المحكم وهيئة التحكيم / سلطات المحكم / الكتب / دعوى بطلان حكم التحكيم في المنازعات التجارية الدولية / حرية المحكم في اختيار القانون الواجب التطبيق لاستصدار حكم تحكيمي صحيح
حرية المحكم في اختيار القانون الواجب التطبيق لاستصدار حكم تحكيمي صحيح
ينادي الفكر الغربي بآراء ونظريات جديدة فيما يتعلق بالقانون الواجب التطبيق، تدور في مجملها حول استبعاد النظام القانوني وإطلاق يد المحكم في اختيار القانون الذي يراه وإعمال القواعد التي يختارها من بين الأنظمة القانونية المختلفة، وهي نظريات يتابعها الكثيرون من الفقه العربي .
فبعض الفقه الغربي سنكر وجودها وكثير منهم يختلفون حول مجال تطبيقها للغموض أحياناً في نصوص القانون وضوابط إعمالها.
أغلب الاتجاهات والنظريات تسير نحو منح المحكم سلطة مطلقة ليقدم حلاً يسيراً في ظاهره، ويعبر عن الجانب الإرادي لبنيان خصومة التحكيم، وإن كان ذلك سيضفي على مهمة المحكم كثيراً من الغموض، لأننا إذا ما تابعنا خطوات المحكم نحو تحديد القانون الواجب التطبيق لوجدناها متضاربة لا ترتكز على أسس موضوعية أو دعائم قانونية تقدم حلولاً متسقة تشكل في مجملها كياناً من السوابق المستقرة التي تعبر عن نظام مستقل يغني عن النظام الوطني وآليات إعماله، فالمتتبع لأحكام المحكمين يجدها متضاربة بمناسبات عديدة، ولا تتفق فيما بينها على قول واحد.
هذا التناقض الذي يشهده الواقع العملي يقتضي منا أول ما يقتضي التصدي لنطاق سلطة المحكم في اختيار القانون الواجب التطبيق والضوابط والقيود التي يتعين مراعاتها، فهذه مسألة على درجة كبيرة من الأهمية لتأثيرها المباشر على الحكم الصادر وعلى النتيجة التي يصل إليها ( قابليته للتنفيذ) فصحة الحكم تدور وجوداً وعدماً مع القانون الواجب التطبيق، لذا فإن الاختيار ليس باليسير سواء تولى الأطراف المهمة أم عهدوا بها إلى المحكم.
فنشير أولاً إلى حرية الأطراف في اختيار القانون الواجب التطبيق، ونتعرف على ماهية القانون الواجب التطبيق على النزاع، ثم معايير تحديد القانون الواجب التطبيق من خلال استعراض فكرة القانون الأنسب للنزاع، وهل يختلف القانون الإجرائي عن القانون الموضوعي الواجب التطبيق، ثم نتصدى لسلطة المحكم في استبعاد القانون الواجب التطبيق لعدم انطباقه على عملية التحكيم لاستصدار حكم تحكيمي قابل للتنفيذ.
النقطة الأولى : حرية أطراف الخصومة في اختيار القانون الواجب التطبيق
سبق وذكرنا أنه لابد من توافر شرطين لصحة حكم التحكيم لتنفيذه (كونه ذا أثر حاسم أولاً وبحسب ما اختاره الأطراف ثانياً) حتى يكون بعيداً عـن دعـوى البطلان، ولتوضيح الأمر وبشكل مفصل لابد لنا من أن نتناول ما تقدم من خلال القانون الواجب التطبيق، وحرية الأطراف في اختياره هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى معرفة حرية وسلطة المحكم في اختيار القانون الواجب التطبيق.
من تتبع نصوص قانون التحكيم الأردني يتضح وتماشياً مع الاتجاهات الحديثة أن الأولوية هي لإرادة أطراف خصومة التحكيم في تحديد القانون الواجب التطبيق على موضوع التحكيم وإجراءاته، وهذا ما تتجه إليه التشريعات الوطنية والقواعد المؤسسية (ومن ذلك على سبيل المثال المادة 1496 من القانون الفرنسي، والمادة (1/29) من قواعد التحكيم السارية لدى الجمعية الأمريكية للتحكيم التي تنص على أنه في حالة عدم وجود أي بيان من قبل الأطراف تطبق محكمة التحكيم الدولية القانون أو القوانين التي ترى أنها ملائمة ولمزيد من التفاصيل يراجع د. أبو زيد، 2004 ، ص581 وما بعدها. وكما نصت المادة (1/39) من قانون التحكيم المصري، والمادة 8/23 من لائحة غرفة التجارة الدولية على ذلك. ويراجع أيضاً د. سامي، 1997، ص172 وما بعدها) فقد نصت المادة 36/أ تحكيم أردني على أنه "تطبق هيئة التحكيم على موضوع النزاع القواعد القانونية التي يتفق عليها الطرفان وإذا اتفقا على تطبيق قانون دولة معينة اتبعت القواعد الموضوعية فيه دون القواعد الخاصة بتنازع القوانين".
غير أن هذا الدور الإيجابي للخصوم ليس مطلقاً، ولا يجب أن يكون كذلك، فهذه الإرادة تستمد وجودها من النظام القانوني الذي اعترف بها وحدد نطاقها، ويأتي في مقدمة الضوابط التي تقيد حرية الأطراف في اختيار القانون الواجب التطبيق ضرورة وجود رابطة بين القانون والعقد الذي نشأ النزاع في ظله.