المحكم وهيئة التحكيم / احترام حقوق الدفاع / الكتب / حدود سلطة هيئات التحكيم تجاه وسائل الإثبات المختلفة (دراسة مقارنة) / احترام حق الإثبات في خصومة التحكيم
الاسم
محمد يوسف علام
تاريخ النشر
2021-01-01
اسم دار النشر
دار وليد للنشر والتوزيع والبرمجيات المركز القومي للإصدارات القانونية
مع أن الحق في الإثبات كحق من حقوق الدفاع ينبغي أن يتضمن الشقين معاً ، وهذا ما يعرف بإلزام الخصم أو الغير بتقديم دليل معين .
والواقع أن أنظمة التحكيم الدولية والإقليمية والوطنية قد كرست حق الإثبات بشقيه السابقين :
ولنبدأ بالشق الثاني المسكوت عنه غالباً وهو حق كل خصم في الاستعانة بما تحت يد خصمه أو الغير من أدلة إثبات ، خروجاً على القاعدة التقليدية أنه لا يجبر شخص على تقديم دليل ضد نفسه ، بالنسبة للخصم ، وإعمالاً لواجب عام هو الأمانة الإجرائية سواء بالنسبة للخصم أم الغير الذي يدخل في الخصومة لا لشيء إلا لتقديم دليل في حوزته لصالح أحد طرفي الخصومة .
ولقد اعترفت التشريعات المختلفة للمحكم بدور إيجابي في إدارة عملية الإثبات ، ومن مظاهر ذلك ما يبدو لنا في هذا الشق ، حيث حرصت على النص على ولاية المحكم في إصدار أمر لأحد الخصوم بإبراز دليل في حوزته لصالح الخصم الآخر .
ولقد سكتت التشريعات الدولية والإقليمية وكذلك القانون المصري والعماني والخليجي عن التصريح بذلك ، ومع ذلك نصت عليه قوانين عربية عديدة : منها مجلة التحكيم التونسية بنصها في المادة (1/28) على أنه : " إذا كان أحد الأطراف ماسكاً لوسيلة من وسائل الإثبات فلها (لهيئة التحكيم) مطالبته بتقديمها".
وكذلك المادة (780) من قانون أصول المحاكمات المدنية اللبناني حيث نصت على أنه : "إذا وجد في حيازة أحد الخصوم دليل ما جاز للمحكمين أمره بإبرازه" وكذلك نصت المادة (2/25) من مدونة التحكيم المغربية .
إلا أن هذه التشريعات لم تصل بعد إلى الدرجة التي تعترف فيها للمحكم بسلطة الأمر بإدخال الغير لتقديم ما تحت يده من أدلة ، ولذلك أوكلت هذه المهمة القضائية الخاصة للمحكمة المختصة أصلاً بنظر النزاع ، تتولاها إما بناء على طلب أحد الخصوم بموافقة هيئة التحكيم ، أو من تلقاء نفس هيئة التحكيم .
من ذلك ما نصت عليه المادة (27) من القانون النموذجي أنه في إجراءات التحكيم " يجوز لهيئة التحكيم أو لأي من الطرفين بموافقة الهيئة طلب المساعدة من محكمة مختصة في هذه الدولة للحصول على أدلة ، ويجوز للمحكمة أن تنفذ الطلب في حدود سلطتها ووفقاً لقواعدها الخاصة بالحصول على الأدلة".
وقد سكتت قواعد اليونسترال ، ومن ثم لائحة مركز القاهرة التحكيمي عن هذا النص ، ومع ذلك نصت عليه بعض قوانين الدول العربية من ذلك : قانون الإجراءات المدنية الإماراتي حيث نصت المادة (2/209/ب) على أنه " يوقف المحكم عمله للرجوع إلى رئيس المحكمة المختصة لإجراء الحكم بتكليف الغير إبراز مستند في حوزته ضروري للمحكم في التحكيم"
أما نظام التحكيم السعودي فقد أخذ حرفياً في نص المادة (28) من لائحته التنفيذية بما نصت عليه المادة (20) من قانون الإثبات المصري التي تحدد الحالات الثلاثة المعروفة لإلزام الخصم بتقديم دليل تحت يده ، والمادة (21) التي تحدد شروط ذلك .
وحالة الأمر بالإنابة القضائية ، ولم يذكر حالة إلزام الخصم أو الغير بتقديم دليل تحت يده ، وهذا ما فعلته المادة (169) من قانون المرافعات العراقي والمادة (759) من قانون المرافعات الليبي والمادة (37) عماني والمادة (779)إ.م.م.ل ، وذلك عكس المادة (32) من قانون التحكيم السوري التي تقابل المادة (37) مصري المشار إليها حيث أضافت إلى الحالتين المشار إليهما حالة "الحكم بتكليف الغير بإبراز مستند في حوزته ضرورة للحكم في النزاع" .
أما الشق الأول من حق الإثبات ، كحق من حقوق الدفاع ، وهو تمكين كل خصم وعلى قدم المساواة مع الآخر من إبداء ما لديه من أدلة ، فقد كرسته التشريعات المختلفة ، وأعطت لهيئة التحكيم دوراً أكثر إيجابية عن ذي قبل ، ويتمثل ذلك في قدرتها على اتخاذ إجراءات الإثبات من تلقاء نفسها ، إلا أن الإعمال الحقيقي لحق الإثبات لا يعتمد فقط على السلطة التلقائية لهيئة التحكيم ، وإنما لا بد من إعطاء الخصوم الفرصة الكافية لاستعمال حق الإثبات ، لأن ذلك أوفى بتحقيق الهدف النهائي من حق الإثبات وهو تكوين العقيدة إزاء وجه الحق في الدعوى ، ذلك أن الإثبات حق للخصوم عبء عليهم ، وواجب على المحكم في آن معاً .