاً عن أنها هادفة وبنّاءة ولا تنحدر إلى حـد الإسـفاف أو التجـريح أو الإيحـاءات الجنسية، فإن تأثيرها على شعوب تلك الدول يكاد يكون منعدماً لرسوخ قناعاتهم وثبـاتهم على مبادئهم وتوجهاتهم السياسية التي يصعب النيل منها أو تغييرها ..."، هكذا أوضح حكم التحكيم. - 3 - ثلاث دعاوى بطلب إبطال حكم التحكيم أرقام: 11 ،12 ،14 لسنة 132 قضائية تحكيم استئناف القاهرة.

(13) أقيمت أمام هذه المحكمة (الدائرة السابعة التجارية) دعاوى ثلاث طعناً في حكـم التحكـيم المتقدم الذكر -الصادر في دعوى التحكيم رقم 941 لسنة 2014 مركز القاهرة الإقليمـي للتحكيم التجاري الدولي. فقد أقام الدكتور باسم يوسف (المحتكم ضده فرعيـاً) الـدعويين رقمي 11 و14 لسنة 132 قضائية طالبا فيهما القضاء ببطلان الحكم وبصفة عاجلة بوقف تنفيذه. وكذلك أقامت شركة كيوسوفت (المحتكمة أصلياً والمحتكم ضدها فرعياً) ضد شركة المستقبل الدعوى رقم 12 لسنة 132 قضائية بالطلبات ذاتها. وحيث تداول نظر الـدعاوى الثلاث بالجلسات وأمرت المحكمة بضمها معاً للارتباط واستمعت إلى مرافعات الأطـراف الشفوية. وعلى النحو الثابت بمحاضر الجلسات، قدم كل طرف مستنداته وأسانيده ومواقفه، وكذلك مذكّرات دفوعه ودفاعه وتعليقاته التي سوف توجزها المحكمة، الرئيسي والمنـتج والمؤثر منها، ثم قررت إقفال باب المرافعة وإصدار حكهما بجلسة اليوم. - 4 - الدعويان: 11 ،14 لسنة 132 قضائية، المقامتان من باسم رأفت يوسف

(14) في نعيه على حكم التحكيم، بدأ المدعي باسم يوسف وقبل كل شيء بالاعتصام بأنّ ه لـيس طرفاً في عقد النزاع (عقد 25/7 (المنطوي على شرط التحكيم، فرغم أنه وقّع عليه كشاهد أو مصادق، فلا يمكن أن يفهم من ذلك تضامنه مع كيوسوفت في تنفيذ التزاماتها التعاقدية قبل المستقبل، فهو -كفنان أداء- يتقاضى أجره عن "البرنامج" من كيوسوفت، ولذلك فـإن توقيعه على عقد النزاع لا يفيد في دلالته سوى كونه مصادقاً وضامناً لالتزاماته الشخصية المبينة في العقد الذي أبرمه مع كيوسوفت في1/7/2012 والتـي تلتـزم فيـه بتـوفير الإمكانيات المادية اللازمة لتسجيل وإنتاج حلقات البرنامج وتسويقها، ومن جانبـه يلتـزم الامتناع عن تقديم أية مصنّفات مقاربة، لذلك فمسؤوليته العقدية لا يمكن أن تثار إلاّ عنـد تقصيره في التزامه إعداد وتقديم البرنامج في المواعيد المتفق عليها أو في حـال تقديمـه لمصنف مشابه. أما كيوسوفت، مالكة ومنتجة البرنامج وصاحبة حقوق استغلاله المـالي، فهي الملتزمة وحدها في تنفيذ عقد 25/7 الذي حررته والتزمت فيه مع المستقبل.

 (15) ومع الافتراض الجدلي بامتداد شرط التحكيم إليه، يحتج المدعي بأن الحكم فصل في مسائل لم يشملها هذا الشرط، فحيثياته توضح أن إلزامه بالتعويض لم يكن بسبب إخلاله بالتزامات عقدية إنّما بناء على مسؤوليته التقصيرية بسبب مخالفته قواعد قانونية وواجبات عامـة– غير عقدية- ينصب مصدرها المباشر على خرق ما سماه الحكم "ميثاق الشرف الإعلاميومخالفة الذوق العام بالنظر إلى ما تضمنته مادة البرنامج من نقد ساخر للقائمين على حكم البلاد، الأمر الذي من شأنه حدوث انشطار في صفوف الشعب المصري بم ا يهدد استقرار الدولة،... مؤدى ما أورده الحكم في هذا الشأن كافياً للقول بأن هيئة التحكيم قد تجـاوزت اختصاصاتها، وفصلت في مسألة لم يشملها اتفاق التحكيم لقيام حكمها بالتعويض عن قواعد المسؤولية التقصيرية، الضرر الناشئ عن تلك المسؤولية - بمنطق هيئة التحكيم نفـسها - يكون قد وقع على الشعب المصري، وبالتالي لا يكون لشركة المستقبل المطالبة بالتعويض عنه، فهي ليست نائبة عن مجموع الشعب.

(16) ويقول المدعي أيضاً إنّه كان من الغير في التحكيم الأصلي المقام من كيوسوفت، ومع ذلك أدخلته المستقبل في تحكيمها المقابل، وهو عمل إجرائي مخالف للقانون ومؤثر فـي حكـم التحكيم. وأن هيئة التحكيم لم تحترم الهيكل الإجرائي لخصومة التحكيم، بما يعكـس عـدم حيدتها وانحيازها إجرائياً لشركة المستقبل، ذلك أن الحكم بدأ بسرد ما جاء في مـذكرات المستقبل، وجاء في ديباجته أنّه صادر في دعوى التحكيم المقامة من شركة المستقبل، رغم أنها المحتكم ضدها في التحكيم الأصلي.

(17) اتصالاً بما تقدم، يذكر المدعي أن هيئة التحكيم (أغلبيتها مصدرة الحكم) غلّبـت ميولهـا السياسية الخاصة وقناعتها الشخصية المسبقة، ونصبت نفسها ناصحة للأمة، وكأن الشعب المصري صاحب الحضارة العريقة قد أصبح قاصراً لا حيلة له إلى الدرجة التـي تبـيح فرض الوصاية على عقله وفكره، فقد ناشدت في حكمها وسائل الإعـلام أن تقـف صـفاً واحداً خلف مصالح الوطن، ووصفت البرنامج بأنّه "غير هادف وغير بنّاء وانحـدر إلـى درجة الإسفاف والتجريح وانتهج أساليب تهدف إلى تحقيق مكاسب مادية زائلة على حساب مصالح وطن مهدد بعدم البقاء والاستمرار". ما أورده الحكم في هذا الخصوص يعد فـي نظر المدعي تعبيراً مادياً كاشفاً عن النوايا المسبقة التـي تـضمرها هيئـة التحكـيم لـه (ولبرنامجه).

(18) إضافة إلى ذلك ينعى المدعي ببطلان حكم التحكيم لخلوه مـن أسـباب حقيقيـة سـليمة، فالأسباب المسطّرة فيه تتسم بالتشويه والتناقض ولا تؤدي منطقياً إلى ما انتهى إليه، فهيئة التحكيم لم تبين أركان المسؤولية وعناصر الضرر الذي أصاب المستقبل سواء أكان ضرراً مادياً أو أدبياً، هذا العيب ينحدر بالتسبيب إلى مرتبة الانعدام وهو الأمر الذي يفسد الحكـم  ويبطله، ولا تكشف الأسباب أيضاً عن الطريق الذي سلكته هيئة التحكيم لتقدير التعـويض المحكوم به، تعويض جزافي جامد نمطي(مبالغ نقدية متساوية متكـررة، 25،25،25،25 مليون جنيه) وبذلك تكون هيئة التحكيم قد حكمت لشركة المستقبل بـالتعويض عـن ذات الواقعة مرتين.

(19) في السياق ذاته، وفي تقدير المدعي، فإن هيئة التحكيم تحلّلت في حكمها من أية ضـوابط قانونية، كأنّها قد أقامت نفسها مفوضة بالصلح وحاكمة بقواعد العدالة والإنـصاف دونمـا تفويض بذلك من أطراف التحكيم. وأخيراً يقرر المدعي - في مقام دفاعه - أنّه على ضوء الحماية التي توفّرها قواعد الدستور للحقوق التي تكفل حرية الإبداع والرأي والنشر صوناً للحرية الشخصية، فإن حكم التحكيم وما حواه من تعويض "مفرط، متجاوز الحدود، وغير منصف" يعطِّل دون مقتضى مضمون تلك الحقوق الدستورية ويناقض الأغراض المقصودة من إرسائها. وتفريعاً على ذلك فقد نعت المدعي حكم التحكيم بالغرابة، حكم صادم يـسيء إلى منظومة التحكيم في مصر ويعطِّلها. - 5 - دعوى كيوسوفت للبرمجيات، رقم 12 لسنة 132 قضائية.

(20) استندت كيوسوفت في دعواها بالإبطال إلى القول بأن هيئة التحكيم غالـت مغـالاة غيـر مسبوقة في تقدير مقدار التعويض الذي قررته، دون اتباع أية معايير قانونية أو واقعيـة، مجرد مبلغ جزافي تحكُّمي لا يعدو أن يكون جزاء عقابياً (أو قراراً تأديبياً) بـلا خطـأ أو ضرر أو أساس أو تناسب أو بيان أو تفصيل أو تبرير أو مناقشة. في أسبابها مسخت هيئة التحكيم قواعد قانونية كانت مؤثرة في حسم الدعوى التحكيمية، وهو ما يصم حكمها بعيب مسخ القانون الواجب التطبيق على موضوع النزاع ويجعل الحكم-حسب المدعية- غيـر قائم على أسباب وهو ما يؤدي إلى بطلانه، وفقاً لأحكام المادة 53 من قانون التحكيم. فـي نظر المدعية، فإن هيئة التحكيم توصلت إلى نتائج غير سليمة وغير منطقي ة، متأثرة فـي حكمها بمعتقداتها السياسية وأهوائها الشخصية المنحازة لشركة المستقبل، هذا الانحياز أوقع حكمها في مخالفات قانونية خطيرة وملموسة كانت مؤثرة في منطوقـه ويترتـب عليهـا بطلانه.

(21) وتستطرد الطاعنة (كيوسوفت) أن هيئة التحكيم لم تتناول في حكمها أركـان المـسؤولية العقدية، فقد أغفل الحكم إيراد بيان ركن الضرر، فأسبابه جاءت خالية من إثبات أو نفي أو استخلاص الوقائع المكونة للضرر الذي لحق بمصالح المحكوم لها رغم أهمية ذلك وتأثيره في دعاوى التعويض عموماً، وهو ما يجعل التعويض الذي انتهت إليه هيئة التحكيم عنـد إعمال آثاره بمثابة حكم بمصادرة أموال الشركة-المدعية- وينطوي لذلك علـى مخالفـة قواعد تعد من النظام العام، لأنه يتضمن بالنظر إلى وطأة إفراطه اعتداء على حق الملكية الخاصة الذي يصونه الدستور، وهو ما يستوجب بطلان الحكم. - 6 - دفاع شركة المستقبل سي بي سي"c.b.c "في الدعاوى الثلاث.

 (22) يتلخص موقف شركة المستقبل في التأكيد على اعتبار الدكتور باسم يوسف طرفاً أساسـياً وأصيلاً وملتزماً في التعاقد على مصنّف البرنامج، وشخصه وما لاقاه من نجاح جماهيري كان وحده الدافع لإبرام عقد 25/7/2012 الممهور بتوقيعه، لذلك ساهم في تكوينه وشارك مباشرة في تنفيذه، ويصير لذلك طرفاً في شرط التحكيم الوارد فيه، خاصة أنّه أكد بوضوح مسؤوليته الشخصية عن "البرنامج" في الاتفاق التكميلي المؤرخ 9/12/2012 ،فوجوده يعد شرطاً لازماً لتنفيذ التعاقد، ... هكذا أعملت هيئة التحكيم سلطاتها فـي تفـسير وتكييـف المحررات والعقود المطروحة في دعوى التحكيم، والتي لا يمكن تفسيرها على نحو يخرج باسم يوسف من اتفاق التحكيم أو يعفيه من التزاماته تجاه المستقبل.

(23) وشددت المستقبل على أن تسبيب الحكم تم على الوجه الصحيح، فقد جاء مسبباً التسبيب التحكيمي الذي لا يبطله وفقاً لحالات البطلان الواردة في قانون التحكيم، فقد بينت هيئة التحكيم بوضوح أساس استخلاصها القانوني والواقعي لكون اعتبارها باسم يوسف طرفاً في عقد النزاع - ومن ثم في شرط التحكيم- وكونه مـديناً أصـلياً وصـاحب صـفة إجرائية، وكذلك ناقشت هيئة التحكيم أركان المسؤولية في حق المحكوم ضدهما، وقـد أوردت أسباباً سائغة واضحة وكافية في خصوص التعويض الذي تضمنه منطوق الحكم، بالجملة فإن أسباب الحكم كاشفة وسليمة، لا غبار عليها وتؤدي منطقياً وقانونياً إلى مـا انتهى إليه.

(24) انتقلت المستقبل بعد ذلك إلى الرد على النعي على الحكم بـضخامة مبلـغ التعـويض أو بإيراده جملة دون تخصيص، فهذا النعي في رأي المدعى عليها لا هـو واقعـي ولا هـو قانوني ولا يؤدي إلى إبطال حكم التحكيم، ذلك أن تقدير التعويض مـن مـسائل الواقـع الممنوع على محكمة البطلان التعرض لها، ولا يشترط للحكم بالتعويض تعيـين عناصـر الضرر تحديداً حصرياً ، أي لا يشترط أن يعين الحكم أرقاماً أو تفاصيل في خصوص كل عنصر، كما ترى المدعى عليها عدالة التعويض المحكوم به حسب الظـروف الملابـسة والعناصر المقدمة في دعوى التحكيم وكونه متناسباً مع الأضرار والخسائر التي لحقت بها.

(25) وأضافت المستقبل أنّه ولئن كان استبعاد هيئة التحكيم للقانون الموضـوعي الـذي اتفـق الأطراف على تطبيقه يؤدي (حسب المادة 53/د تحكيم) إلى بطلان حكم التحكـيم، فـإن الخطأ في تطبيق ذلك القانون - مهما كانت جسامته- لا يعتبر استبعادا له، ومـن ثـم لا يبطل الحكم لهذا السبب. علاوة على ذلك، فقاضي البطلان لا يملك بحكم القـانون سـلطة مراجعة هيئة التحكيم في سلامة تطبيقها قواعد القانون، ولو شاب حكمها مسخ أو تـشويه. واعتبرت المدعى عليها أن الحكم المطعون فيه لم يتحلل من أحكام القانون المصري، بـل على العكس فقد طبقها تطبيقاً صحيحاً، ولا تكون هيئة التحكيم لذلك قد فصلت في النـزاع بمقتضى قواعد العدالة والإنصاف.

 (26) وتدعم المستقبل دفاعها قائلة إن هيئة التحكيم غير ملزمة صياغة حكمها بأسلوب معـين أو ترتيب محدد أو بشكل إجرائي ما، وقد خلا حكمها من وجود أي خطأ إجرائي، كما لم تجر أي تعديلات في طلبات الأطراف، لأنّها لا تتقيد في تكييف الطلبـات المعروضـة عليهـا بوصف الخصوم للحقوق المطالب بها، بل هي ملزمة، شأنها فـي ذلـك شـأن محكمـة الموضوع بالتحري عن طبيعة هذه الحقوق من وقائع الدعوى لتصل من ذلك إلى التكييف القانوني الصحيح الذي تتبينه. إعطاء هيئة التحكيم طلبات المستقبل وصفها الحق وتكييـف العلاقات القانونية بين أطراف النزاع - بعيداً عن الألفاظ المستخدمة ومـع بقـاء سـبب الدعوى وأساسه– لا يشكّل أية مخالفة في القانون.

(27) لذلك – وبكلام المدعى عليها- فإن رفض هيئة التحكيم وصف لفظ التضامن واستخلاصها حسب فهمها للواقع المطروح أن طلب الإلزام بالتعويض الموجه من المستقبل تجاه كل من كيوسوفت وباسم يوسف على حدة - بلا تضامن- وحكمها لذلك بإلزام كلِّ منهما بالتعويض على استقلال، بحسبان أن كلاً منهما مدين أصلي، لا يمكن اعتباره تجـاوزاً مـن هيئـة التحكيم لحدود سلطتها أو صلاحياتها، ولا يجوز معه القول بأنّ ها حكمت بمـا لـم تطلبـه المحكوم لصالحها. أما عن اشتمال الحكم في منطوقه على عبارة رفـض دعـوى باسـم يوسف، رغم أنّه لم يطلب أي طلب موضوعي، فلا يعدو كونه خطأً مادياً لا تأثير له على حكم التحكيم.

(28) ونفت المستقبل الادعاء المثار بخصوص عدم حيدة هيئة التحكيم، ذلك أنه بحسب اعتبارات الواقع فهيئة التحكيم لم تكن منحازة لأي طرف، فلا مودة أو محبة ولا عداوة أو كـره أو خصومة أو تحامل أو موقف مسبق، لم تثر مسألة عدم الحيدة هذه خلال سـير الـدعوى التحكيمية، كما أن هيئة التحكيم لم تخلّ بحقوق الدفاع، بل احترمت متطلباتها، واتّبعت بدقة النواحي الإجرائية التحكيمية. من كل ذلك انتهت المدعى عليها (المستقبل) إلى أن أسـباب الطعن على حكم التحكيم في الدعاوى الثلاث ليست من ضمن أسباب الـبطلان المحـددة حصراً في المادة 53 من قانون التحكيم، وطلبت بالتالي القضاء برفضها المحـكـمـة.

 (29) وحيث إن دعوى إبطال حكم التحكيم لا شأن لها بالنتيجة التي خلص إليها الحكم أو بصحة تطبيق المحكم للقواعد القانونية التي تحكم المنازعة من ناحية الموضوع. وأخطـاء حكـم التحكيم المتعلقة بعيوب في التقدير بالنسبة للواقع أو بمخالفة القانون لا تجعلـه موصـوفاً بالبطلان. في مجال دعوى البطلان التي نظّمها قانون التحكيم، ليس للقضاء أن يتدخل في عدالة المحكم أو حريته في الاقتناع ولو أخطأ في ذلك. بوجه عام، فقاضي البطلان إنمـا يراقب حكم التحكيم من أجل الحفاظ على نزاهة العملية التحكيمية التي تمت والاستيثاق من أن حقوق الأطراف الإجرائية التي لا يجوز تجاوزها قد روعيت، وذلك في ضوء النطـاق المحدد في القانون لإبطال أحكام التحكيم (المادة 53 تحكيم خاصة).

 (30) مثله في ذلك مثل كل نظام قانوني، فإن للتحكيم من الضمانات القانونية – التحكيمية- مـا يحول دون إساءة استخدامه بما يخرجه عن وظيفته وحدوده المنطقية المشروعة، وحتى لا يتخذ التحكيم ذريعة إلى إعاقة حقوق الأطراف الإجرائية المرتبطة بخصومته، تلك الحقوق الجوهرية التي لا يجوز الانتقاص منها أو تجاوزها أو الإخلال بها .... بحـسبانه وسـيلة أتاحها القانون لفض منازعات بعينها، فالتحكيم ليس مقصوداً لذاته، ولا هو مزية يتحـرر فيه المحكم من القيود والضوابط الجوهرية التي أوردها المشرع في شأن العملية التحكيمية، تلك الأطر الكلية غير المسموح بإهدارها.

(31) الضوابط التي قيد بها المشرع العمل التحكيمي والحدود الضيقة التي أجاز فيها رفع دعوى إبطال حكم التحكيم لا تعني حرمان قاضي الطعن بالبطلان من أن يمر على أسباب الحكم، فاحصاً إياها "بعناية" على ضوء العناصر المطروحة في دعوى التحكـيم، توصـلاً إلـى استظهار أسباب الطعن المثارة واستبيان مفترضاتها، وذلك من أجل أن يقول القضاء كلمته في شأن بطلان الحكم أو برفض دعوى إبطاله. رقابة القضاء علـى التحكـيم ونواحيـه الإجرائية ضرورة تُقدر بقدرها لتقصي مواطن الخلل التي اعترته والمؤدية إلـى بطـلان حكمه.... ممارسة قضاء البطلان سلطته الرقابية على حكم التحكيم إنمـا تكـون بقـصد التحري عن المآخذ أو المطاعن التي يتمسك بها الطاعن بالبطلان، وأيضاً للتثبت مـن أن حكم التحكيم لا يمثّل فيما تضمنه عدواناً على قواعد النظام العام الجوهرية التي يتـوخى المشرع تأمينها.

(32) إجمالاً لا يؤاخذ حكم التحكيم في نطاق التسبيب، كما يؤاخذ تسبيب أحكام القضاء، فـصحة تسبيب أحكام المحكمين لا تقاس بالمقياس ذاته الذي تقاس به أحكـام القـضاء. ذلـك أن الحديث عن ضوابط تسبيب أحكام التحكيم يجب النظر إليها من زاوية التحكيم ومنظـاره. في خصوص الوقائع المعروضة على التحكيم، فليس للقضاء الحق في إعـادة بحثهـا أو المجادلة فيها أو في تقدير صحة الأسباب الواردة بشأنها أو عدم صحتها، لأن القـضاء لا يعد جهة استئنافية لحكم التحكيم، ولا يمكن له استبدال وجهة نظر هيئة التحكـيم بوجهـة نظره.... بحسب الأصل لا تعقيب للقضاء على حرية هيئة التحكيم في تحـصيلها للواقـع والاقتناع به، وإن ساء حكمها أو خالفت فيه القانون أو أخطأت في تطبيقـه. وفـي كـل الأحوال لا يستطيع القضاء استكمال وتصحيح أسباب حكم التحكيم.

(33) ومع ذلك فمن خلال التسبيب يمكن للقضاء أن يعمل رقابته على الدعوى التحكيمية والحكم الصادر فيها، فالتسبيب - بحسبانه تعبيراً خارجياً ومادياً- يعكس مدى احترام هيئة التحكيم لحقوق الدفاع وللقواعد الإجرائية، تلك التي لا يسوغ خرقها. من ناحية أخرى، يعد التسبيب قيداً على سلطة المحكمين يبعدهم عن التحكم، ويدفعهم إلى الحـرص والعنايـة عنـد أداء مهمتهم وإدارة الدعوى التحكيمية واتخاذ قراراتهم فيها، والتزامهم في كل ذلك بالقيود التي تقتضيها تبعات المهمة التحكيمية الموكولة إليهم وعدم مجاوزة حدودها الكلية، مثـل هـذا التجاوز يفرض نفسه دوماً على محكمة البطلان إذا تمسك به الخصم الطاعن بالبطلان، ولا يجوز لها عندئذ أن تتجاهله.

(34) رقابة القضاء على تسبيب حكم التحكيم ولـئن كانـت لا تقتـضي فحـصاً أو تمحيـصاً موضوعياً، فإنّها لا تقف عند حد الشكل الظاهري، فيتحقّق سبب البطلان إذا تبـين عنـد قراءة حكم التحكيم "بدقة" وجود مخالفة ملموسة بارزة في أسبابه، وأن هذه المخالفة كانـت حيوية وحاسمة في ما انتهى إليه الحكم من نتيجة.... ولئن كانت رقابة قاضي الـبطلان لا تتناول صحة أسباب حكم التحكيم أو قيمتها القانونية الحقيقية–لأنّها ليست رقابة ملائمـة - فإن ذلك لا يمنع محكمة البطلان من إمكانية إ ثبات وجود مخالفة "واضحة جلية" في أسباب الحكم، بحيث لا يبقى من مكوناته ومقوماته الأساسية – مع وجود مثل هذه المخالفة- مـا يحمل منطوقه.

(35) بمعنى أن حكم التحكيم يتعرض لجزاء البطلان إذا اشتمل "بوضوح" على أسباب، وهمية أو افتراضية لا وجود لها أو أسباب غامضة أو عقيمة أو متناقضة أو غير منطقية يأباها العقل ولا تفرضها حقائق الأشياء، طالما كانت هذه الأسباب المعيبة جوهرية "ومؤثرة في الحـل الوارد في المنطوق". أي طالما كان العيب واقعاً في الأسباب المعتبـرة قوامـاً وعمـاداً لمنطوق الحكم الذي حكمت به هيئة التحكيم. على قاضي الإبطـال بالـضرورة مراقبـة المطاعن والحجج الموجهة إلى حكم التحكيم في هذا الشأن.

 (36) بالعموم، لا توجد قيود خشنة تحد من حرية المحكم في تسبيب حكمه، فلا شكل معـين أو ترتيب خاص، ولكن المتعين ألا تهبط الأسباب التي برر بها المحكم حكمه إلى مـستوى اللغو أو التناقض أو التهاتر أو التماهي الذي يؤدي مباشرة إلى هدم البناء القانوني للحكـم وإهدار دعامته "الأساس"، تلك الدعامة التي لا يقوم منطوق الحكم بغيرها، بحيث لا يبقـى من الأسباب ما يقيم الحكم ويحمله، هنا يعتبر الحكم كأنّ ه غير مسبب (خالٍ مـن الأسـباب مجازاً). والحال كذلك عند الغياب الكلي لأسباب خاصة تتعلق بمسألة قانونية جوهرية في النزاع كانت أساساً لما خلص إليه الحكم بحيث لا يستقيم بغيرها، فيلزم لوجود الـسبب أو النتيجة وجود المسبب.

(37) لما تقدم، وكانت المساءلة بالتعويض في القانون المصري لا تقوم فحسب على الخطأ مـن جانب المدين، بل يتعين ثبوت الضرر، فالضرر ركن من أركان المسؤولية المدنية -مستقل عن الخطأ- وثبوته شرط لازم للحكم بالتعويض، ويراعى بقدر الإمكان وتبعـاً للظـروف الملابسة أن يتوازن مبلغ التعويض مع العلة من فرضه بأن يكون متكافئاً مـع الأضـرار المباشرة التي لحقت بالمضرور. وإنّه ولئن كان تقدير هذا التعويض، يستند إلـى معـايير موضوعية -لا معيار ذاتي "شخصي -" فإنّ ه يعد من مسائل الواقع التي تستقل بهـا هيئـة التحكيم التي تملك في الوقت ذاته الحكم بتعويض إجمالي عن جميع عناصر الضرر الذي حاق بالمضرور، بشرط أن تبين في حكمها ثبوت تلك العناصر المنشئة للتعويض.

(38) بالعودة إلى الحكم المطعون فيه -وبالنظر إلى الظروف المحيطة الوثيقة الصلة بعناصـر الدعوى التحكيمية- يبين أن منطوقه انطوى على تعويض مالي بارز بـروزاً واضـحاً، وتكشف أسبابه عن أن شركة المستقبل المحكوم لصالحها طرحت فـي دعـوى التحكـيم، وعلى نحو مفصل أوجه الضرر الذي لحقها مستندة في التدليل على ذلك إلى تقرير خبرة فنية أعده محاسبها القانوني "مكتب إرنست ويانج ( " عدد 17 حلقة تم سـداد مقابلهـا ولـم تسلمها لها كيوسوفت، فضلاً عن عمولات وخصومات الوكيل الإعلاني، .. إلـخ، تراجـع الصفحات من 30 إلى 33 من حكم التحكيم).

 (39) عند هذه النقطة بالتحديد، أكّد الحكم على "مبدأ التعويض" (الصفحة 70 من الحكم) ولكـن هيئة التحكيم لم تتحر توافر عناصر الضرر الواقعية التي طرحتها المستقبل، تلك المولِّـدة في حال ثبوتها للحكم بالتعويض، بل ذكرت صراحة عبارة" أنّها لم تتقيد بها". بوضـوح، فهيئة التحكيم استبعدت وأسقطت أوجه الضرر التي كانت مطروحة من جانـب المـستقبل وقامت مباشرة -حسب سلطتها التقديرية كما قرر الحكم- بتقدير وتوزيع مبالغ التعـويض المحكوم به على نحو إجمالي دون أن تكشف أو تذكر شيئاً ثبوتاً أو نفيـاً عـن الـضرر المعوض عنه، وأثّر ذلك في الحكم (الصفحتان 71 و72 من الحكـم) .... بـشكل ظـاهر فالحكم بالتعويض لم يستند إلى ضرر يؤدي إليه، لأنّه لم يوضح نـوع ذلـك الـضرر – المادي منه أو الأدبي- ومداه وكيفية تحقّقه بالفعل.

(40) استيفاء واقع ركن الضرر يعتبر أمراً سابقاً بالضرورة على الخوض في تقدير التعـويض عنه، لأن ا لضرر هو علّة ومناط الحكم بالتعويض، فالضرر يكـون متـصلاً بـالتعويض اتصال السبب بالمسبب. عدم استظهار الحكم في أسبابه مكونات الضرر المعـوض عنـه رغم حيوية ذلك الأمر (تسبيب هذا الجزء من الحكم) وتأثيره في النتيجة التي خلص إليها، من شأنه أن يجعل استخلاص هيئة التحكيم للوقائع التي كونت منها عقيدتها لا يستند إلـى مصادر لها وجود واقعي فعلي، وهو ما يفسد حكمها. في كل الأحـوال لا يـصح لهيئـة التحكيم أن تتطوع من تلقاء نفسها، دون مواجهة أو دفاع، وتنتحل ضرراً لم يقل به المدعي في دعوى التحكيم.

(41) لما تقدم، فالمحكمة تدرك بجلاء أن الحكم أغفل مسألة جوهرية تتعلق بالأضرار المؤديـة للتعويض، وتركها بغير تسبيب أو تدليل أو بحث ونقاش أو وزن وتـرجيح أو إشـارة أو مواجهة، اكتفاء بتناول ركن الخطأ ومظاهره باستفاضة، في حين أن الخطأ لا يكفي بذاتـه للحكم بالتعويض (خاصة عند اتساعه). الغياب التام لأسباب خاصة تتعلق بوقائع الـضرر رغم أنّها عماد الحكم وقوامه، فلا يكتمل بنيانه ولا يقوم إلاّ بها، يجعل حكم التحكيم - في أساسه- غير مسبب (فقدان أو غياب الأسباب على سبيل المجاز) بما يؤدي إلى سقوطه في حمأة المخالفة المبطلة له، وبذلك يكون قد تحقق للمحكمة سـبب بطـلان ح كـم التحكـيم المطعون فيه.

(42) بوجه عام، فكل مطلق هو مطلق بمقدار، وعليه تصير السلطة التقديرية المخولـة لهيئـة التحكيم - شأن كل سلطة- ليست سلطة مطلقة بلا ضوابط تحد من إطلاقهـا (بـاختلاف الحظوظ) وإنّما يجب أن تجد – عند ممارستها- حدها فيما هو مقرر قانوناً من قيود أو أن تقوم على ضوابط ومعايير مرجعية عقلية مبررة تُرد إليها، بما يحول بين هيئـة التحكـيم تحت ستار حرية التقدير وبين فرض وصايتها – ولو تحت تأثير اعتقادها بأنها سيف مسلّط على الباطل- على عقل المجتمع واتجاهاته وأفكاره وتياراته المتنوعة المتـصلة بالـشأن العام، مخالفة بذلك الأسس والقيم المدونة في الدستور التي هي غاية الغايات. ... كل سلطة لا بد من أن تتضمن في جوهرها قوة القانون (بمعناه الشامل) التي بهـا تتحقـق العدالـة المنشودة دائماً.

(43) لا يصح - تحت ستار السلطة التقديرية- انتزاع القيم التي كفلها الدستور في صـلبه مـن واقعها أو فصلها عن الأغراض المقصودة منها والغاية النهائية من إيرادها، فهـذه القـيم العليا لا تصاغ في الدساتير لذاتها بحسبانها قيماً فلسفية مجردة فحسب، لذلك لا يتصور أن تعمل أو يطبق مدلولها في فراغ (عوالم وفضاءات وحيوات أخرى). فغايتها خيـر الفـرد والجماعة، لأنها تكفل وتُؤسس - في مجموعها وتكاملها- مفهوماً للعدالة يتفق مع المقاييس العقلية المعاصرة لقيام الدولة الديمقراطية التي تسعى إلى توفير مقومات الحيـاة الخيرة لمواطنيها، من أجل ذلك قامت الدولة. (44) أطردت أحكام المحكمة الدستورية على أن حرية التعبير عن الآراء والت مكين من عرضها ونشرها سواء بالقول أو التصوير أو غير ذلك من وسائل التعبير، إنما تتقرر في الدسـتور بوصفها الحرية الأصل "الأم" التي لا يتم الحوار المفتوح إلاّ في نطاقها، ذلك أن ما تتوخّاه الدساتير من ضمان حرية التعبير هو أن يكون التماس الآراء والأفكار وتلقّيها عن الغيـر وإليه، بقصد أن تترامى آفاقها، وأن تتعدد مواردها وأدواتها، سعياً لتعـدد الآراء وإرسـاء قاعدة من حيدة المعلومات ليكون ضوء الحقيقة مناراً لكل عمل. لذلك فإن حريـة التعبيـر تمثل في ذاتها قيمة عليا لا تنفصل الديمقراطية عنها. (45) بل أن حرية التعبير – والكلام لا يزال لمحكمتنا الدستورية - أبلغ ما تكون أثراً فـي مجـال اتصالها بالشؤون العامة وعرض أوضاعها تبياناً لنواحي التقصير فيهـا بمـا يحـول بـين السلطة وفرض وصايتها على العقل العام ، وأن لا تكون معاييرها – معايير السلطة- مرجعاً لتقييم الآراء التي تتصل بتكوينه – العقل العام- ولا عائقاً دون تدفّق الآراء، لذلك لـم يعـد جائزاً تقييد حرية التعبير وتفاعل الآراء التي تتولد عنها بأغلال تعوق ممارستها سواء مـن ناحية فرض قيود مسبقة على نشرها أو من ناحية العقوبة اللاحقة التي تتوخّى قمعها.

(46) بقول محكمتنا الدستورية، فإن حرية التعبير في مضمونها الحق- مـع تنـوع مظاهرهـا واتساع أفاقها "تفقد قيمتها إذا حجبت الآراء وتبادلها بما يحـول دون تفاعلهـا وتـصحيح بعضها البعض، ويعطِّل تدفق الحقائق التي تتصل باتخاذ القرار،... ذلك أن الانعزال عن الآخرين يؤول إلى استعلاء وجهة النظر الفردية وتسلّ طها.."، "ولعل أكثر ما يهدد حريـة التعبير – في مجال عرضها أو نشرها- أن يكون الإيمان بها شكلياً أو سلبياً (بأن تـصير عبارة بلا معنى أو دلالة)، بل يتعين أن يكون الإصرار عليها قبولاً بتبعاتها، وألاّ يفـرض أحد على غيره صمتاً، ولو بقوة القانونforced Silence.

 (47) يقال: "إن أبغض شيء إلى الرجل الكريم الذي يشعر بالكرامة ويحرص عليهـا أن يـرى نفسه مضطراً إلى أن يعترف بأنّه لم يصبح بعد أهلاً لها"، وهكذا الشعوب.

(48) لكل ما تقدم، فإن القضاء ببطلان الحكم المطعون فيه يكون متعيناً، وبالتالي تقضي المحكمة ببطلان حكم التحكيم الصادر في دعوى التح كيم المؤسسي برقم 941 لسنة 2014 مركـز القاهرة للتحكيم (CRCICA .(ولأن من خسر الدعوى يلزم بمصروفاتها، وبالتالي تلـزم المحكمة المدعى عليها شركة المستقبل للقنوات الفضائية والإذاعيـة -مركـز تليفزيـون العاصمة سي بي سي "c.b.c –"بمصاريف الدعاوى الثلاث.

 فلهذه الأسباب حكمت المحكمة في موضوع الدعاوى أرقام: 11 ،12 ،14 لـسنة 132 قـضائية تحكـيم تجاري، ببطلان حكم التحكيم المطعون فيه وألزمت المدعى عليها (شركة المستقبل) بمـصاريف كل دعوى، مائة جنيه مقابل أتعاب المحاماة عن كل منها. القاضي / إسماعيل الزيادي، القاضي / السيد الحضري، القاضي / حسين مسلم أمين السر / رمضان حسن