والذي يظهر لي: أنه ليس للحكم إجبار الخصوم على الحضور بواسطة أعوانه، بل إذا توجه إجبار الخصم على مواصلة نظر القضية للتحكيم فللحكم الكتابة بذلك إلى ذي الولاية المختص بالإحضار لإحضاره؛ لأن إحضاره عن طريق الوالي أحوط؛ لما فيه من الالتزام بطرق الإحضار المناسبة، وعدم الافتيات على الإمام .
2-تأديب من أساء في مجلس الحكم:
والذي يظهر لي: أن التعزير لمن أساء في مجلس الحكم درجات، يبدأ من التوبيخ ويتدرج بعقوبات أشد، فإذا كان تعزير الخصم باللوم والتوبيخ ونحوه من القول جاز للحكم، وليس له ما فوق ذلك، بل يرفعه إلى القاضي؛ ذلك لأن من العقوبات ما هو يسير، والزجر عليها ينبغي أن يكون ناجزاً، فجاز للحكم ذلك، أما غيرها مما له خطر فيجب أن يترك للقضاة؛ لما فيه من الاحتياط للخصوم، وعدم الافتيات على الإمام ونوابه.
3-تفویض الحكم إلى غيره من دون إذن الخصوم:
وإذا أراد الحكم الاستعانة بالخبراء في بعض الوقائع فله ذلك، ولا بعد ذلك من تحكيم الغير بدون رضا الخصوم، بل ذلك من قبيل سماع البيئة والتحقيق في الوقائع وكشفها، وهو من أعمال الحكم .
4-التنفيذ :
والذي يظهر لي: أن الحكم ليس له التنفيذ، وأن مهمته تنتهي عند الحكم في القضية ؛ لأن التنفيذ يحتاج إلى قوة وهيبة لا يستطيعها الحكم، ولأن التنفيذ من الولايات التي لا يقوم الإنسان بها إلا بإسنادها إليه من ذي ولاية مختص، ولما قد يترتب على مباشرة المحكم للتنفيذ مدافعة من - المحكوم عليه ومضادة .
5-الرجوع عما حكم به:
وهذا بخلاف القاضي، فإنه إذا ظهر له ما يوجب الرجوع عن حكمه جاز له الرجوع أو وجب؛ لأن ولايته باقية مستمرة .
مسألة: حكم كتاب القاضي إلى الحكم و عكسه :
كتاب القاضي إلى القاضي مما عرفه العلماء وأجازوه، وقد يتضمن سماع البينة، وتعديلها، أو هما معا، كما قد يتضمن ما حكم به قاض لينفذه قاض آخر، ولكن هل يصح للقاضي الكتابة للتنكم وعكسه ؟.
الإجابة عن ذلك تقتضي بیان حكم كتاب القاضي إلى الحكم، وكم كتاب الحكم إلى القاضي وإلى كل ذي ولاية عامة في التنفيذ، وإليك بيان ذلك :
أولاً: حكم كتاب القاضي إلى الحكم:
والذي يظهر لي: جواز ذلك، وسوف يأتي تفصيله وتعليله في الفقرة القادمة.
ثانياً: كم كتاب الحكم إلى القاضي وإلى كل ذي ولاية عامة لتنفيذ الأحكام :
والذي يظهر لي: أن للحكم أن يكتب إلى القاضي لسماع البيئة، وتعديلها، وتحليف الأيمان، وبعث الخبراء، ونحو ذلك مما يحتاجه للفصل في النزاع، وأن على القاضي الاستجابة لذلك ما دام الطلب شرعيا بعد تحققه من ثبوت تحكيم الحكم بطريق معتبر، وعليه الكتابة بجوابه للحكم عن ذلك، وليس للقاضي الكتابة للحكم لسماع بينة أو تعديلها، كما أن الحكم ليس له الكتابة إلى حكم أخر في ذلك ؛ لعدم اختصاص الحكم المكتوب إليه، لكن لو رضي الخصمان بأن يكتب القاضي إلى الحكم في ذلك لعدم وجود قاضي بذلك المكان، أو يكتب الحكم إلى حكم آخر في ذلك جاز و كان من التحكيم الجزئي، وقد سبق بيان جوازه.
وتعليل ذلك: أن للحكم ولاية على الخصوم فيما يتعلق بالفصل في القضية وما يحتاجه النظرها، والقاضي المكتوب إليه له ولاية عامة يدخل فيها سماع ما طلب منه، والكتابة به إلى الحكم، فجاز لكل من الحكم والقاضي الكتابة إلى صاحبها بخصوص ما ذكرنا .
وللحكم أن يكتب بما صدر من أحكامه إلى ذي ولاية عامة مختص بالتنفيذ لينفذ الحكم؛ لأن كتابة الحكم حكمه لتنفيذه كتابية إلى مختص ليقوم بتنفيذ ما هو مختص به، وإبلاغ الحكم بحكمه للمختص بالتنفيذ من تمام عمله في التحكيم.