المحكم وهيئة التحكيم / سلطات المحكم / المجلات العلمية / مجلة التحكيم العالمية - ملحق العدد الثامن / سلطة المحكم في تعديل القواعد القانونية الواجبة التطبيق
اصدرت الجمعية العامة بتاريخ 15 كانون الأول 1976 القرار رقم 98/31 القاضي بإبـداء توصية للدول المكونة للأمم المتحدة بإستعمال قواعد التحكيم للجنة القانون التجاري الدولي فـي تسوية المنازعات الناشئة في اطار العلاقات التجارية الدولية، وذلك بالإشارة إلى العقود التجارية لعقود التحكيم للجنة الأمم المتحدة للقانون التجاري الدولي. (وقد نشرت الوثائق الرسمية للجمعية العامة، بالدورة الحادية والثلاثين، في الملف رقم 17(31/17/A) الفصل الخامس، الفرع جـيم). وبادرت معظم الدول في العالم على اختلاف نظمها السياسية والإقتصادية والإجتماعية الى اعتماد معظم القواعد الواردة في هذا القرار والتي عرفت بأنها قواعد التحكيم الموضوعة من لجنة الأمم المتحدة للقانون التجاري الدولي. وهذه التسمية بالإختصار باللغة الفرنسية:
C.N.U.D.C.I. Commission des Nations Unies pour le Droit Commercial International
وباللغـة الإنكليزيـة U.N.C.I.T.R.A.L.: United Nations Commission for .International Trade Law
انما بالنظر الى الصعوبة في استعمال الأحرف الأولى مما جاء باللغة الفرنسية اختصارا فقد طغت تسمية اليونسترال على ما عداها من تسميات. مع الملاحظة أن جميع النصوص وضـعت بلغات عدة بتاريخ صدورها ومنها اللغات الفرنسية والانكليزية وسواها.
وان قيام بعض الدول بتقنين هذه القواعد وادخالها في قوانينها الوطنيـة جمـدت امكانيـة التطور الذي يواكب كل حركة فكرية دولية تتناول مثل هذه القواعد المتعلقة بالقانون التجـاري الدولي، بحيث أن ما يطرأ من تطورات على صعيد التحكيم الدولي ومن خلال الحلول الـواردة في النزاعات المشار اليها لم يعد ينسجم أحياناً مع النصوص الجامـدة الـواردة فـي القـوانين الوطنية للدول الاعضاء في الامم المتحدة. وكان حرياً بعدم صدور مثل هذه التوصية مـن قبـل لجنة الأمم المتحدة للقانون التجاري الدولي. فمن جهة هناك تحرر في المعاملات وتطـور فـي الاعراف أو في التعامل على الصعيد التجاري الدولي الى جانب نصوص جامدة ملحوظـة فـي القوانين الوطنية لم تعد تتماشى معها، ونرى أن المشترع اللبناني احـسن بالنسبة للإعتمـادات المستندية التي لم يعمد الى تقنينها انسجاماً مع العرف المتطور دوماً والـذي لا يأخـذ بالقواعـد التي كانت سائدة عند صدورها في الأساس، في حين أنه في التعامـل الحـالي عنـدما يطلـب متعامل مع احد المصارف اعتماد قواعد الإعتمادات المستندية، فإنه يشير الى رقم النشرة التـي يرغب بإعتمادها، لأن التجارة في نطاق الاعتمادات المستندية تنطلق من الاعراف التـي ليـست دوماً مستقرة، وذلك بهدف تلبية حاجات التجارة الدولية بشكل عـام. ولأن القواعـد المعروفـة باليونسترال والتي صدرت في العام 1976، تأثرت بالتطورات التي عرفها العالم مؤخراً بنتيجـة ما تكون من حلول في كل النزاعات التي نشأت بظلها بعد ان انقضت بعض الـنظم الاجتماعيـة والسياسية أو الدول التي كانت تنادي بالاشتراكية أو بالشيوعية فقد أصبح التوجه اليـوم الى تأمين متطلبات التجارة الدولية من منظور غربي ورأسمالي محض، لاسيما اميركي بعـد ان سيطرت المراكز التحكيمية الأميركية على التحكـيـم العـالمي وذلـك علـى حـساب التحك الاوروبي. ولم يبق حتى للمراكز التحكيمية العربية الا الدور اليسير جـداً مـن هـذه النهـضة والتطور في اطار التحكيم الدولي. وطالما أن المداخلة تتعلق بالقانون الواجب التطبيـق وبمـدى سلطة المحكم بتعديل القواعد القانونية الواجبة التطبيق، فإننا نـشير الـى أن القـانون الواجـب التطبيق ينبع من ارادة اطراف عقد التحكيم. والعقد التحكيمي يأتي وسيلة لتسوية المنازعـات التي تثار بين اطراف عدة ارتبطوا أو سيرتبطون بعلاقة اقتصادية معينة. وسوف نوضح ماهيـة الحلول المقررة في ظل القواعد التي ظهرت في العام 1976 وتلك التي جاءت في العـام 2006 تعديلاً لها لنتعرف فيما اذا كان ذلك يجيز للمحكم تعديل القواعد القانونية الواجبة التطبيق وعنـد الإيجاب الى أي مدى يجوز له أن يخرج عن اطار تطبيق القواعد القانونية مع المحافظـة علـى وجود الإتفاق ككل؟
أولاً: في القانون الواجب التطبيق:
ان اتفاق التحكيم لا يعدو أن يكون تعبيرا عن ارادتين تتراضيان على اختيار "التحكيم" وسيلة لحل النزاع العالق بين طرفين. ومثل هذا الإتفاق ينبغي ان تتوافر له شروطه الشكلية الى جانـب شروطه الموضوعية لأنه وحده يفيد ماهية القانون الواجب التطبيق.
1- الشروط الشكلية: في ظل القواعد الملحوظة في القرار 98/31 تاريخ 1976/12/15 ومـا تقرر بفيينا في أيلول من العام 2006.
أ- في الكتابة وعلاقتها بالقانون الواجب التطبيق:
يتبين من هذه القواعد لاسيما من المادة الأولى من القرار أن العقد ينبغي ان يكون مكتوبـاً. فالكتابة تعتبر شرط تحكيم واحالة المنازعة المتعلقة بالعقد الى قواعد التحكيم التي وضعتها لجنـة الأمم المتحدة للقانون التجاري الدولي بإتفاق الطرفين يؤمن هذه الغاية أيضاً، مما يعني كذلك أننا امام اتفاق معقود كتابة يحدد القانون الواجب التطبيق، طبقا لما يستفاد من المادة الثانية منها وفي اطار تبادل الإشعارات او الرسائل التي تعتبر بمثابة الكتابة والتي تشير الى التحكـيم، وهـي لا تخرج عن هذا الإطار. الا انه تبين انه قد يطرأ بعض التعديلات على هذه القواعد المقررة اصلاً من قبل لجنة الأمم المتحدة للقانون التجاري الدولي، فهل تعتبر هذه التعديلات داخلة فـي اطـار اتفاق الطرفين اللذين احالا نزاعهما إلى هذه القواعد اصلاً والتي لم تكـن تتـضمـن مثـل هـذه التعديلات؟ وهل من مفاجآت تنتظر المتحاكمين من جراء حصول هكـذا تعـديلات او ظهـور أعراف جديدة لم يكن أي منهما يتوقع صدورها؟ بحيث أن أحد الطرفين قد يقوي وضـعه علـى وضع الآخر ويتحصل من ذلك اثراء لأحدهما على حساب الآخر؟
وقد انقسم الرأي بين فريق يوصي بالأخذ بالقواعد النافذة عند بدء اجراءات التحكيم وآخـر يعتبر انه يتعين الأخذ بهذه القواعد المستجدة، ولو لم يكن أي من المتحاكمين مدركاً اياها مسبقاً.
ان الرأي الأول هو الأصوب بنظرنا. ويفترض بمن يضع أو يـصيغ المـواد فـي العقـد التحكيمي أو في الإحالة الى هذه القواعد، ان يتوقع صدور هكذا تعديلات عنـد بـدء مجريـات التحكيم. وفي حال عدم لحظه القانون الواجب التطبيق صراحة، فإن قاعدة ثبات الأدلة والدعوى الخصوم تبقى هي الاصل القائم. ونعتقد انه يمكن التمسك بقاعدة بقاء الحال على ما هو عليـه كحق مكتسب. الا انه لا يجوز تجريد احد من حق لصيق به او بمركزه القانوني نتيجـة لعامـل استجد لاحقاً، لأن مثل هذه القواعد وإن كانت عرفية وملزمة لا يجوز أن تكون مصدر بلبلـة أوضرر غير متوقع ضمن اطار حل النزاع في نطاق التحكيم التجاري الدولي. ونعتقد ايضاً انه اذا صدرت نسخة جديدة أو معدلة عن هذه القواعد ان يصار الى اعتماد النشرة برقم معـين للفـت النظر الى ان هذه القواعد قابلة للتطور، وانه يستحسن التعرف اليها انطلاقاً من رقم النـشرة او تاريخ صدورها او من الإثنين معاً كما هو الحال بالنسبة للإعتمادات المستندية.
ومبرر ذلك بنظرنا، هو اننا امام عمل اتفاقي اي ارادي يتطلب اطلاع الأطراف التحكيمـين على القانون الواجب التطبيق ابتداء وانتهاء، وأن يكونوا على دراية به لأن الإختيار تم انطلاقـاً من معطيات معينة موجودة دون تلك غير الظاهرة أو كانت في عالم الغيب. وينظر الـى هـذه القواعد فحسب على أنها قواعد ثابتة وليست قابلة للتطوير والتعديل من حيث القـانون الواجـب التطبيق، خصوصاً اذا كان غير بند تحكيمي أو شرط تحكيمي. ونقترح أن يصار الى ادراج كامل البنود المتعلقة بالقانون الواجب التطبيق صراحة في اتفاقية التحكيم أو مـشارطة التحكـيم التـ ينبغي على هيئة التحكيم أن تقوم بتطبيقها.
ب- في وجوب تحديد مواضيع النزاع بشكل مفصل وطرحها على التحكيم من أجـل التطبيـق الصحيح للقانون الواجب التطبيق، وعدم الخروج عنه.
ان ما يجري في اطار التحكيم التجاري الدولي يحصل كما يجري عليه اليوم العمـل المحاكم، لأن المهم ان يطلع المحكم على القانون الواجب التطبيق بالنسبة لكل مسألة مختلف عليها بين المتحاكمين لأن القانون ليس مفهوماً مشتركاً دوماً في جميع المواضيع المثارة. فالبـت فـي صحة العقد قد تتطلب تطبيق احكام مختلفة عن تلك الواجبة التطبيق على النكول أو التأخير فـي التنفيذ. ولا يجوز ترك الأمر غير واضح للمحكم حتى لا يخرج كليا عن اطار الحل المتوقع من المتحاكمين أو المنشود منهما أو من أحدهما على الأقل. ويعود الى المتحاكم أن يدرك مـسبقاً أن الغموض في التعبير قد يجعل ما كان يعتقده صالحاً كقانون واجب التطبيق ليس هو مـا سـوف يجري تطبيقه. وان قاعدة ان لا احد يجهل القانون الواجب التطبيق في اطار التحكيم الدولي لا ترى وجها للتطبيق لأن المحاكم قد تعتبر انه حر في اختيار القانون الذي تراءى له انه الواجـب تطبيقه، ثم أن يستخلص النتائج التي قد لا يفطن لها المتحاكم أو المتحاكمان لديه.
2- الشروط الموضوعية:
تتمثل هذه الشروط في ضرورة توافر الرضى الصحيح أي ان يرد على موضـوع ممكـن ومشروع وان يستند الى سبب مشروع، وأن تتوافر الأهلية لدى الأطراف التحكيميين، وكل ذلـك من منظار القانون الواجب التطبيق.
أ- بالنسبة للرضى وخلوه من العيوب
يطبق على اتفاق التحكيم ما يطبق عادة على العقود بوجه عام. ويتعين الإشارة دومـاً الـى القانون الواجب التطبيق في كل أمر منازع فيه، لما فيه من خطورة من عدم الإشارة الى ذلك أو من نتائج قد لا تكون في مصلحة أحد المتحاكمين. لافتين النظر الى ان الرضى يرتبط بالعنـصر التعاقدي في الإتفاق أكثر منه بالعنصر الإجرائي. ومن ثم فإن القانون الذي يحكم العقد أي الإتفاق التحكيمي أو مشارطة التحكيم هو الذي ينبني على تقدير وجود الرضى. ويكون هذا القانون هـو من اختاره الطرفان انطلاقاً من حقهما في الخيار. ويجب الدلالة عليه بصورة صريحة. وعلـى هذا الأساس، فلا بد من ايجاب، أي عرض، وقبول يتلاقيان على اختيار التحكيم اختيـاراً حـراً كوسيلة لحسم منازعات التجارة الدولية عندما يثور الخلاف بين المتعاقدين. واذا تعلق الأمر بالبند التحكيمي أو بشرط التحكيم، فإنه ينظر الى مدى تطابق إرادة هؤلاء الأطراف بشأن ذلك كأحـد شروط العقد الاساسي المعبر عن العلاقة التعاقدية الأصلية بين هؤلاء. أما اذا تعلق الأمر بالإتفاق التحكيمي أي بمشارطة التحكيم فيكون التحكيم هو موضوع هذا الإتفاق وليس مجرد عقد أو بنـد في العلاقة القانونية الأصلية. ونشير بصورة خاصة الى ان اتفاق التحكيم قـد يـخـضـع لقـانون مختلف عن القانون الذي يحكم الإتفاق الأصلي. ولذا، يتعين ان يكون القانون الذي يخضع له مثل هذا الإتفاق التحكيمي هو الذي يرعى ركن الرضى وصحته وخلوه من العيوب كالغلط والاكـراه والخوف أو الغبن. وينظر عادة الى وجوب تطبيق قانون المكان الذي يحكـم العمـل القـانوني المشكو منه لتقدير مدى توافر عيوب الرضى. ونرى أنه لا يجوز الا الإتفاق الواضح على كـل مسألة موضوع نزاع تتطلب حلا وان يتحدد القانون الواجب التطبيق عليها بصورة صريحة، الا ان هذه النواحي لم تستدع تعديلاً في اطار مؤتمر فيينا الجاري في العام 2006.
ب- الأهلية
ان تقدير الأهلية اللازمة لإبرام مشارطة التحكيم أو الإتفاق التحكيمي تماثل الى حـد كبيـر الأهلية المطلوبة للتقاضي امام القضاء الرسمي. والأهلية بطبيعة الحال هي اهلية التصرف اي الاداء طالما ان التحكيم يدور ما بين المنفعة والضرر. فيكون عملاً تصرفياً وبالتالي فإنه يستدعي وكالة خاصة لمن يكون ممثلاً لأحد الأطراف المتعاقدين الراغبين بحل نزاعهم تحكيميـاً عمـلاً بأحكام المادة 381 اصول مدنية لبناني، اي انه يتطلب تفويضاً خاصاً للنائب عن أحـد هـؤلاء الأطراف بالنسبة للأشخاص الطبيعيين وكذلك بالنسبة للأشخاص المعنويين من الحـق الخـاص والعام معاً. ويتعين دوماً ان يصار إلى التحقق مما اذا كان ممثل الشخص المعنـوي لـه حـق التصرف تحكيمياً بالنزاع. وبطبيعة الحال فعلى كل طرف معنوي ان يتحقق بذاته ويثبت تـوافر الشروط الشكلية لوجوده ومدى الصلاحيات التي يتمتع بها ممثله القانوني. واليوم أصـبح يعـود للدولة اللبنانية كما ولأشخاص قانون الحق العام اياً كانت طبيعة العقد موضوع النزاع اللجوء الى التحكيم عملاً بالمادة 762 اصول مدنية لبناني. مع لفت النظر الى انه اعتباراً من تـاريخ نـشـر القانون رقم 440 في الجريدة الرسمية بتاريخ 2002/8/1، لم يعد البند التحكيمي او اتفاق التحكيم نافذاً في العقود الإدارية الا بعد اجازته بمرسوم يتخذ في مجلس الوزراء بناء لإقتـراح الـوزير المختص بالنسبة للدولة أو سلطة الوصاية بالنسبة للأشخاص المعنويين من القانون العام. وينبغي اذا ما اثير نزاع حول انتفاء الأهلية الاشارة في اتفاقية التحكيم الى القانون الواجب التطبيق عليه بشكل صريح أي عدم ترك أي موضوع مختلف عليه الا واقرانـه بالقانون الواجـب التطبيـق عليه.
ثانياً: في مدى سلطة المحكم في تعديل القواعد القانونية الواجبة التطبيق:
لا يدخل في سلطة المحكم أن يجعل التحكيم ممتداً للغير طالما ان طابعه العقدي يحول دون ذلك اعمالاً لقاعدة نسبية العقود، وبالتالي نسبية الخصومة التحكيمية ما لم نكن امام حالة التضامن او الخلف العام أو الخاص اذ تنتقل الحقوق المالية من السلف الى الخلف. وينبغي التساؤل فيما اذا كان للهيئة التحكيمية أن تقوم بتعديل القانون الواجب التطبيق أي بتعديل القواعد القانونية الواجبة التطبيق أو أنه يمتنع عنها ذلك بصورة جازمة؟
تنص معظم القوانين على انه اذا لم يتفق الطرفان على القواعد القانونية الواجبـة التطبيـق على موضوع النزاع أو على كل مسألة مثارة فيه طبقت هيئة التحكيم القواعد الموضوعية فـي القانون الذي يعتبر أنه أكثر اتصالا بالنزاع، كما هو الحال بالنسبة للمادة 39 الفقرة الثانيـة مـن القانون المصري الجديد في حين ان واضعي القانون النموذجي للتحكيم التجاري اتخـذوا موقف متبايناً لهذا التوجه. فالمادة 33 منه تشير الى ان هيئة التحكيم تطبق على موضوع النزاع القانون الذي يعينه الطرفان. فإذا لم يتفقا على تعيين هذا القانون وجب أن تطبق هيئة التحكـيم القـانون الذي تعينه قواعد تنازع القوانين التي ترى الهيئة أنها الواجبة التطبيق في الدعوى. وأنه لا يجوز لها الفصل في النزاع وفقا لمبادئ العدل والانصاف او اصدار حكم غير مقيد بأحكام القانون الا اذا أجاز الطرفان ذلك صراحة، وكان القانون الواجب التطبيق على اجراءات التحكيم يجيز هـذا النمط من التحكيم. وتضيف هذه المادة انه في جميع الأحوال تفصل هيئة التحكيم في النزاع وفقاً لشروط العقد وبمراعاة الاعراف التجارية السارية على المعاملة.
نشير الى انه لا يجوز اطلاق سلطة المحكم بلا قيد او شرط وبالتالي ان يصل سلطانه الى حد السماح له بإهدار المبادئ الأساسية المتعلقة بقواعد العدالة الطبيعية أو بالمبادئ الأساسية الموجهـة لنظر الخصومة. فخروج المحكم المفوض بالصلح عن اطار تطبيق اي قـانون بمعنـى ان يقـوم بالتحكيم ضمن اطار التحكيم المطلق بعمله او نشاطه، هو أمر طبيعي لأنه يملك سلطة واسعة فـي تفسیر ماهية الشروط العقدية التي اتفق عليها الأطراف، شريطة الا يصل الأمر به الى حد انـشاء علاقة أو عقد جديد لم تتجه اليه ارادتهم. ومثال ذلك، أن المحكم عندما يقوم بتفسير شـروط عقـد البيع يمكنه أن يخفف من التزامات او موجبات البائع أو ضماناته او التزامات او موجبات المشتري أو ما قد يتضمنه العقد من شروط يراها تعسفية او جائرة أو مخلة بالتوازن، الا انه لا يملك سـلطة تكييف العقد والتعامل معه بوصفه عقد ايجار افتراضاً. وان تجاهل المحكم الدولي للقواعد الأمـرة المتعلقة بالنظام العام الداخلي امر مكرس الا انه يقف امام كل ما يمس النظام العام الدولي.
ومؤتمر فيينا لم يعدل في القواعد المتعلقة بالقانون الواجب التطبيق كما انه لم يشر الى حالة عدم تقيد المحكم بأحكام القانون. لافتين النظر الى ان المحكم المطلق أو المفوض بالصلح يمكنـه ان يفصل في النزاع دون التقيد بنصوص القانون، كما ان له الاستهداء بما يراه محققاً للعدالة الا ان ذلك لا يعني منعه من تطبيق قانون معين بإعتباره محققاً لهذه العدالة بحسب تقديره. ويـرى بعض الفقهاء أن اللجوء الى ما يسمى بقانون التجار Lex mercatoria لا يعد تطبيقاً للقـانون. فقانون التجار هو بالواقع مجموعة اعراف وعادات تجارية سائدة لا تتسم بأي صفة آمرة. ومـن هنا نرى ان يوضح الاتفاق التحكيمي القانون الواجب التطبيق على موضوع النزاع بكل دقة وعن كل مسألة منازع فيها حتى لا يخرج المحكم عن دوره، اذ يكفيه مؤونة في هـذا الافتـراض ان يشير الى القاعدة القانونية ومن ثم أن يخرج عن اطار تطبيقها بحجة انه يرى العدل في تطبيـق خلاف اطارها، وطالما ان له خياراً في تحديد القانون الواجب التطبيق فإن المتحاكم الذي يحـرر الحكم من موجب تطبيق أحكام القانون أي الفصل في النزاع وفقا لقواعد العدل والإنصاف يعنـي إيلاء هذا المحكم حق الخروج عما هو متوقع بنتيجة النزاع طالما انه محرر من تطبيق القـانون. فإذا شوه العقد أو فسره تفسيراً خاطئا أو عطل بنوده فإن تحريره من قيود القانون يجعله بمنـأى من أي طعن بالعقد. وطالما انه لا يمكن الطعن بالقرار التحكيمي الدولي اجمالاً الا ضمن شروط المادة 819 اصول مدنية التي تحيل الى المادة 817 منه وهي أسباب حصرية، فـإن تجـاوزات المحكم لا جزاء عليها اطلاقاً. وتجدر الملاحظة أيضاً إلى أن الطعن بطريق الإستئناف لم يجـزه القانون اللبناني ضد القرار التحكيمي الدولي بحد ذاته أنما اجازه ضد القرار الصادر في الاعتراف به او في صدد تنفيذه. واما الإبطال فقد حصره بالقرار التحكيمي اللبناني الصادر فـي لبنان بمعنى أن القرار التحكيمي الصادر خارج لبنان في مادة التجارة الدولية هو غير قابل للطعن كما يستفاد من أحكام المادة 821 اصول مدنية لبناني، أي ان اي خطأ خلاف ما هو مذكور ف المادة 817 من هذا القانون غير منتج على صعيد القانون طالما انه لا مجال لقبـول مثـل هـذا الطعن من حيث الأساس اذا ما صدر القرار التحكيمي خارج لبنان.
وقد أوضح المشترع اللبناني انه وفي هذا الإطار لا تطبق على التحكيم الـدولي الخاضـع للقانون اللبناني احكام المواد 762 الى 792 اصول مدنية.
أما اذا قيد المتحاكمون المحكم بقوانين محددة طلبوا منه تطبيقها على نزاعهم فلا يجوز لـه الخروج عنها والا تعرض حكمه للإبطال وبالتالي لعدم النفاذ، حتى وان كان التحكيم صادرا الخارج وكان دولياً. اما اذا تركوا له الخيار في تطبيق القانون الملائم، فإن ذلك يعتبر تنازلاً منهم اي رضوحاً من جانبهم لحكمه مسبقاً دون امكان مؤاخذته على أعمال تطبيق القانون الذي أقـدم على تطبيقه. أما في حال الإلتباس في الإحالة الى قانون معين، فإن المحكم معذور فـي تطبيـق القانون الذي طبقه، وأن ادعاء حصول تعديل على القانون الواجب التطبيق لا يمكن أن يفهـم الا اذا حدده المتحاكمون صراحة للمحكم. ونرى أن خروجه عن اطار ارادة الأطراف المتحاكمة من شأنه أن يبطل قراره لأن لا سند له بإتفاق الفريقين.
وفي الختام نفيد انه من المستحسن العودة الى ايراد نشرة عن التعديلات التي تطـرأ علـى قواعد اليونسترال واصدار التوصية للدول بأن تحيل احكامها القانونية إلى القواعد العامـة التـى تقررها لجنة الأمم المتحدة للقانون التجاري الدولي كما هو الحال بالنسبة للإعتمادات المستندية في ضوء التطور المتواصل ونشوء اعراف وتقاليد وعادات جديدة بحسب التقنيات الجديدة. كمـا اننا لا نشجع احداً على تنظيم اتفاق تحكيمي يجعل من المحكم الدولي محكماً مكلفاً بأعمال تطبيق قواعد العدالة والإنصاف أو ترك أمر اختيار القانون الواجب التطبيق له، وان الأمر هـو كـذلك بالنسبة لإجراءات التحكيم فينبغي دوماً ان تبقى القواعد ثابتة وغير قابلة للتعديل خلال البت بـأي خصومة تحكيمية دولية أو حتى داخلية.