إن دور القاضي يقتصر هنا على مساعدة الطرفين في تحقيق إرادتهما المشتركة، وفـي تجـاوز الصعوبات المثارة من أحدهما في حال لم تكن هذه الصعوبات نابعة من سبب مشروع أولا تـلم عـن بطلان البند التحكيمي أو عن نقص فيه أو عن اشكال جدي يلقي الشك حول إرادة الطرفين الحقيقية. إن هذا الأمر مبرر بحق كل طرف في نزاع معين باللجوء إلى القاضي (قاض أو محكـم) لحل هذا النزاع، وهو يتعلق بالمبادئ القانونية العامة التي كرست حق التقاضي الذي هو مـن الحقوق الأساسية للأفراد في المجتمع.
(رئيس الغرفة الإبتدائية الأولى في بيروت، قرار رقم 46/13، تاريخ 2015/3/30)
تبين أن السيد شارل وسيم الخوري حرب، وكيلاه المحاميان وسيم حرب وجمال زين، تقدم بتاريخ 2015/2/12 بطلب تعيين محكم مطلق، عارضاً أنه بتاريخ 2011/1/18 وقع إتفاقية مع شركة جبل المتن ش.م.ل. إشترى بموجبها الحق المختلف الكائن في الطبقة الثانية من البنـاء المعروف بـ 15 Building والمحدد على الخريطة المرفقة بالإتفاقيـة.... إلا أن الشركة المذكورة تأخرت عن إنجاز سائر موجباتها ولم تسلمه الشقة، مما ألحق به أضراراً جسيمة، وأنه بعد مراجعات متكررة لها تعذر التوصل إلى حل حبي، كما تعذر الإتفاق على تعيين محكم لبسـت النزاع، وفقا للمادة 18 من الإتفاقية المنوه عنها، وفي الختام طلب بالإستناد إلـى أحكـام البنـد التحكيمي الوارد في المادة 18 المذكورة والمادة 764 وما يليها من قانون أصـول المحاكمـات المدنية، تعيين محكم مطلق لبت النزاع أعلاء وسائر ما يتفرع عنه أو يرتبط به؛ وأنه بتاريخ 2015/2/16 صدر قرار عن رئيس المحكمة قضى بإبلاغ نسخة عن الإستدعاء
إلى المستدعى ضدها، وتكليفها بإبداء ملاحظاتها بشأن ما ورد فيه، كما وإتخاذ موقف من طلـب تعيين المحكم، وذلك خلال مهلة أسبوع من تاريخ تبلغها، على أن يصار في ضـوء ذلـك إلـى إجراء المقتضى القانوني؟ وأنه بتاريخ 2015/3/19 ورد محضر تبليغ المستدعى ضدها إلى الملف، وتبين من خـلال مراجعته أنها تبلغت الاستدعاء أصولا بتاريخ 2015/3/16، فيما أنها لم تقدم أي جـواب لغايـة
تاریخه،
بناء عليه
حيث أن المستدعي يطلب تعيين محكم مطلق بالإستناد إلى البند التحكيمي الوارد في العقـد المبرم بينه وبين المستدعى بوجهها شركة جبل المتن ش.م.ل. بتـاريخ 2011/1/20 والمسمى "إتفاقية بيع حق مختلف؛
وحيث ان البند التحكيمي الوارد في المادة 18 من الإتفاقية المذكورة نص على ما يلي: "مع عدم التعرض للصلاحيات المعطاة لحضرة قاضي الأمور المستعجلة أكان في هذه الإتفاقيـة أم بموجب القوانين المرعية الإجراء، فقد توافق الفريقان صراحة ومسبقا على حل جميع النزاعـات و أو الخلافات كافة التي قد تنشأ بينهما حول تنفيذ أو تفسير أحكام هذه الإتفاقية وبنودها بواسطة التحكيم المطلق، ووفقا لما هو منصوص عليه في قانون أصول المحاكمات فصل المادة 777 وما يليها...، وعليه يعين المحكم المطلق بالإتفاق بين الفريقين، وفي حال عدم الإتفاق على تعيينه خلال 15 يوما من تاريخ دعوة الفريق طالب التحكيم الفريق الآخر إلى تعيين المحكم، يراجع حضرة رئيس الغرفة الإبتدائية في بيروت من قبل الفريق الأكثر عجلة تعيين محكم مطلق
من أهل الكفاءة..... وحيث إن المستدعي يدلي بأنه وجه بتاريخ 2014/10/22 إلى المستدعى بوجههـا بطاقـة مكشوفة مضمونة مع إشعار بالإستلام، أوضح فيها جسامة الأضرار اللاحقة به نتيجة تأخرها عن تنفيذ موجباتها، وخلص إلى طلب تحديد موعد اجتماع بينهما لأجل الإتفاق على تعيين محكم، وإلا فإنه سوف يضطر إلى التقدم بطلب أمام رئيس هذه المحكمة لتعيين المحكم، وقد تبلغت الكتـاب بتاريخ 2014/11/3 إلا أنه تعذر التوصل إلى الإتفاق على تعيين المحكم؛ وحيث إن سلوك الطرفين المبين آنفا، يدل على عدم إمكانية توافقهما على تعيين المحكـم وفقا لما هو محدد في البند التحكيمي، وبالتالي على قيام عقبة في سبيل تعيين المحكم، وفقا للمادة
764 أصول مدنية؛ وحيث أنه إذا تخلف الطرفان عن الإتفاق على تعيين المحكم، فتقوم عندئذ عقبة فـي شـانه يعود لرئيس الغرفة الإبتدائية تجاوزها بناء على مراجعة أحد هذين الطرفين فيما إذا وجد أنهـا
غير مسندة إلى سبب مشروع؛ وحيث إنه لا يمكن القول في مثل هذه الحالة إن القاضي يحل محل الطرفين أو أحدهما فـي تعيين المحكم خلافا لإرادته، إذ إن دور القاضي يقتصر هنا على مساعدة الطرفين فـي تحقيـق إرادتهما المشتركة، وفي تجاوز الصعوبات المثارة من أحدهما في حال لم تكن هذه الصعوبات نابعة من سبب مشروع أو لا تنم عن بطلان البند التحكيمي أو عن نقص فيه أو عن إشكال جدي يلقي الشك حول إرادة الطرفين الحقيقة، حيث عندها فقط يطبق الفقرة الثانية من المادة 764 أ.م.. الأمر غير المتوافر في القضية الحاضرة.
يراجع بهذا الشأن:
إدوار عيد، موسوعة أصول المحاكمات، جزء (10) رقم 45 صفحة 202 وما يليها,
وكذلك:
- Jean Robert; L'arbitrage, no 87 p. 72 et suiv. وحيث إن النزاعات المتذرع بها هي من قبيل النزاعات الجائز إعمال البند التحكيمي علـى أساسها، طالما أنها تدخل ضمن مفهوم وميدان تطبيق هذا البند؛ وحيث أن هذا الأمر مبرر بحق كل طرف في نزاع معين باللجوء إلى القاضي (قـاض أو محكم) لحل هذا النزاع، وهو يتعلق بالمبادئ القانونية العامة التي كرست حق التقاضي الذي هو من الحقوق الأساسية للأفراد في المجتمع؛
يراجع:
Nasri Diab; le droit fondamental à la justice L.g.d.j. 2005 p. 21 et suiv. وحيث إنه تأسيساً على كل ما تقدم، وإعمالا لمضمون البند التحكيمي، وبالإستناد إلى أحكام المادة 764 أ.م.م، يتعين إجابة طلب المستدعي، ويقتضي بالتالي رد كافة ما أدلى به المستدعى ضده خلافا لهذا الأمر، ومنها إستنخار بت الطلب الحاضرة
لذلك
يقرر: تعيين الرئيس الأول لمحكمة التمييز شرفا القاضي المتقاعد الدكتور غالب غائم محكماً مطلقا، وذلك إعمالا للبند التحكيمي الوارد في المادة 18 من عقد البيع المسمى "إتفاقية بيع حـق مختلف" المبرم بتاريخ 2011/1/18 بين المستدعى بوجههـا شـركة جبـل المـتن ش.م.ل. والمستدعي السيد شارل وسيم الخوري حرب، وإبلاغ ذلك ممن يلزم. قرارا صدر في بيروت بتاريخ 2015/3/30.
لكاتب
الرئيس فادي الياس