لا شك أنه لو علم المحكم قبل تعيينه أنه سيتم ملاحقته قضائياً على خلفية الحكم الذي سيصدره في نزاع تحكيمي يعين للفصل فيه، فإن كثيراً من المحكمين سيحجمون عن قبول مهمة الجلوس كمحكمين خشية هذه الملاحقة التي تقوض إلى حد كبير الأهداف التي جاء قضاء التحكيم لتحقيقها، وحتى إذا ما قبل المرشح المهمة فإن علمه بأنه فد يلاحق قضائياً جراء انخراطه في هذا التحكيم سوف يلقي بظلاله على الطريقة التي سيحسم بها النزاع، من هنا فإن توفير نوع من الحصانة ضد الملاحقة القضائية هو أمر في غاية الأهمية، وتتفاوت التشريعات الوطنية ومواقف الدول في تنظيمه . . . فهناك بعض الدول مثل الولايات المتحدة تبنت قاعدة حصانة المحكم ضد أي خطأ يرتكبه سواء كان هذا الخطأ بسيطاً أو جسيماً.
وهناك دول مثل ألمانيا والنمسا وإنجلترا والنرويج تعطي المحكم حصانة ضد الخطأ ولكنها حصانة ليست مطلقة . . . وهناك دول أخرى مثل فرنسا وإسبانيا والسويد تتشدد في حماية المحكم ولكنها لا تمنع من ملاحقته بدعوى المسئولية.
نجد القانون السوري الوحيد الذي منح المحكم حصانة، وقضى بعقوبة على كل من يعتدي على محكم. حيث تنص المادة (15) من القانون السوري بأن : " كل من يعتدي على محكم أثناء ممارسته مهمة التحكيم أو بسببها يعاقب بالعقوبة التي يعاقب لها فيما لو كان الاعتداء على قاضٍ ".
لقد أحسن المشرع السوري عندما منح المحكم هذه الحصانة من أي ملاحقة سواء أثناء تأديته لمهمة التحكيم أو بسببها ولو كان بعد إصداره لحكم التحكيم. كما أحسن المشروع السوري في النص على تطبيق العقوبة على كل من يعتدي على محكم وهي ذات العقوبة فيما لو كان الاعتداء قد وقع على قاضٍ. ولا شك ان المقصود من هذه الحماية ليس شخص المحكم بل وظيفته التي يؤديها لحسم النزاع.