إن ولاية الحكم مستمدة من رضا الخصوم بحكمه قبل أن يحكم بينهما وهذا لا خلاف فيه بين الفقهاء لأنه ثابت بالكتاب والسنة والإجماع. وقد إختلف الفقهاء في إشتراط دوام الرضا بالحكم، هل يشترط دوام الرضا بالتحكيم إلى حين صدور الحكم؟ ذهب الجمهور من الأحناف والشافعية والحنابلة إلى إشتراط الرضا الأهلية بالتحكيم من حين تعيين الحكم إلى حين صدور الحكم) فإذا زال الرضا خلال هذه المدة لأي سبب من الأسباب كرجوع أحد الخصمين عن التحكيم أو موت أحدهما أو نقصان أهليته بسبب عارض من عوارض لم يكن للحكم أن يحكم بعد ذلك ولا ينفذ حكمه إن حكم، لأنه مقلد من جهتهما فلا يحكم إلا برضاهما جميعاً، وعزل الحكم أو عدم الرضا بحكمه الحكم غير مقبول فينفذ حكمه.
وذهب المالكية إلى أنه يشترط الرضا بالتحكيم إبتداة وإلى حين رفع الدعوى ويشترط دوام الرضا إلى حين صدور الحكم) فإذا ترافع الخصوم أمام الحكم لم يكن لأحدهما الرجوع.
الضوابط والصلاحيات الخاصة بالحكم:
1- أن يكون حكمه موافقاً لأحكام الشريعة الإسلامية: على الحكم أن يحكم بالأدلة والبينات المعتبرة شرعاً من الإقرار أو البيئة أو النكول عن اليمين وأن لا يخالف في حكمه النظام العام الذي تقرره الشريعة الإسلامية. وهل للحكم أن يقضي بعلمه؟ إختلف الفقهاء في جواز قضاء الحكم يعلمه، فذهب بعض الفقهاء من الحنفية إلى أن قضاء الحكم بعلمه ينفذ وقال بعضهم: لا ينفذ.
أما الشافعية: فالذي يفهم من كلام الأذرعي في توسطه أن الحكم لا يقضي بعلمه وهو الراجح، لإنحطاط رتبته عن رتبة القاضي فلا يلحق بالقاضي في القضاء بعلمه وهو الراجح عند الشافعية أن القاضي يقضي بعلمه، وكان يبوح به لقضاة السوء ووجه هذا القول: أن الحكم المستند إلى لا الشافعي القضاء أقوى من الحكم المستند إلى التحكيم، فالقاضي أعلى رتبة من الحكم فلا يلزم من إلحاقه به في جواز الحكم المستند إلى السبب المتفق عليه من البيئة أو الإقرار وإلحاقه به في جواز الحكم المستند إلى السبب المختلف فيه وذهب المالكية والحنابلة إلى أن الحكم لا يقضي بعلمه كما أن وهو القاضي لا يقضي بعلمه عندهم . يستخلص مما سبق أن الحكم لا يقضي بعلمه على الراجح، وهو الأولى بالإتباع في هذا الزمان بعداً التهمة. عن ٢- الإلتزام بعقد التحكيم ليس للحكم أن يقضي خارج نطاق علمه وسلطاته فإذا تم الإتفاق بين الخصوم على تحكيمه في مال معين فلا ينفذ حكمه إذا حكم في دين أو مال آخر ويعتبر فضولياً في ذلك لا ينفذ حكمه فيه إلا برضا الخصوم، وليس له التحكيم في الحدود مثلاً لأنها تخرج عن نطاق سلطانه.
وعلى الحكم أن يلتزم بعقد التحكيم وما تم الإتفاق بين الخصوم على التحكيم فيه، لأن عقد التحكيم كخطاب التعيين للقاضي المولى فهو الذي يحدد سلطانه بالنسبة إلى موضوع التحكيم والأشخاص المتخاصمين فلا ينفذ حكمه على غير المتخاصمين الذين عينوه حكماً بينهم ولو كان طرفا النزاع و قال في الفتاوى الهندية (أن حكم هذا الحكم إنما ينفذ في حق الخصمين ومن رضي بحكمه ولا يتعدى إلى من لم يرض بحكمه بخلاف القاضي المولى)ولو حكماه في عيب المبيع فقضى برده ليس للبائع أن يرده على بائعه إلا أن يتراضى البائع الأول والثاني والمشتري على تحكيمه فحينئذ يرده على الأول.
ولو إختصم الوكيل بالبيع مع المشتري منه في العيب فحكم برده على الوكيل لم يلزم الموكل إذا كان العيب يحدث مثله زاوية واحدة إلا أن يرضى الموكل بتحكيمه معهما، وإن كان العيب لا يحدث مثله ولم يدخل الموكل معهم في التحكيم ففي لزومه للموكل روايتان، وإنما إقتصر حكمه ولم يتعد لأنه كالمصالح ).
3- الإلتزام بالتدابير والتعليمات التي يضعها ولي الأمر لتنظيم التحكيم: الأصل أن الحكم لا تنقيد سلطته بزمان أو مكان . قله أن ينظر الخصومة التي ترفع إليه مما يجوز فيه التحكيم في أي وقت ليلاً أو نهاراً في مكان فليس له إختصاص مكاني أي ولولي الأمر أن يقيد وفي التحكيم من حيث الزمان والمكان والموضوع تحقيقاً للمصلحة، لأن تصرف الإمام على الرعية منوط بالمصلحة فعلى الحكم أن يلتزم بهذه التعليمات.
4 - عدم التحكيم فيما يعتبر تهمة : يشترط لصحة حكم المحكم أن يكون حكمه قد صدر بين الخصوم الذين لا يتهم في حكمه بحق أحد منهم ولذا فإن حكمه لأبويه وإن علوا وأولاده وإن سفلوا وزوجته وكل من لا تقبل شهادته له باطل عند الحنفية وهو الراجح عند المالكية وجمهور لإمكان التهمة بخلاف ما إذا كان حكم عليه فيجوز لانتفاء التهمة، وإذا إشترى الحكم الشيء الذي إختصما إليه فيه أو إشتراه إبنه فقد خرج من حكمه أصلاً. الحكومة فلا يصح الشافعية
وإن حكم الخصم فحكم لنفسه أو عليها جاز تحكيمه إبتداءً ومعنى حكمه إن لم يكن جوراً بيناً عند أبي حنيفة ومحمد، وخرج عن الحكومة عند أبي يوسف ، أما قضاء الحكم على أصوله أو فروعه ومن لا يجوز أن يشهد له فإنه مقبول بلا خلاف لإنتفاء التهمة.
وذهب بعض الشافعية وأحمد في قول إلى أن حكم المحكم لأصوله وفروعه يصح لرضاهم بحكمه والرضا ينفي التهمة).
5- تفويض الحكم التحكيم لغيره ذكرنا أن على الحكم أن يلتزم بعقد التحكيم وشروطه فإذا أذن الخصم للحكم أن يستخلف غيره في التحكيم أو أن يستشير شخصاً معيناً فإنه يجوز له الإستخلاف وتلزمه الإستشارية شأنه في ذلك شأن القاضي الذي ولاه الإمام وإن كان مأذوناً في الإستخلاف إستخلف وإلا فلا، وإذا فوّض الحكم المحكم لغير لم يجز أن الخصمين لم يرضيا بتحكيمه غيره، فإن فوض الحكم الأول الحكم في المسألة إلى آخر فحكم الثاني أجازه الحكم الأول، فإن أجازه الخصوم جاز، إن لم يجزه الخصوم لم يجز لأن الحكم لا يصح إلا بالعبارة، فلا يصح منه تنفيذ الحكم عليهما بعبارة غيره (۸) وقال بعض فقهاء الحنفية إن أجاز الحكم الأول محكم الحكم الثاني جاز، وإن لم يرض به الخصوم قياساً على ما إذا أجاز الوكيل الأول في البيع بيع الوكيل الثاني، فإنه يجوز وقياساً على القاضي الذي لم يؤذن له في الإستخلاف، إذا أجاز حكم خليفته جاز ذكر مثل هذا في السير حيث قال: إذا نزل قوم على حكم رجل فحكم غيره بغير رضاهم لم يجز، ولو أجاز الأول حكمه ،جاز، ولأن إجازته حكم الثاني كمباشرته الحكم بنفسه.
وقد أجاب القائلون بعدم جواز التقويض إذا لم يرض به الخصوم وإن أجاز المحكم محكم ثاني بأن القياس على الوكيل في البيع لا يصح لأن البيع ينقذ بدون العبارة فينقذ بالتعاطي ويقتضي نقل الملكية مباشرة إلى المشتري فكان المقصود بالتوكيل حضور رأي الوكيل عند البيع لا عبارته، فإذا أجاز فقد حضر رأيه ذلك العقد فصح.
ولا يصح القياس على القاضي الذي لم يؤذن له في الإستخلاف، لأن القاضي يملك القضاء بما قضى به خليفته من غير رضا الخصوم فيملك إجازة قضاء الغير عليهما من غير رضاهما، لأن رضاهما ليس شرطاً بخلاف المسألة التي نحن بصددها .