بالإضافة إلى ذلك، فإن عقد التحكيم لا يمكن أن ينتج أحكاما قضائية، ولكن المشرع هو الذي أقر قضاء التحكيم كما أنشأ المحاكم العادية لإقامة العدل بين الناس، وعلى الرغم من أن وظيفة المحكم مؤقته.
وذهب رأي مؤخرة، نعتقد دقه ما انتهي إليه، إلى وجوب تأصيل مهمة المحكم بعيداً عن اتفاق التحكيم الذي وإن كان سبب سلطة المحكم، إلا أنه لا يعدو كونه عقداً موضوعه التقاضي بطريقة التحكيم كطريق مواز للقضاء ويتميز بنظام خاص يحكمه، وليس من شأن هذه الاتفاق أن يمس بالطبيعة القضائية لمهمة المحكم ولعملية التحكيم ذاتها.
محكمة النقض الفرنسية هجرت نظرية الطبيعة العقدية إلا أنها لم تسلم بالطبيعة القضائية مرة واحدة وإنما تحولت نظرتها لمهمة المحكم من أنه قاض مستعار.
توثيق هذا الكاتب
في تقديرنا أن ما ذهب إليه بعض الفقه من انتقاد الطبيعة القضائية للتحكيم ولمهمة المحكم، لم يقصد به إنكار تلك الطبيعة بقدر ما هو انتقاد للتناول الخاطئ لمهمة التحكيم في بعض الحالات، وإنكار للممارسات والأساليب غير السليمة المتبعة من قبل بعض المحكمين وبصفة خاصة في ظل التحكيم الدولي. وهذه الانتقادات لا تعني إنكار الطبيعة القضائية للتحكيم أو لمهمة المحكم، بل تؤكدها، كما أن وجود تجاوزات من بعض المحكمين أو وجود اعتراضات على بعض ممارسات التحكيم لا يعني إنكار الطبيعة القضائية للتحكيم.
فلا يتصور استبعاد الطبيعة القضائية للتحكيم إلا إذا أنكرنا وجود التحكيم ذاته. فخصومة التحكيم عمل قضائي يحسم مركزاً قانونياً متنازعة بشأنه بتطبيق حكم القانون في إطار إجراءات قضائية تكفل للأطراف الضمانات القانونية. فالتحكيم ليس نشاطاً تلقائياً وإنما نشاط مطلوب كالقضاء ويصدر بناء على إجراءات تكون في مجموعها خصومة قضائية يقوم فيه المحكم بتحقيق ادعاءات الخصوم.
غير أن هذا التقارب بين القضاء والتحكيم يجد حدوده في خصوصية التحكيم الذي يستلزم بحكم طبيعته الخاصة ونشأته الاتفاقية توافر قدر من المرونة.
هذا التدخل من جانب قضاء الدولة في الدعوى التحكيمية ليس مقصوراً على مجرد مساعدة التحكيم على أداء مهمته بإعطائه الصفة الإلزامية لأحكامه.
