تنص القوانين محل البحث عموماً ، على عدم جواز عزل المحكم بعد قبوله لمهمته وتعيينه إلا بتراضي الخصوم جميعاً حتى دون حاجة لبيان الأسباب . وباستثناء القانون الليبي، يمكن القول بالنسبة للقوانين الأخرى، بأنه يجب على المحكم أن يستجيب لإرادتهم، سواء كان تعيينه قد تم من قبل أحدهم، أو باتفاقهم جميعاً ، أو بحكم من المحكمة، أو من سلطة التعيين.
وعزل المحكم بإرادة الخصوم، يجب أن يتم باتفاقهم جميعاً ولا يكفي اتفاق بعضهم، للقول بصحة العزل حتى لو كانوا أغلبية. ويطبق ذلك على كل من المحكمين وعليهم جميعاً، بصرف النظر عن الجهة التي عينت المحكم. ويعني ذلك أيضاً، بأنه لا يجوز لأحد أطراف التحكيم عزل المحكم الذي قام هو بتعيينه، بل لا بد من موافقة الآخرين. ونظراً لدقة المسألة وحساسيتها في التحكيم، نرى أن مثل هذا الاتفاق يجب أن يكون صريحاً وواضحاً بل خطياً. ويستوي بعد ذلك أن يتم العزل بكتاب واحد موقع بصورة مشتركة من طرفي النزاع وموجه للمحكم، أو بموجب كتاب من كل منهما موجه له. بل أن قيامهما بطلب العزل شفوياً أثناء المرافعة، وتدوين ذلك في محضر التحكيم، يكفي لغايات العزل وكما هو واضح، فإن عزل المحكم بالاتفاق ليس بحاجة لحكم من المحكمة، وعلى المحكم أن يستجيب لهذا الاتفاق.
والوضع في القانون الليبي مختلف عن القوانين الأخرى. فبعد أن أجازت المادة (749) عزل المحكم بتراضي الخصوم جميعاً ، عادت وقالت بأنه يمكن عزل المحكم بقرار من المحكمة بناءً على طلب أحد الخصوم، أو جميعهم. وللقاضي قبول أو رفض الطلب بعد سماع دفاع المحكم. وهذا يعني أنه لو اتفق الخصوم جميعهم على عزل المحكم وأبلغوه بذلك، فمن حقه رفض هذا العزل أي من حقه البقاء في منصة الحكم رغماً عن إرادة الأطراف والنص منتقد وغير عملي، إذ من المتفق عليه أنه لا يجوز فرض محكم على الأطراف رغماً عنهم وأن هذا مخالف بوضوح لما جرى عليه التحكيم والعرف التحكيمي المستقر بالنسبة لهذه المسألة. وعلى أية حال، يمكن للأطراف التحايل على هذا النص بطريقة مشروعة، إذ ما عليهم في هذه الحالة إلا الاتفاق على إسقاط الدعوى التحكيمية، والاتفاق على تحكيم جديد أمام محكم آخر، وهذا حقهم المشروع، ولا غبار عليه، مما يعني انتهاء مهمة المحكم السابق حكماً ، أي عزله باتفاق الأطراف ولكن بطريقة غير مباشرة.
وحسب المادة (11) من نظام التحكيم السعودي، فإنه يجوز للمحكم المعزول المطالبة بالتعويض إذا توفر شرطان: الأول ـ أن يكون المحكم قد شرع في مهمته قبل عزله، أي باشر بأي إجراء من إجراءات التحكيم. الثاني - أن لا يكون العزل بسبب منه. فإذا كان العزل يرجع لسبب هو مسؤول عنه، مثل تقصيره أو إهماله أو تباطئه بالسير في الإجراءات، أو حتى لأسباب أو ظروف خارجة عن إرادته وإرادة الطرفين، فليس له المطالبة بالتعويض. واستناداً للقواعد العامة، يرتبط التعويض بالضرر، وعلى من يدعيه أي المحكم، إثباته، مع ملاحظة أن سبب التعويض هنا، أو قل الخطأ إن صح ذلك، مفترض ولا حاجة لإثباته. وهذا السبب هو قرار الأطراف بعزل المحكم. كما يفترض بأن سبب العزل لا يرجع للمحكم ، وعلى من يدعي العكس، أي الأطراف إثبات ذلك لتجنب الحكم عليهم بالتعويض.
ولا يوجد لهذا الحكم في القانون السعودي مقابل في القوانين الأخرى، ولكن يمكن تطبيقه فيها استناداً للقواعد العامة، التي تقضي بأن كل إضرار بالغير يلزم فاعله بتعويض ذلك الغير ما دام الإضرار ليس مبرراً قانوناً.