المحكم وهيئة التحكيم / موقف الأنظمة القانونية المقارنة من مسئولية المحكم المدنية / الكتب / موسوعة التحكيم (التعليق على قانون التحكيم) / موقف الانظمة القانونية من مسؤلية المحكم المدنية
إن القول بإلزام القاضي بالضمان دون ضوابط لا يقوم معه شأن القضاء ، فالقاضي تكثر أمامه المنازعات ولن يتمكن من إرضاء كل الخصوم والأطراف مهما أوتي من حكمه ومهما حققت أحكامه من عدل ، بل لا يجوز أن يسعى لطلب رضا الخصوم بل يجب أن يجعل تحقيق الحق والعدل نبراسا له.
ولا شك في أن فتح الباب على مصراعيه لمساءلة القاضي عن أخطائه سيدفع الكثير من ضعاف النفوس الذين خسروا دعواهم إلى التذرع بأن سبب خسارتهم لا يتمثل في خلو ساحتهم من الحق بل يكمن في خطأ القاضي في حكمه ، وهو ما سيؤدي إلى آثار سيئة و عواقب وخيمة تتمثل في تكدس القضايا أمام المحاكم ،
أخطر من ذلك تشتيت انتباه القاضي وتركيزه فبدلا من التفرغ للفصل في الخصومات المعروضة عليه سيكون شغله الشاغل الانصراف للزود عن ساحته والرد على الدعاوى والخصومات الميداه في حقه ؛ وهذا ما له عظيم الخطر على مرفق القضاء ووظيفة العدالة على السواء.
الكل هذا يتعين الانتقاء من بين الأحكام التي أوردها فقهاؤنا الأجلاء ما يكفي لوضع نظام عادل وعملي وواقعي لمسئولية القاضي المدنية وذلك برسم الإطار العام لهذه المسئولية والذي يتعين - من وجهة نظر الباحث - أن يتأسس على مبدأين:
المبدا الأول : تقرير مسئولية القاضي وإلزامه بالضمان في كل فرض يثبت " اقتران الخطا بمسلكه وقضائه بما يترتب عليه الإضرار بأحد المتقاضين ، على و ينظر لفكرة الخطأ بمفهوم يتمشى مع خصوصية المسئولية المدنية للقاضي ، أرى أن الخطأ الذي يتعين الوقوف عليه هو الخطأ العمد - بلا ش ك - وكذلك خطا الذي لا يغتفر، وهو أن يقع من القاضي حال الخصومة أو في الحكم خطأ يجب أن يتنزه عنه من اعتلى منصة القضاء ولا يستساغ له الوقوع في مثله.
نظام المسئولية المدنية المتعين تقريره في شأن المحكم:
ما هي القواعد التي يتعين إخضاع المحكم لها في خصوص التزامه بالن حال توليه مهمة التحكيم باختيار الخصوم؟
ان بعد أن أبديت تأييدي للطبيعة الاستقلالية لعمل المحكم حال اختياره . المحتكمين لا من قبل ولي الأمر أعتقد أن القواعد واجبة التطبيق على التزام بالضمان تتوقف على أحد احتمالين : . . الاحتمال الأول : بقاء اتفاق التحكيم صحيحا وقائما بين أطرافه، وهنا يخض المحكم في التزامه بالضمان الحكم القواعد العامة في الفقه الإسلامي الخاصة بضمان العقد، والسابق الإشارة إليها ، ومنعا للتكرار نحيل إلى ما سبق ذكره في هذا الخصوص، ونجمل ما ذكرناه سلفا في التزام المحكم بالتعويض إن هو أثر سلوكا أو امتنع عن عمل بخلاف ما يفرضه عليه عقد التحكيم بما سبب ضررا بأحد المحتكمين ، مع تحمل المضرور بعبء إثبات ذلك.
وعلى ذلك - ولكي تتحقق المسئولية المدنية للمحكم ويلتزم بالضمان - يجب أن يثبت مدعي التزام المحكم بالضمان وقوع هذا الأخير في خطأ عقدي يتمثل في إخلاله بأحد واجباته العقدية ، ثم يثبت ما ناله من ضرر بسبب هذا الخطأ الذي كان من المتعين على المحكم وفقا لمقتضيات التحكيم ألا يأتيه. الاحتمال الثاني : زوال عقد التحكيم بسبب تعيب أحد أركانه أو تخلف أحد شروط صحته، وفي هذا الفرض لا يمكن مساءلة المحكم وإلزامه بالتعويض بالاستناد علی مبادئ الضمان في مجال العقود ، وإنما يتم إخضاع المحكم لمبادئ ضمان العمل غير المشروع، وهو ما يعني عدم التزام المحتكم المضرور بإثبات وجود عقل تحكيم وما تضمنه من التزامات كان من المتعين على المحكم القيام بها، وإنما يتعين عليه أن يثبت أن المحكم قد أتى عملا ما بما ترتب عليه تحقق أضرارا معينة . بهذا المحتكم. .
وقد يظن البعض أن إعمال مبادئ ضمان العمل غير المشروع في خصوص التزام المحكم بالضمان، أيسر في شأن المضرور بسبب أنه غير ملزم - والحال كذلك - بعدم إثبات وجود اتفاق تحكيم ويكفي - كي يحصل على التعويض- أن يثبت إتيان المحكم سلوكا ألحق به ضررا ما وهو ما يعني أن إخضاع المحكم القواعد الضمان الخاصة بالعمل غير المشروع أفضل للمضرور من إخضاعه القواعد الضمان الخاصة بالعقود، إلا أن هذا الظن في غير محله ، ذلك أن نطاق الضمان في فرض إخضاع المحكم لمبادئ الضمان الخاصة بالعقود أوسع بكثير منه في فرض إخضاعه لمبادئ الضمان الخاصة بالعمل غير المشروع ، فخضوع المحكم لمبادئ الضمان الخاصة بالعقد تعني اتساع نطاق هذا الضمان ليشمل كل عمل أو امتناع من المحكم يعد إخلالا ببنود عقد التحكيم وما يفرضه على المحكم من واجبات ، بينما يقتصر ضمان المحكم في فرض إخضاعه لمبادئ الضمان الخاصة بالعمل غير المشروع على الأفعال الإيجابية التي يأتيها المحكم وترتب ضررا بأحد المحتكمين ، فيخرج من نطاقه ما قد ينشأ عن امتناع المحكم عن عمل بما يلحق بعض الأضرار بالمحتكم ، آية ذلك أن الالتزامات التي تقع على كاهل المحكم بمقتضى عقد التحكيم أوسع من الواجبات التي يتحمل بها كل شخص تجاه من لا يرتبط معهم بأية عقود وهو ما يعني أن مجال الضمان في فرض وجود رابطة عقدية أوسع منه في فرض عدم وجود مثل هذه الرابطة.
بعض الأحكام الخاصة بمسئولية المحكم في القانون الوضعي :
من تحديد قواعد المسئولية التي يخضع لها المحكم:
بعد أن انتهينا إلى ترجيح إقرار مسئولية المحكم مدنيا عما يصدر من أخطاء مدنية تسبب أضرارا بأي من أطراف التحكيم يتعين علينا - للفائدة - تحديد النظام القانوني لهذه المسئولية ، كما سيحاول الباحث التعرض إمكانية إخضاع المحكم لنظام مخاصمة القضاة ، وإذا تعذر ذلك فهل من المن وضع نظام مسئولية خاص بالمحكم يختلف عن نظام مخاصمة القضاة وفي نا الوقت يتمايز عن القواعد العامة للمسئولية المدنية؟ أم أن الأمر يقتضي إخضاء المحكم لأحكام المسئولية المدنية وفقا لما تقرره القواعد العامة لهذه المسئوليه .
ب- عدم إخضاع المحكم لنظام مخاصمة القضاة
لا يمكن إخضاع المحكم في خصوص مسئوليته المدنية عن أخطائه أثناء مباشرته لمهامه التحكيمية لقواعد المسئولية المدنية للقضاة وذلك للعديد من الأسباب نذكر من أهمها:
* تقوم فكرة مخاصمة القضاة على محض استثناء يتمثل في إقرار هذه الفكرة ، وبيان ضوابط إعمالها ، وحالات تطبيقها ، وذلك كله بالصورة التي لا يمكن معها ترك الأمر لمحض الاجتهادات الفقهية أو التطلعات النظرية ، بل إن أساس ذلك يتمثل في النصوص التشريعية الواضحة والمباشرة والكافية لوضع الإطار القانوني المتكامل لهذه الفكرة ، ومع عدم وجود مثل هذا التنظيم التشريعي فلا يمكن مد فكرة مخاصمة القضاة كي يتم تطبيقها في شأن المحكم.
* اختلاف الطبيعة القانونية لعمل المحكم عن طبيعة عمل القاضي ، وقد سبق للباحث نبذ فكرة الطبيعة القضائية للتحكيم ، واختلاف الطبيعة يعني عدم التماثل في المركز القانوني ، وهو ما يقطع بدوره بضرورة اختلاف المعاملة القانونية في نظام المسئولية المدنية للمحكم عما هو مقرر في خصوص القاضي و اختلاف فلسفة التحكيم كلية عن فلسفة القضاء وإن اتفقا - جزئيا - في كون كل منهما الية تعمل لفض المنازعات ، وهذا الاختلاف يتمثل في العديد من الأوجه لعل من أهمهما دور الإرادة في كلا النظامين ، فالقضاء يعد من المرافق العامة في الدولة وهو منظم بصورة ثابتة وله قواعده المحددة والتي لا تتوقف على اتفاق التحكيم.