يعتبر الضرر الركن الثاني من أركان المسئولية المدنية للمحكم الركن الجوهري فيها، ولا يتصور ترتيب المسئولية على المحكم بدونه، بل يجب البدء بإثباته قبل إثبات ركن الخطأ وعلاقة السببية، فإذا لم يترتب عل خطأ المحكم أي ضرر، فلا تجب مساءلته لانعدام المصلحة كشرط لقبول الدعوى المدنية بالتعويض ، وعلى ذلك فخطأ المحكم وحده لا يكفي لقيام مسئوليته المدنية في مواجهة المحتكم أو الغير المضرور، بل يجب إثبات أن الضرر هو نتيجة خطأ المحكم حتى تقبل دعوى التعويض أمام القضاء.
إذ قد توجد حالات لا يؤدي فيها عدم تنفيذ المحكم لالتزامه إلى ضرر يلحق بالمضرور، فلا تتحقق المسئولية المدنية للمحكم.
والضرر هو المساس بحق أو مصلحة مشروعة لشخص ما، مساسا يترتب عليه جعل مركزه أسوأ مما كان عليه قبل ذلك، وسواء أكان ذلك الحق أم تلك المصلحة ذات قيمة مالية أم لم تكن .
وبما أن محل التزام المحكم هو الالتزام بعمل، وهو إصدار الحكم التحكيمي، فإن إخلاله بهذا في حالة عدم تنفيذ أو تنفيذ معيب أو تأخير في التنفيذ، فإنه يكون قد أخل بحق المحتكم في حصوله على حكم تحكيم غير معيب، وفي الوقت المحدد له، فيصبح مركز المحتكم في مركز أسوأ مما كان عليه، ويصاب بضرر مالی و أدر لم يصب بضرر، تنتفی مسئول و بضرر مالي وأدبي أو بأحدهما، وإذا أثبت المحكم أن المحتكم لم يصب بضرر، تنتفي مسئوليته لعدم توافر المصلحة في دعوى التعويض.
ثانيا: أنواع الضرر:
الضرر نوعان مادي، وأدبي، الضرر المادي هو الذي يسبب للشخص المضرور خسارة مالية مشروعة، وهو الأكثر والأغلب وقوعا في نطاق المسئولية المدنية للمحكم، كما لو تأخر المحكم في إصدار حكم التحكيم، مما ترتب عليه ضرر في صورة زيادة نفقات ومصاريف، بالإضافة إلى تفويت فرصة عليه كانت تعتمد على إصدار حكم التحكيم في ميعاد معين، مما ألحق بالمحتكم خسارة مالية.
بينما الضرر الأدبي، هو الذي يصيب الشخص في مصلحة غير مالية، فالضرر في حد ذاته لا يؤدي إلى خسارة مادية، أو مساس بالذمة المالية، ولقد عرفت محكمة النقض المصرية الضرر الأدبي بأنه كل مايؤذي الإنسان في شرفه واعتباره أو يصيب عاطفته ومشاعره، وعلى ذلك إذا أخل المحكم بالتزامه، ولحق المحتكم ضرر أدبي من هذا الإخلال، تقوم مسئولية المحكم، ويصبح ملزما بالتعويض، لأن هناك مصلحة أدبية للمحتكم في إصدار الحكم التحكيمي بدون إخلال المحكم بأي التزام من التزاماته، مثل إفشاء المحكم سرا للمحتكم لا يجوز إفشاؤه، فيصيب المحتكم بضرر أدبي في سمعته، أو امتناع المحكم عمدا بسوء نية عن تنفيذ عقد التحكيم، يجعل التعويض عن الضرر الأدبي الذي أصاب المحتكم أكبر).
ثالثا: شروط الضرر المادي والمعنوي: .
يشترط في الضرر سواء المادي أو المعنوي، كركن للمسئولية المدنية للمحكم عدة شروط هي:
١- الإخلال بمصلحة مالية مشروعة للمضرور، حيث يشترط في المصلحة
حتى يعتبر الإخلال بها ضررا، أن تكون مصلحة شخصية تلحق الشخص المضرور في شخصه أو ماله، أما غير المضرور فلا يستطيع أن يطالب بتعويض عن ضرر أصاب غيره، كما يجب أن تكون المصلحة مشروعة، فإن كانت المصلحة مخالفة للنظام العام أو القانون أو الآداب العامة، فإنها تكون مصلحة غير مشروعة، وتنتفي المسئولية ولا تقبل دعوى التعويض؛ لأن قواعد المسئولية لا يجوز أن تكون ستارة لحماية المصالح المستمدة من مركز غير مشروع، وعلى ذلك يجب لتوافر مسئولية المحكم عن إخلاله بالتزامه، أن يكون الضرر المطالب بالتعويض عنه قد أصاب المضرور نفسه لا غيره.
۲- أن يكون الضرر محققا: حيث تشترط جميع التشريعات لقيام المسئولية
المدنية للمحكم أن يكون هناك خطأ تسبب في وقوع ضرر، ولا يكفي وجود الضرر، بل يجب أن يكون واقعا، أو أن يكون وقوعه محقق الوقوع في المستقبل.
وبناء على ذلك يجب أن نفرق بين كل من الضرر المحقق، والضرر المستقبل، والضرر المحتمل، وتفويت الفرصة، وذلك كما يلي:
الضرر الحال المحقق: هو الضرر الذي وقع فعلا، والأصل أن التعويض يكون عن الضرر الحال، أما إذا لم يقع ضرر أصلا فلا تعويض، وعلى ذلك يلزم لتوافر المسئولية المدنية للمحكم أن يكون الإخلال بالتزامه قد تسبب في ضرر أصاب المحتكم أو الغير المضرور، فإن لم يصبه ضرر فلا تقع المسئولية كما لو تأخر المحكم في إصدار حكم التحكيم، ومع ذلك لم يصب المحتكم أو الغير بضرر من جراء هذا التأخير.
الضرر المستقبل: هو الضرر الذي تحقق سببه، وتراخت آثاره كلها أو بعضها على المستقبل، ويكون التعويض عن الضرر الذي وقع في الحال الضرر الذي سيقع في المستقبل إذا استطاع القاضي أن يقدر الضرر جميعه، وأما إذا استطاع تقدير التعويض الحال فقط دون المستقبل لتوقف مدى الضرر على عامل مجهول لا يعرفه، فيحكم بالتعويض مع حفظ حق المضرور أن يطالب بتكملة التعويض مرة ثانية، إذا ساءت حالته في المستقبل، وعلى ذلك لا تقوم مسئولية المحكم والتزامه بتعويض المضرور عن الضرر الحال فقط، بل يشمل أيضا الضرر المستقبل المحقق الوقوع، وسواء أتم تقدير تعويض الضرر في الحال أم لا.
الضرر المحتمل: هو ضرر لم يقع، ولا يوجد ما يؤكد أنه سيقع؛ لذلك لا يصح لقيام المسئولية المدنية، ولا تقوم به المسئولية إلا بعد أن يتحقق فعلا، ولا يخول المطالبة بالتعويض إلا بعد التحقق، ومع ذلك تقوم مسئولية المحكم عن الضرر المحتمل، ويسأل عن تعويضه رغم عدم تحققه؛ لأنه ملزم بتحقيق نتيجة، إلا إذا أثبت أن المضرور لم يصبه ضرر من جراء هذا الضرر الاحتمالي، كما لو تنحي المحكم عن نظر خصومة التحكيم، رغم أنه لم يصب المحتكم بضرر حال، ولم يتحقق رغم ذلك، فإن المحكم تقوم مسئوليته، ويصبح ملزما بتعويض المحتكم عن هذا الضرر الاحتمالي؛ لأنه ملزم بتحقيق نتيجة، وهي إصدار حكم التحكيم في ميعاده المحدد، ما لم يثبت أن المحتكم لم يصبه ضرر حال، ولا يتوقع وقوع ضرر له في المستقبل.
تفويت الفرصة: بأن كان أمرا محتملا، إلا أن تفويتها أمر محقق؛ ولذلك يتعين التعويض عنها، والتعويض لا يكون عن موضوع الفرصة، وإنما يكون عن تفويت الفرصة ذاتها، ويراعى في التقدير مدى احتمال الكسب الذي ضاع على المضرور من جراء تفويت الفرصة عليه، وعلى دلك فالمحكم تقوم مسئوليته بمجرد تفويت فرصة على المحتكم أو الغير المضرور، والتعويض يكون عن كل الضرر الذي سيلحق المضرور، سواء
أكان محقق الوقوع أم غير محقق؛ لأن المحكم ملزم بتحقيق نتيجة، إلا إذا أثبت أن تفويت الفرصة لم يتحقق عنها أي ضرر متوقع من هذا التفويت.
3- أن يكون الضرر مباشرة: أن يكون الخطأ مسبب الضرر، والذي أصاب المضرور صادرا من المحكم مباشرة، ما لم يكن قد أخل بالتزامه عمدا، أو عن خطأ جسيم، فيكون مسئولا عن الضرر المباشر المتوقع وغير المتوقع، والمقصود بالضرر المباشر، الضرر الذي يمكن توقعه عادة وقت التعاقد، أي وقت إبرام العقد.
4- أن يكون الضرر شخصيا: أي أن يكون الضرر قد أصاب المحتكم أو الغير المضرور هو وليس غيره في ذمته بسبب الخطأ، ومن ثم فلا يجوز لغير الشخص المضرور مطالبة المحكم بالتعويض عما أصابه من ضرر، سواء أكان المضرور شخصأ معنوية أم شخصأ طبيعية.
رابعا: إثبات الضرر:
القواعد العامة في الإثبات تنص على أن: على من يدعي الضرر إقامة الدليل على ما يدعيه، أي أن عبء الإثبات يقع على المدعي المضرور من خطأ صدر عن المدعى عليه، والضرر واقعة مادية يجوز إثباتها بكافة طرق الإثبات، بما فيها البينة والقرائن.
علاقة السببية
لا يكفي لقيام المسئولية المدنية توافر ركني الخطأ والضرر فقط، بل لا بد من توافر ركن علاقة السببية بين الخطأ والضرر؛ ولأن العدالة تقتضي ألا يسأل مرتكب الخطأ إلا عن الضرر الذي أصاب المضرور نتيجة لخطئه فقط دون خطأ غيره، وبذلك تظهر أهمية علاقة السببية في مجال المسئولية المدنية، بحيث يكون الضرر نتيجة مباشرة للخطأ ومرتبطا به بصلة أكيدة وحتمية ارتباط السبب بالمسبب)، وقد أقر العديد من التشريعات ض رورة لوافر ركن السببية، ومن هذه التشريعات التشريع المدني المصري في المواد أرقام ۱۹۳، ۲۲۱، ۲۲۹ مدني كويتي.
ولعلاقة السببية دورا هاما في مجال المسئولية المدنية للمحكم، فهي تحدد الفعل الذي سبب الضرر للمضرور من بين الأفعال المتعددة المحيطة بالضرر، فضلا عن أنها تستخدم لتحديد نطاق مسئولية المحكم.
إذ إن الضرر الواحد قد يؤدي إلى أضرار متلاحقة. فهل يسأل المخط عن هذه الأضرار كلها؟ أم عن الضرر الأول فقط؟
يشترط لترتيب المسئولية على الضرر أن تكون هناك علاقة السببية المباشرة بين الخطأ الذي يقع من المحكم، والضرر الذي أصاب المضرور، المساءلته مدنيا عن هذه الأخطاء التي تقع منه، سواء قبل قبوله المهمة، أو أثناءها، أو عند إصدار حكم التحكيم. فإذا لم تتوافر علاقة السببية بين خطأ المحكم، وضرر المضرور تنتفي مسئولية المحكم لانتفاء السببية)، ولو صدر من المحكم خطأ ولحق المضرور ضرر، فيجب على المدعي البحث عن سبب هذا الضرر.
والتحقق من علاقة السببية قد يكون أمرا شاقا ومتعذرا في كثير من الحالات؛ لأن الخطأ قد يأخذ صورة فعل، وقد يأخذ صورة ترك أو امتناع، وهو ما يجعل آثار الخطأ أمرا صعب التحديد، إذ قد يرجع الضرر في وجوده إلى عوامل متعددة، فيكون من الصعب تحديد الأثر الذي ساهم به كل من هذه العوامل، وترجع صعوبة ومشقة تحديد علاقة السببية بين الخطأ والضرر إلى تعدد الأسباب، حيث يجب البحث عن السبب الحقيقي للضرر؛ لأنه غالبا ما يكون الخطأ أحد عوامل متعددة ساهمت في وقوع الضرر، كما قد يؤدي الخطأ إلى سلسلة من الأضرار تتعاقب واحدة بعد الآخر، وتكمن الصعوبة هنا في تحديد الحد الذي يجب التوقف عنده باعتبار أنه هو الذي ينشأ عن السبب.
وقد استقر القضاء الفرنسي والمصري على تطلب علاقة السببية بين الخطأ والضرر لإمكانية تحقق المسئولية المدنية بصفة عامة، وأخطاء المحكم سواء أكانت معاصرة لقبوله المهمة، أم أثناء القيام بالمهمة، أم لاحقة على إيداع الحكم، فهذه الأخطاء قد يترتب عليها أضرار تصيب المحتكمين أو الغير، تتمثل في ضياع الوقت، وإطالة أمد التقاضي، أو ضياع الدليل، أو إنفاق مصروفات باهظة، أو غير ذلك من الأضرار المادية والأدبية.
ويجب توافر علاقة السببية بين خطأ المحكم والضرر، ويقع على المدعي إثبات توافر علاقة السببية بين خطأ المحكم والضرر الحادث له، وللمضرور إثبات خطأ المحكم الذي أدى إلى بطلان الحكم أو تنحي المحكم عن المهمة بدون عذر مقبول، أو التأخر في إصدار الحكم، أو الامتناع عن رد المستندات، أو إفشاء أسرار التحكيم، أو الإخلال بالحيدة، مما تسبب له في الضرر، مع توافر علاقة السببية بين الخطأ والضرر، وهنا تقوم مسئولية المحكم المدنية عن أخطائه، أما إذا لم يستطع المضرور إثبات علاقة السببية فإن مسئولية المحكم تنتفي.
وعلاقة السببية بين خطأ المحكم والضرر الذي أصاب المضرور قائمة؛ لأن التزام المحكم عقدي، ومن ثم فلا يكلف المضرور بإثباتها، ولكن المحكم هو الذي يكلف بنفي هذه العلاقة إذا ادعى أنها غير موجودة، فعبء الإثبات يقع على المحكم لا على المضرور، ولا يستطيع المحكم نفي علاقة السببية إلا بإثبات أن الضرر الذي أصاب المضرور ليس نتيجة لخطئه، وإنما مصدر هذا الضرر هو سبب أجنبي.