المحكم وهيئة التحكيم / ضرورة افصاح المحكم عن الأسباب الداعية لرده / الكتب / قضاء التحكيم / التزام المحكم بالافصاح عن كل ما يمكن أن يثير الشكوك حول حيدته واستقلاله :
التزام المحكم بالافصاح عن كل ما يمكن أن يثير الشكوك حول حيدته واستقلاله :
معنى الإفصاح:
يعد التزام المحكم بالإفصاح من الإلتزامات الجوهرية التي تقع على عاتقه بمجرد ترشيحه لمهمة حسن النزاع. ويقصد بالإفصاح مبادرة المحكم بإحاطة الأطراف بصلته السابقة والحالية بموضوع النزاع وأطرافه وممثليهم وذويهم. ويعد هذا الإلتزام من الإلتزامات اللصيقة بجوهر مهمة المحكم وتفرضه الطبيعة الخاصة لمهمته وكيفية تعيينه والطابع المؤقت لسلطاته. ويفصح هذا الإلتزام عن تراجع الاعتبارات الشخصية البحتة التي تحكم اختيار المحكم ويعكس ضرورة ترشيحه بناء على اعتبارات موضوعية تتركز حول خبرات المحكم وسابقة أعماله في منازعات مماثلة فضلاً عن حياده قبل الخصوم وإنتقاء صلته بهم.
نطاق التزام المحكم بالإفصاح :
يمتد إلتزام المحكم بالإفصاح ليشمل علاقاته السابقة والحالية بالأطراف وممثليهم، موضحا أية صلة له بموضوع النزاع أو عائده، كما يمتد الإلتزام بالإفصاح إلى علاقة المحكم بمحامى الأطراف ومساعديهم ووكلائهم وأقاربهم. وسواء أكانت هذه الصلات مهنية أو مالية أم إجتماعية. وإلتزام المحكم بالإفصاح يمتد إلى جميع الخصوم يستوى فى ذلك أن يكون محكماً منفرداً أو عند تعدد المحكمين، وسواء إنفرد أحد الخصوم بتعيينه أم اختاره الأطراف مجتمعين، فإنفراد أحد الخصوم بترشيح المحكم لا يسقط حقه قبل المحكم في الإفصاح عن علاقاته، فواقعة ترشيحه لهذا المحكم لا تنبئ فى ذاتها عن قبوله حتماً ما لم يتحقق بمقتضى الإفصاح من عدم وجود ما يؤثر على حياده أو استقلاله.
وليست للمحكم سلطة تقديرية فى تخير الوقائع التي يفصح عنها، وإنما يتعين عليه الإفصاح عن كافة الوقائع التي قد تثير شكوكا حول حياده أو استقلاله. فقد عبرت المادة ٣/١٦" بعبارة "شكوك" فهذا النفى يهدف إلى تعميم الوقائع لتشمل أية شكوك أخذاً بمعيار موضوعى، فلا يتدخل التقدير الشخصي للمحكم في تقدير أهمية الوقائع. كما يمتد النطاق الزمني لهذا الإلتزام من لحظة ترشيحه وحتى صدور الحكم، فيمتد إلى أية واقعة الإجراءات، أو أية واقعة لم يكن يعلمها عند ترشيحه وحز جديدة تطراً أثنـاء سير الإجراءات ، أو أية واقعة لم يكن يعلمها عند ترشيحه .
الإفصاح والسرية
يقصد بالتزام المحكم بالسرية الإبقاء على كل ما يتعلق بالأطراف أو بموضوع النزاع بعيدا عن النشر أو الإفصاح عنه للغير. وهذا الإلتزام يمتد لما بعد صدور الحكم ويشمل كل ما يتعلق بالنزاع وأطرافه، ويمتد الإلتزام بالسرية إلى كافة المكاتبات والمناقشات والمرافعات والحكم، وأيضاً كل ما يطالبه الخصوم بالإحتفاظ بسريته ولو لم يكن كذلك بطبيعته. غير أن هذا الإلتزام ليس مطلقا ولا يتعلق بالنظام العام، فيمكن للأطراف الإتفاق على إعفاء المحكم منه. وقد يبدو للوهلة الأولى وجود تعارض بين التزام المحكم بالإفصاح وبين إلتزامه بالسرية، إلا أن النظرة المتأنية تنبئ عن أن التزام المحكم بالسرية يوجه صـوب الغير فلا يفصح عن أسرار الخصم لخصمه الآخر أو للغير، أما إلتزام المحكــم بالإفصلاح فيوجه صوب الأطراف ويتحدد بعلاقة المحكم ذاته بالأطراف.
إعفاء المحكم من الإلتزام بالإفصاح:
جاءت صياغة المادة "٣/١٦ من قانون التحكيم المصرى أمرة عندما أوجبت على المحكم الإفصاح عن أية ظروف من شأنها إثارة شكوك حول حيدته أو إستقلاله، وعلى خلاف مسلك المشرع فى كثير من أحكام هذا القانون لم يجز للخصوم إعفاء المحكم من هذا الإلتزام. وترتيباً على ذلك فإن هذا الإلتزام لا يتوقف على مطالبة الأطراف به، وإنما يلتزم المحكم بالمبادرة بأدائه فـــور ترشيحه، ولا يفسر سكوت الأطراف على أنه تنازل عن هذا الإلتزام. وهذا يثير التساؤل حول أثر إفصاح المحكم عن صلته بالخصوم وهل يمتنع عليهم قبول تعيينه عند إفصاحه عن وقائع تثير شكوكاً حول حياده أو إستقلاله، أم أنه يجوز لهم قبول تعيينه إكتفاء بمجرد الإحاطة بهذه الوقائع والاطمئنان إلى عدم اخفائها وذلك عندما يرى الأطراف فى هذا الإفصلاح دليلاً على حسن نية المحكم، ودافعاً للثقة فيه رغم وجود هذه الصلة خاصة إذا كانت سابقة أو غير ذات أهمية.
لم تتصد أحكام قانون التحكيم المصرى لتوضيح هذه المسألة، ولم تتطلب رفض تعيين المحكم فى مثل هذه الفروض وترك الأمر لمطلق تقدير الخصوم ولم ينظم آلية الإعتراض على ترشيح المحكم من قبل أحد الخصوم، وهو ما كان . ليغيب عن ذهن المشرع عند تنظيم كيفية اختيار المحكم وبمناسبة تقرير التزامه بالإفصاح ونهيب بالمشرع في أقرب تعديل ممكن تنظيم كيفية الإعتراض على ترشيح المحكم والمدة التى يتعين إبداء هذه الاعتراضات خلالها، والأثر المترتب على تقديمها. خاصة وأن المشرع لم يجز رد المحكم إلا لأسباب تظهر بعد التعيين، وهذا يشير ضمنا إلى إمكانية الاعتراض على المحكم لأسباب تظهر قبل تعيينه من خلال الإفصلاح عن علاقاته، كما يشير فى الوقت ذاته إلى سقوط حقهم في الاعتراض على الوقائع ذاتها بعد تعيينه.
جزاء الإخلال بالإلتزام بالإفصاح
أن إخلال المحكم بالتزامه بالإفصاح يعد سبباً لرده إذا تكشف لأى من الخصوم أثناء سير الإجراءات وقائع تثير شكوكا حول حيدتــــه أو إستقلاله لم يفصح المحكم عنها في حينه على نحو ما أوجب القانون.