لا تتضمن أنظمة وإتفاقيات التحكيم التجارى الدولى إلا نصوص قليلة وموجزة بشأن وجوب قبول المحكم الدولى لمهمة التحكيم ووجوب إفصاحه، عند عرض هذه المهمة عليه، عن الظروف والأسباب التي قد تؤدى إلى رجوع الطرفان في تعيينه أو التي قد تؤدى إلى رده. ويرجع ذلك إلى أن قبول المحكم لمهمة التحكيم يعد من المبادىء الأساسية المسلمة في التحكيم، وطنياً كان أو دولياً ، وذلك لما لهذا القبول من أهمية تتمثل في إلتزام المحكم بهذه المهمة ، هذا من جهة ومن جهة أخرى فإن إفصاح المحكم عن تلك الظروف والأسباب يعد بدوره ضمانة هامة من الضمانات الأساسية لحياد المحكم وإستقلاله تحقيقا للعدالة.
أما فيما يتعلق بوجوب إفصاح المحكم عن الظروف التى قد تؤدى إلى رده فقد نصت المادة 9 من قواعد تحكيم لجنة الأمم المتحدة UNCITRAL على أنه يجب على المحكم المقترح أن يكشف للطرف أو الأطراف الراغبين فى تعيينه عن كل ظرف من الظروف التي نجد ما يبرر لديه قيام الريبة فى حياده أو إستقلاله، فإذا تم تعيين المحكم أو إختياره وجب عليه الكشف للطرفين عن هذه الظروف ما لم يكن قد أحاطهما علما بها قبل تعينه أو إختياره. ويقابل هذا النص مانصت عليه المادة ۱/۱۲ من القانون النموذجي للتحكيم التجارى الدولى لعام ١٩٨٥ من أنه يجب على الشخص حين يفاتح بقصد إحتمال تعيينه محكما أن يصرح بكل الظروف التي من شأنها أن تثير شكوكا لها ما يبررها حول حياده وإستقلاله وعلى المحكـ منذ تعيينه وطوال إجراءات التحكيم، أن يفضى بلا إبطاء إلى طرفي النزاع بوجود أى ظروف من هذا القبيل، إلا إذا كان قد سبق له أن أحاطهما علما بها.
ونرى أن نفس الواجب يقع أيضا على المحكمين المدرجين في جداول المحكمين بهيئات التحكيم الدائمة، إذ قد لا يخلو الحال من وجود ظروف لدى المحكم المقيد في الجدول تثير الشكوك حول حياده أو إستقلاله في الخصومة التى قد يختار للفصل فيها. لذا نصت المادة ١٤ من إتفاقية واشنطن لتسوية منازعات الاستثمار لعام ١٩٦٦ على أنه يجب على الأشخاص المعينين بالجداول توفير جميع الضمانات التي تكفل إستقلالهم فى مباشرة مهامهم...."، وهو نص يفرض واجب عام يجب بمقتضاه على المحكم المقيد بالجدول مكاشفة طرفي النزاع بتلك الظروف سواء قبل الإطلاع بمهمة التحكيم أو أثناء إجراءات التحكيم طالما كان لهذه المكاشفة مايبررها .
- والخلاصة أنه لا توجد فروق بين النظام الدولى والنظام الوطني للتحكيم فيما يتعلق بوجوب اعلان المحكم لقبوله مهمة التحكيم أو فيما يتعلق بأثر هذا القبول أو فيما يتعلق بواجب المحكم الإفصاح عن الظروف التي يكون من شأنها إثارة الشكوك حول حياده وإستقلاله وتستتبع عدم تعيينه أصلاً أو رده.