مضمون فكرة المسئولية المهنية، هل توجد مسئولية مهنية تختلف عن المسئوليتين العقدية والتقصيرية وتخربی عن التقسيم التقليدي للمسئولية المدنية؟ أثار هذا السؤال خلاف الفقه ، وتأسس هذا الخلاف على مدى وجود اختلاف بين الخطأ المدني - عقدي أو / تقصيري - وبين ما يسمى بالخطا المهني فالبعض يرى أن الخطا المهني يندرج في نطاق المسئولية المدنية ويعبر عن خطا عقدي في بعض الفروض وخطأ تقصيري في فروض أخرى ، وفي جميع الحالات لا يخرج عن كونه خطا مدني.
ذلك - استنادا إلى عدم تمشي مضمون المسئولية المهنية وفق منطق هذا الرأي ما فلسفة التحكيم، وأعرض لأهم الحجج التي أسند بها رأيي فيما يلي: * لا يوجد في خصوص مهنة التحكيم مبادئ وقواعد وأخلاقيات خاصة بها ومی تطبيقها على غرار ما هو موجود في خصوص المهن الأخرى كالمحاماة و ال والهندسة وغيرها ، وقد يكون مرد ذلك عدم وجود نقابة للمحكمين تتولى تنظ قيم وأخلاقيات هذه المهنة ، وقد يكون مرد ذلك قصور التنظيم التشريعي لها وعموما - وبغض النظر عن السبب - لا توجد قيم ومبادئ خاصة بمهنة التحكيم يمكن فصلها وتمييزها والقول بقصر تطبيقها على المحكم ، بل توجد أخلاقيات عامة ومبادئ شاملة لكل صور التعاملات ، كضرورة تنفيذ العقود بحسن نية ، وبذل عناية الرجل المعتاد في أداء المهمة ، والحرص على تحقيق مصالح المحكمين في إطار الحيدة والاستقلال والموضوعية. و لا يمكن بأي حال من الأحوال – التسليم بمنع الاتفاق على التخفيف أو الإعفاء من مسئولية المحكم بين ذوي الشأن ، لأن القول بغير ذلك يصطدم بجوهر التحكيم ودستوره المتمثل في حرية الإرادة ، خاصة إذا ما انتبهنا إلى أن التحكيم ينحصر مجاله فيما يجوز فيه الصلح ، فكيف يتصور أو يستساغ القول بمنع الاتفاق على تحديد المسئولية - تخفيفا أو إعفاء - لمن يتولى الفصل في نزاع ينصب على حق يجوز لصاحبه التنازل عنه كلية؟! ، لا شك في عدم منطقية هذا القول ، فضلا عن افتقاره لأي أساس قانوني يكفي لعمله أو تبريره. * كفاية قواعد المسئولية المدنية - العقدية والتقصيرية - لعلاج كافة حالات تحقق المسئولية المدنية للمحكم ، حتى أن هذه القواعد تشمل كافة الأمثلة والفروض التي عرض لها صاحب فكرة المسئولية المهنية للمحكم والتي يعتقد قصور قواعد المسئولية المدنية عن علاجها.
لكل ما سبق نرفض فكرة المسئولية المهنية للمحكم وفق قواعد تخرج عن نطاق قواعد المسئولية المدنية وفقا للقواعد العامة ، فضلا عن عدم صلاحية قواعد مخاصمة القضاة التطبيق على المسئولية المدنية للمحكم ، وهذا ما يقودنا إلى ذلك أن عقد التحكيم المبرم بين المحكم والمحتكمين - والذي يسند بمقتضاه طرفي النزاع محل التحكيم مهمة الفصل في هذا النزاع للمحكم وفق ضوابط موضوعية وإجرائية معينة – يتولد عنه العديد من الالتزامات والواجبات في حق المحكم بعضها يستمد مباشرة من اتفاق التحكيم ، وبعضها الآخر يستمد من النصوص القانونية المنظمة للتحكيم ، ولكن يظل إعمال مقتضى هذه النصوص القانونية رهن وجود اتفاق تحكيم يقيم علاقة تحكيمية تستدعي تطبيق حكم هذه النصوص ، وهو ما يعني أن المسئولية الواردة في حق المحكم في هذا الشأن إنما هي مسئولية عقدية ، بما يترتب على ذلك من نتائج ، فتخضع في تحديد مدى تحقق الخطأ وكذلك مقدار التعويض ، وتقادم دعوى المسئولية ، إلى غير ذلك من أحكام المسئولية المدنية لقواعد المسئولية العقدية. لا يترتب على ذلك - وعلى سبيل المثال - أن ثبوت الخطأ في حق المحكم يلزمه بالتعويض عن الضرر المباشر المتوقع ، فالأضرار غير المتوقعة لا يلتزم بالتعويض عنها ولو كانت مباشرة ، وهذا يتولد عن إخضاع المحكم في مسئوليته القواعد المسئولية العقدية دون التقصيرية. نداده اند. اما در این
ولكن هذا لا يعني استبعاد تطبيق أحكام المسئولية التقصيرية كلية من مجال مسئولية المحكم ، ذلك أن هذه الأحكام تظل الحاجة إليها قائمة في بعض الفروض وإن كانت بصورة احتياطية واستثنائية ، ومن الحالات التي لا يمكن فيها إعمال قواعد المسئولية العقدية ولا مناص من الاستعانة بأحكام المسئولية التقصيرية حالة ما إذا تقرر بطلان اتفاق التحكيم الذي يعد الأساس القانوني للعلاقة العقدية بين المحكم والمحتكمين ، والذي لا يتصور إعمال أحكام المسئولية العقدية إلا من خلاله، ففي مثل هذا الفرض لا يمكن مساعلة المحكم عما قد يقترفه من أخطاء تلحق ضررا بأحد المحتكمين وتستلزم محاسبته إلا من خلال تطبيق مبادئ المسئولية التقصيرية ، كذلك لا يمكن مساعلة المحكم عن أخطائه في حق أما في خصوص إجراءات رفع الدعوى ومباشرتها فتخضع لقواعد المرافعات سواء في خصوص تحديد الاختصاص النوعي والمحلي ، أو في خصوص إجراءات تقديم المطالبة القضائية ونظام الجلسات ، وتقديم الدفوع والطالبات ، والتدخل والإدخال ، وقفل باب المرافعة ، وإصدار الحكم والطعن فيه وتنفيذه.
ومن الجدير بالذكر إمكانية الفصل في دعوى مسئولية المحكم عن طريق التحكيم ، بأن يتفق مدعي المسئولية مع المحكم المدعى مسئوليته على عرض الأمر على التحكيم للفصل فيه ، وقد يتم هذا الاتفاق قبل نشوء النزاع حول مسئولية المحكم - سواء تم إدراجه في اتفاق التحكيم بين المحكم والمحتكمين او افرد له اتفاق مستقل - في صورة شرط تحكيم ، وقد يتم بعد نشوء النزاع حول المحكم في صورة مشارطة تحكيم، ويتم إعمال النظام القانوني للتحكيم إلى أن يصدر حكما تحكيميا فاصلا في موضوع دعوى المسئولية ويتم تنقيده والمقررة في هذا الصدد.