المحكم وهيئة التحكيم / موقف الأنظمة القانونية والقضائية المقارنة من مسئولية المحكم المدنية / الكتب / نطاق الرقابة القضائية على التحكيم فى منازعات العقود الإدارية / دور القضاء في تكملة سلطة المحكم
الأصل المسلم به أن المحكم هو قاضي الخصومة التحكيمية...، وإلزام الغير بتقديم مستند تحت يده منتج في الدعوى التحكيمية، فضلا عما قد يتطلبه الأمر من اللجوء إلى الإنابة القضائية في بعض المسائل التي يتعذر على هيئة التحكيم مباشرتها بمعرفتها.
وقد قنن المشرع المصري في قانون التحكيم رقم ٢٧ لسنة ١٩٩٤ جانبا من هذا الدور المساعد للقضاء في تكملة سلطة المحكم بما يمكنــه مــن حسم النزاع المطروح عليه بإصدار حكم التحكيم... من ذلك ما نصت عليه المادة 37 من القانون المذكور من أنه..." يختص رئيس المحكمة المشار إليها في المادة 9 من هذا القانون بناءً على طلب هيئة التحكيم بما يأتي:
( أ ) الحكم على من يتخلق من الشهود عن الحضور أو يمتنع عن الإجابة بالجزاءات المنصوص عليها في المادتين ،۷۸ ، ۸۰ من قانون الإثبات في المواد المدنية والتجارية.
(ب) الأمر بالإنابة القضائية.
ويتضح بجلاء من النص السابق الدور المساعد للقضاء في تكملة قصور سلطة المحكم، حيث لا يستطيع الأخير إجبار شاهد على الحضور، أو الإجابة على ما يوجه إليه من أسئلة، كما لا يملك المحكم إنابة محكمة أخرى في القيام بإجراء لازم للفصل في خصومة التحكيم... وهنا يبرز الدور المساعد لقضاء الدولة في تكملة قصور سلطة المحكم حيث خولت المادة ٣٧ سالفة الذكر هيئة التحكيم الحق في اللجوء إلى رئيس المحكمة المختصة - المشار إليها في المادة (۹) وهى بالنسبة للتحكيم في منازعات العقود الإدارية المحكمة الإدارية أو محكمة القضاء الإداري بحسب قيمة العقد محل التحكيم – الحكم على من تخلف من الشهود عن الحضور أو يمتنع عن الإجابة علــى الأسئلة بالجزاءات المنصوص عليها في المادتين ،۷۸ ، ۸۰ من قانون الإثبات في المواد المدنية والتجارية (۲) لإجبارهم على الحضور أمام هيئة التحكــيم والإدلاء بشهادتهم.
ويجدر التنويه إلى أن سماع هيئة التحكيم لشهادة شاهد معين تكون بناءً على طلب يقدم إليها من أحد طرفي خصومة التحكيم، وليس من تلقاء نفسها، نظرا لخصوصية نظام التحكيم وعدم التزامه بكافة القواعد الإجرائية المطبقة أمام قضاء الدولة بشأن تسيير إجراءات الخصومة القضائية.. غير أن هيئــة التحكيم تملك سلطة تقديرية بشأن قبول طلب سماع الشهادة أو رفضه حسبما يقتضيه الفصل فى خصومة التحكيم ، إلا أنه يجوز في حالة الاستعجال أن يلجأ صاحب المصلحة من طرفي خصومة التحكيم إلى تلك المحكمة لاتخاذ إجراء تحفظي أو وقتي كما في حالة طلب سماع شاهد يُخشى وفاته أو رحيله وذلك بموجــب دعـــوى أصلية عملاً بالمادة ١٤ من قانون التحكيم.
وطبقاً للفقرة (ب) من المادة ٣٧ من قانون التحكيم فإن هيئة التحكيم لا تملك أن تنيب عنها محكمة أخرى في اتخاذ إجراء لازم للفصل في الخصومة التحكيمية، وإنما تطلب من المحكمة المختصة المشار إليها في المادة (٩) من قانون التحكيم - إصدار الأمر بالإنابة إلى أي محكمة أخرى للقيام بالإجراء المطلوب نيابة عنها . أو الإطلاع على أوراق أو مستندات محرزة () أو سماع شهادة شخص مقيد الحرية أو مقيم بالخارج.
ولا شك أن طلب الإنابة القضائية على هذا النحو يمثل صورة من صور المساعدة التي يقدمها قضاء الدولة للتحكيم تحقيقاً لفاعليته، ودعما له في حسم المنازعات المطروحة عليه.
وإذا بدا على هذا النحو دور القضاء في إكمال ما يعترى سلطة المحكم من قصور بصدد اتخاذ بعض الإجراءات التي يقتضيها الفصل في خصومة التحكيم، وهو ما تبناه المشرع المصري بموجب المادة ٣٧ من قانون التحكيم، إلا أن هذا النص جاء معيباً في صياغته، وقاصراً عن الإحاطة بعديد من الإجراءات التي قد يقتضيها الفصل في خصومة التحكيم ويعجز المحكم عن القيام بها لافتقاده سلطة الإجبار المسلم بها قانوناً للقاضي.. بحيث كان يتعين منحه اللجوء إلى المحكمة المختصة المشار إليها في المادة (٩)، وهى كما أسلفنا مرارا المحكمة الإدارية أو محكمة القضاء الإداري المختصة طبقا لقيمة العقد محل التحكيم - لطلب المساعدة القضائية بصددها.. كمـا هـو الشأن بخصوص ندب هيئة التحكيم لخبير، وتخلف أحد طرفي خصومة التحكيم أو الغير عن الحضور أو تقديم مستندات أو تنفيذ إجراء من إجراءات الخبرة وكذلك حالة تأخير الخبير عن إيداع تقريره والحكم بالغرامات المنصوص عليها في القانون في أمثال تلك الحالات وغيرها.
وكان أحرى بالمشرع المصري أن يضع نصا أكثر إحكاماً بهذا الصدد يخول القضاء صلاحيات أكثر لمساعدة هيئة التحكيم في اتخاذ ما تراه من إجراءات لازمة للفصل في خصومة التحكيم لاسيما وأن الواقع العملي يشهد بأن عديد من تلك الإجراءات لا تنفذ طواعية واختياراً ممن طلبت منهم، وإنما يتم تنفيذها تحت وطأة الجزاء أو الخشية من توقيعه.. وهو مـا فطنـت إليـه بعض تشريعات التحكيم العربية كقانون التحكيم الأردني رقم ٣١ لسنة ٢٠٠١ في المادة الثامنة منه.