من اهم التزامات المحكم بموجب عقد التحكيم، هو النظر في النزاع واصدار القرار النهائي بشأنه، وتشترط بعض القوانين وكذلك القواعد الدولية.
ويلزم المحكم بأن يصدر القرار الخاص بالتحكيم خلال المدة التي اتفق عليهـا الطرفان في عقد التحكيم . وكذلك في حالة وجود نص من هذا القبيل في القانون الواجب التطبيق على الاجراءات ويلتزم المحكم ايضا بالحفاظ على سرية الوثائق والمعلومات التي يطلع عليها وعدم افشائها .
ويلتزم ايضا باصدار قرار حكم التحكيم وفقا للصيغة التي يتطلبها القانون بحيث يمكن تنفيذ الحكم المذكور فيما بعد من الجهات المختصة.
وعلى المحكم توقيع القرار اما تسبيب القرار فيترك امره الى تقديره اذا لم يكن هناك اتفاق بين الاطراف على هذه المسألة او اذا لم يكن القانون الواجب التطبيق على الاجراءات يتطلب تسبيب القرار.
ونرى لزاما علينا ان نشير قبل الانتهاء من الالتزامات الخاصة بالمحكم إلى ان بعض القواعد الدولية تنص على وجوب أن يصرح الشخص الذي يقع عليه الاختيار ليكون محكماً بكل ما من شأنه ان يثير شكوكا حول حياده واستقلاليته، هذا قبل التعيين. ونفس الواجب او الالتزام يبقى في حالة تعيينه وسيره في اجراءات التحكيم وذلك عندما تستجد ظروف قد تثير الشكوك حول حياده واستقلاله، فعليه في هذه الحالة ايضا ان يخبر طرفي النزاع بذلك.
وهذا ما نص عليه القانون النموذجي للتحكيم الذي وضعته لجنة القانون التجاري الدولي التابعة للامم المتحدة في المادة (۱۲) وكذلك في المادة (۹) من قواعد التحكيم التي وضعتها ايضا اللجنة المذكورة.
وسبب النص على هذا الالتزام ان الظروف المذكورة تعتبر سببا من اسباب رد المحكمين في حالة علم الطرفين بها.
والخلاصة أن التزامات المحكم تتحدد وفقا لعقد التحكيم واتفاق التحكيم ووفقا للقانون الواجب التطبيق على الاجراءات أو وفقا للقواعد الدولية التي تم اختيارها لسير اجراءات التحكيم.
مقابل الالتزامات التي سبق ذكرها هناك حقوق للمحكم تجاه اطراف النزاع وهذه الحقوق تتلخص في أن الاطراف المتنازعة عندما تختار المحكم تمنحه سلطة اتخاذ القرار لحسم النزاع بالتحكيم. فيصبح من حقه أن يقوم بالمهمة المذكورة ولا يجوز له تفويض شخص آخر ليحل محله في حسم النزاع واصدار القرار وفي حالة الضرورة الى تعيين محكم بديل عندئذ تتبع نفس اجراءات تعيين المحكم السابق.
ومن الحقوق التي تترتب للمحكم، سلطته في تحديد القواعد الاجرائية التي يطبقها لسير عملية التحكيم في حالة عدم اتفاق طرفي النزاع على القانون الخاص بالاجراءات الواجب التطبيق. هذا في حالة التحكيم الخاص اما في حالة التحكيم المنظم فإن الاجراءات تكون وفقا للقواعد المتبعة في المؤسسة التحكيمية التي اختارها طرفا النزاع.
كذلك يحق للمحكم ان يطلب من اطراف النزاع الوثائق والمعلومات التي لها صلة بموضوع النزاع وله الحق في المطالبة بالمصاريف التي انفقها بسبب التحكيم، مثال ذلك، نفقات السفر والاقامة ومصاريف الطباعة، أو الترجمة وغير ذلك من المصاريف التي تقتضيها عملية التحكيم واخيرا للمحكم المطالبة بالاجر مقابل العمل الذي قام به في حسم النزاع ويتم عادة الاتفاق على الأجر بين المحكم وبين الاطراف المتنازعة او بينه وبين المؤسسة التحكيمية التي بواسطتها تم التحكيم، وهناك قوانين وطنية تضمنت نصوصا تتعلق باجر المحكمين منها المادة (۱۹) من القانون الانكليزي الخاص بالتحكيم والفقرة الأولى من المادة (٨١٤) من قانون الاجراءات الايطالي والمادة (۲۳) من القانون السويدي الخاص بالتحكيم.
واجر المحكمين يمكن معرفته بسهولة في حالة اجراء التحكيم عن طريق احدى المؤسسات التحكيمية حيث يوجد في تلك المؤسسات قائمة بالأجور حسب جدول معد مسبقا ويمثل الاجر نسبة مئوية من قيمة الدعوى موضوع النزاع، اما في حالة التحكيم الخاص فالاتفاق على الأجر يتم بين المحكم واطراف النزاع ومن النادر ان نجد حالة لم يتم فيها الاتفاق على تحديد اجر المحكمين.
وهناك نصوص جاءت في قواعد التحكيم التي وضعتها لجنة القانون التجاري الدولي التابعة للامم المتحدة تتعلق بسلطة المحكمين في تحديد اجورهم عند عدم الاتفاق المسبق على تحديد اجر وفيما يلي نورد هذه النصوص لاهميتها في شرح مثل هذه الحالة.
ففي صدد مصروفات التحكيم نصت المادة (۳۸) في فقرتها الأولى وفي الفقرة (أ) منها :
«تحدد هيئة التحكيم في قرارها مصروفات التحكيم ولا يشمل مصطلح المصروفات الا ما يلي:
أ- اتعاب المحكمين، وتتولى هيئة التحكيم تقدير هذه الاتعاب بنفسها وفقا لاحكام المادة (۳۹) وتبين ما يخص كل محكم على حدة من هذه الاتعاب».
أما المادة (۳۹) من القواعد المذكورة فقد نصت على ما يلي:
1- يجب ان يكون المبلغ الذي يقدر اتعاب المحكمين معقولا، وان يراعى في تقديره حجم المبالغ التي يدور حولها النزاع، ومدى تعقيد الدعوى والوقت الذي صرفه المحكمون في نظرها، وغير ذلك من الظروف المرتبطة بها .
2- اذا كانت تسمية سلطة التعيين قد تمت باتفاق الطرفين او من قبل الامين العام لمحكمة التحكيم الدائمة بلاهاي وكانت سلطة التعيين هذه قد اصدرت جدولا باتعاب المحكمين في القضايا الدولية التي تتولى ادارتها وجب ان تأخذ هيئة التحكيم، وهي بصدد تقدير اتعابها ، هذا الجدول في اعتبارها وذلك الى الحد الذي تراه مناسبا في ظروف تلك الدعوى.
3- اذا لم تكن سلطة التعيين هذه قد اصدرت جدولا باتعاب المحكمين في القضايا الدولية جاز لكل من الطرفين في اي وقت ان يطلب من سلطة التعيين تقديم بيان توضح فيه الاسس التي تتبع عادة في تقدير الاتعاب في القضايا الدولية التي تتولى اختيار المحكمين فيها فاذا قبلت سلطة التعيين تقديم هذا البيان وجب ان تأخذ هيئة التحكيم بعين الاعتبار المعلومات الواردة به. وهي بصدد تقدير اتعابها ، وذلك الى الحد الذي تراه مناسبا في ظروف تلك الدعوى.
4- في الحالتين المذكورتين في الفقرتين ،۲، ۳ لا يجوز لهيئة التحكيم ان تجري تقدير اتعابها الا بعد استشارة سلطة التعيين وذلك اذا طلب احد الطرفين هذه الاستشارة وقبلت سلطة التعيين تقديمها، ولسلطة التعيين عندما يطلب منها الرأي ان تبدي لهيئة التحكيم ما تراه مناسبا من ملاحظات بشأن تقدير الاتعاب ...».
كذلك نصت بعض القوانين العربية على كيفية تحديد اجور المحكمين فقد جاء في المادة ٣٧٦ من قانون المرافعات المدنية العراقي تحدد اجور المحكمين باتفاق الخصوم عليها في عقد التحكيم. او في اتفاق لاحق والا فتحددها المحكمة المختصة بنظر النزاع في حكمها أو بقرار مستقل يقبل التظلم والطعن تمييزا ..
اما القانون الاردني الخاص بالتحكيم رقم ١٨ لسنة ١٩٥٣ فقد نص في المادة ١٩ منه على انه «يترك لرأي المحكمين والفيصل تقدير اتعابهم ومصاريف التحكيم ولهم ان يعينوا الفريق الذي يستوفي منه والفريق الذي تدفع له كلها او بعضها، وللمحكمة الحق في تعديل هذا التقدير بما يتناسب الاتعاب».
اما عن التزامات الجانب الثاني في عقد التحكيم اي اطراف النزاع فهي تنحصر في التزامها بقبول قرار التحكيم، علما بان هذا القبول لا يمنع من الطعن في الحكم المذكور اذا توافرت فيه اسباب تدعو الى الطعن، كما سنرى ذلك لاحقا عند البحث في الطعن بقرار التحكيم. كذلك تلزم الاطراف نفسها بالتعاون مع المحكم وتقديم جميع الوثائق والمستندات التي يطلبها منها كل ذلك لتسهيل مهمته، وتلتزم الاطراف كذلك بدفع الاجر المتفق عليه الى المحكم مع كافة المصاريف والنفقات.