الخدمات

ابواب التحكيم الرئيسية
  • المحكم وهيئة التحكيم / تنحي المحكم واعتزاله / المجلات العلمية / مجلة التحكيم العالمية - ملحق العدد الثامن / استقالة المحكم وإقالته، ورده، ومسؤوليته

  • الاسم

    مجلة التحكيم العالمية - ملحق العدد الثامن
  • تاريخ النشر

  • عدد الصفحات

  • رقم الصفحة

    775

التفاصيل طباعة نسخ

مقدمة:

   يعد التحكيم طريقاً استثنائيا، قوامه الخروج عن طريق التقاضي العادية أمام المحاكم صاحبة الولاية العامة والأصلية في الفصل في كافة الخصومات، لكن على اعتبار التشريع هو الذي يحدد الاختصاصات وينشأ المراكز القانونية، أو على الأقل يرسم الطريق إلـى ذلـك، فـإن القـانون وللأسباب التي يعرفها الجمع القانوني قد أوجد التحكيم وهو السبيل الذي يختار فيه المتعاقدين عند التعاقد أو عند نشوء النزاع طريق حل نزاعهم بغير القضاء العادي. ويختارون قاضيهم (المحكم) سواء أكان فرداً أو أكثر وفقاً لشروط القانون الذي يحكم النزاع، وإذا كان محل نقاش هذه الجلسة هو استقالة المحكم وعزله ورده ومسؤوليته.

ونقسم الورقة إلى هذه الموضوعات دون إطالة.

أولاً- استقالة المحكم:

    يعطي مفهوم الاستقالة أو التنحي أن المحكم قد قبل المهمة وتم تعيينه لإنهاء النزاع بقـرار نهائي إن لم يكن مخيراً بالصلح أيضاً. وإذاً، عند عرض النزاع عليه وطلب الأطـراف منـه أن يكون محكماً في النزاع، واعتذاره عن قبول المهمة لا يكون تنحياً وإن كان من المتصور النــادر أن ينص عند تعاقد الأطراف بأن يحددوا شرط التحكيم ويحددوا أيضاً المحكم الذي يتولى نظـر النزاع عند حدوثه. وهذه الحالة أيضاً تعتبر قبل التعاقد، إلا أنه لو تضرر أحد الطرفين ذلك، وكان تنحيه لسوء النية قد ينظر في التعويض.

   إلا أن الحالة الأصلية في التنحي هو أن يستلم المهمة ويوافق عليها ثم لطارئ مـا يطلـب التنحي بعد أن بدأ في العمل، وحيث قضت المحكمة الاتحادية العليا بدولة الإمارات بأنه إذا رفض محكم قبول تعيينه كمحكم أو بعد تعيينه مات أو تعذر عليه الإستمرار لأي سبب، يعين خلف لـه بالطريقة التي عين بها هو، فإنه يدل على أن المشرع قد أعطى المحكم الحق في التنحـي عـن الاستمرار في نظر التحكيم إذا ما توافر سبب يجعل هذا الإستمرار متعذراً. مما مؤداه، عدم جواز التنحي دون سبب جدي، لما في ذلك من انحراف عما قصده المشرع في هذا الصدد، وقــانون الإجراءات المدنية الصادر به القانون رقم 1992/11م فيما نص أنه "إذا تنحى المحكم بغير سبب جدي عن القيام بعمله بعد قبوله التحكيم جاز الحكم عليه بالتعويضات".

   كما أن تقدير توافر السبب الجدي لتنحي المحكم وما إذا كان يجعل استمراره فـي نظـر التحكيم متعذراً من عدمه واستخلاص توافر الخطأ الموجب للتعويض فـي جانبـه، وثبـوت الضرر وتوافر علاقة السببية بينهما هو من مسائل الواقع التـي تـستقل بتقـديرها محكمـة الموضوع، دون معقب عليها في ذلك، متى كان استخلاصها سائغاً مستنداً إلى عناصر تـؤدي إليه (الطعن رقم 503 لسنة 20 القضائية- جلسة الأحد الموافق 15 من أكتوبر سـنة 2000م مدني). ومثال ذلك، إذا قبل المهمة في نظر القضية التحكيمية، ثم أثناء ذلك وافق أن يقوم في قضية أخرى مهمة الدفاع أمام القضاء عن أحد أطراف النزاع أثناء سير الدعوى التحكيميـة، فهل يعد هذا تنحياً عن الدعوى التحكيمية التي يتولاها سواء أكان بعلم الطرف الآخر بـذلك أم لا يعلم، أم أن علم الطرف الآخر يحتم عليه أن يطلب رده، وسكوته يعد موافقـاً علـى هـذا الأمر؟

   إلا أنه تنتهي مهمة المحكم بتنحيه، وقد أورد المشروع للقانون الاتحادي في شأن التحكيم في المادة 22 منه بأنه:

1- "إذا انتهت مهمة المحكم برده أو عزله أو تنحيه أو بأي سبب آخر، وجب تعيين بديل له وفقاً للإجراءات التي تتبع في اختيار المحكم الذي انتهت مهمته.

2- لا يعتبر تنحي المحكم عن مهمته أو اتفاق الطرفين على ذلك الإنهاء إقراراً بصحة أي مـن أسباب الرد".

   وهذه الأخيرة تُعالج أنه إذا كان مرفوعاً عليه سواء أمام الهيئة أو القضاء طلب الرد وقبـل الفصل فيه تنحي أو الاستقالة من مهمته، فلا يعني بأنه مسلم بالأسباب التي وردت في طلب رده.

    ومن الحالات التي عرضت لنا واقعياً أنه بعد حجز الدعوى التحكيمية للحكم والهيئة مكونـة من ثلاثة أعضاء، ولأمر ما تقدم أحد الأعضاء إلى هيئة التحكيم بطلب التنحي عن الدعوى ولكن اتخذت الهيئة وبحضور العضو قراراً بالأغلبية برفض طلبه. وأصدرت الحكم أيضاً بالأغلبيـة، الطرف المحكوم ضده يتقدم للمحكمة بطلب بطلان الحكم على أساس أن أحد أعضاء هيئة التحكيم قد تقدم بطلب تنحى عن الدعوى، ولكن المحكمة قدرت أنه تقدم للهيئة وفقا لنظام التحكيم بمركز أبو ظبي للتوفيق والتحكيم التجاري، وتم رفضه من قبل الهيئة ولذلك تم رفض دعوى الطـرف وصدقت على صيغة الحكم.

ثانياً- رد المحكم:

   تنص المادة 2/19 من مشروع القانون الاتحادي بأنه لا يجوز رد المحكم حـول حيدتـه أو استقلاله. وهو ذات ما نص عليه في المادة 10 من قواعد اليونسترال.

    وإذا كانت القواعد المطبقة الآن وفقاً لقانون الإجراءات المدنية تُجيـز رد المحكـم لـذات الأسباب التي يرد بها القاضي، حيث تنص المادة 4/207 بأنه: "لا يجـوز رده عـن الحكـم إلا لأسباب تحدث أو تظهر بعد تعيينه شخصية وبطلب الرد لذات الأسباب التي يرد بها القاضـي أو يعتبر بسببها غير صالح للحكم...". وأيضاً ما جاء في حكم المحكمة الإتحادية العليا بشأن نظـام مركز التحكيم في أبو ظبي، حيث قضت بأنه: "من المقرر عملاً بالمادة 12 من لائحة إجـراءات التوفيق والتحكيم التجاري لدى مركز أبو ظبي للتوفيق والتحكيم التجاري أن يتم تشكيل هيئات... التحكيم وفقاً لإشتراطات الأطراف واتفاقاتهم، 1- وفي حال إغفال الأطراف لأصول تـشكيل أو تسمية أعضاء هذه الهيئات أو عدم إيرادهم لأسماء أفراد الهيئات المذكورة، يقـوم مـدير عـام المركز- بعد مشاورة الأطراف باقتراح تشكيل هذه الهيئات، ويعلن الأطراف بهذا الاقتراح للـرد عليه خلال أسبوع من تاريخ هذا الإعلان. 2- وإذا لم يرد إلى مدير عام المركز، أي اعتـراض خلال المدة المذكورة في البند (1)، فيعتبر اقتراح مدير عام المركز بتشكيل الهيئـة أو تـسمية أعضائها قبولاً من الأطراف ولا يجوز لأي طرف الاعتراض على هذا التشكيل إلا إذا طـرأت أسباب تجيز له رد الهيئات المذكورة. 3- وإذا اعترض أي طرف على تشكيل الهيئة خلال المدة المحددة في البند (1) فيرفع هذا الاعتراض إلى لجنة العرف والتحكيم لدى غرفة تجارة وصناعة أبو ظبي للفصل فيه بقرار نهائي وملزم للأطراف. مما مفاده أن نهائيـة قـرار لجنـة العـرف والتحكيم بأبو ظبي تتوقف على إتباع الإجراءات السالف الإشارة إليها، بحيث إذا صدر القـرار دون مشاورة طرفي التحكيم في شأن اختيار المحكم المرجح، فإنه يكون من حق أيهما اللجوء إلى القضاء صاحب الولاية العامة لتعيين هذا المحكم بحكم غير قابل للطعن فيه بأي طريق من طرق الطعن" (الطعن رقم 206 لسنة 27 القضائية).

فنص المشروع يقرر سبباً عاماً وأوسع من أسباب رد القاضي يؤخذ ذلك عن عبارته بأنه إذا قامت ظروف تثير شكوكاً لها ما يبررها حول حيدته أو استقلاله.. فكل ما يبرر الشكوك المثـار حول حيدته أو استقلاله.

   وهذا النص يتضمن شمولية لكل ما يخل بحيادته أو استقلاله، وهي الظـروف التـي تثيـر الشكوك ما دام هناك ما يبررها دون حصرها، والتبرير قد يكون مسألة تقديرية تتوقـف علـى ظروف الدعوى وملابساتها (انظر أ.د. أحمد السيد صاوي، التحكيم طبقاً للقانون رقم 27 لـسنة 1994م وأنظمة التحكيم الدولية، صفحة 102).

ما هي ضوابط رد المحكم في المشروع؟

    في كثير من الأحيان في القضايا التحكيمية يتخذ الخصوم من الرد وسيلة لتعطيـل التحكـيم وهو ما كنا نعانيه كمحكمين في كثير من الأحيان، وما قد يترتب عليه من أثر مخل في ما يجـب أن يتصف به التحكيم من سرعة في الفصل.

     وحتى لا يتخذ الخصوم من الرد وسيلة لتعطيل التحكيم، فقد نص في الفقرة الثالثة من المادة 19 لمشروع القانون الاتحادي على أنه: "لا يجوز لأي من طرفي التحكيم رد المحكم الذي عينـه أو الذي اشترك في تعيينه إلا لسبب تبينه بعد أن تم هذا التعيين".

   فهنا في كل الأحوال، يكون لطرفـي النـزاع في التحكيم دور في تعيـــن المحكـم، إمـا بترشيحه أو تعيينه، وموافقة الطرف الآخر على هذا الترشيح أو التعيين والمشارك بعد ذلك على التعيين.

    فلا يجوز للأطراف رد المحكم إلا إذا قام سبب قد تبين بعد التعيين كصلة القرابة أو وجـود مع أحد طرفي النزاع في الدفاع عنه أو إعطائه استشارات حول عمل المؤسسة.

 ما هي إجراءات رد المحكم؟ ومن الجهة المختصة بالفصل في رده؟

   توضح المادة 1/20 من مشروع القانون الاتحادي للتحكيم، يقدم طلب الرد إلى هيئة التحكيم سواء أكانت فرداً أو متعددة الأعضاء، ويبين في الطلب أسباب الرد التي على أساسها تقدم بطلبه وذلك خلال خمسة عشر يوماً من تاريخ علم طالب الرد بتشكيل الهيئة، أو بوقت علمه بالظروف المبررة للرد، والعلم هنا قد يكون قبل عقد جلسات التحكيم للفصل في النزاع.

    وهنا ليس المطلوب وفقاً للمشروع (ويشابهه قانون التحكيم المصري) أن تتخذ الهيئة قراراً، إنما الأمر متوجه للعضو المطلوب رده بأنه عليه أن يتنحى وفقاً للطلب المقدم ضده بالرد، فإذا لم يستجب ويتنحى المحكم المطلوب رده خلال سبعة أيام من تاريخ تقديم الطلب جاز لطالب الـرد رفع طلبه إلى المحكمة المختصة أصلاً بنظر النزاع، سواء كانت تابعة للقضاء الاتحادي للدولـة أو للقضاء المحلي، أما إذا كان التحكيم تجارياً دولياً، سواء جرى في الدولة أو في الخارج فيكون الاختصاص لمحكمة استئناف أبو ظبي الاتحادية، ما لم يتفق الطرفان على اختـصاص محكمـة استئناف أخرى في الدولة.

ويبرر ذلك جعل الفصل في طلب رد المحكم من اختصاص القضاء، لتتحقق بذلك الحيدة في الفصل في طلب الرد.  

   وكل ذلك لا يتعارض مع وجود أنظمة لمراكز التحكيم كنظام التوفيق والتحكيم لمركز أبـو ظبي، ووفقاً للائحة إجراءات التوفيق والتحكيم التجاري لديها.

   المادة 3/13 يكون رد هيئات التوفيق أو التحكيم جائزاً إذا ثبت ما يؤكد عـدم صـلاحية أو حياد أي من أفراد هذه الهيئات كالقرابة المانعة، أو النيابة القانونية أو الارتباط المصلحي أو سبق إبداء الرأي في القضية، أو أي سبب آخر يطمئن لجنة العرف والتحكيم التجاري لدى الغرفة، أو من شأنه ارتياب طالب الرد بالهيئة أو أي عضو فيها.

    ويقدم طلب الرد (م 4/13) إلى مدير عام المركز بمذكرة خطية معللة مشفوعة بالمستندات والأدلة المؤيدة لما جاء فيها، ويرفع هذا الطلب إلى لجنة العرف والتحكيم التجاري للبت فيه خلال أسبوع، ويعتبر قرار اللجنة فيما انتهى إليه نهائياً وملزماً للأطراف وغير قابل لأية وسـيلـة مـن وسائل المراجعة أو الطعن، لكن ذلك لا يمنع كما جرت عليه أحكام النقض من الطعن في قـرار لجنة العرف أمام المحكمة المختصة بنظر النزاع أصلاً.

   وأيضاً قواعد التحكيم لدى مركز دبي للتحكيم الدولي، نص في المادة 3/13 منه على أنـه: "يجوز لأي طرف أن يعرض على أي محكم إذا توافرت ظروف تثير شكوكاً مبررة حول حيدته أو استقلاله، ويجوز لأي طرف أن يعترض على أي محكم قام بتسميته أو شارك في إجـراءات تعيينه، على أن يكون ذلك لأسباب علم بها بعد تمام التعيين".

   وقررت 4/13 بأنه: "على الطرف الذي يريد الاعتراض على محكم أو يرسل إلى المركـز والهيئة وجميع الأطراف الأخرى طلباً خطياً يوضح فيه أسباب اعتراضه، وذلك خــلال خمـسة عشر يوماً من تاريخ تشكيل الهيئة، أو بعد ذلك خلال خمسة عشر يوماً من علمه بـأي ظـروف أشارت إليها الفقرتان (2) أو (3) من ذات المادة، وإذا لم ينسحب المحكم المعتـرض عليـه أن توافق جميع الأطراف الآخرين على الاعتراض خلال خمسة عشر يوماً مـن اسـتلام الطلـب الخطي، يصدر المركز قراره بشأن الاعتراض".

    إذا، الاختصاص هنا وفقا لقواعد مركز دبي للهيئة إذا تعددت الهيئة ولم ينـسحب ووافقــوا جميعاً (غير المطلوب رده) فإنه يكون قراراً من الهيئة.

أثر تقديم طلب الرد على سير إجراءات التحكيم:

    لا يترتب على تقديم طلب الرد إلى هيئة التحكيم أو على رفع هذا الطلب إلى المحكمة وقف سير إجراءات التحكيم، وذلك خلافاً لقانون الإجراءات المدنية (م 4/207) من قواعـد التحكــم، وأيضاً قواعد لائحة مركز أبو ظبي للتوفيق والتحكيم التجاري (المادة 5/13).

    ويهدف القانون من ذلك عدم تعطيل إجراءات خصومة التحكيم خشية أن يسيء الخـصوم استخدام هذا الحق. وهو في الحقيقة الممارسين لمهمة التحكيم لا يعد أمراً غريباً عليهم، إذا فـي كثير من القضايا عندما يشعر الطرف الذي ممكن أن يحكم ضده أن يلجأ إلى طريقـة رد أحـد المحكمين ليوقف سير الإجراءات ويعطل التحكيم.

عدم قبول الطعن على الحكم الصادر من المحكمة:

    وإذا قرر المشرع أن الفصل في طلب الرد للمحكمة المختصة فإنه أضاف نص المادة 1/20 بأنه لا يقبل الحكم الذي تصدره الطعن فيه.

    وعلى المحكمة أن تسرع في نظر الطلب بالرد، وقصد المشرع هنا عدم إطالة أمد النـزاع في هذا الشأن، الأمر الذي يتفق وما يقتضيه التحكيم من سرعة حسم كل ما يثـوره بـشأنه مـن مشكلات.

    وإذا علمنا أن المشرع أساساً لم يوقف إجراءات السير في التحكيم بناء على تقديم الطلب أو نظر من قبل المحكمة. وبالتالي يتعين سرعة الفصل في طلب الرد حتـى لا تـستمر إجـراءات التحكيم ويصدر الحكم، ثم يعتبر ذلك كأن لم يكن بالحكم رد المحكم (أ.د. أحمد الصاوي، المرجع السابق، ص105).

أثر الحكم برد المحكم:

   إذا حكم برد المحكم، فإن الأثر المترتب وفقاً للمشروع هو اعتبار جميع إجراءات التحكـيم اللاحقة لتاريخ نشوء سبب الرد بما في ذلك الحكم الصادر كأن لم كن.

    إلا أن ذلك لا يلغي شرط التحكيم أو اتفاق التحكيم أو عملية التحكيم، وإنما يظـل الالتـزام بالتحكيم قائماً ما دام لم يتفق الأطراف على خلافه، وهنا يتعين تعيين محكماً آخراً بـديل طبقـاً للإجراءات التي اتبعت في اختيار المحكم الذي تم رده (المادة 210/22 من المشروع).

    لكن لو كان الرد لجميع أعضاء هيئة التحكيم فهل تظل الإجراءات المعادة هي التي ترجـع لتاريخ نشوء سبب الرد، أم بتعيين الهيئة الجديدة تعاد جميع الإجراءات؟ لم يناقشها المشروع؟

ثالثاً- عزل المحكم واستبداله:

    تقرر التشريعات ضمانة لأطراف خصومة التحكيم في مواجهة المحكم إمكانية اتفاقهم علـى عزله وهو أمر يطلق في التشريع الحالي (المادة 3/207 من قانون الإجراءات المدنية).

    ما قاله المحكم وطلب عزله لا يكون إلا بإتفاق طرفي التحكيم (الطعن رقم 719 لسنة 21م- جلسة 2001/10/31م المحكمة الإتحادية العليا).

    وعلى هذا النهج سار المشروع الجديد لقانون التحكيم في المادتين 21 و22 بحيث لا بد من اتفاق الطرفان على عزله، ولا توجد في نصوص المشروع تحديداً سبب لعزل المحكم، فقد يكون لعدم كفاءته، أو قلة خبرته، أو لإفتقاره لمؤهلات سبق أن اتفقا على استلزامه بـه، والعـزل لا يتطلب الإفصاح عن سببه، وإنما يكفي اتفاق الأطراف عليه (أ.د. أحمد الصاوي، ص106).

    وعندما يقررا صراحة عزله ويخطراه به، يتوقف عن إجراء أو إصدار أي حكم في النزاع حتى لا يترتب عليه أي بطلان، والقرارات السابقة التي تمت قبل الإفصاح له عن العزل تكـون محل إرادة الإطراف في استمرارها أو عدمها. ويظل اتفاق التحكيم قائماً بعد عزله ويتعين تعيين محكماً آخر لحل النزاع (المادة 22 من المشروع).

رابعاً- حالة تعذره أداءه مهمته وعدم الاتفاق على عزله:

    تقرر المادة 21 من المشروع بأنه: "إذا تعذر على المحكم أداء مهمتـه أو لـم يباشـرها أو انقطع عن أدائها بما يؤدي إلى تأخير لا مبرر له في إجراءات التحكيم، أو ثبت افتقاره لمؤهلات سبق أن اتفق طرفا التحكيم على استلزامها ولم يتفق الأطراف على عزله جاز لأحـد الأطـراف طلب عزله، جاز أن يتقدم بطلب العزل للمحكمة المعنية بنظر النزاع وللمحكمة السلطة التقديرية في إجابة الطرف طالب عزل المحكم أو رفضه وذلك على ضوء مـستنداته ومبرراتـه لطلـب العزل، وإذا حكمت المحكمة بعزله، فإن الحكم الصادر في هذا الشأن غير قابـل للطعـن فيـه  (21) ".

   والرأي أن الإجراءات السابقة على عزله لا تبطل بإعتبار أن المقرر في هذا الـشـأن هـو الحكم القضائي، إلا إذا كان طلب الخصم إلى جانب عزل المحكم أيضاً إرجاع الحالة إلـى مـا كانت عليه قبل تعيينه وطعنها أيضاً في تعيب الإجراءات التي اتخذها، وقضت في ذلك المحكمـة المعنية.

خامساً- مسؤولية المحكم:

نصت المادة 17 من المشروع على أنه: "لا يجوز أن يكون المحكم قاصراً أو محجوراً عليه أو محروماً من حقوقه المدنية بسبب الحكم عليه في جناية أو جنحة مخلة بالشرف أو الأمانـة أو بسبب شهر إفلاسه".

    ونصت المادة 19 من المشروع على أنه: "يكون قبول المحكم القيام بمهمته كتابـة ويجـب عليه أن يفصح عند قبوله وخلال مباشرته لإجراءات التحكيم عن أية ظروف من شـأنها إثـارة شكوك حول استقلاله أو حيدته".

   فبداية أن تطبيق القواعد العامة في المسؤولية العقدية وفقاً لإعتبار العقد المبرم بين المحكم وأطراف النزاع يوجب عليه تنفيذ مهمته الموكلة إليه وفقا لمبادئ حسن النية والتزامـات نـوع المهمة، وبالتالي إذا وقع خطأ مسبباً ضرراً للغير (المتعاقدين) فإن فاعله معرض للمطالبة بجبـر هذا الضرر عن طريق التعويض.

   وإذا كان المحكم قد أخل بالتزاماته سواء قصر أو أهمل أو كشف عن سرية المهمة الموكولة إليه من حيث أوراقها، أو ما وصل إليه أو غش أو دلس، فإن ذلك قد يكون محل مساءلته أيضاً. والمحكم في الحقيقة ليس له ضمانات القاضي التي تحدد مسؤوليته وفقا لذلك، وبالتالي لا يتمتـع بها المحكم.

    والمحكم شخص عادي، يقوم بمهمة قضائية خاصة بناء على اختيار طرفي النزاع له للقيام بالفصل في النزاع وقبوله لهذه المهمة. فلو قصر مثلا فيما التزم به حيث فوت المدة التي يجب أن يقضي فيها، مما أدى إلى بطلان التحكيم وتضرر الأطراف من ذلك أو أحدهما، فإنه يكـون قـد ترتبت مسؤوليته (انظر أ.د. مصطفى الجمال وأ.د. عكاشة عبد العال، مؤلفيهما "التحكـيم فـي العلاقات الخاصة الدولية والداخلية"، طبعة 1998 رقم 414، صفحة 600 وما بعـدها). إذ أنـه مثلاً قبل الفصل في النزاع بفترة قليلة طلب التنحي دون سبب، مما يؤدي إلى تعطيـل التحكـيم وإعادة في بعض الإجراءات حين تعيين محكماً غيره. فإن مسؤوليته التعاقدية قائمة، وقـد تقـدر وفقاً لمهنيته إذا كان متخصصاً في قضايا التحكيم، كأن يكون قانونياً، محامياً، أو غير ذلك.

    ولا يمنع من ترتب مسؤوليته الجنائية إذا توافرت أسبابها في هذه الحالة وأثبتهـا الطـرف المشتكي واقتنعت بها المحكمة.