تتقضي مهمة المحكم بسبب العزل فقد يكون العزل بإرادة المحكم الذاتية فذلك يقال فيه اعتزال المحكم، أو قد يكون عزل المحكم بإرادة طرفي خصومة التحكيم، أو قد يكون بإرادة أحدهما، إذ أنه يجب أن يتم العزل قبل أن يصدر ذلك المحكم حكمه في خصومتهما.
والمحكم يجوز له أن يعزل نفسه، كالوكيل الذي يجوز له أن يعزل نفسه بشرط أن يعلم الموكل برغبته في ترك الوكالة ، فالمحكم يحق له أن يعزل نفسه ويترك التحكيم وهو ما يسمى في الفقه القانوني التنحي، ولكن يجب أن يكون ذلك الأعتزال قبل إصدار الحكم، ويصح أن يعزل المحكم نفسه في أي وقت يشاء بشرط عدم الإضرار بالخصوم أو أحدهما.
ومن ثم يجب على المحكم في هذه الحالة ألا يواصل تولي مهمة التحكيم ويصدر حكمه فيها، فإن أصدر حكمه فذلك الحكم يعتبر باطلا ولاينفذ.
وهناك من يرى عدم ضرورة استمرارية رضى الخصمين إلى وقت صدور الحكم، فمن حق أحد الخصمين أو الخصمين معا أن يرجع عن التحكيم قبل إصدار الحكم، ما لم تبدأ خصومة التحكيم أمام المحكم، فإن بدأت تعين عليهما السير في الخصومة التحكيمية حتى صدور الحكم من المحكم). حيث اعتبر أصحاب هذا الرأي أن المحكم بمثابة حاكم خاص، لكونه يباشر عمله بإذن من تحكم لهم أو عليهم، فهو بذلك كالوكيل الذي إذا باشر العمل الموكل به، فمنذ مباشرته لذلك العمل يبدأ التزام الموكل بالوكالة، بينما التحكيم لا يلزم بدء إلا بمباشرة الدعوى أمام المحكم والترافع أمامه بعرض المدعي دعواه ورد المدعي عليه بدفاعه.
ومن ثم فلا يجوز لأحدهما أن يستحوذ على مسألة عزل المحكم لما لها من خطورة كما أشرنا أعلاه، في الإضرار بأحدهما لأنه إن قام الآخر بعزل المحكم سيتضرر الطرف الآخر، لذلك يجب أن يوجد اتفاق بينهما على عزل المحكم إن رأيا في أن عزل المحكم فيه مصلحة لهما، كما لا ينفذ حكم المحكم الذي علم عزله، إلا أن يرضى الخصمان بحكمه فيما يجوز التحكيم فيه.
كما أن مجلة الأحكام العدلية تناولت أحقية طرفي خصومة التحكيم في عزل المتكم، فجاء التأكيد على ذلك في المادة (1847) والتي تنص على أنه لكل من الطرفين عزل المحكم قبل الحكم. ولكن إذا أجازه الحاكم المنصوب من قبل السلطان المأذون بنصب النائب بعد تحكيم الطرفين إياه فيكون بمنزلة نائب هذا الحاكم لأنه استخلفه"
وتجدر الإشارة أنه لا يجوز لأحد طرفي الخصومة التحكيمية أن يقوم بعزل المحكم بإرادته المنفردة ودون موافقة الطرف الأخر في الخصومة، كما أن قيام المحكم بإعتزال مهمة التحكيم بإرادته الحرة في حالة شعوره أنه لن يقوم بمهمته بحيادية واستقلال، أو أن يقوم طرفا الخصومة التحكيمية بعزله، أو أن يقوم أحدهما بعزله إذا كان هناك سبب جدي يستدعي ذلك العزل، فإن المهمة التي يقوم بها المحكم تنقضي تلقائيا بسب ذلك الاعتزال أو العزل.
وعلى ضوء ما تقدم في مسألة انقضاء مهمة المحكم سواء في التشريعات الوضعية أو ماجاء في شأنها في الفقه الإسلامي، فإن مهمة المحكم تقضي بموته وهذه نتيجة طبيعية لانقضاء مهمته، كما تنقضي مهمة المحكم الانقضاء الطبيعي لها بصدور الحكم الحاسم للخصومة المعروضة عليه، وهذا الحكم هو الغاية والهدف من اللجوء إلى نظام التحكيم كوسيلة لتسوية الخصومات بدلا من اللجوء إلى النظام القضائي التابع للدولة.
كما لايفوتنا هنا أن ننوه إلى حقيقة لا مجال لإثارة الشك فيها، وهو ما کررناه مرارا في هذه الدراسة الراهنة أن التشريع الإسلامي كان له السبق بقرون سنة لمعالجة المواضيع الخاصة بمجال التحكيم والمحكم، وهو ما أكدته منه الدراسة الراهنة منذ بدايتها وحتى نهايتها فمسألة الأسباب التي تؤدي إلى انقضاء مهمة المحكم قد تناولها الفقه الإسلامي قبل أن تتناولها التشريعات الوضعية وبينتها.