نظراً لأن طبيعة التحكيم ذو طبيعة قضائية فعلي المحكم أن يتبع المنهج القضائي في مراعاة الضمانات الأساسية في التقاضي عند تحقيق الادعاءات ونظر الطلبات وفي أسلوب فض المنازعة بوجه عام، سواء بهدف إنزال حكم القانون عليها أو بهدف الحكم وفقاً لقواعد العدالة والإنصاف ، وتعد هذه المبادئ أمراً أساسياً لا يجوز للأطراف الاتفاق علي ما يخالفها وهذه المبادئ هي .
- مبدأ طلب التحكيم:
لا يمكن للمحكم أن يباشر مهمته إلا بناءً علي طلب التحكيم من أحد الأطراف، فالمحكم والقاضي لا يعمل إلا بناءً على طلب، وإذا خالف المحكم هذا المبدأ فإن حكمه يكون باطلاً ويسري هذا المبدأ ليس فقط علي التحكيم بالقانون، و إنما أيضاً علي التحكيم والتفويض بالصلح.
- مبدأ المساواة بين الأطراف:
المساواة هي سمة من سمات العدل، ويتم ترجمتها في إجراءات التحكيم من خلال قيام المحكم بإتاحة الفرصة لكل طرف في أن يعرض دعواه، وأن يقوم بالدفاع عنها وأن يسمع لكلا الطرفين دون تحيز ، ولقد نصت المادة 18 من قانون الأونسيترال علي أنه يجب أن يعامل الطرفان علي قدم المساواة وأن تتهيأ لكل منهما الفرصة الكاملة لعرض قضيته ، وأكدت علي نفس المعني المادة 27 من قانون التحكيم المصري.
وتجدر الإشارة إلي أنه إذا أساء أحد الأطراف هذا المبدأ بقصد الإضرار بالطرف الآخر أو عرقلة الإجراءات - كأن يماطل أحد الأطراف في تقديم أدلة مطلوبة منه - فعلي المحكم أن يعتمد علي ما لديه من أدلة ويسير في الإجراءات ولا يعد في هذه الحالة مخلاً بمبدأ المساواة وفقاً للمادة 35 من قانون التحكيم. فإذا منح المحكم الأطراف فرصاً متساوية لإبداء طلباتهم ودفاعاتهم ومستنداتهم وتقدم أحد الأطراف بطلباته متأخراً، فإن عدم إجابة المحكم لطلباته على أساس أن نظرها يعطل الفصل في النزاع لا يُعد إخلالاً بمبدأ المساواة
- مبدأ المواجهة
يعد مبدأ المواجهة من أهم الالتزامات التي يجب أن يحرص عليها المحكم أثناء سير الخصومة، إذ يجب أن تتم إجراءات التحكيم في مواجهة الخصوم، فنظر المحكم للنزاع لا يكون إلا بمواجهة بين الطرفين، وذلك علي النحو المسلم به أمام قضاء الدولة .
والإخلال بهذا المبدأ يترتب عليه بطلان الحكم لمخالفته لقاعدة جوهرية متعلقة بالنظام العام ، فكل حكم تحكيم يخل بهذا المبدأ يعتبر باطلاً، ولا يكفي لمراعاة مبدأ المواجهة احترامه فقط من الناحية الشكلية، بل يجب أيضاً احترامه في جوهره بأن يمكن كل طرف من عرض دفاعه بالكامل.
ولا يقتضي مبدأ المواجهة فقط دعوة الأطراف لكل اجتماع أو جلسة تعقدها الهيئة، واتخاذ الإجراءات في مواجهة الطرفين أو في جلسة يُدْعَيان إليها، وإنما أيضاً تخويل كل طرف حق الاطلاع علي كل ما يقدم في القضية من مذكرات أو أوراق أو مستندات سواءً قدمت من طرف آخر أو من الخبراء، و إعطاءه الفرصة للقيام بهذا للاطلاع والرد علي هذه الأوراق والمستندات فليس للهيئة أن تدعو أحد الطرفين إلي جلسة وحده أو تستمع إلي دفاعه أو أقواله دون أن تكون قد دعت الطرف الآخر لحضور هذه الجلسة، ولو رأت أن حضورهما معا قد يؤدي إلى عراك بينهما.
ولا يجوز للهيئة قبول أية مذكرات أو أوراق أو مستندات في غير جلسة من احد الأطراف دون إطلاع الطرف الآخر عليها أو إعلانه بها، وإذا قبلت مثل هذه المذكرة أو المستند، فإنها يجب ألا تعول عليها أو تتأثر بها في حكمها.
وليس للمحكم أن يجري اتصالاً مع أحد الطرفين دون علم الطرف الآخر، ولهذا فإن خطاباته يجب أن توجه للطرفين، فإذا أرسل خطاب إلى أحد الطرفين، فعليه أن يسلم صورة منه للطرف الآخر، وإذا كان هناك أمر عاجل، وأرسل المحكم فاكساً، أو بريد إلكتروني إلي طرف فيجب عليه أن يرسل منه صورة للطرف الآخر. ولا يجوز للمحكم أن يقابل أي طرف دون حضور الطرف الآخر.
ولا يقتصر وجوب احترام مبدأ المواجهة علي جلسات المرافعة، بل يمتد أيضاً إلى جلسات التحقيق، وعند اتخاذ إجراءات الإثبات المختلفة، سواء تمت أمام هيئة التحكيم أو أمام واحد من أعضائها أو أمام خبير، وتطبيقاً لهذا المبدأ قضت محكمة النقض الفرنسية ببطلان حكم تحكيم علي أساس أن أحد المحكمين أجرى اتصالات مع أحد الطرفين دون علم الطرف الآخر باعتبار أن ما أجراه المحكم يعتبر إخلالاً بمبدأ المواجهة .
ويكفي لتحقيق مبدأ المواجهة تمكين الخصوم من إبداء دفاعهم مواجهة، وإخبار الخصم بالطلبات المقدمة من خصمه ويكون المبدأ قد اخترم سواء حضر لإبداء دفاعه أو لم يحضر ، وسواء حضر الخصم أو لم يبد دفاعا أو حضر وأبدي دفاعه، وسواء كان دفاعه فعالاً أو بغير فاعلية.
ويعتبر مبدأ المواجهة صورة من صور الحق في الدفاع أي شرطاً لممارسته وبغيره لا تتوافر للأطراف خصومة عادلة due process of law» وقد قضت محكمة استئناف باريس بأن هذا الحق ينبع من النظام العام الدولي، فإن خولف كان جزاء مخالفته البطلان
وجوب نظر الدفوع بحضور جميع أعضاء المحكمين:
ليس للهيئة التحكيمية أن تنعقد إلا بحضور جميع أعضائها، فإذا تشكلت هيئة التحكيم من ثلاثة أعضاء علي سبيل المثال فلايجوز لها أن تنعقد في أية جلسة من جلساتها بعضوين فقط أو بعضو واحد وليس لها أن تندب عضواً منها لاتخاذ إجراء من الإجراءات إلا باتفاق الأطراف، فإذا لم يوجد هذا الاتفاق فليس للهيئة أن تخول لنفسها هذه السلطة وتفوض أحد أعضائها للقيام بهذا الإجراء.
- لا يجوز أن يحكم المحكم علي أساس علمه الشخصي:
ليس للمحكم أن يحكم بما لديه من علمه الشخصي إلا بناءً علي ما طرحه الأطراف من أدلة، والمقصود من هذا المبدأ هو ألا يستمد المحكم قناعته من عناصر غير قائمة في الخصومة كعنصر من عناصر الإثبات ، على أنه يجب أن نشير إلى أن ذلك لا يتعارض في حالة اختيار الأطراف للمحكم علي أساس خبرته في مجال النزاع الذي نشب بينهم وينتظرون منه القيام بالفصل في النزاع على أساس ما يتمتع به من خبرة، كأن يكون الطرفان المتنازعان ينتميان إلي نشاط تجاري معين فيلجأون إلي شخص ينتمي إلي ذات النشاط التجاري، وعلي دراية و خبرة بالأعراف التجارية السائدة في ذلك المجال، إذ قد يكون موقف الطرفين متساوي من حيث قوة ما لكل طرف من أسانيد، فيفصل المحكم في النزاع علي أساس إلمامه بما جري عليه عرف التجار فيما يخص ما نشب بينهم من نزاع فالمحكم يجب أن يراعي في حكمه العادات والتقاليد التجارية التي تحرص على النص عليها - كما أشرنا - معظم مراكز وهيئات التحكيم الدائمة. )
التزامات المحكم في مرحلة إصدار الحكم:
يلتزم المحكم بعدة التزامات في مرحلة إصدار الحكم، هذه الالتزامات تعد من مقومات حكم التحكيم التي قد يؤدي إغفالها إلى بطلان حكم التحكيم
أ- حكم التحكيم:
بعد انتهاء تناول المذكرات والمستندات وتحقيق الدعاوي وسماع المرافعات، يحجز المحكم الدعوي للحكم صراحة أو ضمناً بتحديد جلسة للنطق بالحكم ، والحكم هو أحد إجراءات المحكمين الذي يفصل في النزاع بشكل حاسم جزئياً أو كلياً ويجب أن يتوافر فيه الشكل والصلاحية، ويشار فيه إلي الإجراءات التي قادت المحكمين إلى وضع حد للدعوي، وهو يختلف عن الأمر التحكيمي الذي يعد قراراً يتخذه المحكم، ولا يبت من خلاله في أساس المشكلة بل يكتفي فقط بإيجاد حل لمشكله إجرائية .
فالمحكم يصدر الحكم في حدود ما اتفق عليه الأطراف وفقاً لقواعد القانون الذي اختاره الأطراف، سواءً بالنسبة للإجراءات أو الموضوع وفي حالة اتفاق الأطراف علي الصلح؛ فإنه و إن كان المحكمون يملكون التحرر من تطبيق أي قانون - كما أشرنا - إلا أن حكمهم يجب أن يتفق مع قواعد العدالة والإنصاف و أن يُصدر الحكم نفس المحكم الذي كلف بالمهمة و سمع المرافعة، فقد قضت محكمة استئناف القاهرة بأنه يصدر الحكم من ذات المحكم الذي كلف بالمهمة وسمع المرافعة، فلا يملك غيره إصدار الحكم لأن الدعوي ذات طابع شخصي بحت.
وليس للمحكم كما أشرنا أن يحجز الدعوي للحكم إلا إذا كان قد منح فرصة كاملة للطرفين لإبداء دفاعهما وتقديم مستنداتهما وإتاحة الفرصة للرد على ما أثاره كل طرف ضد الطرف الآخر من دفاع وعلي ما قدمه من مستندات، و ألا يكون قد اخل بحق الدفاع.
وتجدر الإشارة إلى أنه بحجز الحكم يتم قفل باب المرافعة و تنقطع صلة الخصوم بالقضية، فلا يكون لهم أي اتصال بها إلا بالقدر الذي تصرح به الهيئة، فيجوز للهيئة أن تقرر مد أجل النطق بالحكم ، و لها أن تقرر فتح باب المرافعة و ذلك من تلقاء نفسها أو بطلب من أحد الأطراف، علي أنه ليس للهيئة أن تفتح باب المرافعة إلا لأسباب جدية و للهيئة رفض الطلب إذا رأت عدم جديته .
ومن الأسباب الجدية لفتح باب المرافعة أن تظهر واقعة لم تكن معلومة من قبل لها تأثير في الفصل في الدعوى.
و يدخل فتح باب المرافعة في السلطة التقديرية الكاملة لهيئة التحكيم، فهي لا تلتزم بإجابة الخصم إلي طلبه طالما وجدت في عناصر الدعوى ما يكفي لتكوين عقيدتها .
كما لا يلزم أبداء سبب الرف ، علي أنه يجب علي المحكم أن يصدر حكمه في الميعاد القانوني، و ألا يتعلل بأن الدعوى غير مهيأة للحكم .
ويجب ألا تؤدي تلك السلطة التقديرية إلي الإخلال بمبدأ المساواة بين أطراف النزاع و إلا كان الحكم باطلاً.
عالجت غرفة التجارة الدولية هذا الأمر بنصها في المادة 19 علي أنه إذا كان هناك ثلاثة محكمين، فإن الحكم يصدر بأغلبية الآراء، فإذا لم تتوافر هذه الأغلبية، فإن حكم التحكيم يصدر برأي رئيس الهيئة وحده، وهو ما تقضي به المادة 892 من القانون اليوناني، وكذلك المادة 189 من القانون الدولي الخاص السويسري، ومما هو جدير بالذكر، أن قانون التحكيم المصري قد أغفل تنظيم هذا الموضوع ولا نرى مانعاً من تطبيق هذا الاتجاه لمواجهة مشكلة تشتت الأطراف.