ان هناك قواعد للنظام العام الداخلي لكل دولة، وهناك قواعد للنظام العام الدولي، يتعلق بالتعامل الدولي ومصدره هو ما استقر عليه التعامل الدولي وما اقرته احكام التحكيم المختلفة والتي تتفق الى حد بعيد مع قواعد الاخلاق والاداب العامة في المعاملات بين التجار.
لكن السؤال الذي يطرح الآن هو، أي هذين النوعين من قواعد النظام العام يجب على المحكم احترامها عند النظر في النزاع وعند اصدار الحكم؟ لا شك ان المحكم عندما يعالج موضوع النزاع، عليه أن يأخذ بنظر الاعتبار قواعد النظام العام الدولي، اذ ان مخالفة هذه القواعد من قبل الاطراف عند تعاقدهم قد يؤدي كما ذكرنا الى بطلان العقد موضوع النزاع، كذلك على المحكم ان يأخذ بنظر الاعتبار عند اصدار حكم التحكيم قواعد النظام العام للدولة التي سوف ينفذ فيها ذلك الحكم اذا ان عدم احترام تلك القواعد سيؤدي الى رفض الاعتراف بالحكم، وبالتالي عدم تنفيذه وهذا ما قررته مختلف الاتفاقيات الدولية الخاصة بالتحكيم حيث افردت نصوصا خاصا بالاعتراف وتنفيذ احكام التحكيم . مثال ذلك ما جاء في اتفاقية جنيف لعام ۱۹۲۷ حيث نصت على انه اذا اريد الحصول على الاعتراف وتنفيذ الحكم، وفقاً للمادة الاولى من الاتفاقية المذكورة فمن الضروري ان لا يكون حكم التحكيم مخالفا للنظام العام أو المبادئ القانون العام للبلد المراد تنفيذ الحكم فيه المادة الأولى، فقرة (و)).
واعطت اتفاقية نيويورك لعام ١٩٥٨ الحق للدول المتعاقدة في ان ترفض الاعتراف وتنفيذ حكم التحكيم اذا كان في الحكم ما يخالف النظام العام المادة ٥ فقرة ٢/ب).
وعلى الصعيد العربي، نجد ان اتفاقية تنفيذ الاحكام لعام ١٩٥٢ تنص على الحالات التي يمكن فيها للدول ان ترفض تنفيذ حكم التحكيم بقولها: «اذا كان في حكم المحكمين ما يخالف النظام العام او الاداب العامة في الدولة المطلوب اليها التنفيذ، فهي صاحبة السلطة في تقدير كونه كذلك، وعدم تنفيذ ما يتعارض مع النظام العام او الاداب العامة فيها المادة الثالثة فقرة هـ).
ونجد كذلك نصا مماثلا في اتفاقية الرياض للتعاون القضائي لعام ۱۹۸۳، حيث عددت الحالات التي يجوز فيها للدولة ان ترفض الحكم، ومن تلك الحالات حالة ما اذا كان في حكم المحكمين ما يخالف احكام الشريعة الاسلامية او النظام العام او الاداب لدى الطرف المطلوب منه التنفيذ (المادة ۳۷ فقرة هـ).
وجاء ايضا في الفقرة (۲) من المادة الخامسة والثلاثين من الاتفاقية العربية للتحكيم التجاري أنه . .... لا يجوز رفض الأمر بالتنفيذ الا اذا كان القرار مخالفا للنظام العام».