المحكم وهيئة التحكيم / الإلتزام بالفصل في حدود موضوع النزاع / الكتب / دور القضاء في منازعات التحكيم في القانونين اللبناني والعراقي (دراسة مقارنة) / دور القضاء في التحقق من التزام الهيئة التحكيمية باتفاق التحكيم
دور القضاء في التحقق من التزام الهيئة التحكيمية باتفاق التحكيم
تباشر الهيئة التحكيمية بالمحاكمة التحكيمية من الوقت الذي يتسلم فيه أحد اطراف النزاع من الطرف الآخر اخطارا يوضح رغبته بعرض النزاع على الهيئة. ويبدأ حساب المدة المتفق عليها من تاريخ استلام هذا الإخطار. وتلتزم الهيئة التحكيمية باتفاق التحكيم شرطاً كان أم مشارطة، وتلتزم أيضا بمجلس التحكيم سواء كان تحكيما مطلقا أم عاديا.
التزام الهيئة التحكيمية باتفاق التحكيم في القانون اللبناني
ألزم المشرع اللبناني هيئة التحكيم أمر البت في الخصومة بعد رفع النزاع إليها بتطبيق قواعد القانون وأصول المحاكمة العادية بنص المادة (٧٧٦) أ م م اللبناني: " في التحكيم العادي يطبق المحكم أو المحكمون قواعد القانون وأصول المحاكمة العادية باستثناء ما لا يتفق مع اصول التحكيم ولا سيما القواعد المبينة في هذا الباب".
ويتضح من النص أن على هيئة التحكيم الالتزام باتفاق التحكيم وبأحكام قانون أصول المحاكمات المدنية اللبناني.
وحرص المشرع اللبناني على أن تقوم هيئة التحكيم بتدقيق جميع المستندات والمحررات المقدمة اليها وعند وجود ادعاء من أحد الأطراف أو اكتشافها وجود سندات أو محررات مزورة عليها أن تتوقف عن السير في الإجراءات حتى يعرض المحرر المزور على المحكمة المختصة بنظر النزاع وهي الغرفة الابتدائية وإصدار القرار المناسب وتبليغ الهيئة بالقرار، ثم تعود ثانية للسير بإجراءات التحكيم". وعليها عدم قبول أي طلب أو مستند أو شهادة أو تقرير خبرة بعد تاريخ توقفها عن نظر القضية التحكيمية وذلك لأن القضية وصلت إلى مرحلة اصدار القرار التحكيمي .
وإذا حصل اعتراض على مسألة خارجة عن ولاية الهيئة التحكيمية، أو حصل طعن في ورقة من الاوراق أو اتخذت إجراءات جزائية تتعلق بتزوير المحررات المقدمة للهيئة، فعلى الهيئة التوقف عن السير بالاجراءات لحين صدور الحكم القضائي في معالجة هذه الافعال .
ويرى الكاتب أن توقف الهيئة التحكيمية عن الاستمرار في المحاكمة التحكيمية لحين معالجة المحكمة المختصة بنظر النزاع وصدور الحكم القضائي على الاعتراضات، ليس له ما يبرره ويساهم في البطء بالعملية التحكيمية برمتها والتي من أهم مميزاتها السرعة في الإجراءات، ويقيد عمل الهيئة في حسم النزاع ضمن المدة المتفق عليها بين اطراف النزاع والهيئة. ويأمل من المشرع اللبناني اعادة صياغة هذه المادة باتجاه يضمن استمرار عمل الهيئة في المحاكمة (المرافعة) التحكيمية.
التزام الهيئة التحكيمية باتفاق التحكيم في القانون العراقي
ألزم المشرع العراقي الهيئة التحكيمية الفصل بالنزاع على أساس اتفاق التحكيم (عقد التحكيم)، وذلك بنص المادة (٢٦٦) من قانون المرافعات المدنية : " يفصل المحكمون في النزاع على أساس عقد التحكيم أو شرطه والمستندات وما يقدمه الخصوم لهم وعلى المحكمين أن يحددوا لهم مدة لتقديم لوائحهم ومستنداتهم ويجوز لهم الفصل في النزاع بناء على الطلبات والمستندات المقدمة من جانب واحد اذا تخلف الطرف الآخر عن تقديم ما لديه من اوجه الدفاع في المدة المحددة". يقودنا هذا النص أن على هيئة التحكيم الفصل في النزاع واصدار قرارها التحكيمي على أساس اتفاق التحكيم سواء كان شرطا أو مشارطة، وعلى أساس ما يقدم اليها من وثائق، وبإمكانها ان تنظر بالنزاع وتصدر قرار التحكيم بناء على الطلبات والمستندات التي قدمها أحد الأطراف عند امتناع أو إهمال الطرف الآخر عن تقديم ما لديه من مستندات أو أوراق أو محررات أو دفوع ضمن المدة المتفق عليها .
وتأييدا لذلك قضت محكمة التمييز لدى" عطف الهيئة العامة بالنظر على قرار التحكيم وجد أن هيئة التحكيم اتبعت في تحقيقاتها الاوضاع والاجراءات المقررة في قانون المرافعات المدنية وأصدروا قرارهم في النزاع استنادا لما قدمه كل من الطرفين من مستندات على النحو الموضح في قرار التحكيم، لذا يكون الحكم المميز بما قضى به صحيحاً وموافقا للقانون" .
وقضت محكمة التمييز كذلك: "... ولدى النظر في الحكم المميز وجد أن محكمة الاستئناف كانت قد اتبعت قراري النقض الصادرين من محكمة التمييز المرقمين ٩٤٥/م١ منقول / ۲۰۰۱ في ۲۰۰۱/۷/۱۸ و ۲۲۵۲/م۱ منقول/ ٢٠٠١ في/٢/٩ ۲۰۰٢ وقامت بتعيين محكم ثالث في موضوع التحكيم بدلا عن المحكم المتوفي وافهم المحكمون بتباع الاجراءات المقررة في قانون المرافعات بان يكون الفصل في النزاع على اساس عقد التحكيم أو شرطه . وقد تبين من وقائع الدعوى بان المحكمين قد فصلا في النزاع على أساس عقد الطرفين وما قدمه وكيلاهما من أقوال ودفوع والكتب واللوائح المتبادلة بينهما واطلاعهم على الاضبارة الادارية لشركة الكبريت والمستمسكات الاخرى تمشياً مع أحكام المواد ٢٦٦ و ٢٦٧ / مرافعات واصدروا قرارهم المؤرخ في ٠٠٢/٦/٣٠ ۲ عملا بأحكام المادة ۲۷۰ / مرافعات ايضاً وأن محكمة الاستئناف قررت تصديق قرار التحكيم المتضمن إلزام كل من طرفي التحكيم بالواجبات المترتبة عليه وبالشكل المفصل والموضح بالحكم الاستئنافي المؤرخ 2002/10/6 ووفق ما جاء بقرار التحكيم المشار اليه المؤرخ ٢٠٠٢/٦/٣٠ وحيث أن قرار التحكيم جاء متماشيا مع أحكام القانون وان تصديقه لهذا السبب من قبل المحكمة المختصة استنادا لأحكام المادة ٢٧٤/ مرافعات كان متفقاً مع أحكام القانون أيضا فعليه ومن أجل ذلك يصبح الحكم الاستئنافي المميز بما قضى به صحيحاً وموافقاً لأحكام القانون ورد الطعون التمييزية...
وتتولى هيئة التحكيم مجتمعا نظر الدعوى التحكيمية، حيث نصت المادة (٢٦٧) من قانون المرافعات المدنية على : يتولى المحكمون مجتمعين اجراءات التحقيق ويوقع كل منهم على المحاضر ما لم يكونوا قد انتدبوا واحداً منهم لإجراءات معينة وأثبتوا ذلك في المحضر".
وعليه يجب على هيئة التحكيم اجراء التحقيق بكامل أعضائها. وهذه قاعده من النظام العام اذ لا يجوز لأحد المحكمين الاستقلال بمفرده في التحقيق إلا إذا تم انتدابه من جانب الهيئة التحكيمية. وعلى جميع اعضاء الهيئة التحكيمية حضور جلسات التحكيم أسوة بالقضاة الذين يصدرون الحكم القضائي بعد حضورهم جلسات المرافعة للقضية المعروضة أمام المحكمة ويقومون بالتوقيع على الحكم القضائي. وعلى هيئة التحكيم الالتزام التام باتفاق التحكيم حتى لو أراد أحد الخصوم رفع الدعوى أمام القضاء في حين اتفق الخصمان على احالة النزاع للتحكيم وعليها الاستمرار بإجراءات التحكيم دون الالتفات لطلب هذا الطرف.
وتطبيقا لذلك فقد قضت محكمة التمييز الاتحادية العراقية: "عند النظر في الحكم المميز وجد أنه صحيح وموافق لأحكام القانون لان الطرفين اتفقا على التحكيم استنادا إلى احكام الفقرة (۲۲) من عقد تشغيل محطة تعبئة المؤرخ في ٢٠٠٦/١٠/١٧ سيما وان طلب التحكيم تم تقديمه بتاريخ ۲۰۱۷/۱/۱٦ (أي بعد اقامة الدعوى بتاريخ (۲۰۱۷/۱/۲) وعملا بأحكام المادة (۱/۲۵۳) من قانون المرافعات المدنية التي نصت على أنه اذا اتفق الخصوم على التحكيم في نزاع فلا يجوز رفع الدعوى أمام القضاء الا بعد استنفاذ طريق التحكيم سيما وأن المدعى عليه طلب في الجلسة الاولى احالة النزاع إلى التحكيم وتقديم طلب بذلك مما يكون ذلك منسجما مع نص الفقرة (۲) من المادة (۲۵۳) من قانون المرافعات المدنية لذا تكون دعوى المدعيين ومنهم المميز سابقة لأوانها وموجبة للرد.
وعلى هيئة التحكيم الالتزام باتفاق التحكيم من حيث المدة المتفق عليها لإنجاز التحكيم والاحوال الطارئة عليه. وقد ألزم المشرع العراقي هيئة التحكيم التقيد بنص المادة (٢٦٢) من قانون المرافعات المدنية :
1- اذا قيد التحكيم بوقت زال بمروره ما لم يتفق الخصوم على تمديد المدة.
2- اذا لم يشترط مدة لصدور قرار المحكمين وجب عليهم إصداره خلال ستة أشهر من تاريخ قبولهم التحكيم.
3- في حال وفاة أحد الخصوم أو عزل المحكم أو تقديم طلب برده يمتد الميعاد المحدد لإصدار قرار التحكيم إلى المده التي يزول فيها هذا المانع".
يستدل من النص أعلاه ما يأتي:
1- تتجه إرادة طرفي التحكيم إلى تحديد مدة محددة لهيئة التحكيم لإنجاز المهمة المكلفة بها وإصدار قرار التحكيم الفاصل بالنزاع قبل انتهاء هذه المدة. وإذا انتهت المدة ولم تصدر هيئة التحكيم قرارها ولم يتفق الخصوم على تمديد المدة إلى مدة أخرى انتهت ولاية الهيئة ولم تعد قادرة على إصدار القرار الفاصل بالنزاع.
2- إذا اتجهت إرادة الخصوم إلى التمسك بالتحكيم كطريق لفض نزاعهم فعليهم الاتفاق على تعيين محكمين جدد، وإذا لم يفعلوا هذا فانهم يقومون بمراجعة المحكمة المختصة بنظر النزاع لتعيين محكمين جدد، وهنا تبدأ مدة جديدة للتحكيم من تاريخ قبول المحكمين الجدد للمهمة التحكيمية.
3- اذا لم يتفق الخصوم على مدة محددة لإنهاء المسألة التحكيمية وجب على هيئة التحكيم إصدار قرارها خلال ستة أشهر من تاريخ قبولها مهمة التحكيم.
4 - اذا حصلت حالة وفاة لاحد الخصوم، أو عزل المحكم، أو طلب رده من أحد الخصوم أو كليهما وحصل انقطاع في عمل هيئة التحكيم يمتد عملها لحين زوال أحد هذه الاسباب وتحسب المدة الجديدة من بعد زوال الحالة التي دعت الهيئة إلى التوقف عن عملها.
وزوال سبب وفاة أحد الخصوم يثبت عن طرق القسام الشرعي الذي يصدر من المحكمة الشرعية المختصة ويسمى به ورثة الخصم المتوفي ويتم تبليغه من هيئة التحكيم لحضور جلسات التحكيم وتبدأ المدة الجديدة بعد تبليغ طرفي التحكيم بزوال هذا السبب. أما في حالة عزل المحكم أو رده يتم تعيين محكم بديلا عنه من قبل الخصوم أو من المحكمة المختصة ويمتد ميعاد اصدار الهيئة لقرار التحكيم بعد تعيين المحكم الجديد .
التزام الهيئة التحكيمية بمجلس التحكيم
تجدر الاشارة إلى أن هناك صنفين من المحكمين محكمون بالصلح (التحكيم المطلق) ومحكمون بالقضاء التحكيم العادي. ولكل منهما التزاماته وطبيعة عمله وكالآتي:
أولاً: المحكمون بالصلح (التحكيم المطلق) :
يمنح اتفاق التحكيم المحكم المفوض بالصلح سلطة الفصل في النزاع بصورة مطلقة استنادا إلى قواعد العدالة والإنصاف مع إعفائه من الالتزام بإجراءات المحاكمة العادية وقواعد القانون، أو بأية قاعدة قانونية أخرى باستثناء ما يتعلق منها بالنظام العام، على أن يثبت هذا التحكيم بنص صريح في اتفاق التحكيم أو في اتفاق مستقل .
وفي هذا النوع من التحكيم يتم اختيار المحكم أو هيئة التحكيم من قبل أطراف النزاع على أساس الثقة الكبيرة والمطلقة بهم ويتمتعون بسلطات واسعة، لذلك فرأيهم محترم والصلح الذي توصلوا إليه معتبر ولا يجوز الطعن به إلا إذا خالف قاعدة من قواعد النظام العام أو الآداب. ووفقا لنص للمادة (٦۹۸) من القانون المدني العراقي رقم ٤٠ لسنة ١٩٥١ الصلح عقد يرفع النزاع ويقطع الخصومة بالتراضي"، ي"، ونص المادة (۷۱۲) إذا تم الصلح فلا يجوز لأحد من المتصالحين الرجوع فيه ويملك المدعي بالصلح بدل وتسقط دعواه".
ومن الجدير بالذكر أن هذا النوع من التحكيم لا يتجزأ موضوعه لأنه من غير الجائز أن يتصالح الخصوم عن جزء من أشكال الخصومة ويترك الجزء الآخر قائما، ذلك أن الصلح لا يتجزأ وبطلان جزء منه يلحق ببطلان العقد إلا أن المشرع العراقي استثنى من هذه القاعدة الصلح الذي يقع على أجزاء من مشتملات العقد إذا تبين من اعتبارات العقد والظروف المحيطة بالمتعاقدين تتطلب وقوع الصلح على أجزاء من العقد باعتبارها مستقلة عن الاجزاء الأخرى، فلا يتعرض قرار المصالح على هذا الجزء إلى البطلان.
ثانياً: محكمون بالقضاء (التحكيم العادي):
في هذا النوع من التحكيم تتبع الهيئة التحكيمية أو المحكم القواعد القانونية المطبقة في المرافعة وأصول المحاكمة العادية المتفق عليه من قبل الأطراف ما لم يعف الأطراف صراحة الهيئة من السير بمقتضاها أو صياغة اجراءات أخرى للسير عليها باستثناء ما يتعلق بالنظام العام. وفقا للمادة (٧٧٦) أ م م اللبناني: "... يجوز للخصوم إعفاء المحكم أو المحكمين من تطبيق أصول المحاكمة العادية أو بعضها، باستثناء تلك التي تتعلق بالنظام العام وبشرط أن تكون متفقة مع قواعد وأصول التحكيم... والمادة (١/٢٦٥) من قانون المرافعات المدنية العراقي على أنه : " يجب على المحكمين إتباع الأوضاع والإجراءات المقررة في قانون المرافعات إلا إذا تضمن الاتفاق على التحكيم أو أي اتفاق لاحق عليه إعفاء المحكمين منها صراحة أو وضع إجراءات معينة يسير عليها المحكمون".
يُستدل من النصوص القانونية في القانونين اللبناني والعراقي بأن هناك فروقات كثيرة بين التحكيم بالصلح والتحكيم بالقانون تتجسد بمدى إلتزام المحكم بالقانون الموضوعي المطبق على موضوع النزاع وباتفاق التحكيم وباجراءات التحكيم.
ففي التحكيم بالصلح (التحكيم المطلق)، يعفى المحكم من تطبيق قانون معين ومن إجراءات التقاضي الأساسية أمام المحاكم العادية دون حاجة لإتفاق الخصوم عليها باستثناء عدم جواز الإعفاء من الإجراءات المتعلقة بالنظام العام.
أما التحكيم بالقضاء ( التحكيم العادي)، فأن المحكم يصدر قراره التحكيمي بحسب القواعد الموضوعية في القانون المتفق على تطبيقه على موضوع النزاع، كأن يكون القانون اللبناني أو العراقي، وليس للمحكم الخروج على هذه القواعد والحكم بمقتضى العدالة لأن ذلك سيعرض قراره للطعون القانونية.