المحكم وهيئة التحكيم / ضرورة افصاح المحكم عن الأسباب الداعية لرده / الكتب / قانون التحكيم في النظرية والتطبيق / وجوب إفصاح المحكم عند قبوله التحكيم عن أية ظروف تثير الشك فية
وجوب إفصاح المحكم عند قبوله التحكيم عن أية ظروف تثير الشك فيه:
تأكيدا لتوافر شرطي استقلال المحكم وحيدته قبل بدء التحكيم وتيسيراً لاستعمال الحق في طلب رد المحكم، تنص المادة ٣/١٦ من قانون التحكيم على أنه يجب على المحكم أن يفصح عند قبوله مهمة التحكيم «عن أية ظروف من شأنها إثارة الشكوك حول استقلاله أو حيدته». ووفقا لهذه المادة لا يفصح المحكم فقط عن ظروف تؤثر فعلا في حياده أو استقلاله وتؤدى إلى عدم صلاحيته كمحكم، وإنما أيضا عن ظروف قد يكون من شأنها من الناحية المجردة أن تؤثر في حياد أو استقلال الشخص المعتاد.
ويجرى العمل في تحكيم غرفة التجارة الدولية بباريس، وفي تحكيم مركز القاهرة الإقليمي، على أن يطلب من المحكم عند قبوله مهمته إقرار بعدم وجود أية ظروف تؤثر في حيدته أو استقلاله.
وتكمن أهمية هذا الالتزام بالإفصاح ليس فقط في تمكين أي من الطرفين من رد المحكم الذي لا يتوافر فيه شرطاً الحيدة أو الاستقلال، وبالتالي توقى صدور حكم باطل، وإنما أيضا في تهيئة الجو للمحكمين في أن يعملوا في هدوء بعد أن كشف كل منهم عما قد يشكك في حيدته أو استقلاله، ولو لم يقم أي من الطرفين برده. ويجب أن يتم هذا الإفصاح كتابة عند قبول المحكم لمهمته.
ولا يثير تطبيق هذا الالتزام صعوبة إذا كان اختيار المحكم قد تم باتفاق الطرفين أو بواسطة شخص ثالث عهد إليه الطرفان بهذه المهمة أو من مؤسسة التحكيم. ولكن يثور التساؤل حول تطبيق نص المادة ٣/١٦ من قانون التحكيم بالنسبة للمحكم الذي تختاره المحكمة وفقا للمادة ١٧ تحكيم. لا شك في أن على القاضي ألا يختار محكماً إلا إذا توافر فيه شرطا الحيدة والاستقلال.
ورغم ذلك، فإنه بعد تعيين المحكمة للمحكم، يلتزم المحكم بأن ينصح عن أي ظرف من شأنه إثارة الشك حول استقلاله أو حيدته. فصدور حكم القاضي بتعيينه يفترض توافر شرطي الحيدة والاستقلال فيه، ومع ذلك فإنه لا يعفى المحكم من واجب الإفصاح ذلك أن نص المادة ٣/١٦ نص عام يسرى على المحكم أيا كانت وسيلة تعيينه.
فإذا قام المحكم بواجب الإفصاح، وأبدى أطراف التحكيم موافقتهم على المحكم، لثقتهم فيه رغم ما أبداه من وقائع قد تثير الشك في حياده أو استقلاله، فإن تعيينه محكما يصبح مؤكدا، فليس لأي من الأطراف التمسك برده استناداً إلى واقعة من هذه الوقائع.
أما إذا اعترض أحد الأطراف على المحكم، فإن للمحكم أن يتنحى عن التحكيم، وهو ما يحدث عادة في العمل على أن للمحكم أن يستمر في التحكيم رغم الاعتراض. وعندئذ يكون للطرف غير الموافق التمسك برد المحكم، فإن حكم برده أصبح غير صالح لنظرالتحكيم ويلتزم المحكم عندئذ بتعويض ما يصيب هذا الطرف من أضرار نتيجة استمراره في التحكيم رغم اعترافه بقيام ظروف من شأنها أن تثير الشك في حيدته أو استقلاله، واعتراض الطرف عليه.
أما إذا لم يقم المحكم بواجب الإفصاح، ولم توجد أية ظروف تثير الشك حول استقلال المحكم أو حيدته، فإن هذا الالتزام يكفي لتنفيذه قيام المحكم بقبول مهمته كتابة. ولا يجوز مطالبة المحكم بإثبات عدم توافر مثل هذه الظروف وإذا استمرت إجراءات التحكيم، دون اعتراض على المحكم، فلا يجوز النعي على حكم التحكيم لمجرد أن المحكم لم يفصح عن الظروف التي قد تثير الشك في حيدته أو استقلاله.
وإذا لم يقم المحكم بواجب الإفصاح، وترتب على ذلك عدم علم أي من الطرفين بالظرف الذي من شأنه أن يخل بحيدة المحكم أو استقلاله، وتبين توافر سبب لعدم حيدته أو عدم استقلاله، فإن عدم الإفصاح عنه لا يمنع الطرف من رد المحكم فضلا عن حقه في مطالبة المحكم بالتعويض بسبب إخلاله بواجبه بعدم الإفصاح. ويكون للطرف رفع دعوى ببطلان حكم التحكيم بسبب صدور الحكم من محكم لم يتوافر فيه شرط الحيدة أو الاستقلال وعدم قيامه بواجب الإفصاح، فيعتبر أنه قد تم تعيينه «على وجه مخالف للقانون «(١/٥٣/ ه تحكيم)، فضلا عن اعتبار الحكم باطلاً لعيب الغلط الذي شاب رضا الطرف بالمحكم ويتعلق بصفة أساسية في المحكم.