تختص هيئة التحكيم بالفصل في النزاع بشرطين: الأول - أن يجيز القانون تسوية النزاع عن طريق التحكيم. فإذا حظر القانون ذلك لأي سبب، مثل عدم جواز التحكيم في المسائل التي لا يجوز الصلح فيها، تكون الهيئة غير مختصة بنظر النزاع بالرغم من كل اتفاق مخالف. الثاني - أن يكون النزاع مشمولاً باتفاق التحكيم من جهة، ومطروحاً على الهيئة للفصل فيه من جهة أخرى. فإذا تخلف أحد هذين الشرطين، يكون حكم التحكيم معيباً، ويشكل ذلك سبباً صحيحاً للطعن به ، سواء عن طريق إبطاله أو غير ذلك مما ينص عليه القانون.
وأساس التحكيم هو اتفاق أطراف النزاع عليه، ويتوجب على هيئة التحكيم التقيد بكل شرط وارد في الاتفاق) ، ما دام لا يخالف النظام العام. ويجب أن يتعلق هذا الاتفاق بمسألة أو مسائل محددة. فلا يجوز مثلاً الاتفاق مسبقاً على أن أي نزاع بين (أ) و(ب) مهمـا كـان يحال إلى التحكيم، وإلا كان الاتفاق باطلاً. ولكن يجوز الاتفاق على أن أي نزاع يتعلق بجملة عقود محددة معروفة للطرفين، أو بعقد معين تتم تسويته تحكيماً . كما يجوز تجزئة المسائل العقدية في العقد الواحد ، بحيث يتفق الطرفان على إحالة النزاعات التي تتعلق ببعض هذه المسائل إلى التحكيم، دون غيرها من المسائل. وفي هذه الحالة، ينحصر اختصاص هيئة التحكيم بالمسائل المحددة في الاتفاق دون غيرها . ومثال ذلك أن يكون العقد بيعاً، ويتضمن في الوقت ذاته كفالة شخص ثالث في دفع الثمن فيتفق الأطراف على أن أي نزاع بينهم حول الكفالة، يحال إلى التحكيم. في هذا المثال، إذا نشأ نزاع أمام هيئة التحكيم يتعلق ببعض أحكام البيع وليس الكفالة تسليم البضاعة (مثلاً)، فإن هذا النزاع لا يخضع للتحكيم، وعلى الهيئة أن تحكم بعدم اختصاصها ، خاصة إذا دفع الطرف المعنى بذلك وتوفرت شروط الدفع .
من الأمثلة الأخرى التي لا تكون هيئة التحكيم فيها مختصة، أن يكون هناك أكثر من عقد بين نفس الطرفين، وينص أحد هذه العقود على التحكيم، في حين لا تتضمن العقود الأخرى ذلك حتى لو كان بينها ارتباط وثيق ؛ أو يكون بينهما أكثر من عقد بيع وأكثر من عقد وكالة ، فيتفقان على إحالة النزاعات المتعلقة بأي عقد بيع إلى التحكيم، ولا يتفقان على ذلك في عقود الوكالة؛ أو يتضمن العقد الواحد بيعاً لبعض السلع من جهة، ووكالة تجارية لسلع أخرى وينص العقد على التحكيم في المسائل الخاصة بالبيع دون الوكالة؛ أو يتضمن العقد أحكاماً لإنشاء ثلاثة مبان ، مع النص على التحكيم بالنسبة للنزاعات المتعلقة بأحد هذه المباني دون المبنيين الآخرين؛ أو ينص العقد على التحكيم في المنازعات الناجمة عن المسائل القانونية الخاصة بالعقد دون غيرها أو على حصر مهمة هيئة التحكيم بتفسير العقد وفق أحكام القانون الواجب التطبيق.
وقد تكون المسألة المعروضة تدخل ضمن اتفاق التحكيم، إلا أن شروط الاتفاق لتسوية النزاع عن طريق التحكيم غير متوفرة. ومثال ذلك، أن يشترط الاتفاق قبل الذهاب للتحكيم إتباع إجراء معين، مثل تقديم المطالبة للمهندس الاستشاري في بعض عقود الفيديك، أو التوفيق، أو الخبرة، أو المفاوضات. في هذه الحالة، يكون اللجوء للتحكيم قبل استنفاذ الإجراء السابق على التحكيم سابقاً لأوانه مع الأخذ بالاعتبار لما سبق بيانه، من أن المسألة هنا هي مسألة تفسير لما قصده المتعاقدان من هذا الشرط . وقبل تقرير ما إذا كان اللجوء للتحكيم سابقاً لأوانه أم لا بصورة جازمة، يؤخذ بالاعتبار لكافة الظروف المحيطة.
ولكن هناك العديد من المسائل التحكيمية الهامة، وخاصة الإجرائية، قد لا يشتمل عليها اتفاق التحكيم، مثل مكان ولغة التحكيم، وكافة المسائل الإجرائية الأخرى الخاصة، مثلاً،بتقديم المستندات وكيفية تبادلها بين الأطراف، وبالاستماع للشهود والخبراء ومناقشتهم، وبيان القانون الواجب التطبيق على النزاع، وتحديد جدول زمني للتحكيم، من تاريخ عقد أول جلسة إلى حين صدور الحكم النهائي. وبالنسبة لهذه المسائل وغيرها كثير مما لا يشملها اتفاق التحكيم، فإن من صلاحية هيئة التحكيم، بل من واجبها أحياناً، تحديد هذه المسائل. وبعملها هذا ، لا تكون الهيئة خرجت على حدود الاتفاق أو تجاوزته .ويشمل ذلك، عموماً، كافة الدفوع الشكلية والموضوعية التي يبديها المحتكم ضده لرد الدعوى الأصلية عنه والمحتكم لرد الدعوى المتقابلة عنه، مثل الدفع بالوفاء وبالتنفيذ عموماً ،والمقاصة والتقادم، والحصانة، وعدم الخصومة .
وهناك أحوال تتطرق فيها هيئة التحكيم لمسألة معينة وتفصل فيها ، بالرغم من أنها لا تدخل ضمن نطاق اتفاق التحكيم، لأنها وجدت أنه لا يمكن الفصل في النزاع المعروض دون الفصل في تلك المسألة . ولتوضيح ذلك نقول، على سبيل المثال، أنه كثيراً ما يرد شرط التحكيم بصيغة عامة موجزة مثل كل خلاف حول تنفيذ هذا العقد أو تفسيره يحال إلى التحكيم. وبناءً عليه، قد يحيل (أ) نزاعه الخاص بتنفيذ العقد مع (ب) إلى التحكيم طالبا إلزام (ب) بتنفيذ التزاماته وأثناء الإجراءات، يثير (ب) الدفع ببطلان العقد ويطلب من الهيئة الحكم بالبطلان. في هذا المثال لا تستطيع الهيئة الحكم بمسألة تنفيذ العقد دون الحكم بمسألة بطلانه لارتباط الأولى بالثانية ارتباطاً وثيقاً، بحيث تعتبر مسألة البطلان مسألة أولية، لا بد من الفصل فيها قبل الفصل بمسألة تنفيذ العقد. ومثال آخر يكثر وجوده في الحياة العملية، وهو أن يحصر اتفاق التحكيم الإحالة للتحكيم بمسألة "تنفيذ العقد" دون التطرق لمسألة تفسيره. في هذه الحالة، قد تجد الهيئة أن الفصل بمسألة تفسير العقد لتحديد نطاقه، وبالتالي نطاق تنفيذه، أمر لا بد منه قبل الفصل بمسألة التنفيذ .
في هذين المثالين والأمثلة الشبيهة الأخرى، نرى بأن حكم التحكيم لا يكون خاضعاً للبطلان، بسبب أنه فصل في مسائل لا يشملها اتفاق التحكيم، أو تجاوز المهمة المحددة في اتفاق التحكيم، ما دام أن الفصل في هذه المسائل ضروري للفصل في المسألة التي يشملها هذا الاتفاق، تطبيقاً للقاعدة الفقهية بأن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب".
ويمكن القول مما سبق، بأن نطاق اتفاق التحكيم، هو مسألة تفسير لإرادة أطراف الاتفاق، تتولاه هيئة التحكيم وتقضي به وفق القانون الواجب التطبيق على هذا الاتفاق وأي تفسير تأخذ به الهيئة يكون تحت رقابة المحكمة من حيث النتيجة لمعرفة ما إذا كان الحكم تجاوز حدود اتفاق التحكيم، بفصله بمسائل لا يشملها هذا الاتفاق أم لا.
ومن ناحية ثانية، قد تكون المسألة المتنازع عليها داخلة في اختصاص هيئة التحكيم حسب الاتفاق. ومع ذلك، لا يجوز للهيئة الفصل فيها، ولا في أي مسألة أخرى خاضعة للاتفاق، ما لم تكن مطروحة عليها من قبل أحد طرفي النزاع في صيغة استدعاء أو لائحة أو مذكرة تتضمن طلب الفصل فيها . وبمعنى آخر، فإنه ليس لهيئة التحكيم من تلقاء نفسها الفصل في أي مسألة حتى لو كانت مشمولة باتفاق التحكيم، دون طلب ذلك من قبل أحد الطرفين.
ولتوضيح هذه المسألة نفترض بأن العقد هو عقد توريد بضاعة على دفعات، يتعهد فيه البائع بتسليم كمية من البضاعة للمشتري شهرياً. وبالمقابل، يدفع المشتري ثمن كل دفعة عند تسليمها، وكان العقد يتضمن شرط تحكيم بإحالة كافة المنازعات العقدية دون استثناء، على التحكيم. ولو فرضنا أن المشتري لم يدفع ثمن دفعتين من البضاعة، فطلب البائع التحكيم بالنسبة لإحدى هاتين الدفعتين دون الأخرى. في هذا المثال، تتقيد هيئة التحكيم في تسوية النزاع بالدفعة المطلوب التحكيم بشأنها ، وليس لها إجراء التحكيم بشأن الدفعة الأخرى، ما دام أنها غير مشمولة بطلبات الخصوم، وبالرغم من أنها تدخل ضمن نطاق اتفاق التحكيم
وليس لهيئة التحكيم تجاوز طلبات الخصوم نقصاً بإغفال طلب أو أكثر من هذه الطلبات، أو زيادة بإعطاء الخصوم أكثر مما طلبوه ، أو تعديلاً حيث لا يجيز القانون ذلك، ومثال ذلك عدم تطرق الهيئة لطلب من طلبات أحد الطرفين نهائياً ، أو إشارتها لهذا الطلب ومناقشته في حكمها، ولكنها تغفل إصدار قرار بشأنه في منطوق الحكم سلباً أو إيجاباً. ومثال ذلك، أن يطلب المشتري من الهيئة الحكم له في مواجهة البائع ، بتسليم البضاعة مع التعويض والفوائد على التعويض. فتحكم له الهيئة بالتسليم وتغفل الحكم بشأن التعويض، أو تعطيه التعويض أيضاً ولكن تغفل الحكم بشأن الفوائد. أما الحالة الثانية، فيقصد بها أن تحكم هيئة التحكيم لأحد الخصوم بأكثر مما طلبه، أو بغير ما طلبه. ومثال ذلك، أن يكون موضوع الطلب تسليم بضاعة، فتقضي له الهيئة بالتسليم مع التعويض، أو تقضي له بالتعويض بدلاً من التسليم، أو تكون المطالبة بالثمن، فتقضي له بالثمن مع الفوائد.