يعرف بأنه الإخلال بواجب قانوني سابق، وعليه يتوقف وجود المسئولية المدنية على مرتكبه، فإذا انتفى الخطأ فلا مسئولية عليه، ولا تعويض.
فالخطأ ركن ضروري وأساسي للمسئولية بنص جميع التقنينات، ويعتبر أصحاب المهن الحرة الذين يعتمدون على خبرتهم وكفايتهم العلمية في كسب أرزاقهم، وفي تعاملهم مع الجمهور غالبا، ويرتبطون معهم بعقود منظمة للعمل المطلوب منهم تأديته، مثل الطبيب، والمهندس، والمحامي.. الخ، ويدخل المحكم ضمن هذه الطائفة، فإذا صدر من أحد هؤلاء خطأ يمكن أن يؤدي إلى أضرار جسيمة، ترتبت عليهم مسئولية تعاقدية نتيجة لهذا الخطأ العقدي.
ومن ثم فإن الخطأ العقدي الذي تقوم على أساسه المسئولية العقدية، يتحقق إذا لم يقم الشخص الذي يلتزم بالعقد بتنفيذ التزامه الناشئ عن هذا العقد، سواء أكان التنفيذ بالامتناع أم كان بتنفيذ غير مطابق للمتفق عليه، أو غير محقق للهدف الذي أنشئ العقد من أجله، وسواء أكان عدم التنفيذقد حدث عمدا، أم عن إهماله ودون حاجة إلى أن يثبت صاحب المصلحة في التنفيذ تحقق العمد أو الإهمال ما لم يثبت الملتزم بالعقد أن عدم قيامه با يرجع إلى أسباب خارجة عن إرادته، ولم تكن له يد فيها.
وعلى ذلك فإن الخطا العقدي للمحكم يتحقق إذا وجد عقد تحكيم صحيح واجب التنفيذ وقائم ويرتب التزامات وحقوقا بين المحكم والأطراف، ولكن لم ينفذ المحكم التزامه، سواء أكان تنفيذ التزام المحكم كلا أم جزئيا أو تأخر في التنفيذ، وسواء كان قيامه بالتنفيذ عمديا أو نتيجة إهماله، ما لم يثبت أن عدم التنفيذ ليس له دخل فيه وخارج عن إرادته كالقوة القاهرة.
أن التزام المحكم لا يقتصر على ما ورد في عقد التحكيم فقط، بل ديل كافة مستلزماته وفقا للقانون والعرف والعدالة، كالتزام المحكم بالسرية.
ثانيا: صور خطأ المحكم
القاعدة العامة المستقرة في الفقه والقضاء أن الخطأ أيا كانت درجته ، عمدا أو غير عمدي، جسيما أو يسيرا، عادنيا أم مهنا، يكفي لتحقق المسئولية المدنية، ولكن في الواقع العملي من الصعب حصر الصور التي تنطوي على مفهوم الخطأ التحكيمي؛ وذلك لتنوع الأخطاء التي تصدر من المحكم، سواء أثناء قبوله لمهمة التحكيم، أو أثناء مهمة التحكيم، أو بعد صدور حکم التحكيم.
١- الخطأ العادي، والخطأ المهني للمحكم: يعتبر الخطأ عادية إذا خالف
المحكم قواعد الحيطة والحذر المفروضة على الكافة، بحيث لا تنطوي المخالفة على إخلال بالأصول الفنية أو القواعد المهنية، أي هو ال الذي يقع بمخالفة الواجب العام من العناية، التي يلتزم بها كل مهن خارج مهنته أو داخلها، مع انعدام علاقته بأصول المهنة، ومن ثم فان خطأ المحكم العادي هو ذلك الخطأ الذي يقع من المحكم دون أن يكون لهذا الخطأ صلة بمهنة التحكيم، فهو خطأ خارج عن حدود المهنة، شأن المحكم فيه شأن غيره من الناس، ويخضع فيها للقواعد العامة للحيطة والحذر، حيث يستوجب على الجميع الالتزام والتقيد بها؛ لذا علی القاضي التحقق من وجود الخطأ وتقدير خطورته، مثال ذلك أن يقوم المحكم بحضور الجلسات وهو في حالة سكر، أو عدم اتزان مما قد يترتب عليه تضارب تصريحاته، أو ضياع مستندات، والقول إن المحكم بحاجة إلى الثقة والطمأنينة في عمله الفني يقابلها مصلحة أهم وهي حماية الأطراف من عدم التبصر والإهمال وغير المبالاة التي تقع من المحكم. .
أما الخطأ المهني: فهو الخطأ المرتكب من الشخص أثناء ممارسة مهنته وينطوي على إخلال بالقواعد العلمية والفنية لتلك المهنة، بمعنى انحراف صاحب المهنة عن السلوك الفني المألوف من مهني من أوسطهم، ويعد
انحرافه هذا خطأ مهنية.
ومن ثم فإن خطأ المحكم المهني، هو الذي ينجم عن عدم قيام المحكم مهاراته الخاصة التي تفرضها عليه مهنته، والإخلال بالقواعد العلمية و الفنية لمهنة التحكيم، ومن الخطأ المهني للمحكم، قبوله مهمة التحكيم بدون أن يكون هناك عقد التي ای عقد للتحكيم مكتوب، أو حضور جلسات التحكيم بدون اكتمال و ذلك من الأخطاء التي تشير إلى جهل المحكم بالأصول الفنية للمهنة)، وقبوله لمهمة التحكيم مع وجود مصالح متعارضة له.
و معيار الخطأ هنا معیار موضوعي، قوامه سلوك محكم آخر من نفس المستوى والدرجة للمحكم المخطئ.
ويترتب على التفرقة بين الخطأ العادي والمهني نتائج هامة تتمثل في أن المهني لا يسأل عن كل خطأ في أعماله المهنية، حتى لا يثنيه الخوف من المسئولية عن مزاولة مهنته التي تتطلب قدرا من الحرية والثقة والطمأنينة في العمل، وفي تهديدهم بمسئولية صارمة تكون ضد المصلحة العامة التي تشمل مصلحة العملاء أنفسهم.
ولقد انتهى الفقه الحديث إلى أن المهني لا يتمتع بأي تمييز عن غيره من الأفراد، ويخضع للقواعد العامة في المسئولية دون أي تمييز عن غيره من الأفراد، وذلك استنادا إلى أن المواد المتعلقة بالمسئولية جاءت ألفاظها عامة بما لا يسمح بإجراء أي تفرقة بين ذوي المهن و غيرهم.
وبناء على ذلك، فإن المحكم يسأل عن كل خطأ يقع منه، بدون تفرقة بين الخطأ الجسيم و اليسير، ولا بين خطأ مادي وخطأ مهني، وذلك هو الأكثر صوابا وعدالة؛ لأن المحكم مثله مثل أي شخص آخر لابد أن يسأل عن الضرر.
٢- الخطأ الجسيم، والخطأ اليسير للمحكم: سبق القول إن التفرقة بين الخطا
المهني والخطأ العادي ارتبطت بها تفرقة أخرى بين الخطأ الجسيم والخطأ اليسير، حيث ربط بعض الفقه والقضاء قدرا من الجسامة، لتقوم مسئولية المهني عن خطئه المهني وكقاعدة يكفي الخطأ أيا كان جسيمة أو يسيرا لإقامة المسئولية المدنية.
والخطأ الجسيم: هو ذلك الخطأ الذي لا يرتكبه الشخص المهمل، ولا يصدر من أقل الناس تبصرا وحذرة، وهو يفترض أن المدين كان يتوقع عند إهماله أو امتناعه عن تنفيذ التزامه حدوث الضرر ولكنه لا يكترث بذلك. وعلى ذلك فإن المحكم يسأل مدنيا عن الخطأ الجسيم الذي يصدر منه ما دام صدر منه عن إهمال وعدم تبصر لو قيس بأقل المحكمين خبرة ومهارة، وذلك إذا وقع منه أثناء تنفيذ التزامه بالعقد .
مثال ذلك: تلقي المحكم رشوة من أحد المحتكمين، أو قيامه بإتلاف مستند قدم له، فهذه أخطاء جسيمة لا تقع من أقل محكم، بينما الخطأ اليسير وهو الذي لا يرتكبه شخص متوسط الحرص وفقا لنص المادة رقم ۲۱۱ من القانون المدني المصري.
ومثال الخطأ السلبي للمحكم: امتناع المحكم عن حضور جلسة التحكيم، تقع على الحكم، كان يمتنع المحكم عن القيام بعمل توجبه عليه القوانين وائح الخاصة بالتحكيم، ولا نزاع في أن الامتناع في هذه الصورة يعتبر خاطئا موجبا للمسئولية؛ لما يترتب على امتناعه من ضرر، ومن ذلك القواعد القانونية أو المهنية التي توجب على المحكم إصدار الحكم أو حضور الجلسات، أو أن يقع امتناع المحكم بمناسبة عمل يقوم به؛ أي أن امتناعه في حقيقته هو تقصير في اتخاذ الاحتياطات التي يقتضيها القيام بعمله، ومثاله: عدم تحري المحكم الدقة وفحص المستندات المقدمة له، أو أن يكون امتناع المحكم مستقلا عن أي نشاط له متصل بإحداث الضرر، أي أنه فقط ش اهد الواقعة وأحجم عن تقديم المساعدة، ومثال ذلك: امتناع المحكم عن الإدلاء بمعلومات تجنب أحد أطراف التحكيم ضررة يحتمل وقوعه)، أو امتناع المحكم عن إبلاغ السلطات عن جريمة يجب الإبلاغ عنها ظهرت له أثناء منظر خصومة التحكيم.
4- الخطأ العمدي، وخطأ الإهمال للمحكم: من حيث المبدأ تنعقد المسئولية
للمدعى عليه لمجرد ارتكاب الخطأ، لا فارق في ذلك بين خطأ عمدي أو خطا غير عمدي، فيكون الخطأ عمديا في حالة امتناع المدين عمدا عن تعيد ما عليه من التزام أو التزامات ناشئة عن العقد على الوجه المتفق عليه فيه، سواء أكان هذا التعمد بقصد الإضرار بالدائن أو لتحقيق مصلحة شخصية، ومن ثم تنعقد المسئولية المدنية للمحكم إذا امتنع متعمدا بتوافر نية العمد وسوء القصد في الإضرار بالمحتكمين، أي التحقيق مصلحة شخصية له عن عدم تنفيذ ما عليه من التزام بتنفيذ بنود عقد التحكيم، كأن يتعمد المحكم عدم حضور إحدى الجلسات بقصد الإضرار ماديا بالأطراف بتأخير إصدار الحكم لتحقيق مصلحة شخصية للمحكم أو لمن لهم علاقة به، وإثبات الخطأ العمدي صعب؛ لأنه يتصل بالنوايا الخفية، ولذلك لا يكون أمام القاضي سوى الاستناد إلى المظاهر الخارجية للاستدلال على حقيقة نيته ومقصده، وهذه المقاصد لیست سوی قرائن أو وسائل إثبات للتوصل إلى سوء النية.
أما الخطأ غير العمدي، هو عدم تنفيذ المدين للالتزام الناشئ عن العقد، لكن دون تعمد منه، إذ قد لا ينفذ المدين التزامه لا عن عمد ولكن إهمال أو عدم احتياط منه، فهذا الخطأ لم ينتبه إليه المدين، ولم تنصرف إرادته إليه، ولم يقصد إحداث الضرر الناشئ عنه، وعلى ذلك يكون خطأ المحكم غير عمدي إذا لم تتوافر النية في هذا الخطأ، ولم يكن يقصد الإخلال ببنود عقد التحكيم، ولم تتوافر لديه النية لإحداث ضرر للمحتكم، كعدم حضور المحكم إحدى الجلسات، وكان ذلك إهمالا منه وعدم عناية بدون توافر نية تعمد عدم الحضور، ولا يهدف الإضرار بالمحتكمين، ومع ذلك تترتب مسئولية المحكم عن هذا الإهمال.
ثالثا: عناصر خطأ المحكم:
ويتمثل في التعدي بمخالفة التزام فرضه القانون کی معنوي، وهو الإدراك أو التمييز.
فإن جاوز الانحراف ضابط المسلك المعتاد صار تعديا دون النظر للظروف الشخصية الذاتية للفاعل، ولا عبرة بالظروف الداخلية للشخص المعتدي، ولكن لا نرده إلى الظروف الخارجية، وأهمها ظرفا الزمان والمكان؛ لأن تلك الظروف عامة يشكك فيها الشخص العادي الذي يوجد في مثل هذه الظروف، التي قد تقتضي منه المزيد من الحرص والعناية والحيطة والحذر، وعلى ذلك يقاس خطأ المحكم بمعيار المحكم العادي الذي يوجد في نفس ظروف المحكم المخطئ.
رابعا : إثبات ركن خطأ المحكم:
وفقا للقاعدة العامة المنصوص عليها في المادة رقم 1 من قانون الإثبات في المواد المدنية والتجارية المصري، والتي نصت على أنه "علی الدائن إثبات الالتزام، وعلى المدين إثبات التخلص منه". فإن المحتكم المدے بالتعويض هو الذي يلتزم بإقامة الدليل على توافر أركان المسئولية في ح ق المحكم المدعى عليه، وهذا يلزمه إثبات الخطأ بركنية المادي والمعنو والمحكم هو المكلف بإثبات التخلص منه، وذلك على أساس أن المحتكم المدعي أقدر أطراف التحكيم على إثبات خطأ المحكم، وأن الأصل براءة الذمة، وعلى من يدعي البينة إقامة الدليل على ما يدعيه.
ولكن القول بذلك يشكل في غالبية الأحوال عبئا ثقيلا على عاتق المضرور، الأمر الذي يجعل حقوقه عرضة للضياع، لصعوبة إلمام المحتكم العادي بقواعد القانون، فكيف له أن يثبت خطأ المحكم؟
والأصل أن يتم إثبات الخطأ بكافة طرق الإثبات، باعتبار أن الإثبات يرد على واقعة مادية، وعلى ذلك فللمحتكم إثبات خطأ المحكم بكافة طرق الإثبات. وإن كانت الكتابة وسيلة الإثبات الأصلية لإثبات خطا المحكم، استار أن الكتابة شرط لصحة عقد التحكيم، ولكن ذلك لا يمنع المدعي من٫ إثبات خطا المحكم بوسيلة إثبات أخرى، إذا كان خطأ المحكم خارج عقد التحكيم، ومن الصعب إثباته بالكتابة، ولكن من السهل إثباته بوسيلة أخرى شهادة الشهود، أو إقرار المحكم بالخطأ، سواء أكان صريحا أم ضمنيا، كما لو عرض المحكم على المضرور مبلغا لتعويضه عن الضرر الذي الحق به.
وللمحكمة سلطة تقديرية في تحديد وسيلة الإثبات، حسب ما يتراءى لها الإثبات الخطأ، ومن ثم فلها سلطة الأخذ بالقرائن القضائية، والاستعانة بخبير عند الحاجة، وذلك إذا ما أثير من صعوبة إدراك القاضي للنواحي الفنية.
ويترك القاضي الموضوع السلطة التقديرية في الحكم بمدى قيام المحكم بمهمته أم لا طبقا لما هو منسوب له في الدعوى المقامة ضده، وطبقا الطرق الإثبات وتنوعها المقدمة في الدعوى.