يعد حق الدفاع من أهم سمات القانون الإجرائي، فحق الدفاع حق مقدس يسعى إلى تحقيق المساواة في المراكز الإجرائية للخصوم أمام القاضي وإن وقوع أي اختلال به ينعكس بشكل مباشر على فكرة العدالة ذاتها، بحيث ينعكس هذا الإختلال على علاقات أفراد المجتمع مما يشكل عليها عواقب وخيمة، من شأنها أن تجعل القواعد القانونية المنظمة لها بلا قيمة ولا جدوى منها.
يراد به المساواة بين الخصوم تجاه بعضهم البعض في حرية اتخاذ أي إجراء، أو القيام بعمل يهدف إلى تأييد ادعاءاتهم، أو لإظهار الحقيقية ويكفل دستور الدولة حق الأشخاص في الالتجاء إلى القضاء، والقانون يتولى تنظيم إجراءات اللجوء إليه، والنظام القضائي يهدف إلى وصول أطراف الدعوى للعدالة بغرض إشباع غريزة النفس البشرية في تحقيقها، وهذا ما أكده الدستور المصري ۱۹۷۱الذي نص
عليه في المادة (68) من أن لكل مواطن حق الالتجاء إلى قاضيه الطبيعي، وقد دل ذلك على أن هذا الحق هو حق للناس كافة لا يفرق بينهم في مجال اللجوء إليه، وإنما تتكافأ مراكزهم القانونية في سعيهم لرد العدوان على حقوقهم دفاعا عن مصالحهم الذاتية. (۳) ونصت المادة (۹۷) من الدستور المصري (۲۰۱۶) على أن التقاضی حق مصون ومكفول للكافة. وتلتزم الدولة بتقريب جهات التقاضی، و تعمل على سرعة الفصل في القضايا، ويحظر تحصين أي عمل أو قرار إداري من رقابة القضاء، ولا يحاكم شخص إلا أمام قاضيه الطبيعي، والمحاكم الاستثنائية محظورة.
إذ تنص المادة (65) من قانون المرافعات المصري على أن: "... يرسل قلم الكتاب إلى المدعى عليه خلال ثلاثة أيام كتابة موصي عليه بعلم الوصول، مرفقا به صورة من صحيفة الدعوى يخطره فيه بقيد الدعوى، واسم المدعى وطلباته، والجلسة المحددة لنظرها، ويدعوه للاطلاع على ملف الدعوى، وتقديم مستنداته ومذكرة بدفاعه..."، كما كفل المشرع المصري حق الدفاع في نطاق إجراءات الإثبات، فتحقيقا لمبدأ المساواة بين الخصوم فقد نصت المادة (69) من قانون الإثبات المصري بأن: "الإجازة لأحد الخصوم بإثبات واقعة بشهادة الشهود يقتضي دائما أن يكون للخصم الآخر الحق في دفعها بهذا الطريق".
يرى الباحث أن مضمون مبدأ المساواة أمام القضاء من خلال ممارسة جميع الأشخاص لحقهم بالتقاضي، بأن يتم التعامل معهم على قدم من المساواة بينهم أمام المحاكم على اختلاف درجاتها وأنواعها، وإعمالا لهذا المبدأ يتعين
على القاضي الذي ينظر في المنازعات، وعند إصدار الأحكام فيها مراعاة تطبيق القواعد القانونية بأسلوب مماثل على كافة الأشخاص بدون تمييز أو تفرقة بين الخصوم، بسبب الجنس أو الأصل أو اللغة أو العقيدة أو المهنة أو الدين أو الآراء الشخصية.
وقد ذهب القضاء إلى القول: "المقرر في قضاء محكمة النقض أن الطلب العارض وفقا لحكم المادة (۱۲۳) من قانون المرافعات يجوز إبداؤه في مذكرة بشرط اطلاع الخصم عليها، أو إعلانه بها مع تمكينه من الرد عليها، وإذا لم يبد الطلب العارض بمذكرة على هذا النحو فإنه يكون غير مطروح.
على المحكمة، ويمتنع عليها أن تتعرض له وتفصل فيه لتعلق ذلك بأحد الأسس الجوهرية في نظام التقاضي، وهو وجوب توافر المواجهة...
هذا، وتثير مسألة مدى تقدير الجدية في طلب إعادة المرافعة اهتماما كبيرة في أحكام القضاء المصري، فقد ذهبت محكمة النقض في حكم لها بأنه: "من المقرر في قضاء هذه المحكمة أن تقدير مدى الجد في الطلب الذي يقدمه الخصوم بغية إعادة الدعوى إلى المرافعة هو من الأمور التي تستقل بها محكمة الموضوع، إلا أن ذلك مرهون بأن تكون المحكمة قد مكنت الخصوم من إبداء دفاعهم، وأتاحت لهم الفرصة للرد على ما يثار في الدعوى - بعد حجزها للحكم- من دفوع جديدة تحقيقا لمبدأ المواجهة بينهم، ومراعاة للقواعد الأساسية التي تكفل عدالة التقاضي...
ويرى الباحث أن القاضي له دور إيجابي في الخصومة القضائية من ناحية إثباتها أو تصحيح شكلها أو إظهار الحقيقة فيها، وله انتداب الخبير من تلقاء نفسه، والقيام بالمعاينة دون طلب، واستدعاء الشهود دون أن يطلب الخصوم ذلك. فمبدأ إن الخصومة ملك الخصوم حيث إن لهم أن يباشروها في أي وقت من الأوقات، ولهم أن يستمروا في السير بإجراءاتها أو وضع حد لها وإذا صدر الحكم فللمحكوم عليه الحق في عدم الطعن عليه وللمحكوم له التنازل عنه، غير أن هذا المبدأ لم يعد بالمطلق موجودا بسبب الدور الإيجابي القاضي في تسيير الدعوى فالمشرع المصري لم يعد يقف من أن القاضي المدني له دور سلبي في الدعوى تاركا لأطرافها حرية توجيهها حسب أهوائهم وحسب مصالحهم الخاصة، وإنما هنالك دور إيجابي للقاضي لا يقتصر دوره بوظيفته فقط على حسم النزاع، ولكنها تمتد إلى تطبيق القانون بواسطة الخصوم.
به وقد ذهب القضاء إلى أن: "حياد القاضي قوامه اطمئنان المتقاضي إلى ا أن القضاء لا يصدر إلا من الحق دون تحيز أو هوى حقه في رد القاضي عن نظر نزاع بعينه مناطه توافر الجدية، وعدم استخدامه سبيلا لعرقلة الفصل في القضايا والإساءة إلى القضاة...