من أهم الواجبات الإجرائية التي يتحمل بها المحكم الحياد ، ولأن المجال لا يسمح باستعراض كافة الواجبات الإجرائية للمحكم وبيان صور الإخلال بها الاجرائية المرصودة لمخالفتها فسوف أقتصر على استعراض القواعد المنظمة لهذا الواجب الإجرائي كنموذج تطبيقي لأحد الواجبات الإجرائية.
ولا يختلف الوضع كثيرا في مجال التحكيم ، إذ يقع على كاهل المحكم منذ قبوله مهمة التحكيم التزام قانوني بالحيدة بما يستتبعه ذلك من أحكام ، ولا يتوقف تحمل المحكم بهذا الواجب على وجود اتفاق بينه وبين المحتكمين يفرض عليه ذلك، كما لا يتوقف على وجود نص تشريعي يقرر ذلك ، بل إن هذا الإلتزام يجد مصدره في المبادئ العامة للقانون الإجرائي ، والتي تعمل على تحقيق العدل وضمان الفصل في الخصومات وفق مقتضيات الحق.
ومن الجدير بالذكر وجود ارتباط بين التزام المحكم بالحياد وبعد الالتزامات الإجرائية الأخرى التي تعمل على تنزيه عمل المحكم عن كل النقائص ومحاولة جعل حكمه أكثر ما يكون تحقيقا للعدالة ، ومن قبيل ذلك التزام المحك بالمساواة بين الخصوم على سبيل المثال ، فبينما نجد أنه يعد واجبا إجرائيا قائما بذاته ومستقلا عن واجب الحياد إلا أننا نلحظ وجود مجال يقترب فيه كلا الواجبان الى الدرجة التي قد توهم البعض بالخلط بينهما ، فواجب المساواة بين الخصوم يعني تخويل الخصوم فرصا متكافئة لإبداء وجهة نظرهم وإقناع المحكم بها وإلا الحتل ميزان العدالة(۱۹۸)، وقد نص قانون التحكيم المصري ۲۷ لسنة 1994 صراحة على هذا المضمون حيث ذكر في المادة السادسة والعشرين منه أن " يعامل طرفا التحكيم على قدم المساواة وتهيأ لكل منهما فرصة متكافئة وكاملة لعرض دعواه " ، وفي نفس الوقت فإن واجب الحياد يفرض على المحكم أن يكون موضوعيا يضع طرفي الخصومة التحكيمية في منزلة واحدة لا يرفع أحدهما على صاحبه ولا يحابي أي منهما ولا يرجح كفة أحدهما على كفة الأخر إلا تبعا لما تمليه مبادئ القانون وقواعده وما تفرضه فلسفة العدالة الإجرائية.
وهكذا يتضح لنا لتقارب واجب الحياد مع واجب المساواة بين الخصوم وكذلك مع العديد من الواجبات الإجرائية الأخرى التي يتحمل بها المحكم حال قبوله المهمة التحكيمية المسندة إليه، ولكن هذا التقارب لا يعني اختلاط واجب الحياد مع واجب المساواة بين الخصوم أو غيره من الواجبات الإجرائية بالدرجة التي تنفي كونه واجبا إجرائيا قائما بذاته له مضمون خاص و آثار متميزة ، وكل ما هنالك أن وحدة الغاية التي ترمي كافة الواجبات الإجرائية إلى تحقيقها بالإضافة إلى وحدة المجال التطبيقي لهذه الواجبات الإجرائية ، وكذلك انسجام النظام الإجرائي لتحقيق هدف الخصومة الإجرائية المنشود كل ذلك يؤدي إلى خلق بعض مظاهر التقارب والتناغم بين الواجبات الإجرائية المتباينة وهو ما لا ينفي التمايز والاستقلال بينها.
كما تتعدد صور الخطأ الإجرائي في نطاق واجدب الحياد بتتابع خصومة التحكيم فكل مسلك إجرائي يصدر عن المحكم دون أن ينضبط بضابط الحيدة والموضوعية يعبر عن خطأ إجرائي في حق المحكم ؛ ولذا يصح القول بأن الأخطاء الإجرائية للمحكم في هذا الخصوص تكاد لا تقع تحت حصر ، ويجمعها كلها كونها تعد خرقا وخروجا على مبدأ الحياد وما يفرضه على المحكم من مفترضات يتعين عليه القيام على مقتضاها.