الخدمات

ابواب التحكيم الرئيسية
  • المحكم وهيئة التحكيم / الإلتزام بالفصل في موضوع النزاع خلال مدة التحكيم / الكتب / موسوعة التحكيم (التعليق على قانون التحكيم) / التزام المحكم باصدار الحكم خلال الأجل المتفق عليه

  • الاسم

    د. أحمد مليجي
  • تاريخ النشر

    2011-01-01
  • اسم دار النشر

    النقابة العامة للمحامين لجنة الفكر القانوني
  • عدد الصفحات

    440
  • رقم الصفحة

    152

التفاصيل طباعة نسخ

التزام المحكم باصدار الحكم خلال الأجل المتفق عليه:

إن الأساس الشرعي لولاية التحكيم يكمن في الاتفاق وإعمال حرية الإرادة في مجال العقود الشرعية ، فإذا اتفق الأطراف مع المحكم على إصدار الحكم الفاصل في النزاع خلال مدة زمنية معينة كان لزاما عليه أن يصدر حكمه خلال هذه المدة وهذا يثير بعض المسائل المتعين النظر إليها بعين الاعتبار: المسألة الأولى أن تحديد مهلة التحكيم – أي المدة التي يتعين على المحكم حسم النزاع محل التحكيم خلالها - لا يستقل به المحتكمون دون المحكم ، فهو يعد ضمن بنود اتفاق التحكيم المبرم بين المحكم والمحتكمين ، و يتعين على المحكم أن ينظر لموضوع النزاع وأبعاده وما يتوقع أن يستغرقه من وقت للفصل فيه و يحاول تحديد المهلة الكافية لإنجازه مهمة الفضل في النزاع حتى لا يعد مخلا بأحكام العقد.

المسألة الثانية تكمن في أنه إذا لم يوجد تحديد اتفاقي لمهلة التحكيم فهذا لا يعني ترك أمر تحديد هذه المهلة لمحض إرادة المحكم يتقاعس في إصداره الحكم كيفما شاء ، بل يتعين عليه أن ينهي الفصل في النزاع المعروض عليه في الوقت المنطقي والطبيعي وفقا للمجرى العادي للأمور ، أي أنه إذا لم يوجد تحديد اتفاقي تعين على المحكم الفصل في النزاع في وقت مناسب.

المسألة الثالثة تتمثل في أنه إذا ما انتهت مهلة التحكيم المتفق عليها - في حالة وجود تحديد اتفاقي لمهلة التحكيم - دون الفصل في موضوع النزاع انتهت ولاية المحكم للفصل في هذا النزاع ، و يتوقف الأمر على اتفاق المحتكمين.

موقف الانظمة القانونية من مسؤلية المحكم المدنية 

ولقد ترتب على هذا الموقف - فضلا عن حداثة التنظيم التشريعي كآلية لفض المنازعات في العديد من التشريعات - تباين موقف النظم القض المقارنة ، وكذلك موقف الفكر الفقهي من تحديد القواعد واجبة التطبيق المسئولية المحكم.

و عموما نستطيع التمييز بين اتجاهين قانونيين يذهب الأول منهما إلى تقرير الصيانة للمحكم فلا يسأل وفقا لأحكام المسئولية العادية ، بينما يذهب الاتجاه الثاني اقرار المسئولية المدنية تجاه المحكم عما يقع في مسلكه من أخطاء عقدية أو تقصيرية ، وهذا يدفع الباحث إلى ضرورة عرض منطق هذين الاتجاهين ، ثم الترجيح بينهما عن طريق تحديد نظام المسئولية المتعين إخضاع المحكم له. الاتجاه المعارض التقرير المسئولية المدنية للمحكم:

مضمون الاتجاه المعارض التقرير المسئولية المدنية للمحكم:

تأثرا بالطبيعة القضائية للتحكيم ويكون المحكم يقوم بدور مماثل لما يقوم به القاضي ذهب اتجاه فقهي إلى تقرير حصانة المحكم على ذات النسق المقرر في استان القاضي فلا يسأل إلا على سبيل الاستثناء ، وفي حالات يتعاظم فيها خطوه بالصورة التي لا يمكن معها تقرير عدم مسئوليته كالغش والتواطؤ.

 تقييم الاتجاه المعارض التقرير المسئولية المدنية للمحكم:

 تعليقا على الاتجاه القانوني الذي يذهب إلى تقرير الحصانة القانونية للمحكم في خصوص مسئوليته مدنيا وجعل الأصل عدم جواز مسالته عن الأخطاء المتصور وقوعها منه أثناء مباشرته مهمته التحكيمية وتقرير هذه المسئولية على سبيل الاستثناء في حالات محصورة تدور حول وقوع غش من المحكم أو تحقق وصف الخطأ الجسيم في مسلكه أعتقد علم منطقية هذا الاتجاه كما أری عدم تأييده وذلك للأسباب الاتية :

. أولا : يتأسس الاتجاه المذكور على ركيزة أساسية هي إضفاء الطبيعة القضائية على عمل المحكم وبالتالي تمتعه بنفس الحصانة المقررة للقاضي ، وهذه الركيزة فتقد إلى الأساس القانوني الذي ينهض مبررا لها وذلك لأمرين

١- سبق وأن تعرضنا لطبيعة التحكيم وحقيقة المهمة التي يؤديها المحكم وذكرنا ما تم توجيهه للنظرية القضائية من انتقادات تكفي - في نظرنا - لتأكيد عدم ص حة القول بالطبيعة القضائية لعمل المحكم وهو ما يهدم الركيزة الأساسية للاتجاه محل التعليق. ۲- مع التسليم - جدلا – بالطبيعة القضائية لعمل المحكم فإن هذا لا يعني تمتع المحكم بذات الحصانات المقررة للقاضي ، وهنا تبدو أهمية التمييز بين طبيعة العمل الذي يقوم به المحكم وبين المركز القانوني الذي يشغله المحكم، ذلك أن القول بالطبيعة القضائية لعمل المحكم يقف عند حد النظام القانوني الذي يخضع له هذا العمل من حيث البناء القانوني له والقوة القانونية التي يتمتع بها وأوجه

التي تمنح للخصوم للاعتراض عليه ومدى ما يتمتع به من قوة تنفيذية ب أي حال من الأحوال للقول بتمتع المحكم بنفس المركز القانوني للقاضي ، بغير ذلك يستتبع القول بتمتع المحكم بذات المزايا التي يتمتع بها القاضي  المالية والحصانة القضائية ونظام المسئولية الجنائية وهو ما لم يقل به أحد حتى من أنصار الاتجاه محل التعليق. انا : يتوافر في القاضي من المقومات والمكنات الذهنية والمهنية والعلمية والأخلاقية ما قد لا يتوافر في كثير من المحكمين وهو ما ينهض فارقا جوهريا يحول دون قياس المركز القانوني للمحكم على المركز القانوني للقاضي إذ إن القياس مع الفارق لا يقوم أساسا لإسباغ الحصانة القضائية للقاضي على المحكم. ثالثا : خضوع القاضي للعديد من أوجه التقييم والتقويم والرقابة وهو ما يحول دون فتح المجال أمامه للإضرار بالمتقاضين إذ يوجد في خصوص القاضي نظام خاص التأديب وهو ما يعرف بنظام عدم الصلاحية ، كما أن أحكام القاضي تخضع الإشراف قضائي عن طريق إعمال طرق الطعن في الأحكام ، وهذا كله في النهاية يقيم نظاما متكاملا يستشعر القاضي من خلاله أنه مراقب وأن منهجه في الخصومة القضائية محلا لتقويم أيا كانت صورته ، أضف إلى كل هذا استلزام توافر العديد من الصفات والاشتراطات في الفرد متى يتولى القضاء ، ولا شك أن تخلف جميع هذه المفترضات في خصوص المحكم يجعل من غير السائغ عقلا ومنطقا أن يقال بحصانة المحكم وعدم مساعدته مدنيا إلا في حدود ما يسأل عنه القاضي. رابعا : انتفاء المبرر الذي من أجله شرعت الحصانة القضائية للقاضي في خصوص المسئولية المدنية للمحكم ، ذلك أن تقرير نظام خاص للمسئولية المدنية اللقاضي كان الدافع الأول والأساسي له عدم الزج بالقاضي في عدد لا نهائي من الخصومات التي قد تنشأ بينه وبين المحكوم ضدهم إن تم إخضاع القاضي للقواعد المقامة في المسئولية المدنية وهو ما يعود سلبيا على مرفق القضاء ويحول دون من القضاة من مباشرة مهام وظائفهم التي أوكلت إليهم على نحو مرض يمكن الله تحقيق التفرغ الذهني والنفسي للقضاة للفصل فيما يعرض على مرفق القضاء من خصومات ، وهذا المبرر لا وجود له في خصوص المحكم ، ذلك أن فلسفة التحكيم تختلف بصورة جوهرية عن فلسفة القضاء في هذا الخصوص ، إذا إن المحكم - بخلاف القاضي - يفصل في نزاع واحد ولا تتعدد أمامه الخصومات، كما أن إخضاع المحكم للقواعد العامة للمسئولية المدنية لن ينال مرفق القضاء بأي ضرر كما لن يمس سير العدالة من قريب أو بعيد. خامسا : القول بضرورة تحقيق قدرا من الحصانة للمحكم دعما للتحكيم وتشجيعا له لا ينهض مبررا منطقيا للقول بتمتع المحكم بحصانة تعمل على نفي مسئوليته المدنية عما يقع منه من أخطاء أثناء مباشرته مهمته التحكيمية ، ذلك أن هذه الغاية يمكن تحقيقها من خلال وضع تنظيم قانوني متكامل لكافة المشاكل القانونية التي تعترض مسيرة التحكيم كآلية لحسم المنازعات ، كما أن اعتراف مشرعي الدول بالتحكيم وإصدار القوانين المنظمة والداعمة له يكفي لتحقيق هذه الغاية ، بل وعلى العكس أعتقد أن تقرير مسئولية المحكم عما يصدر عنه من أخطاء يبعث بالثقة في نفوس الأشخاص ويعمل على نزع الخشية من اتباع نظام التحكيم من نفوسهم و يبلد مخاوفهم في هذا الخصوص وهو ما يعد من الأسباب الدافعة لدعم نظام التحكيم وليس العكس.

 رأي الباحث في المسئولية المدنية للقاضي

بداية لا أقصد من عرض آراء فقهائنا الأجلاء بشأن مسئولية القاضي ومدی إلزامه بالضمان في عنوان ثم عرض رأيي في عنوان آخر مستقلا الإشارة إلى أني سأضيف شيئا إلى ما ذكره هؤلاء الفقهاء العظام حاشاي - وكل منصف- ذلك فالعلم كل العلم أن يقر مثلي بجهله وبوار بضاعته إذا ما طالع بعضا من كتب أولئك الأفذاذ الجهابزة الفحول، والفقه كل الفقه في التزام الأدب حال ذكر آرائهم وسرد حججهم والوقوف عند حد لا يجوز تجاوزه وهو ورود بحر علمهم وارتشاف رشفات منه ، ففي هذا الري الشافي والعلم الوافي والفقه الكافي ، ولكن فقط أردت ان اعمد  إلى قراءة كتابات الفقه الإسلامي في هذا الخصوص من منظور واقعي إعمالا لفقه الواقع.

 ان لا يمكن بحال من الأحوال إنزال الأحكام التي أوردها أولئك الأخيار في بخصوص الأحكام الشرعية للقضاة على قضاة اليوم ، فالعدالة الشرعية تأبي ان كما أن المنطق القانوني يرفضه ، إذ إن اختلاف المركز القانوني يقتضي اختلاف المعاملة القانونية.

ولا شك في اختلاف مدلول القضاء في عصرنا عما كان عليه في عهد الدولة الإسلامية وفي ظل الخلافة الراشدة فأين قضاة اليوم من شروط تولي القضاء التي مرت أمهات كتب الفقه الإسلامي بشروطها وبسط أحكامها. .

وهل من المستساغ معاملة القاضي الذي لا يلزم فيه معظم تلك الشروط من الاجتهاد والفقه والعلم بالكتاب والسنة والإجماع والقياس وسائر الأدلة الشرعية ومراتب الأحاديث وطرق الروايات وكيفية الترجيح بين الأقوال والناسخ والمنسوخ والعدالة والورع بنفس معاملة القاضي الذي تتوافر فيه هذه الشروط كحد أدنى التولي القضاء؟!

لا شك أن الترجيح بين أقوال علمائنا الأجلاء في مجال مدى إلزام القاضي بالضمان يجب أن يوضع في عين الاعتبار هذا الفارق وذلك التمييز بين القاضي في نظر فقه الشريعة الإسلامية والقاضي في المنظور الحالي.

هذا : ويمكننا إجمال الخلاف الفقهي السابق الإشارة إليه في عدة نقاط على النحو التالي اولا : لا خلاف بين الفقهاء في ضرورة ثبوت الخطأ في حق القاضي بيقين إما برقراره او بإقامة البينة والدليل على خطئه فلا مناط للبحث عن مسئولية القاضي إلا با تحقق ضرر نشأ عن مسلك القاضي الموصوف بالخطأ وارتبط به ارتباط السبب بالمسبب مایا : اتفق الفقهاء على أنه إذا أمكن تدارك الخطأ الذي وقع فيه القاضي وإزالة الضرر دون اللجوء لقواعد الضمان في الفقه الإسلامي فلا بد من إعمال ذلك.

ثالثا : اتفق الفقهاء على أن الحكم القضائي الذي تضمن قضاء بخلاف الحق

يبطل ويتعين عدم تنفيذه إذا ثبت عدم عدالته قبل التنفيذ وإمكان تدارك آثار .

تم تنفيذه قبل التثبت من عدم عدالته.

 رابعا : أثير الخلاف الفقهي بين فقهائنا حول مسئولية القاضي وإلزامه بالضمان ارتكز هذا الخلاف على عدة نقاط هي:

 1- هل يثبت إلزام القاضي بالضمان إن ثبت خطؤه أم لا؟

 ۲- إذا ما تقرر إلزام القاضي بالضمان فهل يسري ذلك دائما أم في حالات العمر | والخطأ الجسيم فقط؟

 3- إذا ما تقرر إلزام القاضي بالضمان فهل يتحمل هو تبعة ذلك أم يجب تحميل

تبعة الضمان لبيت مال المسلمين؟

 4- إذا ما تقرر إلزام القاضي بالضمان دون بيت المال فهل يقع الإلتزام بأدائه على عاتقه أم على كاهل عاقلته؟ :

وقد سبق سرد الآراء الفقهية التي قيلت في هذا الخصوص وما استندت عليه من أدلة واری - استنادا إلى التقدمة السابقة من ضرورة التمييز بين القضاء في كتب الفقه الإسلامي والقضاء في واقعنا المعاصر- إلزام القاضي بالضمان في ماله الخاص ولكن بضوابط. :

فمن زاوية أولى لا يمكن إعفاء القاضي من كل مسئولية بدعوى أنه لا يعمل الحساب نفسه وأن تبعة عمله على جماعة المسلمين ، ذلك أن تحميل تبعة خطا القاضي لجماعة المسلمين يعني رفع العقاب عن المخطيء وتحميله لمن لم يخطيء وكأن فيه إسناد الخطأ إلى جماعة المسلمين الذين أسندوا مهمة القضاء إلى القاضي الذي ثبت الخطأ في حقه ، كما أن اشتراط حد أدنى من الشروط في القاضي هدفه الوصول إلى من يجدر به تولي القضاء فإن هو أخطا رغم ذلك فقد بذل ولي الأمر - وهو نائب المسلمين - ما في وسعه لتجنب خطأ القاضي.

كما أن القول بإعفاء القاضي من المسئولية فيه ضياع الحقوق وفيه أكل لأموال الناس بالباطل ويخالف نهج الإسلام ومبادئه المستقرة من أنه لا ضرر ولا ضرار وأن الضرر يزال وأنه لا يحل مال امريء مسلم إلا بطيب نفس منه ، إلى غير ذلك من المبادئ المستقرة في فقه المعاملات الشرعية والتي تفيد شخصية العقوبة في الفقه الإسلامي ، سواء في أمر الدنيا أو الآخرة ، وسواء في المجال الجنائي أو المدني.