بموجب هذا السبب الوارد في المادة الخامسة فقرة (۱) (ج) من إتفاقية نيويورك، يجوز رفض الإعتراف بحكم التحكيم وتنفيذه إذا أثبت الخصم الذى يُحتج عليه بالحكم "أن الحكم فصل في نزاع غير وارد في مشارطة التحكيم أو في عقد التحكيم، أو تجاوز حدودهما فيما قضى.
ويتضح مما تقدم، أن هذا النص يتضمن حالتين مختلفتين لرفض تنفيذ حكم التحكيم لخروجه عن نطاق إتفاق التحكيم الأولى تجاوز هيئة التحكيم لإختصاصها في نظر النزاع "Extra Petita"، وذلك بأن يتضمن حكم التحكيم الذى أصدرته، فصلاً في موضوع لم يرد في إتفاق التحكيم، والثانية : أن يتضمن حكم التحكيم بعض المسائل التي لم ترد في إتفاق التحكيم، ولم يطلب الطرفان حسمها بطريق التحكيم، ” Ultra Petita ، ومثل هذا الأمر يعتبر تجاوزاً لسلطة المحكمين في نظر النزاع، ويتحقق ذلك عندما يقضوا بشيء لم يطلبه الخصوم، أو بأكثر ممـــا طلبوه .
كما وضعت المادة الخامسة (۱) (ج) من الإتفاقية حلاً للفرض الذى يكون هناك حكم تحكيم صدر في جزء منه في مُنازعة قابلة للتسوية بالتحكيم، ويُمكن فصله عن بقية الحكم الذي صدر بشأن منازعة لم يتفق على تسويتها بطريق التحكيم، وهو فرض على جانب كبير من الأهمية.
حيث أقرت في هذه الحالة إمكانية الإعتراف والتنفيذ لهذا الجزء من حكم التحكيم، وذلك حين نصت على أنه : "ومع ذلك يجوز الإعتراف وتنفيذ جزء من الحكم الخاضع أصلاً للتسوية بطريق التحكيم، إذا أمكن فصله عن باقي أجزاء الحكم الغير مُتفق على حلها بهذا الطريق“ ،وبذلك يتبين أن الإتفاقية ترغب في الحفاظ على ذلك الجزء من الحكم الذي لم يُصبه عيب تجاوز الإختصاص .
وهكذا، يمكن القول بأن الفقرة (۱)(ج)، تُكمل الفقرة (۱)(أ)، حيث أن هذين السبيين متشابهين فى طبيعتهما ، من حيث أن أساس رفض التنفيذ فى كليهما هو غياب الأساس الإتفاقي ففي كلتا الحالتين، فإن المحكم قد فصل فى النزاع فى ظل عدم وجود إتفاق تحكيم، إما لأن هذا الإتفاق لاغ كما هو الحال في الفقرة (۱) (أ)، أو لأنه لا يشمل موضوع المسألة التي تناولها المحكم في حكمه كما هو الوضع في الفقرة (۱) (ج)، مما يجعله جديراً برفض التنفيذ.
ولهذا السبب، تورد معظم قوانين التحكيم السببين المذكورين بالفقرتين (۱)(أ)، (ج) ضمن سبب واحد للطعن بالبطلان على حكم التحكيم ١٩٧٢ ، كما هو الحال فى المادة ١٥٠٢(١) مــن قانون الإجراءات المدنية الفرنسي ، أو كسببين مستقلين، كمـا هـو الوضع في المـادة ٥٣(١) (أ)، (و) من قانون التحكيم المصرى أو أنها تشير بوجه عام إلى "عدم وجود إتفاق تحکیم صحیح ، كما هو الحال في المادة ١٠٦٥ (١) (أ) من قانون الإجراءات المدنية الهولندى
وعلى الرغم من شيوع إستخدام هذا الدفع كسبب للطعن على أحكام التحكيم، إلا أن الثابت أن غالبية محاكم التنفيذ لاترغب في الحد من الولاية الخاصة لهيئة التحكيم" ، سيما وأن صياغة هذا الدفع تؤيد الإتجاه نحو التنفيذ ، ومنح السلطة التقديرية للمحاكم في تنفيذ الجزء من الحكم الذي يقع ضمن إطار الإتفاق .
السلطة التقديرية للمحاكم في تفسير الدفع بتجاوز الإختصاص أو السلطة
أخذاً في الإعتبار إنحياز الإتفاقية إلي التنفيذ، فإنه يتعين تفسير المادة الخامسة (۱)(ج) تفسيراً ضيقاً ، وهو ما يعنى بالمقابل أنه: "ينبغى أن تفسر سلطة هيئة التحكيم تفسيراً واسعاً، إنسجاماً مع السياسة التي تتبعها الإتفاقية لتيسير التنفيذ، والسياسة المؤيدة للتحكيم“ بحيث لايتم رفض التنفيذ إلا : "في الحالات الجسيمة فقط».
وطبقاً للإتفاقية فإن القاعدة العامة في الإثبات أنه لا يجوز رفض الإعتراف بحكم التحكيم ورفض تنفيذه – إستناداً لما ورد بصدر المادة الخامسة (۱) (ج) من الإتفاقية – إلا إذا أثبت الطرف المراد التنفيذ عليه أن المحكمين قد تجاوزوا نطاق سلطتهم، وفي حال غياب مثل هذا الدليل ،فإنه يُفترض أن المحكمين قد تصرفوا فى حدود سلطتهم، ومع ذلك، فإنه يجوز للمحكمة ومن تلقاء نفسها، أن ترفض الاعتراف بحكم التحكيم وتنفيذه، إذا ما توافرت فيه كل من شروط تطبيق المادتين الخامسة (۱)(ج)، (۲)(ب) من إتفاقية نيويورك .
وتتجه المحاكم الوطنية في غالب الأحوال، وإعمالاً لسلطتها التقديرية المستقاة من الصيغة الجوازية الواردة في صدر المادة الخامسة (۱) ، والمستخدمة في النصين الإنجليزي، والأسباني، إلى الأمر بتنفيذ حكم التحكيم ، حتى إذا ما ثبت أن المحكمين قد جاوزوا حدود هذه السلطة، في الحالة التي تجىء فيها المعارضة فى التنفيذ تعسفية .
ولاشك أن من بين هذه الأهداف، هو النأي بالتحكيم عن سيطرة وتبعية القضاء، وإسباغ الحماية الدولية على أحكامه بحيث يُترك لهيئة التحكيم - في ضوء معيار ثابت ومحدد – الفصل في حدود إختصاصها بنظر النزاع مالم يكن الخروج عن نطاق هذا الإختصاص جلياً ويُشكل لمُخالفة جسيمة للمُهمة الموكولة إليها.
نطاق إختصاص المحكمين
يُحدد إتفاق التحكيم إطار إختصاص المحكمين، إلا أن هذا الإختصاص يتحدد من الناحية الزمنية بالمواعيد القانونية التي يتعين أن يجرى التحكيم خلالها، مما يتحتم في هذا الصدد بحث أثــــر تجاوز هيئة التحكيم للمواعيد القانونية المقررة لبدء إجراءات التحكيم على إختصاصها، كما يتعين هذا الإختصاص بأطراف التحكيم، ولا يمتد إلى غيرهم إلا في الحالات المقررة قانوناً، وهـذا هـو ما نبحثه في البنود التالية.
أولاً : إتفاق الأطراف:
وفى هذا السياق، قضت محكمة النقض المصرية بأن: "التحكيم طريق إستثنائي لفض المنازعات قوامه الخروج عن طرق التقاضي العادية وما تكفله من ضمانات، ومن ثم يتعين أن تتضمن مشارطة التحكيم تعييناً لموضوع النزاع حتى تتحدد ولاية المحكمين ويتثنى مراقبة إلتزامهم بحدود ولايتهم....
ومؤدى ذلك : أن تقتصر ولاية هيئة التحكيم على نظر موضوع النزاع الذي تنصرف إليـــه إرادة المحتكمين، فإذا فصلت في مسألة لا يشملها هذا الموضوع أو تجاوزت نطاقه، فإن قضائها بشأنه يضحى واراداً على غير محل من خصومة التحكيم، وصادراً من جهة لاولاية لها بالفصل فيه لدخوله في إختصاص جهة القضاء صاحبة الولاية العامة بنظره .
ويُمكن أن يتمثل تجاوز إختصاص المحكمين على سبيل المثال، عندما تقضى الهيئة بالتعويض عن الأضرار اللاحقة حال أن العقد المبرم بين الطرفين ينص صراحة على إستبعاد مثل هذا النوع من التعويضات، وكذلك عندما تقضى أيضاً بتعويضات لم يُنص عليها في العقد على الرغم مـــن إعتراض أحد الطرفين ، أو عندما تصدر حكماً إستناداً إلى أُسس قانونية تغاير تلك التي حددها أحد الطرفين في طلباته، وعلى سبيل المثال، عندما تقضى هيئة التحكيم برفض طلب المحتكم التعويض المستحق له طبقاً لعقد ضمان الإئتمان، ثم تقضى له بالتعويض على أساس قواعد المسئولية التقصيرية ".
بيد أنه من الملاحظ أن هناك إختلافاً بيناً بين النصين الإنجليزي والفرنسي للمــادة الخامسة (۱) (ج) من الإتفاقية بالنسبة مُسمى هذا الإتفاق، حيث يُشير النص الإنجليزى إلى مشارطة التحكيم“ ، بينما يستخدم النص الفرنسى مُصطلحين مُغايرين . "، وهما إتفاق التحكيم، شرط التحكيم“ ، للإشارة إلى نوعين من الإتفاقات .
وعلى الرغم من هذا التباين الإصطلاحي، فلايوجد في تقديرنا – مايُشير بداهة، إلى أن النسخة الإنجليزية لا تستوعب المسمى الآخر لهذا الإتفاق بنوعيه على النحو الوارد في النص الفرنسي ، سيما وأن الثابت من نص المادة ۲(۲) من الإتفاقية – في نسختيها الإنجليزية والفرنسية – أنها تتضمن الإشارة إلى: أي شرط تحكيم يرد في عقد أو أي إتفاق تحكيم موقع عليه من الطرفين أو وارد في رسائل أو برقيات متبادلة، بما يُمكن معه أن يتسع تفسير النص الإنجليزي لكافة صور الإتفاق على التحكيم كخطابات التأكيد التي يُتفق على تبادلها بين الطرفين أو مايجرى عليه العرف، وبالتالي، فإنه لا يحول دون تطبيق نص المادة الخامسة (۱) (ج) من الإتفاقية، ثبوت تجاوز المحكمين حدود إختصاصهم المحدد في إتفاق التحكيم، شرطاً كان أو مشارطة.
ومع ذلك، فإن المشكلة قد تثور في تحديد ما يعتبر مُتصلاً بموضوع النزاع – في ضوء إتفاق الأطراف - وما يخرج عنه، وتحديد ما يُعتبر متصلاً بهذا الموضوع من طلبات عارضة، فيجوز قبولها، ومالا يعتبر كذلك، فيتعين عدم قبولها، ضوء أن نص الإتفاقية يعتنق الصيغة الجوازية، مما يسمح للمحاكم الوطنية - وفى غياب معيار لذلك – بمساحة كبيرة من الحرية في رفض التنفيذ، وقد تجلت أبعاد هذه المشكلة في بعض القضايا التي عرضت للتنفيذ أمام المحاكم الوطنية، والتي أثير فيها الدفع بتجاوز المحكمين نطاق إختصاصهم.
وعلى سبيل المثال، وعلى الرغم من الصياغة الغامضة للفقرة (۱) (ج) من المادة الخامسة، فإن بعض المحاكم قضت برفض تنفيذ أحكام التحكيم لتجاوز المحكمين نطاق إختصاصهم
ففي قضية Tiong Huat Rubber Factory (SDN)BHD v. Wab -Cbang Int'l Co. & Wab-Cbang Int'l Co، كان الطرفين قد أبرما عقداً. يوجب على المحتكم ضده تقديم خطاب إعتماد، وقد تضمن هذا العقد شرطاً بإجراء التحكيم في ماليزيا يُقرأ على النحو التالي : "كافة المنازعات المتعلقة بنوعية أو حالة المطاط، أو أى نزاعات أُخرى تنشأ في ظل نصوص هذا العقد، يجب تسويتها عن طريق التحكيم، وإذ لم يقدم المذكور هذا الخطاب، أقام المحتكم دعواه لعدم السداد، وفيها أصدرت هيئة التحكيم حكماً لصالحه وعندما سعى لتنفيذه، نازع فيه المحتكم ضده مُقرراً أن شرط التحكيم يسرى على المنازعات المتعلقة بالجودة والحجم والوزن، ولاتشمل خطابات الإعتماد، ولذلك فإن هذا الشرط لا يمنح المحكمين سلطة إصدار حكم يتعلق بالنتائج المترتبة على عدم فتح خطاب الإعتماد.
بيد أن المحكمة العليا في Hong Kong رفضت هذا الدفع مُقررةً أن "واضعى المسودة قصدوا شيئاً من وراء إضافة الكلمات أو نزاعات أخرى تنشأ في ظل نصوص هذا العقد، وأن السداد هو عنصر حاسم في كافة العقود المتعلقة ببيع السلع ، وأمرت بالتالي بالتنفيذ.
إلا أن محكمة الإستئناف في هونج كونج، تبنت رأياً مخالفاً مفاده أن شرط التحكيم لم يكن واسع النطاق بحيث يكفي ليشمل كافة الأمور المتنازع عليها، ولاحظت المحكمة أن: "نصوص العقد، تغطى شروطاً مُحددة، دون أن تشمل خطابات الإعتماد، ولاحظت أنه "لا يمكنها تجاهـــل أياً من تلك الكلمات أو نزاعات أُخرى تنشأ في ظل نصوص هذا العقد، كما أنه لا يحق لها كتابة شرط تحكيم جديد للأطراف، لإعطاءه فعالية أكثر من وجهة النظر التجارية، لجعل جميع النزاعات التي تنشأ في إطار واحد أو أكثر من الإتفاقات تُنظر من قبل نفس الهيئة “.
وفى الواقع، فإنه لا يمكن قبول الرأى الأخير، إذ أنه لا يمكن أن يكون المقصود بذلك هو أن التحكيم يشمل الإدعاءات الخاصة بجودة وحجم ووزن البضاعة المباعة، في حين ينحسر عن تلك النزاعات المرتبطة بها والتي تدور وجوداً وعدماً معها، وهى المتعلقة بعدم القبول أو عدم الدفع ومنها النزاع بشأن خطاب الإعتماد ، فتختص بها السُلطة القضائية، إذ أن ذلك فضلاً. عن أنه يؤدى إلى تجزئة النزاع، مما قد يؤدى إلى تشتت الأطراف، فإنه يُفضى إلى تنامى ظاهرة الدعاوى الموازية للتحكيم والتي تنشأ عن ذات النزاع ، وهو ما يهدد فاعليته بما قد يؤثر على النفاذ الدولى لمــا يصدر فيه من أحكام.
وعلى نحو مشابه، قضت محكمة إستئناف القاهرة ، بأنه إذا كان شرط التحكيم ينص على إختصاص الهيئة بالفصل فى كل نزاع ينشأ عن تفسير أو تأويل بنود العقد، فإن الهيئــة لاتخـتـص بالفصل فى النزاع حول عدم تنفيذ الإلتزامات الناشئة عنه، ويكون حكمها بإلزام المحتكم ضدها بآداء مبالغ مُعينة مُستحقة للمُحتكم أو بتعويض عن إخلال المحتكم ضدها بإلتزاماتها العقديــــة باطلاً، إذ فصل في مسائل لا يشملها إتفاق التحكيم.
وهذا القضاء أيضاً محل نظر، إذ أنه يتسم بالصرامة المفرطة، فضلاً عن أنه لا يتماشى مع الهدف العام لإتفاقية نيويورك، وهو الحث على التنفيذ، فلايمكن بداهةً تصور أن يكون دور هيئة التحكيم في نظر النزاع قاصراً على كل نزاع ينشأ عن تفسير أو تأويل بنود العقد، وأنه ينحــــر عـــن النزاعات الناشئة عن هذا التفسير، فضلاً عن أن محكمة البطلان في هذه الدعوى قد منحت نفسها سلطة تفسير العقد وماقد ينشأ عن ذلك من نزاعات بينما حرمت هيئة التحكيم من سلطة التفسير حال أنها بنص العقد هي المنوط بها القيام بذلك، وبيان مايندرج من نزاعات في إطار هذا التفسير.
ومما يؤكد ذلك، ماذهبت إليه ذات المحكمة في حكم حديث لها من رفض دعوى البطلان المستندة إلى تجاوز حكم التحكيم لحدود إتفاق التحكيم ، مشيرةً في ذلك إلى أن الشركة المحتكمة قد حدَدَت طلباتها فى بيان دعواها في مواجهة المحتكم ضدها، وإلتزم بذلك الحكم في قضائه حدود تلك الطلبات، وهو يستقيم فى معناه مع العبارة التي وردت باتفاق التحكيم من أنه يلتجأ للتحكيم عند وقوع خلاف أو نزاع بشأن تفسير أو تنفيذ أى شرط أو حكم من شروط وأحكام العقد بما تعنيه من الإلتجاء للتحكيم لحسم كل المنازعات التي يمكن أن تنشأ بين طرفي العقد بمناسبة العقد.
وعلى الجانب الآخر، وفي قضية Sojuznefteexport (USSR) v. Jo Oil (Limited (Bermuda، أصدر هيئة التحكيم في إتحاد التحكيم التجاري الأجنبي في موسكو حكماً تحكيمياً لصالح شركة البترول السوفيتية "Sojuznefteexport“ ضد شركة البترول البرمودية ” Joc Oil ، وكانت الأخيرة قد دفعت أثناء إجراءات التحكيم ببطلان العقد لعدم اشتماله علي توقيعين ممن يملكون السلطة بذلك على نحو ما يوجبه القانون السوفييتي، إلا أن الهيئة قضت بصحة شرط التحكيم إستناداً الي مبدأ إستقلاله عن العقد الأصلي.
وعند عرض النزاع على محكمة إستئناف Bermuda إرتأت أن المحكمين – عندما قضوا بصحة شرط التحكيم لم يتجاوزوا بذلك نطاق سلطتهم، وقد استهلت المحكمة حكمها مقررةً أن القانون الواجب التطبيق علي مسألة تحديد نطاق إتفاق التحكيم ليس هو نفسه قانون محكمــة التنفيذ، وإنما هو القانون الساري علي إتفاق التحكيم، ورتبت المحكمة على ذلك، أنه طالما أن شرط التحكيم يشمل كافة المنازعات أو الخلافات التي قد تنشأ في ظل هذا العقد، أو فيمايتصل به“، فإنه يستوعب بوجه خاص، المنازعات المتعلقة بنتائج بطلان العقد، وخلصت المحكمة من ذلك إلي أن هيئة التحكيم لم تجاوز حدود إختصاصها.
وفي قضية - Management & Technical Consultants S.A. v. Parsons Jurden Intel Corp كان الطرفين قد أبرما إتفاقاً يلتزم المحتكم بموجبه بمساعدة المحتكم ضده في الحصول علي عقد مع حكومة إيران لتطوير مرافق التعدين وقد تضمن هذا الإتفاق النص علي أنه إذا حصل المحتكم ضده علي العقد، يتعين عليه أن يُسدد الي المحتكم نسبة خمسة بالمائة من إجمالي أتعابه، إلا أن الطرفين إختلفا فيما بعد حول مدلول العبارة الأخيرة، مما حدا بهما إلى إبرام خطاب إتفاق يوافق بموجبه المحتكم ضده علي سداد مبلغ إضافي للمحتكم من قيمة المبالغ المتنازع عليها والذي يشتمل علي النص التالي:
” يوافق المحتكم ضده بموجب هذا على أنه إذا تجاوزت أتعابه الإجمالية مبلغ ٣٥٠ مليون دولار فإنه يحق للمُحتكم أن يأخذ من المحتكم ضده مبلغ إضافي وفي هذه الحالة، وفي ذلك الحين يتفاوض المحتكم حول بنود وشروط السداد إلي المحتكم .
كما إشتمل خطاب الإتفاق أيضاً علي شرط للتحكيم ينص علي أن: "أي نزاع ينشأ فيما بيننا فيما يتعلق بخطاب الإتفاق هذا ولا يمكن تسويته بالطرق الودية .. ينبغي تسويته بواسطة التحكيم الذي يكون أمام هيئة مكونة من ثلاثة محكمين... ».
وعندما إستمر الخلاف حول "إجمالي الأتعاب“ تم البدء في إجراءات التحكيم، حتى صدر حكم التحكيم، ثم نازع المحتكم ضده لاحقاً في تنفيذه، مدعياً أن المحكمين قد تجاوزوا سلطتهم بإصدارهم حكم حول موضوع كان ينبغى تسويته من خلال التفاوض بين الطرفين، وفقاً لشرط التحكيم الوارد في خطاب الإتفاق ".
إلا أن المحكمة المحلية لوسط ولاية كاليفورنيا الأمريكية رفضت هذا الدفع، وأيدتهما في ذلـك الدائرة التاسعة بمحكمة الإستئناف الأمريكية، والتى خلصت إلى رفض دعوي المحتكم ضده مقررةً أنه: "لايشمل إتفاق التحكيم في أي نزاع دون إستثناء أو إستبعاد محدد، النزاع فقط من الناحية المنطقية، بل يتضمن أيضاً النتائج التي يستتبعها بطبيعة الحال هنا قيمة المبلغ الإضافي، ومن خــلال الإتفاق علي التحكيم في مسألة تحديد ما إذا كانت الأرباح قد بلغت ٣٥٠ مليون دولار، وباستخدام هذه اللهجة المطلقة في خطاب الإتفاق .. نجد أن الطرفين قد خولوا أيضاً هيئة التحكيم سلطة الفصل في مسألة قيمة المبلغ الإضافي المستحق للمُحتكم“ .
وأضافت المحكمة أنه إذا كانت سُلطة المحكمين في إصدار الحكم الأساسي تدخل ضمن نطاق إتفاق الطرفين، فإنه يترتب علي ذلك أن المحكمين تكون لديهم أيضاً السلطة للحكم بالنفقات وأتعاب المحاماة من أجل الحصول على حكم التحكيم .
وفى قضية The Republic Of Ecuador V. Occidental Exploration&Production Company (US، رفضت المحكمة العليا الإنجليزية الطعــــن المقام من الإكوادور ببطلان حكم التحكيم لتجاوز هيئة التحكيم لإختصاصها، مقررةً أن الطلبات موضوع حكم التحكيم تقع ضمن نطاق بنود مُعاهدة إستثمار، كما رفضت أيضاً الدفع المقابل المثار من Occidental بعدم إختصاص ذات المحكمة بنظر الدعوى.
وتوجز وقائع هذه القضية، فى أنه بتاريخ ۲۱ مايو ۱۹۹۹ أبرمت شركة Occidental
Occidental) Exploration&Production) عقد مُشاركة مع Petroecuador- شركة عامة في الإكوادور ، حصلت بموجبه Occidental علي حق حصري لإستخراج الهيدروكربون وإستغلاله في منطقة الأمازون الإكوادورية علي أن تتحمل كافة النفقات مقابل نسبة مئوية مـــن البترول المستخرج ( Factor)، إلا أنه عندما رفضت مصلحة الإيرادات الداخلية في الإكوادور - في أعوام ۲۰۰۱ - ۲۰۰۳ مُطالبات Occidental باسترداد قيمة مبلغ ضريبة القيمة المضافة، نشأ نزاع بين الطرفين حيث أقامت Occidental أربعة دعاوي قضائية أمام المحكمــة الضريبية رقم (۱) في Quito - الإكوادور، كما أقامت أيضاً بتاريخ ۱۱ نوفمبر ۲۰۰۲ دعوي تحكيم في ظل قواعد اليونيسترال على نحو ماهو منصوص عليه في مُعاهدة الإستثمار الثنائية المبرمة بتاريخ ٢٧ أغسطس ۱۹۹۳ بين الإكوادور والولايات المتحدة.
وبتاريخ ١ يوليو ٢٠٠٤ أصدرت هيئة التحكيم حكماً في لندن لصالح Occidental يتضمن إستحقاقها لمبلغ ضريبة القيمة المضافة وقدره ثلاثة وسبعون مليون دولار، وبتاريخ ١١ أغسطس ٢٠٠٤ طعنت الإكوادور على هذا الحكم بالبطلان أمام محكمة العدل العليا في لندن، على سند من أن هيئة التحكيم قد تجاوزت إختصاصها، بما يُخالف نص القسم ٦٧(١) من قانون التحكيم لعــــام ١٩٩٦ ، وذلك حين فسرت علي نحو خاطئ معاهدة الاستثمار، وطبقتها لكي تقرر إختصاصها بنظر النزاع، وطلبت القضاء ببطلان الحكم إعمالاً لنص القسم ٦٧(٣) من ذات القانون ٢٠١٨.
بيد أن Occidental ردت على ذلك دافعة الدعوى: بعدم إختصاص المحكمة العليا بنظــــر الدعوى، مُقررةً أن مبدأ عدم جواز التقاضي“ يمنع المحكمة الإنجليزية من الفصل في الحقوق الناشئة عن المعاهدات والتي لم ترد في القانون المحلي الإنجليزي مثل مُعاهدة الإستثمار الثنائية المبرمة بين الإكوادور والولايات المتحدة، بما يحول بين هذه المحكمة وبين الفصل فى الطعن بالبطلان على هذا الحكم.
وفي ٢٩ أبريل ۲۰۰٥ رفضت المحكمة العليا برئاسة القاضي / Aikens، الدفع المبدى مـــن Occidental، حيث أشارت فى البداية إلى أن القانون الدولي العام - الذي ينطبق على معاهدة الإستثمار - ينطبق بنفس القدر علي إتفاق التحكيم الوارد بما، طالما أن هذا الإتفاق يحدد المسائل التي يمكن التحكيم بشأنها بين المستثمر والدولة المضيفة ضمن حدود صياغة معاهدة الإستثمار الثنائية» ، ولذلك فإنها تتمتع من حيث المبدأ بالإختصاص بنظر طعن Occidental في الإختصاص الموضوعي لهيئة التحكيم طالما أن مقر التحكيم كان فى لندن، وأكدت المحكمة، على أن قانون التحكيم لعام ۱۹۹٦ والسوابق القضائية فى هذا الخصوص يخولاها نظر هذه المعاهدة من أجل الفصل في حق الإكوادور الوارد في القانون المحلي في الطعن علي حكم الإختصاص الصادر من هيئة التحكيم.
وفي ٩ سبتمبر ۲۰۰۵ أيدت محكمة الإستئناف برئاسة اللورد / Phillips هذا الحكم، حيث إتفقت مع محكمة أول درجة في رأيها بأن المحاكم الإنجليزية ليست ممنوعة من حيث المبدأ من نظر أو تفسير المعاهدات غير المدمجة في قانونها، وأضافت أنه يحق لها في القضية الراهنة القيام بذلك بهدف تحديد حقوق الأطراف وواجباتهم في ظل القانون المحلي في سياق دعوي الطعن التي أقامتها الإكوادور ضد حكم التحكيم.
وتساندت المحكمة جزئياً في إستنتاجها هذا إلى القول بأنه ينبغي على المحاكم الإنجليزية تفعيل الهدف من معاهدة الإستثمار وهو توسيع نطاق مزايا وحماية التحكيم الرضائي للمستثمرين، بحسبان أن بعضاً من الحقوق التى أنشأتها مُعاهدة الإستثمار - التى تُعد مُعاهدة مبرمة بين الولايات المتحدة الأمريكية والإكوادور على صعيد القانون الدولى هي حقوق تمنح لطائفة من الكيانات التي تتواجد وفقاً للقانون المحلى أى "المستثمرين"، وعلى نحو خاص "الحق في التحكيم في منازعات الإستثمار ، على الرغم من أن هذه الحقوق قد نشأت تحت مظلة القانون الدولى.
وأشارت المحكمة، إلى أن مُعاهدة الإستثمار تنص صراحة علي أن إتفاق التحكيم المبرم بين المستثمر والدولة المضيفة وفقاً لمعاهدة الإستثمار ينبغي أن يستوفي شروط إتفاق ”محرر» في المــادة الثانية من إتفاقية نيويورك ١٩٥٨ ، وأن التحكيم ينبغي عقده في دولة طرف في هذه الإتفاقية، وشددت المحكمة علي أن "العامل الهام ٢٠٢١ في هذه القضية، هو أن مُعاهدة الإستثمار تمــــدف صراحة: "إلي صدور حكم تحكيم قابل للتنفيذ في ظل إتفاقية نيويورك، وبالتالى فإنه يخضع لأسباب للمحكمة رفض التنفيذ الواردة فيها، بما فيها السبب المتعلق بتجاوز المحكمين لإختصاصهم.
كما أكدت المحكمة على أن القانون الدولي العام - وليس القانون الداخلي- هو الذى ينطبق علي إتفاق التحكيم، طالما أن هذا الإتفاق يرتبط ارتباطاً وثيقاً مع المعاهدة الدولية التي تنص علي إبرامه والتي تتضمن النصوص التى تُحدد نطاق إختصاص المحكمين، ولذلك يجوز الإنجليزية أن تنظر تفسير نصوص مُعاهدة غير مُندمجة فى القانون المحلى - كما هو الحال في القضية الراهنة للفصل في إختصاص المحكمين.
وفي ٢ مارس ۲۰۰٦ .. عاودت الإكوادور مرة أخرى إقامة طعن بالبطلان على حكم التحكيم - إلا أن المحكمة العليا برئاسة القاضي | Aikens رفضته مؤكدة على قضائها السابق بأن هيئة التحكيم تتمتع بالإختصاص بالفصل في مُطالبات Occidental بإسترداد القيمة المضافة باعتبارها تقع ضمن نطاق بنود معاهدة الإستثمار.