الخدمات

ابواب التحكيم الرئيسية
  • التنفيذ / وقف القوة التنفذية لأحكام التحكيم / المجلات العلمية / مجلة التحكيم العالمية - العدد 30 / تحكيم - هيئة التحكيم لها سلطة بت اختصاصها - تستمر في أداء مهمتها إذا رفضت الدفع بعدم إختصاصها - حكم التحكيم ليس له قوة تنفيذه في شكل عمل ولائي وليس في شكل حكم - القاضي الوطني يتدخل حتى ينتج الحكم الأجنبي أثره في دولته - طلب الإعتراف بأحكام التحكيم الأجنبية يكون باجراءات ذات طبيعة ولائية - اتفاقية نيويورك قررت قاعدة آمرة بعدم فرض شروط أكثر تشددا لإعتراف وتنفيذ أحكام التحكيم الأجنبية -في مجال الإعتراف بأحكام التحكيم الأجنبية وتنفيذها رتبت معاهدة نيويورك التزاما على عاتق دولها لضمان الحقوق التي كفلتها أحكام المعاهدة

  • الاسم

    مجلة التحكيم العالمية - العدد 30
  • تاريخ النشر

  • عدد الصفحات

  • رقم الصفحة

    418

التفاصيل طباعة نسخ

 يكون لهيئة التحكيم سلطة بت اختصاصها بما في ذلك الفصل في كل اعتراضات أو دفـوع تتعلق بوجود اتفاق التحكيم أو صحته أو نطاقه أو سقوطه، فمتى دفع أحد طرفي التحكيم أمـام هيئة التحكيم بعدم اختصاصها وارتأت رفض الدفع أو الدفوع المتعلقة بذلك ف عليها الاستمرار في أداء مهمتها والفصل في موضوع النزاع التحكيمي (المادة 22 من قانون التحكيم).

 حسب قانون التحكيم المصري رقم 27 لسنة 1994 – شأن أغلب النظم القانونية - فإنّـه يلزم تدخل السلطة القضائية بشكل مباشر من أجل منح حكم المحك مين قوة التنفيذ، فلا يـصير سنداً تنفيذياً يمكن تنفيذه جبراً إلاً عن طريق أمر بذلك يصدره رئيس المحكمة المختصة بمسائل التحكيم إذا ما توافرت الشروط المتطلبة لتذييل الحكم بصيغة التنفيذ، ويصدر هذا الأمر في شكل عمل ولائي (أمر على عريضة دون مواجهة) وليس في شكل الحكم (المواد 9 ،56 ،58).  إن منح القوة التنفيذية لحكم التحكيم في بلد ما أياً- يكن صورته أو وسـائله- لا يعطيـه صفة تنفيذية دولية متخطّية الحدود، وذلك لاعتبارات تاريخية وسـيادية، وبـسبب أن عمـال السلطات العامة القائمة على مباشرة التنفيذ الجبري في الدولة لا يتلقون أوامر مـن سـلطات دولة أخرى. فالقوة التنفيذية لحكم التحكيم لا تعني سوى الدولة التي اعتبرته سنداً تنفيذياً طبقاً لقانونها (قانون بلد التنفيذ).

 فمع التسليم بجواز الاعتراف بحكم التحكيم الوطني والتمسك بآثاره كاملة خارج حدود دولته، فإن منحه صيغة التنفيذ في بلد إصداره - دولة منشأ الحكم، تل ك التي صدر الحكم في إطارها القانوني - لا ينهض بذاته مسوغاً للتنفيذ به في بلد آخر، بـل يـشترط تدخل السلطة الوطنية المختصة في هذا البلد حتى ينتج الحكم الأجنبي آثاره في إقليمها وبتنفيذه جبراً. إن طلب الاعتراف بأحكام التحكيم الأجنبية وتنفيذها يكون بالإجراءات ذا ت الطبيعة الولائية المتبعة في شأن تنفيذ أحكام التحكيم الوطنية، أي عن طريق نظام طلب الأمر على عريضة.

 في كل الأحوال يعد هذا النظام الإجرائي الولائي أيسر وأسرع وأقل كُلفة من نظام رفع دعوى طلب الأمر بالتنفيذ التي يتكلم عنها قانون المرافعات القضائية الذي هو ا لقانون العام في الإجـراءات على اختلاف فروعها. إنّه بخلاف قاعدة الإسناد الموحدة الخاصة بخضوع الإجراءات لقانون بلـد التنفيـذ، فقـد حرصت اتفاقية نيويورك على تقرير قاعدة آمرة ألزمت بها الدول المنضمة إليها. تتطلب هـذه القاعدة من دولة التنفيذ التزام ألا تفرض -في تشريعاتها الداخلية - الأجنبية أو تنفيذها شروطاً أو رسوماً أكثر تشدداً "بصورة ملحوظة" مـن تلـك التـي تُفـرض للاعتراف وتنفيذ أحكام المحكمين الوطنية، عبارات الجزء الأخير من المادة "3 "مـن الاتفاقيـة واضحة وتؤدي مباشرة إلى هذا المعنى. هذا الشق من الاتفاقية يلقـي علـى عـاتق الدولـة المتعاقدة "بصريح العبارة " التزاماً يقتضيها أن توفِّر لصاحب الشأن - وطنياً كـان أم أجنبيـاً - نفاذاً ميسراً لأحكام التحكيم الأجنبية، بحيث لا يكون النظام الإجرائي الداخلي المتبع فـي ذلـك الشأن أكثر شدة من نظيره المتبع بالنسبة لتنفيذ أحكام التحكيم الوطنية، بل يجب أن يكون لحكم التحكيم الأجنبي القدر نفسه من الاحترام. نصوص المعاهدات الشارعة ليست مجرد عبارات صامتة معطلة ولا يتصور أن تصاغ في فراغ لارتباطها بغايات مقصودة منها، أي بفوائد عملية، لذلك يتعين على الدولة الطـرف فـي معاهدة نيويورك ألاّ تفرض من العراقيل أو العوائق أو الأوضاع الإجرائيـة مـا يحـول بـين المعاهدة وبين بلوغ فوائدها المرجوة أي بحسبانها إطاراً قانونياً شاملاً وملزماً وأداة قوية لتقد م التحكيم الدولي وتجانس قواعده ب صرف النظر عن تنوع أمزجة المشرع والقضاء الوطنيين في مختلف الدول المتعاقدة.

 في مجال الاعتراف بأحكام التحكيم الأجنبية وتنفيذها، ترتِّـ ب معاهـدة نيويورك التزاماً على عاتق دولها، في تشريعها وقضائها، ومـن خـلال نظمهـا وإجراءاتهـا وبنيانها القانوني التحكيمي، بالعمل من أجل ضمان الحقوق التي كفلتها أحكام المعاهدة والتقيـد بها والتزام حدودها، وبالأسس التي تقوم عليها وعدم إعاقتها.

 (محكمة استئناف القاهرة، الدائرة السابعة التجارية، دعوى الـتظلّم رقـم9 لـسنة 132 قضائية "تحكيم"، جلسة 3/2/2016)

........ ........

الوقائع:

1 - في إطار مركز تحكيم غرفة التجارة الدولية (ICC- (وفي باريس- صـدر بتـاريخ 18/7/2013 حكم في دعوى التحكيم المقيدة به تحت رقم 17071 بـإلزام المحـتكم ضدها شركة دمياط الدولية للموانئ أن تؤدي للمحتكمة شركة المحاصـة – شـركة أركيرودون، وشركة المقاولون العرب- بالعديد من الالتزامات النقدية. وبنـاء علـى طلب الشركتين المحكوم لهما، وبتاريخ 10/9/2014 أمر السيد رئيس هذه المحكمـة (رئيس الدائرة 62) بتذييل حكم التحكيم المذكور بالصيغة التنفيذية. وبموجب صـحيفة أودعت قلم كتاب هذه المحكمة في9/5/2015 تظلّمت شركة دمياط المحتكم ضـدها من ذلك الأمر بالتظلّم الماثل بطلب الحكم بقبول التظلّم شكلاً، وفي الموضوع بإلغـاء الأمر المتظلِّم منه، وبصفة مستعجلة بوقف تنفيذه.

2 - في نعيها على أمر التنفيذ تقول المتظلِّمة (شركة دمياط الدولية للموانئ) أن القانون المصري لا يعترف بالشخصية القانونية لشركات المحاصة، فلا وجود لها قانونـاً، وبالتالي فإن شركة المحاصة الصادر الأمر لصالحها – شركة المقـاولون العـرب وشركة أركيرودون - لا تملك حق التقاضي أو اللجوء إلى التحكيم، ولا يكون لهـا أي صفة قانونية في استصدار الأمر أو في مباشرة إجراءاته. وتـضيف المدعيـة المتظلِّمة بأن المنازعة التي فصل فيها حكم التحكيم المطلوب تنفيذه في مصر ناشئة عن عقد مقاولة إنشاءات في ميناء دمياط المـصري بـين شـركتين مـصريتين (المتظلِّمة "رب العمل " والمقاول "شريكا المحاصة ")، والبند التحكيمي الذي احتـواه التعاقد الحاصل معهما ينص على أن يكون التحكيم محلياً مقـره مـصر وحـسب القوانين المصرية إذا كان المقاول مصرياً، ولأن شركة المحاصة تأسست في مصر بموجب القوانين المصرية، لذلك يصير الحكم في رأي المتظلِّمة صادراً طبقاً لقانون ليس هو الواجب التطبيق، وأن هيئة تحكيم غير مختصة، ولا يكون حكمهـا لـذلك قابلاً للتنفيذ.

3 - وبحسبان أن حكم التحكيم المتظلِّم من أمر تذييله بصيغة التنفيذ حكم أجنبي صادر في باريس بصفتها المكان القانوني لإجراء التحكيم، فقد تمسكت المتظلِّمة بأن الأمر بتنفيذه يخضع للقواعد الخاصة بذلك في قانون المرافعات المـصري، تلـك التـي تجعـل الاختصاص بإصداره للمحكمة الابتدائية التي يراد التنفيذ في دائرتهـا، وبالأوضـاع المعتادة لرفع الدعوى وليس بطريق الطلب على عريضة، وعلى ذلك يكـون الأمـر بالتنفيذ المتظلِّم منه صادراً ممن لا ولاية له في إصداره ودون إتْباع قواعـد ملزمـة قانوناً تتعلق بالنظام العام.

 4- وإذ تداول نظر التظلّم على نحو ما جاء في محاضر الجلـسات، وتمـسكت الـشركة المتظلِّمة بطلباتها ودفاعها السابق، وأضافت في مذكرة دفاعها أنّها لم تكن ممثلة فـي دعوى التحكيم تمثيلاً صحيحاً لأن التوكيلات الصادرة لمحاميها غيـر موثّقـة، وفقـاً للقانون المصري، وقدم محامي المتظلِّم ضدهما (الأولى والثانية "عـضوا المحاصـة) مذكّرة برفض التظلّم، وقررت المحكمة النطق بالحكم بجلسة اليوم. ومـن حيـث أن التظلّم أقيم في الميعاد المحدد في الفقرة الأخيرة من المادة58 من قـانون التحكـيم، واستوفى باقي أوضاعه الشكلية فهو مقبول شكلاً. المحكمة:

 5 - في القانون المصري، فالمحاصة شركة من شركات الأشخاص (أفـراد أو شـركات) تنعقد بين شخصين (أو أكثر) للقيام بعمل واحد أو سلسلة من الأعمـال - غالبـاً مـا تؤسس هذه الشركة لغرض أو مشروع معين - على أن يقتـسما الـربح أو الخـسارة حسبما يتّفقا، لا تكسب المحاصة هذه الشخصية المعنوية ولا يكون لها ذمة ولا يحـاط تأسيسها بوسائل الشهر، كما هو الشأن في الشركات التجارية، فهي شركة من طبيعـة خاصة يقتصر وجودها فقط على الشركاء فيها، شركة جائزة ومشروعة، يعترف بهـا القانون المصري ويبيحها، ولكن لا يعلنها. وأعضاء أو شركاء المحاصة يرتبطون فيما بينهم بعقد شركة، ولكن لا تظهر هذه الشركة للغير-بسبب طبيعتها المستترة- ولا يكون لها كيان قانوني بالنسبة لهذا الغير. فإذا تعامل الغير مع أحد الـشركاء، فإنمـا يتعامل معه بصفته الشخصية فلا تلتزم الشركة ولا يلتزم باقي الشركاء.

6 - لما كان ما تقدم، وكان الثابت من الأوراق أن شـركة المقـاولون العـرب وشـركة أركيرودون اتحد تا معاً وكونتا – مع استمرار تمتّع كـل منهمـا بأهليتـه القانونيـة المستقلة- شركة محاصة في ما بينهما بغرض التعاقد سوياً "كمقـاول" علـى تنفيـذ مشروع مقاولة إنشائية بميناء دمياط (رصيف بحري) لصالح الشركة المتظلِّمـة "رب العمل" التي تعاملت مع كل منهما مجتمعتين في الوقت ذات ه ليس كشركة محاصة -مع علمها بوجودها بالفعل- ولكن بكون كل منهما شركة متعاقدة ذات هوية مستقلة عـن الأخرى تملك اسمها وعنوانها وشخصيتها القانونية المنفصلة، ولا يغير من ذلك أنهما مسؤولتان في العمل التعاقدي "بصفتهما المقاول" منفـردتين ومجتمعتـين تجـاه رب العمل، لأن هذه المسؤولية التضامنية تكشف في ذاتها عن تعـدد الطـرف المقـاول (عضوا اتحاد المحاصة). في الإجراءات القانونية تعاملَ كل من شـريك ي المحاصـة تحت أسمه الصحيح وبشخصيته القانونية المستقلة.

7 - فالتعاقد وتنفيذ التزاماته والتعامل (في كافـة نـواحي المقاولـة) والتحكـيم وحكمـه وإجراءات تذييل ذلك الحكم بصيغة التنفيذ تمت جميعها دون أن تفقد المحاصة صفتها المستترة رغم الاعتراف بها وعدم إنكارها. لم تبرز المحاصة (بين الشركتين المتظلِّم ضدهما) في ذلك كله كشخص معنوي واحد صاحب ذمة مالية قائمة بذاتها أو أهليـة مستقلة، بل أن المتظلِّمة خاصمت شريكي المحاصة في دعوى التظلّم الراهنة باسم كل منهما وعنوانه أو موطنه الخاص، وليس ككيان قانوني واحد، فالمحاصة (كـشركة مستترة) لم تُقيد أو تُسجل أو تُشهر ولم تتخذ عنواناً أو اسماً لها، ومع ذلـك فالأهليـة المستقلة ثابتة لكل من شريكي المحاصة. وبالابتناء على ما تقدم فلا أساس لما تنعـاه المتظلِّمة على أمر التنفيذ المتظلِّم منه في هذا الخصوص.

 8 - وحيث أن مبدأ استقلال اتفاق التحكيم من الناحية القانونية عن العلاقة الأصـلية بـين أطرافه من المبادئ الأساسية المستقرة في مجال التحكيم سواء أكان دولياً أم محليـاً، فانتفاء اختصاص محاكم الدولة بالفصل في المسألة التي تناولها اتفاق التحكيم، مـرده أن هذا الاتفاق يمنعها من نظر هذه المسألة، بحيث لا يكون للقضاء ولاية بشأنها بعـد أن حجبها عنه اتفاق الأطراف. ويرتبط مبدأ استقلال الشرط التحكيمي (الاتفاق علـى التحكيم) بشكل كبير بمبدأ آخر يكمله وهو مستقر مثله في المحيط القانوني ومؤداه أن هيئة التحكيم تختص بالفصل في اختصاصها، لذلك فإن المحكم هو الذي يملك بـصفة مبدئية -وتحت رقابة القضاء- سلطة النظر في مسألة اختصاصه.

9 - وتكرس الأنظمة التحكيمية المعاصرة (تشريعات ولوائح مراكـز التحكـيم المختلفـة) المضمون المتقدم –المبدآن- بحيث يكون لهيئة التحكيم سلطة بت اختصاصها بما في ذلك الفصل في كل اعتراضات أو دفوع تتعلق بوجود اتفاق التحكـيم أو صـحته أو نطاقه أو سقوطه، فمتى دفع أحد طرفي التحكيم أمام هيئة التحكيم بعـدم اختـصاصها وارتأت رفض الدفع أو الدفوع المتعلقة بذلك فعليها الاستمرار في أداء مهمتها والفصل في موضوع النزاع التحكيمي (المادة 22 من قانون التحكيم). والثابت أن شركة دمياط الدولية للموانئ (المتظلِّمة) تمسكت في دعوى التحكيم بالاحتجاج بعدم اختصاص هيئة التحكيم بنظر النزاع التحكيمي.

10 ب - قراءة الأسباب الواردة في الحكم المتظلِّم في أمر تنفيذه (حسب ترجمته) يبـين أنهـا تكشف بوضوح عن الطريق الذي اتبعته هيئة تحكيم ـال( ICC (لتكوين رأيها في مـا انتهت إليه في شأن اختصاصها وصلاحيتها بالتحكيم المعروض عليها بعـد فحـص مواقف أطراف التحكيم والأدلة المطروحة، فقد أورد الحكم فـي أسـبابه أن شـركة أركيرودون للإنشاء لما وراء البحار الشريك في المحاصة تعد بمثابة المقاول الأجنبي، تم تأسيسها في بنما ولها مكتب رئيس(فرع) مسجل في مصر وتمارس مـن خلالـه تنفيذ مقاولة النزاع، وأن التعاقد على تلك المقاولة تضمن بنداً تحكيمياً بحصول التحكيم وفقاً لقواعد الـICC بفرنسا، وباللغة الإنجليزية، وذلك عند وجود طرف أجنبي فـي النزاع، وهو ما يؤكد بوضوح-حسبما خلصت هيئة التحكيم- تطابق نية الأطـراف على إعمال ذلك الشرط التحكيمي دون غيره، فبنود التعاقد تُفسر من خـلال بعـضها البعض. وترى المحكمة أن الفهم الذي استخلصته هيئة التحكيم في هذا الشأن – سواء أكانت مخطئة أو مصيبة- له مرده الواقعي ويؤدي إلى القول باختـصاصها بـالنزاع التحكيمي في إطار ال ICC وحسب لوائحه. وعلى ذلك يضحي النعي المنصب على انتفاء اختصاص وولاية هيئة التحكيم مصدرة الحكم المذيل بالصيغة التنفيذيـة بغيـر أساس.

11 - وحيث لا تملك أحكام التحكيم قوة تنفيذية ذاتية مباشرة بمجرد صدورها، بمعنى أنّه لا يمكن لحكم التحكيم، ولو كان حكماً وطنياً، أن ينتج آثـاره التنفيذيـة، إلاّ إذا منحتـه السلطات المختصة في الدولة القوة التنفيذية. حسب قانون التحكيم المصري رقـم 27 لسنة 1994 – شأن أغلب النظم القانونية- فإنّه يلزم تدخل السلطة القـضائية بـشكل مباشر لأجل منح حكم المحكين قوة التنفيذ، فلا يصير سنداً تنفيذياً يمكن تنفيذه جبراً إلاّ عن طريق أمر بذلك يصدره رئيس المحكمة المختصة بمسائل التحكيم إذا ما توافرت الشروط المتطلّبة لتذييل الحكم بصيغة التنفيذ، ويصدر هذا الأمر في شكل عمل ولائي (أمر على عريضة دون مواجهة) وليس في شكل الحكم (المواد 9 ،56 ،58)

- غير أن منح القوة التنفيذية حكم التحكيم في بلد ما – أياً كانت صـورته أو وسـائله - لا يعطيه صفة تنفيذية دولية متخطي الحدود، وذلك لاعتبـارات تاريخيـة وسـيادية وبسبب أن عمال السلطات العامة القائمة على مباشرة التنفيذ الجبري فـي الدولـة لا يتلقون أوامر من سلطات دولة أخرى. فالقوة التنفيذية لحكم التحكيم لا تعنـي سـوى الدولة التي اعتبرته سنداً تنفيذياً طبقاً لقانونها (قانون بلد التنفيذ). فمع التسليم بجـواز الاعتراف بحكم التحكيم الوطني والتمسك بآثاره كاملة خارج حدود دولته، فإن منحـه صيغة التنفيذ في بلد إصداره - دولة منشأ الحكم، تلك التي صدر الحكم في إطارهـا القانوني- لا ينهض بذاته مسوغاً للتنفيذ به في بلد آخر، بل يشترط تـدخّل الـسلطة الوطنية المختصة في هذا البلد حتى ينتج الحكم الأجنبي أثاره فـي إقليمهـا وبتنفيـذه جبراً.

 13 - فإذا ما أراد المحكوم لصالحه "تحكيمياً" الاعتراف بالحكم والتمسك بآثاره خارج حدود دولته وتنفيذه جبراً، أو الأمرين معاً، فعليه أن يتحصل من سلطات دولة التنفيذ علـى القوة التنفيذية لحكمه. في كل الأحوال فحكم التحكيم لا يجوز الاعتراف به وتنفيذه في بلد أجنبي، إلاّ إذا قبلته السلطات المختصة في هذا البلد ومنحته قوة التنفيذ. والقاضي الوطني (السلطة المختصة عادة) لا يعترف بحكم التحكيم الأجنبي ولا يـشمله بـالقوة التنفيذية، إلاّ بعد التحقّق من توافر الشروط التي وضعها مشرعه الوطني، وهي غالباً شروط شكلية ومراقبة خارجية مقبولة في المجال القضائي الـدولي لا تتطـرق إلى مراجعة موضوع الحكم من حيث الوقائع أو من ناحية صحة تطبيق القـانون، ودون النظر في عدالته.

14 - في نطاق منح حكم التحكيم الأجنبي ا لقوة التنفيذية في مصر، فحسب القواعد العامة في قانون المرافعات القضائية المصري الحاضر رقم13 لسنة 1968(المادة 296 ومـا بعدها) فعلى صاحب المصلحة أن يحصل من القضاء المصري على أمر بتنفيذ هـذا الحكم، ويكون ذلك عن طريق طلب الأمر بالتنفيذ يقد م إلى المحكمة الابتدائيـة التـي يراد التنفيذ في دائرتها بالأوضاع المعتادة لرفع الدعوى، وتقتصر سلطة المحكمة على أحد أمرين: أن تأمر بتنفيذ الحكم الأجنبي أو لا تأمر به، فهي لا تبحـث فـي هـذه الدعوى التنفيذية سوى التحقق من استيفاء الحكم للشروط الواجبة في القانون المصري  للأمر بالتنفيذ أو عدم تحقّقها. ومفاد المادة 301 من القانون نفـسه فإنّـه إذا وجـدت معاهدات بين مصر وغيرها من الدول بشأن تنفيذ الأوامر والأحكام الأجنبية – قضائية أو تحكيمية- فإنّه يتعين إعمال أحكام هذه المعاهدات.

15 - على ضوء ما تقدم، ففي نطاق النظام القانوني المـصري، فـإن قـانون المرافعـات القضائية (الداخلي) احتوى نصوصاً خاصة بشروط وإجراءات تنفيذ أحكـام التحكـيم الأجنبية، ثم صدر قانون التحكيم (الداخلي أيضاً) مشتملاً هو الآخر علـى نـصوص مغايرة لها في خصوص تنفيذ أحكام المحكمين، نصوصاً أكثر يسراً فـي شـروطها وإجراءاتها من تلك الواردة في نصوص قانون المرافعات. ومن قبل كانت مصر قـد انضمت إلى اتفاقية نيويورك لسنة 1958 بشأن الاعتراف بأحكام التحكـيم الأجنبيـة وتنفيذها، وصارت الاتفاقية منذ عام 1959 بالتصديق عليها تشريعاً نافذاً في مـصر وجزءاً من نظامها وكيانها القانوني، بحيث يخضع أمر تنفيذ أحكام التحكيم الأجنبية في مصر في الأساس للقواعد الموحدة الواردة في الاتفاقية بوصفها قانوناً خاصاً له نطاق تطبيقه الخاص به.

16 - في خصوص اتفاقية نيويورك هذه التيتبنّتها وأنتجتها منظمة الأمم المتحدة وترديـداً للقاعدة السائدة والقديمة في قواعد الاختصاص القضائي الدولي التي تفرق بين قواعد الموضوع وقواعد المرافعات، بحيث تخضع مسائل الإجراءات-ولو كـان التـداعي متضمناً عنصراً أجنبياً- للقواعد الإجرائية المقررة في قانون إقليم دولة القاضي وحده. فقد سمحت الاتفاقية لكل دولة من الدول المتعاقدة أن تعترف بحجيـة حكـم التحكـيم الأجنبي وتأمر بتنفيذه في إقليمها طبقاً لقواعد المرافعات الوطنية (الداخلية) المتبعـة. واقع الحال، فالاتفاقية لم تضع أشكالاً أو أوضاعاً إجرائية محددة من أجل الاعتـراف بأحكام التحكيم الأجنبية وتنفيذها، بل اكتفت بتقرير قاعدة إسناد إجرائية دولية وموحدة ومنضبطة، هي إن الإجراءات اللازمة لذلك (الاعتراف والتنفيذ) تخضع في الأسـاس لقواعد القانون الإجرائي لقاضي بلد التنفيذ (السلطة المختصة في الدولة الطرف فـي الاتفاقية).

17 - وعلى ذلك، وعند إعمال قاعدة الإسناد المتقدمة، يتعين على القاضي المصري المخول بإعطاء الصيغة التنفيذية لحكم تحكيم أجنبي الرجوع مباشرة إلى قانون التحكيم بوصفه قانون المرافعات التحكيمية، أي بحسبانه قانون القاضي الإجرائي المتبع فـي الـشأن التحكيمي، وذلك دون المرور على نصوص قانون المرافعات القضائي المتعلقة بتنفيذ أحكام التحكيم الأجنبية. فوجود قانون للتحكيم وإجراءاته يعني بوضوح أنّه يعد قانونـاً إجرائياً خاصاً بمسائل التحكيم على اختلافها، وإليه مرجعها، قانون يستقل بخصائصه وذاتيته التحكيمية، وثيق الصلة بالبيئة التجارية الحرة التي يتحرك ويعمل فيها ومـن أجلها التحكيم، قانون يتجانس ويستجيب في طبيعته وأهدافه للمزاج التحكيمي ومفاهيمه العالمية، وضعت قواعده خصيصاً لأجل تنظيم الشأن التحكيمي في عمومـه بمـا لا يعطِّل جوهره.

18 - قانون التحكيم رقم 27 لسنة 1994 هو قانون المرافعات الوطني المتبع بالنسبة لمسائل التحكيم "قانون الإجراءات التحكيمية" بحسبانه متضمناً القواعد الإجرائية الخاصة بنظام التحكيم، بداية من الاتفاق عليه حتى مقتضيات الاعتراف بحجية حكمه، والأمر بتنفيذه جبراً. وقد سن القانون المعني بشؤون التحكيم نظاماً إجرائياً خاصاً لحصول المحكوم له في حكم التحكيم على الحق في تنفيذه، هو نظام الأمر على عريضة. بالنظر إلى مضمون هذا النظام وطبيعته التحكيمية الخالصة وكونه استثناء - ولو علـى سـبيل المجاز- من أصل خضوع مسائل التحكيم الإجرائية لقانون المرافعات العام، فإن طلب الاعتراف بأحكام التحكيم الأجنبية وتنفيذها يكون بالإجراءات ذات الطبيعـة الولائيـة المتبعة في شأن تنفيذ أحكام التحكيم الوطنية. أي عن طريق نظام طلب الأمـر علـى عريضة. في كل الأحوال يعد هذا النظام الإجرائي الولائي أيسر وأسرع وأقل كُلفة من نظام رفع دعوى طلب الأمر بالتنفيذ التي يتكلم عنها قانون المرافعات القضائية الـذي هو القانون العام في الإجراءات على اختلاف فروعها.

19 - وحيث إنه بخلاف قاعدة الإسناد الموحدة الخاصة بخـضوع الإجـراءات لقـانون بلـد التنفيذ، فقد حرصت اتفاقية نيويورك على تقرير قاعدة آمرة ألزمت بها الدول المنضمة إليها. تتطلب هذه القاعدة من دولة التنفيذ الالتـزام ألا تفـرض - فـي تـشريعاتها الداخلية- للاعتراف بأحكام التحكيم الأجنبية أو تنفيذها شروطاً أو رسوماً أكثر تـشدداً "بصورة ملحوظة " من تلك التي تُفرض للاعتراف وتنفيذ أحكـام المحكمـين الوطنيـة، عبارات الجزء الأخير من المادة "3 "من الاتفاقية واضحة وتؤدي مباشـرة إلى هـذا المعنى. هذا الشق من الاتفاقية يلقي على عاتق الدولة المتعاقدة "بصريح العبارة " التزاماً يقتضيها أن توفِّر لصاحب الشأن – وطنياً كان أم أجنبياً- نفاذاً ميسراً لأحكـام التحكـيم الأجنبية، بحيث لا يكون النظام الإجرائي الداخلي المتبع في ذلك الشأن أكثر شـدة مـن نظيره المتبع بالنسبة لتنفيذ أحكام التحكيم الوطنية، بل يجب أن يكـون لحكـم التحكـيم الأجنبي القدر نفسه من الاحترام. هذه المقارنة الإجرائية، حـسب مقتـضى الاتفاقيـة، تحصل في نطاق القانون الداخلي عموماً، كمرحلة أولى، فقـط فـي حالـة اخـتلاف وازدواج القواعد الإجرائية المقررة في البلد الواحد بشأن تنفيذ حكم التحكـيم الـوطني ونظيره الأجنبي، هنا يلزم تطبيق القواعد الإجرائية الأيسر على الحكم الأجنبي.

20 - ومن جهة ثانية، فإن إعمال مضمون فكرة الحظر السابق الخاص بالشروط الأيسر أو الأشد، يولد قيداً آ خر على الدولة، فينطبق أيضاً بالنسبة للشروط الواردة في الاتفاقيـة مقابل مثيلتها التي يتطلبها القانون الإجرائي الوطني المتبع في دولة التنفيـذ (الأيـسر داخل النظام القانوني الوطني ذاته). فقد حظّرت الاتفاقية على دولها، في مستهل المادة الثالثة منها، إخضاع تنفيذ أحكام التحكيم الأجنبية لشروط قانونية أكثر شدة من مثيلتها الواردة في الاتفاقية. مؤدى هذا الحظر (الآخر) وترتيباً عليه، إنّه في حال ما إذا كانت مصر هي الدولة المطلوب منها الاعتراف بحكم تحكيم غير وطني وتنفيذه في إقليمها، فإن نطاق الاتفاقية في الشأن المتقدم" إعمال مضمون قاعدة القانون الأيسر" يتحدد فقط في المقارنة بين نصوص الاتفاقية وبين النصوص الخاصة التي تضبط تنفيـذ أحكـام التحكيم الواردة في قانون التحكيم. فكل من دول المعاهدة (اتفاقية نيويورك) مقيدة بألاّ تجاوز القواعد الإجرائية الداخلية المعمول بها، الحـدود المبينـة فـي المعاهـدة أو الضمانات الملزمة التي رتّبتها.

21 - ما تراه المحكمة، أن قانون التحكيم بوجه عام لم يجاوز تلك الحدود والضمانات ولـم يستبعدها، وإنما التزم بها وتبنّاها ووضعها أساساً لنصوصه، بحيـث تُعامـل أحكـام التحكيم الأجنبية في خصوص الاعتراف بها وتنفيذها المعاملة ذاتها التي تلقاها أحكام التحكيم الوطنية في الشأن نفسه. ومع ذلك فإنّه يتعين على القاضي المطلوب منه الأمر بالتنفيذ الرجوع إلى نصوص ذلك القانون في شأن المسائل التي سكتت المعاهدة عـن تنظيمها بأحكام موحدة مباشرة. لم تضع معاهدة نيويـورك "ذات المـصدر الـدولي" تنظيماً كاملاً لكل مسائل التحكيم الدولي، فمع أنها تعرضت لمسائل تحكيمية مختلفـة، كاتفاق التحكيم وبطلان أحكام المحكمين والوثائق التي يجب على مقدم طلـب التنفيـذ إرفاقها مع طلبه، ولكنها لا تعالج هذه المسائل، إلاّ بالقدر المرتبط بتنفيذ أحكام التحكيم الأجنبية والاعتراف بها وتخفيف المتطلبات اللازمة لذلك، فالالتزام بكفالة تيسير هـذا التنفيذ على الصعيد الدولي هو جوهر وأساس الاتفاقية.

 22 -اعتبرت الاتفاقية أن حكم التحكيم سند ثابت يجب احترامه والاعتداد بآثاره فـي كـل دولة متعاقدة، وافترضت لصحته توافر الشروط ال شكلية التي اعتمدتها، وتضمنت في المادة الخامسة منها الأسباب المحددة التي يجوز بمقتضاها رفض طلب تنفيذ الحكـم الأجنبي، وهي على نوعين: أسباب لا يجوز فيها رفض التنفيذ إلاّ بناء علـى طلـب الخصم (المدعى عليه في التنفيذ) وأسباب يجوز فيها رفض التنفيذ من الجهة المختصة بنظر طلب التنفيذ من تلقاء نفسها ولو لم يطلب منها أحد الخصوم ذلك.

23 - وأسباب أو حالات الرفض التي يقتضي الأمر في شأنها تقديم طلب من صاحب الشأن مذكورة في الفقرة الأولى (من المادة الخامسة) وهي "وبالإشارة": نقص أهليـة أحـد أطراف التحكيم، الإخلال بحقوق المدعى عليه في الدفاع، بطلان اتفاق التحكـيم، أو الفصل في مسألة لم يذكرها هذا الاتفاق(تجاوز حدوده)، أو بسبب أن تـشكيل هيئـة التحكيم أو إجراءات التحكيم كان مخالفاً لما اتفق عليه الأطراف أو لقانون بلد التحكيم (دولة المنشأ التي صدر فيها الحكم)، أو أن حكم التحكيم لم يصبح ملزماً (انتهائي) في ذلك البلد. وجعلت الاتفاقية من هذه الشروط أسباباً أو دفوعاً للاعتراض على التنفيـذ من جانب المطلوب التنفيذ ضده، ووضعت على عاتقه (ذلك الخصم طالـب رفـض التنفيذ) عبء إثبات توافر أياً منها.

24 - أما الحالات (الأسباب) التي يحق فيها رفض طلب التنفيذ من السلطة المختصة في بلد التنفيذ دون طلب من الخصوم، فقد ذكرتها الفقرة الثانية من المادة الخامـسة، وهـي حالتان: إذا كان موضوع النزاع مما لا يجوز التحكيم فيه طبقاً لقانون بلد التنفيـذ، أو إذا كان الحكم يتعارض والنظام العام في ذلك البلد، هنـا يجـوز للقاضـي الـوطني المختص باستقبال حكم التحكيم الأجنبي لمنحه قوة التنفيذ، أن يرفض التنفيذ من تلقـاء نفسه، (الفقيه المصري محسن شفيق).

 25 - وحيث إنه متى كان ذلك، وكانت المحكمة قد سبق لها أن انتهت إلى أن إعمال القاضي المصري لقاعدة الإسناد الإجرائية الموحدة التي قررتها اتفاقية نيويورك، تقتضي منه الرجوع مباشرة إلى النظام الإجرائي الولائي الوارد في قانون التح كيم بحسبانه القانون الإجرائي الداخلي المتبع في الشأن التحكيمي، ومن ثم تصير إجراءاته دون غيرها هي الواجبة التطبيق على مسألة الاعتراف بأحكام التحكيم الأجنبية وتنفيذها. ففضلاً عـن ذلك فإن البين أن شروط قانون التحكيم في هذا الخصوص لا تختلف في مـضمونها وحدودها ونطاق تطبيقها عن مثيلتها الدولية الموحدة التي تسعى اتفاقية نيويورك إلى إدراكها، ذلك أن القانون اعتنق والتزم صراحة المفاهيم الواردة في نصوص الاتفاقية ولم يخالفها أو يتشدد فيها أو يجاوز الحدود التي تقر رها، وذلك بحسبان أن الاتفاقيـة كانت من أهم المصادر المعتبرة عند وضع قانون التحكيم المصري.

 26 - لذا، فإن نصوص قانون التحكيم في مجملها تتآلف وتتضافر فـي معانيهـا وأحكـام الاتفاقية ونصوصها –المقابلة- والحدود الميسرة التي رسمتها، فلا ينطـوي القـانون على شروط أكثر شدة من تلك التي فرضتها الاتفاقية في جوانبهـا المرتبطـة بتنفيـذ أحكام التحكيم الأجنبية والاعتراف بها، وبالتالي تطبق قواعده الإجرائية بالضرورة في هذا الخصوص، فلا مغايرة ظاهرة بين هذه القواعـد القانونيـة الإجرائيـة وأحكـام الاتفاقية، فمع أن لكل منهما كيان قائم بذاته فقد اتحدا في النطاق والتطبيق.

27 -تطبيق نصوص قانون المرافعات القضائية، التي تضبط تنفيذ أحكـام التحكـيم غيـر الوطنية، يتصادم مع الاتفاقية ويناهض أهدافها ويهدر أحكامها ويجردها من متطلباتها ويعطِّل المصالح الدولية المرتبطة بها، وينال في الوقت ذاته مـن حقـوق أطـراف التحكيم والأمان القانوني الذي ينشدونه من لجوئهم إليه، فكل دولة متعاقدة ملزمـة – اتفاقاً- بكفالة وحماية الحدود المنطقية لتوقعاتهم القانونية المشروعة، فمـن حقهـم أن يعرفوا مقدماً أي قواعد قانونية سوف تطبق بشأن تنفيـذ أحكـام التحكـيم الـصادرة لمصلحتهم في دول الاتفاقية، حتى لا يضطروا لمواجهة نتائج عملية لم يكن قد قدروا عواقبها حق قدرها حين لجأوا إلى طريق التحكيم.

28 - من القواعد المستقرة أن المعاهدة –كل معاهدة- بعد الموافقة والتصديق عليهـا، أيـاً كانت الوسيلة المتبعة في ذلك، تصبح قانوناً من قوانين الدولة (الطرف) ملزمة لكافـة السلطات فيها، وبالتالي يجري عليها ما يجري على النصوص التـشريعية الوطنيـة، ونتيجة لذلك فإذا خالف حكم قضائي نصاً من نصوص المعاهدة أو أخطأ في تطبيقه أو تأويله، فإن ذلك مما يجيز الطعن فيه أمام المحكمة الأعلى درجة أو محكمة الطعن أياً كانت. ومن المعلوم كذلك أن الدولة، وإن كانت تملك بإرادتها المنفردة إلغاء أو تعديل أي من نصوص تشريعاتها الداخلية، إلاّ أن الأمر يكون مختلفـاً بالنـسبة لنـصوص المعاهدات المعتبرة طرفاً فيها. فالمعاهدة وإن كان يصدر بها قانون داخلـي إلاّ أنّهـا -على خلاف القانون الداخلي- ليست مجرد تعبير عن الإرادة المنفردة للدولة، بل هي تعبير عن الإرادة المشتركة للدول المتعاقدة، ومن ثم فإن تفسيرها وتطبيقها لا يـصح إلاّ على ضوء وظيفتها الدولية وفلسفتها، وبالنظر إلى النية المشتركة للدول الأعضاء -على أساس من المعرفة والثقة والمقاييس العالمية المعاصرة- ومـن أجـل تـأمين المصالح التي ترمي الاتفاقية إلى حمايتها. لا تملك الدولة أن تتخذ من تفسير المعاهدة ذريعة تؤدي إلى تحريف قواعدها والالتواء بها عن سياقها بما يتمخض عن مخالفتها، بل على سلطات الدولة أن تستلهم مقاصد المعاهدة وتكفل إنفاذ موجباتها.

 29 - نصوص المعاهدات الشارعة ليست مجرد عبارات صامتة معطلـة ولا يتـصور أن تصاغ في فراغ لارتباطها بغايات مقصودة منها أي بفوائد عملية، لذلك يتعـين علـى الدولة الطرف في معاهدة نيويورك ألاّ تفرض من العراقيل أو العوائق أو الأوضـاع الإجرائية ما يحول بين المعاهدة وبين بلوغ فوائدها المرجـوة أي بحـسبانها إطـاراً قانونياً شاملاً وملزماً وأداة قوية لتقدم التحكيم الدولي وتجانس قواعده ب صرف النظـر عن تنوع أمزجة المشرع والقضاء الوطنيين في مختلف الدول المتعاقدة. فـي مجـال الاعتراف بأحكام التحكيم الأجنبية وتنفيذها، ترتِّب معاهدة نيويورك التزاماً على عاتق دولها، في تشريعها وقضائها، ومن خـلال نظمهـا وإجراءاتهـا وبنيانهـا القـانوني التحكيمي، بالعمل من أجل ضمان الحقوق التي كفلتها أحكام المعاهـدة والتقيـد بهـا والالتزام بحدودها وبالأسس التي تقوم عليها وعدم إعاقتها.

 30 - وحيث لما تقدم، وكان الثابت أن حكم التحكيم الأجنبي المتظلِّم من الأمر الصادر فـي تنفيذه ليس فيه ما يخالف النظام العام، وأن المنازعة التي صدر فيها الحكم التحكيمـي جائز تسويته عن طريق التحكيم وفقاً للقانون المصري، وأن المتظلِّم ضـدهما أعلنـا الحكم للشركة المتظلِّمة إعلاناً صحيحاً في مقرها القانوني بالقاهرة، وشفعا طلب التنفيذ بالمرفقات المتطلبة في المادة 56 من قانون التحكيم، وأن الأمر المتظلِّم منـه صـادر عن صاحب الاختصاص في إصداره (رئيس محكمة المـادة 9 تحكـيم) وبـالإجراء الولائي اللازم لذلك وتوافرت فيه المتطلبات والمقتضيات القانونية التي تسمح بتنفيـذ أحكام التحكيم الأجنبية في مصر، وقد عجزت الشركة المتظلِّمة عن إقامة الدليل على أن هناك سبباً يمنع من إكساء الحكم بصيغة التنفيذ وتفعيل قوته الملزمة.

 وترتيباً على ذلك كله، فإن التظلّم الماثل في جميع أوجهه لا يكون قائماً على أساس مـن صـحيح القانون، ويتعين القضاء برفضه وتأييد أمر التنفيذ المتظلِّم منه، مع إلـزام المتظلِّمـة بالمصروفات القضائية.

 فلهـذه الأسبـاب حكمت المحكمة برفض دعوى التظلّم وتأييد أمر التنفيذ المـتظلِّم منـه، الـصادر بتـاريخ 10/9/2014 وبإلزام الشركة المتظلِّمة المصاريف القضائية ومائة جنيه مقابل أتعاب المحاماة.

القاضي إسماعيل إبراهيم الزيادي، القاضي السيد الحضري

القاضي حسين مسلم كاتب الجلسة رمضان حسن