تقضي بعض القوانين العربية مثل القانون البحريني، والقطري والليبي، بجواز عزل المحكم أيضاً بقرار من المحكمة. ولم يبين النص أسباب العزل وإجراءاته من هذه الناحية. ولكن من غير الجائز القول بأنه يجوز للمحكمة عزل المحكم من تلقاء نفسها، بل لا بد من التقدم بطلب بذلك من قبل أحد الخصوم، بموجب دعوى قضائية موضوعها عزل المحكم. ويجب أن تكون هناك أسباب جدية لهذا الطلب تقدرها المحكمة.
ومثال ذلك أن تمضي مدة طويلة دون اتصال المحكم بالأطراف من غير سبب مبرر، بالرغم من اتصالهم المستمر به واستعدادهم للمثول أمامه وتقديم لوائحهم وبيناتهم ، وطلب أحدهم شاهداً في القضية، ويقرر المحكم ذلك دون دعوة الشاهد لأكثر من جلسة، بالرغم من تذكيره بذلك أكثر من مرة، وعدم فتح محضر جلسات التحكيم أو بعضها، أو عدم تدوين الكثير مما يتم في جلسات التحكيم خلافاً لطلب الأطراف المتكرر، أو حجز القضية للحكم بتاريخ معين ويقوم المحكم بالتأجيل من وقت لآخر، والأطراف يمددون أجل التحكيم بناءً على ذلك، ولكن دون جدوى، أو إعطائه الصلاحية بتحديد مدة التحكيم وتمديدها إلى حين صدور الحكم، فلا يقوم بتحديد هذه المدة، أو يحددها ثم يقوم بتمديدها من وقت لآخر الإصدار الحكم ولا يصدره خلال مدة معقولة، أو تردده في اتخاذ القرارات الإعدادية والإجرائية، وتراجعه المتكرر عن مثل هذه القرارات بالرغم من تمسك الأطراف بها.
أما القانون الإماراتي، فقد كان أكثر وضوحاً من القوانين المذكورة، بالنص صراحة في المادة (2/207) ، على أن عزل المحكم بقرار من المحكمة، يجب أن يتم بناءً على طلب أحد الخصوم، وأن يثبت بأن المحكم أهمل قصداً العمل بمقتضى اتفاق التحكيم، وأنه سبق وتم لفت نظره خطياً بذلك، إلا أنه استمر بهذه المخالفة.
فالنص في القانون الإماراتي، يشترط أولاً أن هناك مخالفة لاتفاق التحكيم من قبل المحكم أو بمعنى آخر، مخالفة لأي شرط من شروط الاتفاق. مثل أن ينص الاتفاق على مكان معين للتحكيم فيقرر المحكم مكاناً آخر غيره، أو ينص على أن اللغة العربية هي لغة التحكيم، فيصدر المحكم قراراً بأن اللغة هيا الانجليزية، أو ينص على أن جلسات التحكيم سرية، فيسمح المحكم للغير بحضور الجلسات. ويشترط ثانياً ، أن هذا الإهمال كان عن قصد من جانب المحكم وليس عفوياً ، أو عن اجتهاد خاطئ غير مقصود منه. بدليل، مثلاً، صراحة الحكم في اتفاق التحكيم وتدوينه ثانية في المحضر، ومع ذلك يقوم المحكم بمخالفته. ويشترط ثالثاً، أن يكون قد تم تنبيه المحكم من قبل أحد الأطراف لهذه المخالفة، إلا أنه مع ذلك أصر على الاستمرار بها، مما يعني أن إهماله تطبيق الاتفاق كان عن قصد وليس عفوياً.
ويلاحظ على النص أنه حصر المخالفة المبررة لعزل المحكم باتفاق التحكيم، ولكننا نرى امتداده ليشمل أيضاً التأخير غير المبرر في إجراءات التحكيم، بسبب عدم مباشرة هذه الإجراءات مثلاً، أو تأجيلها أو تأجيل الجلسات عموماً لفترات طويلة غير مبررة، مما يؤدي إلى عرقلة التحكيم والسير به خلافاً للمعتاد والمألوف.
والعزل القضائي يتم كما ذكرنا ، بدعوى قضائية أمام المحكمة المختصة أصلا بنظر النزاع، يكون المدعي فيها أحد طرفي الاتفاق كمدعي . أما المدعى عليه، فنرى أنه يجوز أن يكون الطرف الآخر في التحكيم، أو المحكم أو كليهما معاً. وإذا رفعت ضد أحدهما ، فيجوز للآخر الدخول في الدعوى بناءً على طلب من أحد طرفي الدعوى الأصلية، أو بناءً على طلب يقدمه هو نفسه. كما يجوز للمحكمة إدخاله فيها من تلقاء نفسها حسب القواعد العامة في إجراءات التقاضي. وباستثناء بعض القوانين مثل القانون الليبي نرى بأن قرار المحكمة، سواء كان بعزل المحكم أو برفض طلب العزل، يكون خاضعاً للطعن وفق طرق الطعن العادية، ما دام لا يوجد نص يقضي بأنه قطعي لا يقبل أي طريق من طرق الطعن أما القانون الليبي، فقد نصت المادة (749) ، على أن قرار المحكمة برفض أو قبول طلب العزل غير قابل للطعن.
وخلافاً للقوانين المذكورة، لم تنص قوانين أخرى مثل سوريا والسعودية والعراق على إمكانية عزل المحكم بقرار من المحكمة. ولكننا نرى أن هذا من طبيعة التحكيم ومتطلباته. ففي كل وضع يتقاعس فيه المحكم عن أداء مهمته ويهمل فيها، بصرف النظر عن أسباب ذلك، بصبح من حق الطرفين أو أحدهما، حسب الأحوال، عزله ولا مشكلة في ذلك إذا اتفقا على عزله، ما دام أن كافة القوانين تجيز عزله بالاتفاق . ولكن تثور المشكلة في حال عدم رغبة أحد الطرفين بعزله لأسباب خاصة به، وهي غالباً المماطلة في إجراءات التحكيم من قبل المدعى عليه، ولا يستطيع الطرف الآخر عزله بإرادته المنفردة. في وضع كهذا، ليس أمام ذلك الطرف سوى الطلب من المحكمة استصدار قرار بعزله والمحكمة تقدر أسباب العزل الواردة في الطلب وفقاً للظروف المحيطة، وتقرر من حيث النتيجة إما الموافقة على طلب العزل أو رفضه. وأبعد من ذلك نرى أنه يجوز لطالب العزل الطلب أيضاً الحكم له بالتعويض من المحكم المعزول، إذا كان لذلك مقتضى حسب القواعد العامة.