المحكم وهيئة التحكيم / تمييز عقد التحكيم المبرم بين المحكم وأطراف التحكيم وغيره من النظم الأخرى / الكتب / التحكيم الدولي في تسوية المنازعات التجارية / تمييز المحكم عمن يشابهه
لا بد هنا من أن نميز بين المحكم (Arbitrator) وغيره ممن يمارسون أعمالًا بديلة عن التحكيم من شأنها أن تحل نزاعًا معينًا مثل الموفق (Conciliator) ، والوسيط (Mediator)، والمصالح. وإذا كان هؤلاء قد جمعتهم بالمحكم النشأة الاتفاقية والسعي إلى حل النزاع إلا أن ثمة فوارق جوهرية تميز المحكم عنهم. لعل أهمها السلطة المخولة للمحكم في حسم النزاع المطروح أمامه بحكم نهائي ملزم للأطراف يفرض عليهم حتى وإن لم يوافق إرادتهم، فهذه السلطة المخولة للمحكم هي غير مخولة لأولئك، فهم عندما ينظرون النزاع فإنهم ينظرونه من وجهة غير تلك الوجهة التي ينظر منها المحكم للنزاع فهم مرتبطون بإرادة الأطراف. وبالتالي فما يتوصلون إليه من آراء ومقترحات تصاغ في محاضر لا تسمى أحكام تحكيم ولا ترقى إليها. بل إن الأطراف لا يلتزمون بها ولا يجبرون على تنفيذها إلا برضاهم و اختيارهم. كما يجب أن نميز بين المحكم والوكيل Agent "، والخبير Expert" فعلي الرغم من أن جميع هؤلاء يختارون وفقًا لإرادة الأطراف إلا أنهم يختلفون حيث يختلف التحكيم عن الخبرة فالمحكم يقوم بوظيفة القضاء ويحسم النزاع بين الخصوم، بينما الخبير لا رأي له في النزاع المطروح. ويشير الأستاذ - أحمد أبو الوفا - إلى أنه قد يدق في بعض الأحوال تحديد حقيقة المقصود في المهمة الملقاة على عاتق شخص ما، وما إذا كانت هي مهمة تحكيم أو خبرة، والعبرة في تكييف الوضع بحقيقة المقصود من المهمة وليس بالألفاظ التي تصاغ لوصف المطلوب من الشخص. فإذا قرر الخصوم موافقتهم على الأخذ برأي أشخاص معينين يستشارون فيما يرفع إليهم من نزاع فإن الأمر يعد تحكيمًا وليس بخبرة.
ولا يعد محكمًا الشخص الذي يكلفه الخصوم أو القاضي بتقدير قيمة الخسائر في حادثة ما، ولا يجوز الالتجاء إليه عند حصول نزاع بين الطرفين في هذا الصدد ، ولو وصف بأنه محكم وعلى قاضي الموضوع استخلاص حقيقة مقصود الخصوم من واقع الدعوى وظروف الحال. ويختلف المحكم عن الوكيل، فبينما القاعدة أن الوكيل يستمد سلطاته من الموكل الذي يملك التنصل من عمل الوكيل إذا خرج عن حدود وكالته ولا يقوم الوكيل كقاعدة عامة إلا بما يمكن أن يقوم به الموكل، نرى أن المحكم مستقل تمامًا عن الخصوم، فبمجرد الاتفاق على التحكيم تصبح له صفة القاضي ولا يمكن للخصوم التدخل في عمله، بل إن حكمه يفرض عليهم.