المحكم وهيئة التحكيم / تنحي المحكم واعتزاله / المجلات العلمية / مجلة التحكيم العالمية - ملحق العدد الثامن / استقالة المحكم أثناء سير اجراءات التحكيم ومسؤوليته
استقالة المحكم أثناء سير اجراءات التحكيم ومسؤوليته:
لا شك بأن التحكيم يعتبر عملاً قضائياً، وإن ما يميزه هو أن من يصدر حكم التحكيم لـيس قاضياً معيناً من الدولة ضمن تنظيمها القانوني، وإنما يصدر من شخص يتم اختيـاره مـن قبـل أطراف المنازعة أنفسهم، حيث أن المبدأ الأساسي في تكوين هيئة التحكيم هو الرجوع إلى إرادة الأطراف حيث يقوم هؤلاء بتشكيل هيئة التحكيم وتنظيم ما تخضع له من أحكام.
غیر إذا لم يتم تعيين المحكم بإرادة الأطراف فإنه يتم بواسطة المحكمة وهذا الطريق لا يكون إلا على سبيل الاستثناء حيث أكدت المادة 14/1 من قانون التحكيم الأردني علـى أهميـة توافق إرادة الطرفين على تشكيل هيئة التحكيم بنصها على أن: "تشكل هيئـة التحكـيم بإتفـاق الطرفين، ...." كذلك أكدت المادة 16/1 من نفس القانون على أن اتفاق الأطراف هـو الأصـل وذلك بنصها على: "لطرفي التحكيم الإتفاق على اختيار المحكمين وعلى كيفية ووقت اختيـارهم فإذا لم يتفقا على ذلك تتبع الإجراءات التالية: ..."
كما وتشير اتفاقية نيويورك لعام 1958 الخاصة بتنفيذ أحكام التحكيم الأجنبيـة إلـى هـذا الأصل بنصها في المادة 5/1 على أن يرفض طلب الإعتراف بحكم التحكيم الأجنبي أو تنفيذه..." (د) إذا لم يكن تشكيل المحكمة (أي هيئة التحكيم) مطابقاً لإتفاق الطرفين أو أن عدم الإتفاق لـم يكن مطابقا لقانون البلد الذي تم فيه التحكيم".
وقد يتفق الأطراف على شخص المحكم في اتفاق التحكيم، وقد يتفقون فيه على وسيلة اختيار المحكم وسواء تم الإتفاق على شخص المحكم أو على وسيلة اختياره فإن إرادة الأطراف تكـون هي الأساس في الإختيار سواء مباشرة أو بطريق غير مباشر.
كذلك تمتد سلطة الأطراف لتشمل أيضاً تحديد عددهم وما يلزم فيهم من شـروط أو تحديـد الوسيلة التي سيتم بها هذا الإختيار وكذلك الميعاد الذي يجب أن يتم فيه وهذا ما نصت عليـه المادة 16/1 من قانون التحكيم الأردني وكذلك المادة 17/1 من قانون التحكيم المـصري. وكـل ذلك مع مر اعاة ما ينص عليه قانون التحكيم في هذا الشأن من قواعد آمرة.
أما إذا اتفق الأطراف على محكمين متعددين فيشترط أن يكون عددهم وترا م/14/2 تحكـيم أردني. وذلك سواء كان تحكيم عادي أم مع التفويض بالصلح وعلة ذلك هو تفادي ما قد يحـدث من مشاكل عند المداولة إذ قد ينقسم المحكمون - عندئذ إلى فريقين متساويين فيتعذر صـدور حكم بالأغلبية.
وعند اختيار المحكم لا بد من توافر شروط لصلاحية هذا المحكم لقيامه بمهمته وقد نـصت على ذلك م/15 من قانون التحكيم الأردني، حيث اشترطت في المحكم الأهلية المدنية الكاملـة - والمقصود بذلك أهلية الأداء طبعاً – وتتحدد أهلية المحكم وفقاً للقانون الذي يحكم حالته الشخصية وهو وفقاً للمادة 12 من القانون المدني الأردني. قانون الدولة التي ينتمي إليها المحكم بجنسيته.
وتخضع شروط المحكم فيما عدا أهليته للقانون الواجب التطبيق على الإجراءات وللمحكـم الدولي بالرغم من قبوله لمهمة التحكيم أن يعدل عن هذا القبول قبل بدء خصومة التحكيم، كما له بعد بدء خصومة التحكيم أن يتنحى عن التحكيم على أنه يجب أن يكون هناك سبب جدي يبـرر العدول أو التنحي.
ويوجد هذا السبب الجدي إذا قام مانع يحول دون امكانية استكمال اجراءات التحكيم كما لـو اصابه مرض يقعده عن ذلك أو اضطر إلى سفر طويل يحول دون أداء تلك المهمة في الميعـاد المحدد للتحكيم كذلك الأمر إذا ما علم بعد قبوله التحكيم أو بعد بدء اجراءاته بتوافر ما يؤدي إلى عدم استقلاله أو عدم حيدته مما قد يعتبر سبباً لرده أو حدث ما يجعله لا يشعر بالإستقلال أو الحيدة أو يستشعر الحرج في القيام بمهمته أو الإستمرار فيها. وترجع استقالة المحكم أو تنحيـه إلى محض إرادته. وما يراه من سبب يدعوه إلى الإعتذار عن نظر القضية فلا يجـوز اجبـاره عليه ومن ناحية أخرى فإنه يمكن وفقاً للمادة 20 من قانون التحكيم الأردني الإلتجاء إلى المحكمة المختصة وكذلك المادة 8 لتعيين محكم بديل، فإنه في حالة اصرار محكم على الإستقالة، لا يجوز ولو كان أصراره دون عذر مقبول الإلتجاء إلى المحكمة لإجباره على الإستمرار فـي التحكـيم حيث أن مهمة المحكم مهمة تتعلق بشخصه لا يجوز قانوناً اجباره على تنفيذها.
مفهوم الاستقالة:
تعريفها: هي رغبة المحكم المعين من قبل أحد الأطراف عن تخليه عن استكمال إجـراءات التحكيم أثناء سير تلك الإجراءات أو في نهايتها أي أثناء المداولات الأخيرة لإصدار الحكـم و/أو امتناعه عن التوقيع على الحكم وقد تكون تلك الإستقالة مبررة وقد لا تكون.
الطبيعة القانونية لإستقالة المحكم أثناء سير إجراءات التحكيم:
ما هي الطبيعة القانونية لإستقالة المحكم أثناء سير إجراءات التحكيم؟ وهـل هـي اسـتقالة قانونية؟ أم أنها تعسفية؟ ولماذا؟
ومتى تكون هذه الإستقال قانونية؟
ونكون أمام استقالة قانونية إذا ما كانت مبررة أي كان وراء ذلك سبب مقنع لها، أي إذا ما تعذر على المحكم أداء مهمته مما سيؤدي إلى تأخير غير مبرر في إجراءات التحكيم كما لو كان على سبيل المثال مرض أصاب المحكم وحال دون إمكانية استمراره في أداء مهمتـه أو سـفر طويل أو أي طارئ آخر حال دون إمكانية استمراره في متابعة سير إجراءات التحكيم.
لم ينص المشرع الأردني على حالة استقالة المحكم وكذلك المصري كما أنه لـم يعالجهـا وإنما في المواد/19 من قانون التحكيم الأردني وكذلك /20 من قانون التحكيم المصري قد عالجا حالة الإقالة وذلك بنص تلك المواد على الآتي "إذا تعذر على المحكم أداء مهمته أو لم يباشرها أو انقطع عن أدائها بما يؤدي إلى تأخير لا مبرر له في إجراءات التحكيم، ولم يتـنـح ولـم يتفـق الطرفان على عزله جاز للمحكمة الأمر بإنهاء مهمته بناء على طلب أي من الطرفين".
والملاحظ من نص تلك المادة: أن المحكم قد طرأ له طارئ منعه من استكمال إجـراءات التحكيم مما سيؤدي إلى تأخير لا مبرر له في تلك الإجراءات، وعلى الرغم من ذلك إلا أنه لـم يتنح، كما أن الطرفان لم يتفقا على عزله، ولم يتوفر أي شرط من شروط عزله أو تنحيه وبالتالي فإنه سيعرقل سير إجراءات التحكيم فأجاز المشرع للأطراف أو أي طرف مـنهم اللجـوء إلـى المحكمة المختصة لطلب إقالته – أي ليس بمحض إرادته كما هي الحال في الإستقالة وإنمـا بإرادة الأطراف أو أحدهم – هذا من ناحية قانون التحكيم الأردني و كذلك المصري.
أما قانون اليونسترال فقد عالجها بنص المادة /13 منه والتي تطرقـت لإستقالة المحكـم واختيار محكم بديل بإتباع الإجراءات المنصوص عليها في المواد من 6 إلى 9. وإننا نتوصل من خلال نص هذه المادة بأن الإستحالة القانونية أو الفعلية التي تحول دون قيام المحكم من استكماله لإجراءات التحكيم تكون استقالة قانونية.
وتكون الإستقالة تعسفية إذا كانت غير مبررة وخصوصاً إذا ما كان الهدف من ورائها فقط لتعطيل إجراءات التحكيم بغرض المماطلة والتسويف أو أنه قد تعمد ذلك بقـصـد شـل التحكـيم لمصلحة الطرف الذي اختاره.
حالات الاستقالة:
(قبل البدء في الإجراءات- أثناء سير الإجراءات - عند نهايه الإجراءات)
قد يستقيل أحد المحكين قبل البدء بإجراءات التحكيم أي في البداية وهنا يتم تعيين محكم بديل وفقاً للقانون الإجرائي المطبق على إجراءات التحكيم بتعيين محكم بديل.
وقد يتم أثناء سير إجراءات التحكيم.
وقد تتم في نهاية سير تلك الإجراءات عند المداولات النهائية للتوصل إلى الحكم.
وهنا تثير استقالة المحكم مشكلة في حالة إذا ما تم ذلك بعد بدء اجراءات التحكيم أو تعمـد ذلك بقصد شل التحكيم لمصلحة الطرف الذي اختاره اذا ما شعر بأن اتجاه باقي المحكمين يميـل إلى الحكم لصالح الطرف الآخر.
فالإستقالة تعني بأن المحكمة التحكيمية أصبحت غير مكتملة وغير مطابقة للشرط التحكيمي حيث أنها لم تعد المحكمة مشكلة من عدد وتر، كما يشترط القانون م/14/2 من قـانون التحكـيم الأردني ومعظم قوانين التحكيم الأخرى، وبالتالي فإن المحكم المستقيل قد تعسف فـي اسـتقالته خصوصا إذا ما كان يهدف بها المماطلة والتسويف وبالتالي فإن مسؤوليته القانونية تبقـى قائمـة ويمكن ملاحقته بالمسؤولية المهنية، ولكن التحكيم في هذه الحالة سينتهي بدون حكم تحكيمـي إلا إذا اعتمدت صيغة المحكمة المبتورة من محكمين اثنين أو إذا ما تم تعيين محكم بديل.
تطبيقات الاستقالة:
من الأمثلة على ذلك. النزاع التحكيمي الايراني الأمريكي لعام 1987 حيث أنه يعتبر أحـد أكبر التحكيمات الدولية، ذلك أنه قد أعطى هذا التحكيم خلال 14 عاماً عدداً كبيراً من الأحكـام التحكيمية والتي تم نشرها في 27 مجلداً، وقد تشكلت المحكمة التحكيمية من تسعة أعضاء تعـين حكومة الولايات المتحدة وإيران ثلثي الأعضاء وهؤلاء بدورهم يقومون بدورهم بتـسمية الثلـث الأخير من المحكمين وذلك بالتوافق وتم حسم الخلافات من خلال محكمة تحكيمية مكونـة مـن ثلاثة محكمين على أن تسير اجراءات التحكيم وفقاً لنظام اليونسترال، وأنه وفقاً لهذا النظام فـإن المادة 13 منه تنص على أنه: "... في حالة استقالة أحد المحكمين اثناء اجراءات التحكيم يعيّن أو يختار محكم آخر بدلا منه بإتباع الإجراءات المنصوص عليها في المواد من 6 إلى 9 التي كانت واجبة التطبيق على تعيين أو اختيار المحكم الجاري تبديله...".
وخلال سیر أعمال التحكيم طرأت مشكلة غياب أحد المحكمين المسمين من دولة ايران غياباً مقصوداً ولا مبرر له ولا تفسير له وأخذ هذا الموضوع يتكرر وفي عدة جلسات تحكيمية وكـان ذلك يفضي إلى تأجيلات متكررة كما اعتبر المحكمان في المحكمة أن هذا الغياب ليس لـه مـا يبرره فتابعاً السير بالدعوى رغم غياب المحكم. وأدى ذلك إلى صدور أحكامـاً عـن محكمـة تحكيمية مبتورة أي مكونة من محكمين اثنين وغاب عنهـا المحكـم الإيرانـي ممـا أدى إلـى اعتراضات إيرانية وإلى طلبات إيرانية قدمت لإبطال هذه الأحكام التحكيمية الصادرة عن محكمة تحكيمية مبتورة. وقد قدمت أمام القضاء الهولندي ولكن ايران عادت فتخلت عـن اعتراضـاتها وطلبات الابطال. ونفذت الأحكام التحكيمية الصادرة عن المحاكم التحكيمية المبتورة.
غير أن المحكمون الإيرانيون كان موقفهم بأن المحكمة بكامل أعضائها التسعة ليست مشكلة قانوناً، ولا غرفها التحكيمية مشكلة قانوناً في حال غياب أحد المحكمين الـذين سـمتهم احـدى الدولتين. وأنه في حال غياب هذا المحكم بأن الطريق الوحيد الذي يجوز أن يسلكه التحكيم هـو الذي نص عليه نظام اليونسترال حول عزل المحكمين واستبدالهم. غير أنـه عندما يجـري التحقيق والمحاكمة في قضية وتكون المداولات قد بدأت بشأنها فإن غياب المحكم لا يلزم باللجوء إلى اجراءات عزله واستبداله لأن ذلك سوف يؤدي إلى تأخير التحكيم وابطاء سيره بالإضافة إلى زيادة تكاليفه. سيما اذا ما كان ذلك سيقتضي عقد جلسات محاكمة جديدة. وان ذهاب التحكيم فـي هذا الإتجاه عند استقالة المحكم واستبداله لا سيما اذا ما تكرر الأمر سيجعل عمـل المحكمـة التحكيمية بدون جدوى.
وإن أكثر ما أثير أمر المحكمة المبتورة في التحكيم الايراني الأمريكي كان في محكمتـين هما:
1- قضية جيمس ساغي – حيث طرح الأمر في دعوى جيمس ساغي – ايـران حيـث أدلـى المحكم الذي سمته ايران بأن القضية غير مقبولة وبالتالي امتنع عن المشاركة في المداولة. ورفض توقيع الحكم التحكيمي. واعتبرت المحكمة التحكيمية بعضويها بأن محكمـة دوليـة دائمة مكلفة بحسم عدة منازعات لا يمكنها بأن تسمح بتعطيل عملها بـسبب رفـض أحـد أعضائها المشاركة في المداولة بسبب طلب من الطلبات أو رفضه توقيع الحكم التحكيمي .
2- أما القضية الثانية – فقد ورد في الحكم الصادر في هذه القضية ما يلي: "السيد مـصطفاني (المحكم) شارك في جلسة المحاكمة كما شارك في ثلاث جلسات للمداولة حول مسائل تتعلق بإجراءات المحاكمة في هذه القضية، ولكنه في الجلسة الثالثة بسبب عدم اتفاقه مع القـرار المتخذ من أكثرية أعضاء المحكمة حول المسائل الإجرائية التي جرت المداولة حولها، فإنه أعرب عن رغبته في عدم المشاركة في سائر جلسـات المداولة. وقد أبلـغ رئيس هيئـة التحكيم من جهته السيد مصطفاني أنه طبقاً للنظام التحكيمـي المطبـق. وعلـى التطبيـق الإجرائي الذي تقوم به المحكمة، فإن المحكمة لها الحق على الرغم من غياب المحكم السيد مصطفاني ان تتابع سير المداولة وان تحرر الحكم التحكيمي وقـد امتنـع المحكـم الـسيد مصطفاني بعد ذلك عن المشاركة في اجراءات الدعوى غير أن المحكمان تابعاً السير فـي اجراءات هذه الدعوى والمداولة ثم مرزا الحكم التحكيمي. وفقاً للطريقة العملية التي تتبعهـا هذه المحكمة. وبذلك قد بررا اتباع هذه الطريقة لضرورة تجنـب أن يعطـل أحـد أفـراد المحكمة التحكيمية سير مهماتها- وإن هذه الطريقة تتنفق مع المبادئ العامة للقانون الدولي المعترف بها – كما يذكر القاضي - ستيفان- بأن الفقه الدولي يميل بوضوح مـع مـساندة محكمة العدل الدولية إلى حق المحكمه التحكيمية الدولية في الـسير بـإجراءات المحاكمـة وبالتالي اصدار الحكم التحكيمي على الرغم من حصول اشكال يسببه محكم عنـد اسـتقالته وذلك لشل العملية التحكيمية وتعطيلها وفي هذه القضية أعطت المحكمة التحكيمية في النهاية حكماً لم لصالح المدعية وقد قاطع المداولة المحكم الذي سمته ايران ولم يوقع الحكم التحكيمي وردت هذه المحكمة طلب تصحيح الحكم التحكيمى النهائي بالأكثرية.
وهذا الحكم كان صادراً عن محكمة تحكيمية مبتورة ولكنه نفذ على الرغم من ذلك. 3- ومن الملاحظ في القضيتين اللتين تم التطرق اليهما بأن المحكمة التحكيميــة قـد أصـدرت حكمها بالرغم من استقالة المحكم الثالث وقد تم تنفيذ ذلك الحكم. ذلـك أن وضـع مـصير التحكيم في محكم واحد بمجرد أن يدلي بإمتناعه أو أن يقوم بتقديم استقالته فجـأة سـوف يقضي على المحاكم التحكيمية دون مبرر لذلك وإن اعادة تشكيل المحكمة التحكيمية بكاملها وبعد ذلك اعادة اجراءات المحاكم. من بدايتها امام المحكمة التحكيمية الجديدة. سوف يعطل عملية التحكيم برمتها. وذلك بإبطاء عملية سير اجراءات التحكيم والتي يلجأ لها الأطـراف عادة للهروب من اجراءات التقاضي البطيئة أمام المحاكم هذا من جهـة. وعـادة تهـدف الإستقالة إلى تأخير سير الدعوى وخدمة الطرف الذي سمى هذا المحكم.
4- إن من وجهة نظري فإنه لا بد من تعديل لقواعد اليونسترال وكذلك القوانين العربيـة التـى أخذت به، ووضع نص تشريعي لقطع الطريق على المناورات التي تهدف إلـى تأجيـل أو تعطیل سیر التحكيم.
5- و إن الحل الأمثل لذلك إنما يجب بأن يكون من خلال إرادة الأطراف بما أن التحكيم أساسه اتفاق الأطراف. فمن المنطقي العودة إلى أطراف القضية التحكيميـة. لإختيـار الطريقـة المناسبة للسير في اجراءات التحكيم إما استكمال ما تبقى من مداولات واجراءات التحكـيم. دون تعيين محكم بديل. واصدار الحكم من محكمة مبتورة كما حصل في القضيتين آنفت الذكر، أو بأن يتفقوا على تعيين محكم بديل حسب الأصول أو حسب القانون الإجرائي المتبع أمام هيئة التحكيم واستكمال الإجراءات من النقطة التي وصلت عندها. واما العودة من البدء وهذا كله يعود إلى أطراف النزاع التي إنما استمدت هيئة التحكيم سلطتها من خلال إرادتهم وفي حال عدم الإتفاق فيما بين الأطراف اللجوء إلى المحكمة المختصة لتقرر إمـا اعتمـاد الحكم الصادر عن المحكمة المبتورة أو بتعيين محكم بديل للمحكم المستقيل وهـل سـتعيد الإجراءات من بدايتها أم ستعود إلى النقطة التي انتهت عندها قبل تلك الإستقالة.
غير أن محكمة النقض الفرنسية قد فسخت حكماً تحكيمياً صادراً عن ثلاثة محكمين امتنـع فيه المحكم ثم عين محكم مكانه ولكنها اعتبرت أن التحكيم قد انتهى بمجرد امتناع المحكم الأول. وذلك استناداً إلى المادة 1464 من قانون المرافعات المدنية الفرنسي، والتي تعتبر التحكيم منتهياً ولا تجيز تعيين محكم بديل، بل أنها تقضي بتعيين محكمة تحكيمية جديدة والعودة إلى اجـراءات التحكيم من أولها أمام المحكمة الجديدة.
ذلك أن المحكمة المبتورة غير قادرة على اصدار أحكام تحكيمية في التحكيم الداخلي لأنهـا ستصطدم بشرط الزامي وهو صدور الحكم التحكيمي عن عدد وتر من المحكمين وفي هذه الحالة فإن عدد المحكمين يصبح مزدوجاً.
كذلك ذهبت محكمة الإستئناف في باريس الى ان استقالة المحكم في التحكيم الدولي تق إلى صدور حكم عن محكمة مشكلة بشكل مخالف للعقد التحكيمي.
حيث اعتبرت محكمة استئناف باريس في حكمها الصادر فـي 1/7/1997 بـأن الطـابع التعسفي - المحتمل الرامي إلى المماطلة والتسويف لا تأثير له على حل النـزاع الحـالـي الـذي ينحصر في طلب ابطال الحكم التحكيمي وبالتالي فهو ينحصر بنقطة واحدة وهي معرفة مـا اذا كان الحكم التحكيمي قد صدر عن محكمة تحكيمية قانونية، كما أنها اعتبرت أنه وبغض النظـر عن مسؤولية وموجبات المحكم اللتين يمكن أن تكونا اطاراً لدعوى مختلفة، فإن المحكم المستقيل لم يقم بمهمته حتى آخر مراحلها. وان هذا الأمر لا يتعلق بأطراف، بل يتعلق بالمحكمة التحكيمية وسلطتها القضائية المنبثقة من العقد التحكيمي، وقد لاحظت محكمـة الاستئناف بـأن المحكـم المستقيل قدم استقالته خلال المداولة بحيث أن المحكمة التحكيمية حيث اتخذت قرارها، قد كانـت مكونة من رئيسها ومن المحكم المسمى من الطرف الذي ربح الدعوى، وبالتالي فإن الحكـم قـد صدر عن محكمة تحكيمية مبتورة مقطوع منها عضو من أعضائها - وبالتالي فإن تشكيلها لم يكن متوافقاً مع العقد الذي تستمد منه هذه الهيئة سلطتها القضائية وقد اعتبرت محكمة الإستئناف أن هذا السبب وحده يكفي لإبطال الحكم التحكيمي. حيث قد القيتا بعض الضوء على الفقه الفرنسي المنشور في هذا الشأن بينما قد حسم اجتهاد دول اعراف القوانين الانجلو أمريكية لصالح تكريس صحة الأحكام التحكيمية الصادرة عن محاكم تحكيمية مبتورة استقال احد محكميها وقد تـصدى للموضوع عدد كبير من العلماء سوف نلقي الضوء على أبرز آرائهم في الموضوع:
1- البروفسور جورج سیسیل مقرر لجنة قانون التجارة الدولية في الأمم المتحـدة اليونـسترال سنة 1951 حيث كان هو أول من دق ناقوس خطر المماطلة والتـسويف، حيـث جـرت محاولات لوضع معاهدات وتضمين القوانين النموذجية معالجة لهذا الأمر بتشريع صـحة الأحكام الصادرة عن المحكمة التحكيمية المبتورة التي استقال أحد محكميها بـدون مبـرر، حيث كتب عن محاولة تعطيل التحكيم عن طريق استقالة محكم خلال سير التحكيم "الأمـر غير مبرر من زاوية حسن النية وهو مخالف كلياً للقانون". وبالتالي فليس هنــاك قاعـدة قانونية تجيز ذلك من ناحية القانون الدولي، إذا فليس بإمكان المحكم المستقيل ولا الطـرف الذي سماه بأن يشكك في صحة حكم تحكيمي صادر عن باقي المحكمين وبذلك قد اعتبر بأن الإستقالة مخالفة للقانون والحكم الصادر عن محكمة مبتورة صحيح.
2- البروفسور ستيفان سكوبل نائب رئيس محكمة العدل الدولية في لاهاي عام 1987 يقـول: "إن استقالة عضو في المحكمة التحكيمية الدولية بدون اجازة هذه المحكمة وموافقتهـا هـو مخالف للقانون الدولي وللمبادئ العامة للقانون المعترف بها. إن استقالة تعسفية لا مبرر لها ويجب أن لا تحرم محكمة تحكيمية دولية من سلطة متابعة اجراءات المحاكمـة واصـدار الحكم التحكيمي، ثم يقول القاضي ستيفان أن فقه القانون الـدولي يميـل وبـشكل واضـح وبمساندة محكمة العدل الدولية لصالح حق المحكمة التحكيمية الدولية في حال اشكال يثيـره محكم، يميل إلى تبني حقها في متابعة اجراءات التحكيم واصـدار حكـم تحكيم يكـون صحيحا".
اي أن الإستقالة مخالفة للقانون الدولي وللمبادئ العامة للقانون وأن المحكمة المبتورة . الحل.
بعد هذا العرض السريع لبعض الآراء بين مؤيد ومعارض للحكم الـصـادر عـن محكمـة تحكيمية مبتورة فإن الحل الأمثل لذلك خاصة عندما يقوم المحكم المسمى من أحد الأطراف بالإستقالة دون مبرر كاف لذلك فإنه يجب النظر إلى المرحلة التي وصلت إليهـا الـدعوى التحكيمية المنظورة من قبل الهيئة، فإذا ما كان التحكيم في مراحله الأولى فلا بد من استبدال المحكم المستقيل. وذلك وفقاً لأحكام القانون الذي اتفق الأطراف على تطبيقه على اجراءات التحكيم من اجراءات لتعيين محكم بديل في حالة رد المحكم، ويجب أن يتم ذلـك بـصورة مستعجلة لعدم تعطيل اجراءات التحكيم أو المماطلة، أما إذا ما كانت الإستقالة في مرحلـة متقدمة من التحكيم فإن الحل المناسب هو أن يتابع المحكمان اجراءات التحكيم وأن يـصدرا حكمهما كما حصل في دعاوى طبقت نظام اليونسترال أو كانت خاضعة لنظام تحكيم غرفة التجارة الدولية.
ولا شك بأن الحل الأمثل كما أسلفت هو العودة إلى إرادة أطراف التحكـيم ذلـك أن هيئـة التحكيم إنما تستمد سلطتها من اتفاق الأطراف فمن باب أولى بأن يقرر الأطـراف اللـذين اختاروا التحكيم كوسيلة لفض منازعاتهم بأن يجيزوا للمحكمين بأن يتابعا اجراءات التحكيم ويصدرا حكمهما التحكيمي ولكن لا بد من نص تشريعي يخول الأطراف هذه السلطة حتـى يكتسب هذا الحكم صيغة التنفيذ. وهذه توصية على تعديل قانون اليونسترال والـدول التـي أخذت به مثل مصر والأردن ودول أخرى. حيث أنه بعد مرور ثلاثين عاماً علـى قـانون اليونسترال. لا شك بأنه قد طرأ ما هو جديد على الساحة العملية لعملية التحكـيم التجـاري الدولي فلا بد من تعديل خصوصاً في حالة استقالة المحكم (المحكمـة المبتـورة) - وكمـا أسلفت إضفاء صفة الشرعية على حكم المحكمة المبتورة في حال اتفاق أطراف المنازعـة على ذلك أو إذا ما كانت الإستقالة مبكرة عملية استبدال المحكم المستقيل وذلـك لـضرورة العدالة وعدم السماح للمحكم المستقيل بالإعتداء على حقوق الدفاع لأحد الخصوم خاصة وأن كافة القوانين لا تقبل بإستقالة المحكم التي يقررها هو وحده دون مبررات مقبولة. ولكن من ناحية أخرى لا أحد يستطيع الزام المحكم على متابعة مهمته إلى نهايتهـا ذلـك أن متابعـة لمهمته رغماً عنه يؤثر على حيدته واستقلاله وبالتالي أصبح لا بد من رده وبالتالي فإنـه لا يبقى أمام الأطراف سوى طلب استبداله. أو متابعة التحك بمحكمـة تحكيميـة مبتـورة. ومطالبة المحكم المستقيل بالعطل والضرر.
مسؤولية المحكم في حال استقالته أثناء سير إجراءات التحكيم:
ما هي المسؤولية التي تقع على عاتق المحكم إذا ما استقال أثناء سير إجراءات التحكيم؟
للإجابة على هذا السؤال لا بد لنا من البحث عن نطاق هذه المسؤولية هل هـي مـسؤولية عقدية أم أنها تقصيرية، لا شك أن أساس المسؤولية المدنية هو الإعتداء على حق للغير قد حماه القانون، وتقوم المسؤولية العقدية إذا امتنع أحد المتعاقدين عن تنفيذ التزامه العقدي أو نفذه علـى وجه معیب ألحق ضرراً بالمتعاقد الآخر.
وبما أن هيئة التحكيم إنما تستمد سلطتها من إرادة الأطراف واتفاقهم فإذا مـا نـص العقـد التحكيمي على حالة استقالة أحد المحكمين أثناء سير إجراءات التحكيم وتحديد الإجراء اللازم في مواجهته أو ترك الأمر لباقي أعضاء هيئة التحكيم في هذه الحالة تتحقق المسؤولية العقدية. أما إذا لم يتطرق الأطراف لإستقالة المحكم ولم يذكره أي بند في العقد فلا يتبقى مـن وسـيلة سـوى ملاحقته بالمسؤولية التقصيرية ومطالبته بالعطل والضرر بناء على المسؤولة التقصيرية حيـث أنها تتحقق إذا أخل المحكم بما فرضه القانون من التزام بعدم الإضرار بالغير.
ولكن إن التحكيم سيتعطل.. ولن يصدر حكماً بالنزاع. ونحن نبحث عن وسيلة إلـى انقـاذ التحكيم فمن الممكن بأن ينتهي التحكيم بإنتهاء مهلته وقد يتعذر استبدال سريع للمحكم المـستقيل. خاصة وأن القانون النموذجي الذي وضعته الأمم المتحدة (اليونسترال) وكذلك معظم القوانين التي أشارت إلى استقالة المحكم تقضي بأن لا بد من استبدال المحكم المستقيل.
وعلى الرغم من الاشكالية التي تواجهها المحكمة المبتورة إلا أن الحل لا بـد بـأن يكـون موجوداً جودا في اتفاق الأطراف في العقد التحكيمي الذي هو أساس التحكيم وهو الحل الأمثـل كمـا أسلفنا آنفاً. وذلك إذا ما كان العقد التحكيمي ينص على الحل في حالة استقال أحد المحكمين. إما بتعيين بديل بصورة مستعجلة أو المتابعة واصدار الحكم عن محكمة تحكيمية مبتورة. وبالتـالي فإذا ما صدر الحكم من هذه المحكمة وكان العقد التحكيمي ينص عليه فهو صحيح. وبالتالي فـإن الحكم التحكيمي الصادر عن محكمة تحكيمية مبتورة لا يكون صحيحاً إلا إذا نص عليـه اتفـاق أطراف النزاع.
وكذلك يجب أن ينص الإتفاق على اجازة استئناف التحكيم من النقطة التـى وصـل إليهـا التحكيم عند استقالة المحكم دون الرجوع إلى أول اجراءات التحكيم من جديد. وذلك لعدم تعطيل وتسويف العملية التحكيمية.
ولا شك بأن سير التحكيم بمحكمة مبتورة أفضل من تجميد التحكيم على الرغم من أن هـذا المبدأ قد يصطدم بمبـدأ مسـاواة الأطراف ولكن إذا ما رفض الطرف الـذي سـمى المحكـم المستقيل الإستبدال. أو تعذر عليه ذلك في هذه الحالة يمكن للمحكمة المبتورة بأن تتابع التحكـيم إلى نهايته.
أمثلة على المراكز التي تبنت أحكام المحكمة المبتورة:
لقد تبنى أحكام المحكمة المبتورة العديد من مراكز وغرف التحكيم الدولي نذكر منها:
1- محكمة لندن التحكيمية الدولية التي قد عالجت مسألة استقالة المحكم أو رفضه المشاركة فـى تحرير الحكم التحكيمي. وذلك وفقا للمادة 12 من نظام تحكيم محكمة لندن للتحكيم الـدولي والتي نصت على ما يلي تحت بند المحكمة التحكيمية المبتورة:
أ. إذا رفض أي محكم أو عضو محكمة تحكيمية مشكلة من ثلاثة محكمين المشاركة فـي الإجراءات يكون للمحكمين الآخرين الحق في متابعة الإجراءات بما فيها اصـدار أي قرار أمر أو حكم تحكيمي بعد اخطار الأطراف والكاتب بهذا الرفض وما يتفق عليـه الأطراف على خلاف ذلك كتابة بالرغم من غياب المحكم الثالث.
ب. يأخذ المحكمان الأطراف بعين الإعتبار لدى اتخاذ القـرار بمتابعـة الإجـراءات مـن المرحلة التي وصلت إليها الإجراءات. أي عذر مقدم من قبل المحكم الثالث حول عـدم مشاركته وغيرها من مثل هذه المسائل التي يعتبرونها مناسبة في مثل ظروف القـضية ويبين المحكمان هذه الأسباب في أي حكم تحكيمي أو أي قرار آخر يتخذونـه بـدون مشاركة المحكم الثالث.
ج. إذا قرر المحكمان الأطراف عدم متابعة اجراءات التحكيم بدون مشاركة المحكم الثالث. يبلغ المحكمان هذا القرار إلى الأطراف والكاتب وفي هذه الحالة يحيل المحكمان أو أي طرف في هذه المسألة إلى محكمة لندن للتحكيم الدولي لرد المحكم الثالث وفقاً للمـادة 10 من نظام تحكيم محكمة لندن للتحكيم الدولي.
ومن الملاحظ بأن نظام محكمة لندن للتحكيم الدولي قد أجازت الحكـم الـصـادر عـن المحكمة المبتورة لكنها تركت الأمر لهيئة التحكيم بمنأى عن إرادة أطراف الخصومة التي إنما استمدت سلطتها من إرادتهم واختيارهم فقط.
كما أنها لم تنص على مسؤولية المحكم المستقيل ومساءلته ومطالبته بالتعويض وذلـك لإقفال الباب أمام الإستقالة غير المبررة والتي يكون هدفها فقط هو المماطلة والتسويف وتعطيل التحكيم فلو كانت هنالك اجراءات رادعة تتخذ في مواجهة المحكـم المـستقيل دون مسوغ أو مبرر مقنع لذلك لتردد المحكم كثيراً قبل تقديم هذه الإستقالة. ولكن مـا من وسيلة إلا بالعودة إلى المبادئ الأساسية في القـوانين المدنيـة للمطالبـة بالعطـل والضرر بناء على المسؤولية التقصيرية.
2- كذلك الحال بالنسبة للهيئة الأمريكية للتحكيم حيث أنها تبنت المحكمة المبتورة وتركت الأمـر للمحكمين الاثنين مسؤولية تقرير ما إذا كانا سيتابعان التحكيم أم لا. فإذا قررا أن للإستقالة سبباً مقنع جرى استبدال المحكم وفي خلاف ذلك فإن لهما سلطة متابعـة الـسيـر بـالتحكيم واصدار حكم تحكيمي صحيح.
ومن الملاحظ كذلك على نظام الهيئة الأمريكية للتحكيم بأنها قد تركت الأمر للهيئة التحكيمية بمنأى عن إرادة أطراف الخصومة وكذلك لم تعالج مسؤولية المحكم المستقيل.
3- كما أن المنظمة الدولية للملكية الفكرية (OMPI) قد تبنى نظام مركزها التحكيمي المحكمة المبتورة والحكم الصادر عنها في حال استقالة المحكم.
4- كذلك فصلت المحكمة الدائمة للتحكيم في لاهاي في نظامها والذي قد وضع موضع التنفيذ في . 6/7/1993.
والآن وبعد مرور ثلاثين عاماً على قواعد اليونسترال من ممارسة عملية لتطبيقه فلا بد من تعديل على هذا القانون وخصوصاً ما يتعلق بالمحكمة التحكيمية المبتورة فمن الواضح بأن مراكز التحكيم الدولية الكبرى قد تبنت فكرة المحكمة المبتورة واعتمد أحكامها.
وكذلك نظام تحكيم غرفة التجارة الدولية بباريس (ICC) وإن لم يعتمـدهـا صـراحة إلا أن التطبيق العملي في دعوى بين شركة انجليزية والدولة المصرية التي قد خضعت لنظـام (ICC) وأصدر فيها المحكمان حكماً جزئياً وصادقت عليه محكمة التحكيم الدائمة للـ (ICC) حيث تحول الإجتهاد الفرنسي في موقفه سنة 2005 فسلم بصحة الحكم التحكيمي الصادر عن محكمين إذا ما تعذر تعيين محكم ثالث بديل للمحكم المستقيل ولكنه اشترط بأن يكون العقد التحكيمي قد نص على ذلك .
لذلك لا بد من تبني التعديلات المقترحة على قواعد تحكيم اليونسترال للمحكمـة المبتـورة وصحة قرارتها في حال استقالة المحكم التعسفية ومسؤوليته إزاء هذه الإستقالة ذلـك أن تبنـي أحكام المحكمة التحكيمية المبتورة لا شك بأنه يقطع الطريق أمام تعطيل عملية التحكيم بالتسويف والمماطلة في التحكيم عن طريق تقديم المحكم استقالة غير مبررة وغيـر مفهومـه ولا حتـى قانونية.
وبالتالي لا بد من ترتيب المسؤولية على عاتقه حتى لا يتم التهاون في مسألة الإستقالة وترك مصالح الأطراف اللذين اختاروا التحكيم وسيلة لفض منازعاتهم في مهب تقلبات رياح المحكمين إذا ما قام أحد المحكمين بإستقالة تعسفية دون مبرر مقبول. وبالتالي فإن مصالح الأطراف سوف تتضرر جراء ذلك. وإذا ما لم يتم تعديل على القوانين الخاصة بهذه المسألة فإن الحكم التحكيمي الصادر عن محكمة مبتورة قد لا يكتسي صفة التنفيذ وبالتالي فإن مصالح الأطراف الذين لجـأوا إلى التحكيم سيصيبها ضرر فمن الضروري لأطراف المنازعة وضع بند في العقـد التحكيمـي ينص على حالة استقالة أحد المحكمين واجراءات تعيين بديل للمحكم المستقيل. أو اجازة وصحة الحكم التحكيمي الصادر عن محكمة مبتورة.
أما بالنسبة إلى رد المحكم
فما هو الوضع القانوني في حال اكتشاف سبب لرد هذا المحكم وخصوصاً بعـ صـدور حكـم التحكيم - ما هو الوضع القانوني لهذا الحكم؟
في الحقيقة وقبل الإجابة على ذلك – نلاحظ وجود التزام قانوني على عاتق المحكم – وهو الإلتزام المنصوص عليه في كافة قوانين التحكيم العربية والدولية ونذكر منهـا المـادة 15 مـن قانون التحكيم الأردني وكذلك المادة 16 من قانون التحكيم المصري- وهـو أنـه يجـب علـى المحكم بأن يفصح عن قبوله لمهمة التحكيم عن أي ظروف من شأنها إثارة شكوك حول حيدتـه واستقلاله.
وفي الواقـع.. إن عـدم تنفيذ المحكـم لهذا الالتزام بعدم الإفصاح إنما يعد اعتداء مـن قبل المحكم على حقوق الدفاع لأحد الخصوم – لأن من شأن ذلك حرمان أحد الأطراف من حق الرد .
ولذلك (تعد المحكمة التحكيمية مشكلة تشكيلاً غير صحيح).
ومن ثم يجب أبطال حكم المحكمين لمخالفته حقوق الدفاع ويكون ذلك عن طريـق الطعـن بالبطلان في هذا الحكم إذ لا شك بأن حقوق الدفاع تكون قد انتهكت من اللحظة التي يتم فيهـا الإخلال بمبدأ المساواة بين الخصوم أمام هيئة التحكيم ونعتقد بأن الإخلال بمبدأ المساواة بـين الخصوم يعد اخلالاً بأحد المفاهيم الجوهرية التي تتعلق بالنظام العام الدولي الإجرائي في مرحلة سير خصومة التحكيم ما يبرر بحق رفع دعوى بطلان في مواجهة هذا الحكم.
وخصوصاً وأن معظم قوانين التحكيم وخصوصاً تلك التي أخذت عن اليونسترال قد نـصت على (أنه إذا ما حكمت المحكمة المختصة برد المحكم فإنه يترتب على ذلك اعتبار ما يكون قد تم من اجراءات التحكيم فإن لم تكن بما في ذلك حكم المحكمين). أي أن هذا الحكم في نظر قـوانين التحكيم قد اعتبر معدوماً لا وجود له.
النتائج:
1- إن هيئة التحكيم تستمد سلطتها من خلال إرادة أطراف المنازعة.
2- إن استقالة المحكم أثناء سير اجراءات التحكيم تعني بأن المحكمة التحكيمية أصبحت غيـر وغير مطابقة للشرط التحكيمي حيث أنها لم تعد مشكلة من عدد وتر. مكتملة
3- إن المحكم المستقيل قد يتعسف في استقالته خصوصاً إذا ما كان يهدف من ورائها المماطلة والتسويف وابطاء عملية سير اجراءات التحكيم أو شل عملية التحكيم برمتهـا لمـصلحة الطرف الذي اختاره.
4- إن مسؤولية المحكم المستقيل تجاه الأطراف إما عقدية وذلك إذا ما ذكر ذلك في بند من بنود الإتفاق على التحكيم.... وإما تقصيرية وذلك إذا ما لم يتم ذلك حالة الإستقالة فـي الإتفـاق وتتم مطالبته بالعطل والضرر.
5- لم تتطـرق معظـم التشريعـات لحالة استقالة المحكم ولم تعالجها وقد ذكرتها المـادة 13 من قانون اليونسترال ولكن اشترط بأن يتم تعيين محكم بديل ولـم تجـز الحكـم لمحكمـة مبتورة.
6- لا شك بأن سير التحكيم بمحكمة مبتورة أفضل من تجميد الحكم خـصوصاً إذا مـا تعـذر الإستبدال في المرحلة التي وصلت إليها إجراءات التحكيم.
التوصيـات:
لقد تبنت العديد من مراكز وغرف التحكيم الدولي الأحكام الصادرة عن محكمة مبتورة قد تم ذلك البعض منها ولتفادي ما قد يعرقل عملية سير إجراءات التحكيم فـي حـال اسـتقال أحـد المحكمين فلا بد من تعديل على قوانين التحكيم وأهمها قانون اليونسترال والدول التي أخذت بـه وذلك كالآتي:
أ- إن الحل الأمثل هو العودة إلى اتفاق الأطراف المتنازعة بأن يقرروا في حالة استقالة أحـد المحكمين بأن تتابع إجراءات التحكيم ويتم اصدار الحكم التحكيمي مـن محكمـة تحكيميـة مبتورة أو تعيين محكم بديل ولكن لا بد من نص تشريعي يخول الأطراف هذه السلطة حتى يكتسب هذا الحكم صيغة التنفيذ.
ب- كما أنه لا بد من نص تشريعي على مسؤولية المحكـم المـستقيل ومـساءلته ومطالبتـه بالتعويض وذلك لإقفال الباب أمام استقالة غير مبررة يكون هـدفها المماطلـة والتسويف وتعطيل سير إجراءات التحكيم.