الخدمات

ابواب التحكيم الرئيسية
  • المحكم وهيئة التحكيم / عزل المحكم / المجلات العلمية / مجلة التحكيم العالمية - العدد 38 / عـــــزل المحكـم

  • الاسم

    مجلة التحكيم العالمية - العدد 38
  • تاريخ النشر

  • عدد الصفحات

  • رقم الصفحة

    133

التفاصيل طباعة نسخ

   كان استبدال المحكم يجري إذا رفـض وظيفتـه أو إذا تـوفي أو أصـبـح فـاقـداً الأهليـة للقيام بمهمته أو إذا استقال أو عزل بنتيجة طلب عزل لسبب من الأسباب التي تبرر العزل. ولكن عزل المحكم في الماضي كان أمراً نادراً للغاية، ولم تكن وظيفة المحكـم تف إلا بالوفـاة أو الاستقالة.

   اليوم، إذ صار التحكيم مرجعاً للفصل في خلافات كبيرة جداً فيها مبـالغ خياليـة، أصـبح اللجوء الى المحكمين لجوءا الى ذوي الاختصاص والنزاهة والحياد من رجال القانون... وإذ كان عزل المحكم في الماضي نادراً، لأن مفهوم التحكيم كان أقرب للصلح منه لحسم الخلافات، بحيث تحول المحكم الى محام للطرف الذي سماه وكان كل طرف يغض الطرف عن ميل محكم الطرف الآخر. هذا الوضع تغير كثيراً، اليوم لم يعد ذلك ممكناً، لأن التحكيم لم يعـد وسيلة لمـصالحة الطرفين، بل وسيلة أساسية لحسم المنازعات، ولاسيما نزاعات التجارة الدولية.

   والعزل له أسبابه القانونية، في بعض الأحيان يلجأ لطلب العزل كمناورة للمماطلة وتـضييع الوقت. ولكن كل القوانين وأنظمة المراكز أصبحت تحتاط لذلك... فالعزل أمر جدي ولا يجـوز استخدامه وسيلة للمماطلة.

  وقواعد تحكيم اليونسترال تحرص على تأمين نوع من الشفافية، فالمادة 9 تنص على أنـه: "يجب على من يرشح ليكون محكماً أن يصرح لمن يتصل به في أمر هذا الترشيح بكل الظروف التي من شأنها احتمال اثارة شكوك لها ما يبررها حول حياده أو استقلاله. وعلى المحكـم، بعـد تعيينه أو اختياره، التصريح بمثل هذه الظروف لطرفي النزاع إلا إذا كان قد سبق أن أحاطهمـا علماً بها".

  ومثل هذه الظروف التي تثير شكوكاً لها ما يبررها حول حياد المحكم واستقلاله هي تبرر عزله.

   ووفقاً لقواعد تحكيم اليونسترال "على الطرف الذي يعتزم رد المحكـم أن يرسـل إخطـاراً بطلب الرد خلال خمسة عشر يوماً من إخطاره بتعيين هذا المحكم أو من تاريخ علمه بـالظروف التي تثير شكوكاً لها ما يبررها".

   إذا لم يوافق الطرف الآخر على طلب الرد ولم يتنح المحكـم المطلـوب رده عـن نـظـر الدعوى، فإن سلطة التسمية هي التي تبت طلب العزل سواء كانت هذه السلطة هي التي عينـت المحكم أم لا، وسواء جرى تعيين سلطة التسمية أم لا، لأنه في حال عدم تعيينها فإن الأمين العام لمحكمة تحكيم لاهاي الدائمة يتحول الى سلطة تسمية في قواعد اليونسترال .

   في كل مراكز التحكيم يحيل نظامها أمر بت طلب العزل الى الهيئة التـي تـدير المركـز. وأكثر الأنظمة التحكيمية جعلت قرار بت طلب عزل المحكم غيـر مـسبب؟ وغيـر قـابـل لأي مراجعة.

    وأكثر القوانين العصرية تقر لمراكز التحكيم بهذا الحق، وبالطبع يبقى القضاء فـي النهايـة رقيباً على الحكم التحكيمي عند طلب إعطائه صيغة التنفيذ. كذلك، فإن المحكم الذي يتنحى أو يردّ يجب أن يكون هناك من يحل مكانه. وبين عملية الخروج والدخول قد يقوم الطرف سيء النيـة بمناورة للمماطلة، الأمر الذي يضيع على التحكيم معناه وهدفه. لهذا لحظت بعض مراكز التحكيم أنه عند تعيين محكم، في محكمة تحكيمية مكونة من ثلاثة محكمين، ليس من الإلزام أن تـستعاد إجراءات المحاكمة من حيث بدأت، إذ إن هذا الأمر متروك لتقدير المحكمة التحكيمية. بـالطبع تصريح المحكم عند تعيينه باستقلاله وحياده يفتح المجال أمام عزل المحكم إذا لم تتبين صحة هذا التصريح.

   تبنى نظام تحكيم غرفة التجارة الدولية الجديد (النافذ اعتباراً من 1998/1/1) مبـدأ سـلطة الهيئة (أي الهيئة الدولية للتحكيم المنبثقة من غرفة التجارة الدولية) لبت طلب العزل، إذ نـصت على أنه "تصدر الهيئة قرارها في ما يتعلق بقبول الطلب شكلا، وفي الوقت نفسه، إن كان هناك محل لذلك، في مدى صحة أسباب الرد، بعد أن تكون قد أتاحت للمحكم المعني وباقي الأطـراف وكل عضو آخر في المحكمة، إذا وجدوا، إمكانية التقدم بملاحظاتهم كتابة خلال مدة مناسبة..."، ولم يشر النص الى ضرورة تعليل القرار الذي يبت العزل، بل اكتفى بالإشارة الى أن الملاحظات حول الرد، يجب أن تبلغ الى كل الأطراف والمحكمين. ولكن النظام الجديد لم يوضح ما إذا كانت المحكمة ملزمة بإبلاغ الأسباب الى المحكم أم لا؟.

   وقد اعتبر اجتهاد محكمة استئناف باريس أن طلب إبطال قرار محكمة غرفة التجارة الدولية المتعلق بعزل المحكم هو غير مقبول شكلاً، وكذلك دعوى المسؤولية ضد غرفة التجارة الدولية، لأن الطرف طالب الإبطال لا يبني طلبه على أية مخالفة لنظام تحكيم غرفة التجـارة الدوليـة الأمر الذي يشير الى أن قرار محكمة غرفة التجارة الدولية، الذي يصدر غير معلّل (وفقاً لنظامها السابق)، هو قرار خارج عن رقابة القضاء. واعتبر الاجتهاد الفرنسي المذكور أن عـدم تعليـل الحكم التحكيمي من قبل محكمة غرفة التجارة الدولية متفق عليه من الطرفين اللذين أحالا التحكيم الى نظام غرفة التجارة الدولية الذي يقضي بأن يصدر قرار بت العزل دون تعليل.

  ولكن عدم تعليل حكم، ومسألة عزل المحكم أليس ذلك مخالفـاً للنظـام العـام؟ الاجتهـاد الفرنسي، المساير دائماً لغرفة التجارة الدولية التي تقيم في باريس، اتخذ موقفاً غريباً مـن هـذا الموضوع. ولكن ليس من الأكيد أن اجتهادات سائر الدول ستساير الاجتهاد الفرنسي فى هذا الصدد.

   محكمة النقض الفرنسية أيدت رأي محكمة الاستئناف، واعتبرت أن محكمة تحكـيم غرفـة التجارة الدولية منوط بها تنظيم التحكيم، وهي لا تمارس أي عمل قضائي، وأن قراراتها لا يمكن وصفها بالحكم التحكيمي.

1- الطبيعة القانونية لقرار العزل:

   يجب التفريق بين طلب عزل المحكم لأسباب تتعلق باستقلاله وحياده المقـدم الـى مـركـز تحكيمي وطلب العزل المقدم الى القضاء. فالقرار الصادر عن مركز التحكيم ليس له قوة القضية المحكمة، وهو خاضع لمراقبة القضاء الذي يكون لقراره قوة القضية المحكمة. كـذلك إذا كـان التحكيم تحكيم حالات خاصة غير تابع لمركز تحكيمي، إذ ذاك فإن طلب العزل يوجه مباشرة الى القضاء ويكون لقراره قوة القضية المحكمة.

   ورقابة القضاء على مراكز التحكيم، في موضوع استقلالية المحكم وحياده، شديدة وصارمة والقضاء يمارس رقابته كاملة، إلا حين يتعلق طلب العزل بغير موضوع حياد المحكم واستقلاله، كما لو تعلق بمدى مطابقة الحكم للشروط المنصوص عليها في العقد التحكيمي كإتقان لغة أجنبية أو توافر خبرة فنية معينة مشروطة في العقد التحكيمي... فالقضاء "يترك للمركز التحكيمي حرية تقدير واسعة ويتراجع كثيرا في مجال رقابته أمام هذه الأمور .

   وبعد صدور الحكم فإن موضوع حياد المحكم واستقلاله يطرح مجدداً، إذ يمكن طلب إبطال الحكم لهذا السبب، كما قد يطرح الأمر عند طلب الاستحصال على الصيغة التنفيذية للحكم. وقـد أبطل القضاء الفرنسي حكماً تحكيمياً، لأنه اعتبر أن المحكمة تشكلت بصورة مخالفة... بفعل كون أحد المحكمين لا يمثل تجاه الطرفين ضمانات الاستقلال والحياد التي يحق لكل طرف الحـصول عليها.

2- أسباب العزل:

   لا يجوز لأي طرف طلب عزل محكم إلا إذا كانت هناك ريبة جدية حول استقلاله وحياده. وقد وضعت اليونسترال، عبر نظامها التحكيمي وعبر القانون النموذجي للتحكيم التجاري الدولي، عدة مبادئ وقواعد في هذا الموضوع. وقد أدرجت كثير من دول العالم هذه المبادئ في قوانينها التحكيمية، وأهمها:

   1- في قواعد تحكيم اليونسترال:

     أ- يجوز رد المحكم إذا وجدت ظروف تثير شكوكاً لها ما يبررها حـول حيـاده أو استقلاله.

    ب- لا يجوز لأي من طرفي النزاع رد المحكم الذي اختاره إلا لأسباب لم يتبينهـا إلا بعد تعيين هذا المحكم.

2- في القانون النموذجي للتحكيم الذي وضعته اليونسترال:

   أ- على الشخص، حين يفاتح بقـصد احتمـال تعيينـه محكمـاً، أن يـصرح بكـل الظروف التي من شأنها أن تثير شكوكاً لها ما يبررها حول حيدتـه واستقلاله. وعلى المحكم، منذ تعيينه وطوال إجراءات التحكيم، أن يفضي بـلا إبطـاء الـى طرفي النزاع بوجود أي ظرف من هذا القبيل، إلا إذا كان قد سبق له أن أحاطهما علماً بها.

   ب- لا يجوز رد محكم إلا إذا وجدت ظروف تثير شكوكاً لها ما يبررها حول حيدته أو استقلاله أو إذا لم يكن حائزاً مؤهلات اتفق عليها الطرفان. ولا يجـوز لأي مـن طرفي النزاع رد محكم عينه هو أو اشترك في تعيينه إلا لأسباب تبينها بعد تعيين هذا المحكم.

    وفي هذا الاتجاه ذهب القانون المصري الجديد الصادر سنة 1994، وكذلك القانون اليمني لسنة 1992، ولكنه أضاف أنه يجوز رد المحكم للأسباب التي يرد بها القاضي، وكذلك فعـل القانون القطري وقانون الإمارات العربية المتحدة، وكذلك فعل القانون اللبناني مـن حيـث ربطه أسباب رد المحكم بالأسباب ذاتها التي يرد بها القاضي". وقضى القانون الهولندي الصادر سنة 1986 بأنه يمكن رد المحكم إذا ظهرت ظروف من طبيعتها أن تثير ريبـة جديـة حـول استقلاله وحياده.

   وقد اعتبر الاجتهاد الفرنسي في حكم حـديث أصـدرته محكمـة اسـتئناف بـاريس 2004/7/6 أن تكرار تسمية المحكم بشكل دائم ومستمر من قبل شركة في كل المنازعات التـي تنشب بينها وبين الآخرين، هذه التسميات المتكررة والكثيرة والمتعددة من شـأنها أن تثيـر فـي أذهان الآخرين شكاً معقولاً حول موضوعية هذا المحكم، وبالتالي فإن المحكمة قبلت طلب عزل هذا المحكم .

   إن المحكم الناجح هو المحكم الذي يرفض تسميته من طرف إذا كـان يـشعر أن الطـرف الآخر سينظر اليه على أنه ليس محكماً حيادياً. وإذا اتفق الطرفان على عزل المحكم فإن حريـة المحكم في الاعتزال تصبح معدومة، لأن أغلبية القوانين تنص على أن اتفاق الطرفين على عزل المحكم ينهي مهمته.

   يبقى أن طلب العزل لا يكون محقاً في بعض الأحيان، والهدف منه تصفية حسابات سـابقة مع محكم ناجح أو بين محام طرف ومحكم مستقيم... والمشكلة التي تطرح نفـسـهـا فـي بعـض الأحيان هي أن طلب العزل المقدم إلى مركز تحكيمي يجري فيه التحكيم له اعتبارات خاصـة. ففي دولة غنية في دول العالم الثالث إذا كان بين محاميها وبين المحكم تصفية حسابات شخـصية ومهنية في تحكيمات سابقة مثلاً، والمحامي يريد أن يحطم المحكم فينظر رئيس المحكمة الدائمـة للمركز التحكيمي الى مصلحة خزينة المركز، ويجري حساب الربح والخسارة ويأتي الى المحكم ويقول له: الأفضل أن تستقيل بعد أن نرد طلب عزلك، وهكذا تنقذ ماء وجهك وننقذ مصالحنا.

   وفي الأصل، فإن أغلب قوانين التحكيم الدولي، وكذلك كل أنظمة مراكـز التحكـيم، تلـزم المحكم، كما ورد في قاعدة اليونسترال، بأن يصرح عن أية علاقة قائمة بينه وبين الطرف الذي سماه، والتي من شأنها أن تثير الريبة في حياده أو في استقلاله في ذهن الطرف الآخر.

   وفي الولايات المتحدة الأمريكية أخذت المحكمة العليا، عملاً بالفصل العاشر مـن القـانون الفدرالي للتحكيم، موقفاً في غاية الصرامة والتشدد في قضية Common wealth coatings التي صرح فيها المحكمان عن الروابط التي كانت قائمة مع الطرفين اللذين ستياهما وفقاً لنظـام التحكيم المتبع، ولكن المحكمة العليا عزلت المحكمين الثلاثة، لأن التصريح الذي أدلى به كل منهم عند تعيينه خلا من الإشارة الى علاقات ومصالح كانت تربط كل محكم بالطرف الـذي سـماه، وتبين أن هذه الروابط والمصالح تشكل منافع لا تضمن حياد واستقلال كـل مـحـكـم، وإن كـان المحكمون الثلاثة قد أصدروا حكماً تحكيمياً بالإجماع.

   والقانون الإنكليزي لسنة 1950 يلحظ في الفصل 23 منه إمكانية عـزل المحكـم إذا كـان مسلكه خلال سير الدعوى غير مرض. وأي اثبات على الخروج عن الحياد أو الانحياز يـشكل سبباً للعزل.

   وقد اعتبرت المحكمة الفدرالية السويسرية أن عدم تصريح المحكم عن أن زوجتـه كـانـت مساعدة لمحامي أحد طرفي النزاع كاف ليفقد المحكم مؤهلاته التحكيمية .

   اعتبرت المحكمة العليا في كندا أن من حق أطراف النزاع التحكيمي أن يكون لهم محكمون حائزون ثقة شبه كاملة، بنوع خاص من زاوية الحياد الذهني. وأن مجرد الريبة المعقولـة فـي انحياز أحد المحكمين كاف لإبطال الحكم التحكيمي.

3- إجراءات العزل:

   إجراءات عزل المحكم محددة إما في قانون مكان التحكيم أو في نظام المركز التحكيمي إذا جرى التحكيم وفقاً له. أكثر قوانين التحكيم تلحظ إمكانية تقديم طلب العزل، إمـا خـلال سـير المحاكمة التحكيمية أو بعد صدور الحكم، ويكون ذلك سبباً لإبطال الحكم التحكيمي.

   وقد وضع القانون النموذجي للتحكيم التجاري الدولي قواعد لإجراءات عـزل المحكمـين وجاء في النص:

   "1- للطرفين حرية الاتفاق على إجراءات رد المحكم، مع مراعاة أحكام الفقرة 3 من هـذه المادة.

     2- إذا لم يوجد مثل هذا الاتفاق وجب على الطرف الذي يعتزم رد محكم أن يرسل خلال خمسة عشر يوماً من تاريخ علمه بتكوين هيئة التحكيم أو من تاريخ علمه بأي ظـرف من الظروف المشار اليها في المادة 12(2)، بياناً مكتوباً بالأسباب التي يستند اليهـا طلب الرد، فعلى هيئة التحكيم أن تبت طلب الرد.

    3- إذا لم يقبل طلب الرد المقدم وفقاً للإجراءات المتفق عليهـا بـين الطرفين أو وفقـاً للإجراءات الواردة في الفقرة (2)، جاز للطرف الذي قدم طلب الرد أن يطلـب مـن المحكمة أو السلطة الأخرى المسماة في المادة 6، خلال ثلاثين يوماً من تسلمه إشعاراً بقرار رفض طلبه بالرد، أن تبت طلب الرد، وقرارها في ذلك يكون غيـر قابـل لأي طعن. وريثما يتم الفصل في هذا الطلب يجوز لهيئة التحكيم، بما فـي ذلـك المحكـم المطلوب رده، أن تواصل إجراءات التحكيم وأن تصدر قرار تحكيم".

    وأكثر قوانين التحكيم العصرية تسير على هدي هذه النصوص. ولكن الملاحظ أن القـانون الأميركي الفدرالي للتحكيم لا يجيز تقديم طلب العزل خلال سير المحاكمة، بل يتركه لمـا بعـد صدور الحكم التحكيمي ليكون سبباً لإبطال الحكم التحكيمي، الأمر الذي يشكل مـضيعة كبيـرة للوقت، لأن المحكم الذي توافرت شروط عزله الى وقت صدور الحكم، يمضي وقتاً ضائعاً على أطراف النزاع.

    نظام تحكيم غرفة التجارة الدولية يحيل الى الهيئة الدولية بت طلبات العزل وتكون قراراتها غير قابلة للمراجعة. بينما يتضمن نظام محكمة لندن للتحكيم الدولي إجراءات مفصلة لطلـب العزل. فالطلب يجب أن يقدم خلال 15 يوماً بعد تشكيل المحكمة التحكيمية أو بعد أن علم الطرف طالب العزل بالظروف التي من شأنها أن تبرر العزل، فإذا لم يستقل المحكم المطلوب عزله تبت محكمة لندن بأمر العزل، ويكون قرارها غير قابل للمراجعة.

   ويقضي نظام تحكيم اتفاقية تسوية منازعات الاستثمار بين الدول ومواطني الدول الأخـرى بأنه: "يجوز لأي من طرفي إجراءات التحكيم، فضلاً عن ذلك، أن يعرض تنحية أي محكم على أساس أنه لم يكن صالحاً لأن يعين بالمحكمة طبقا للقسم 2 من الباب الرابع.

   والمادة 14(1) تنص على أن "الأشخاص الذين يعينون بالقوائم يجب أن يكونـوا مـن ذوي الأخلاق العالية ويكون مسلماً بمقدرتهم في ميادين القانون أو التجارة أو الـصناعة، أو المـال ويمكن الإعتماد على استقلالهم في الرأي. وستكون للمقدرة القانونيـة أهميـة خاصـة بالنـسبة للأشخاص الذين يعينون بقائمة المحكمين".

   وتنص المادة 39 من القسم الثاني من الباب الرابع على أنـه: "يجـب أن يكـون أغلبيـة المحكمين من دول غير الدولة المتعاقدة في النزاع. أو من غير الدولة المتعاقدة التي أحد مواطنيها طرف في النزاع، على أن هذا لا يطبق إذا كان المحكم الوحيد أو كل محكم من أعضاء المحكمة قد تم تعيينه باتفاق الطرفين".

   وعلى ضوء هذه النصوص فإن المحكم الذي ليس من ذوي الأخلاق العالية والذي لا يكون مسلماً بمقدرته في ميادين القانون والتجارة أو الصناعة أو المال يمكن أن يطلب تنحيته. فتكـون شروط العزل هي:

    1- عدم الإستقلالية.

    2- عدم توافر الكفاءة القانونية.

    3- إذا لم تكن أغلبية المحكمين من غير الدولة المتعاقدة الطرف فـي النـزاع أو الدولـة المتعاقدة التي أحد مواطنيها طرف في النزاع. إذ ذاك يمكن عزل المحكمين أيضاً.

    ووفقاً لنظام اتفاقية تسوية المنازعات فإنه: "يجوز لأي من الطرفين أن يعرض على لجنـة التوفيق أو المحكمة تنحية أي من أعضائها على أساس أي واقعة تفيد بشكل ظاهر عـدم تـوافر إحدى الصفات المطلوبة..." .

4- التنازل عن حق طلب العزل وسقوط حق العزل:

   التنازل المسبق عن حق العزل مخالف للنظام العام، ولا يمكن لأي نظام تحكيمـي ولا لأي اتفاق تحكيمي أن يحرم الأطراف هذا الحق. ولكن التنازل يبقى ممكنا في ظروف أخرى. ففـي الولايات المتحدة لا يمكن طلب عزل المحكم، وفقاً للقانون التحكيمي الأمريكي، إلا بعـد انتهـاء التحكيم وصدور الحكم التحكيمي. ويكون طالب العزل مضطرا الى تجميد طلبه لحــن صـدور الحكم التحكيمي. ولكن المحاكم الأميركية تعتبر أن الطرف الذي سيطلب عزل المحكم وإبطـال الحكم التحكيمي يجب أن يبدي اعتراضه على مسلك المحكم خلال سير المحاكمة، وإلا فإنه يعتبر متنازلا عن حق عزل المحكم وطلب إبطال الحكم التحكيمي عند نهاية التحكيم .

    وإذا عدنا الى القانون النموذجي للتحكيم الدولي فإن طلب رد المحكم يجب أن يرسل خـلال خمسة عشر يوماً من تاريخ علمه بتكوين محكمة التحكيم أو بأي ظرف من الظروف التي تثيـر شكوكاً لها ما يبررها حول حياد واستقلالية المحكم المذكور، وأن يقدم بياناً مكتوباً بالأسباب التي يستند إليها طلب عزل المحكم .

    والسؤال: هل أن عدم تقديم طلب العزل بعد انتهاء المهلة المحددة لتقديمه يعتبر تنازلاً عـن طلب عزل المحكم أو أن حق طالب العزل في تقديم الطلب أصبح ساقطاً؟ لقد أثار هذا الموضوع جدلا في الفقه، ولكن الرأي الراجح ورأينا، أنه من أجل استقرار المعاملات بالدرجة الأولى ولكي يبقى التحكيم مستقراً غير معرض لهزات، أن هذه المهلة مهلة إسقاط، يسقط حق طلـب العـزل بعدها.

   وتؤكد ذلك المادة 4 من القانون النموذجي للتحكيم (اليونسترال) التي تعتبر الطرف الذي يعلم بوقوع مخالفة لحكم من أحكام هذا القانون، ويستمر مع ذلك في إجراءات التحكيم دون المبـادرة الى الإعتراض على هذه المخالفة دون إبطاء، يعتبر متنازلا عن حقه في الإعتراض.

   والذي يلفت النظر أن استقلالية المحكم وحياده هما من قواعد القانون الذي لا تجوز مخالفتها ولا التنازل عنها. ولكن مهلة طلب العزل محددة، فإذا انقضت، فالطرف يكون فاقدا حقه في طلب العزل، لأن عدم ممارسة الحق ضمن المهلة تجعل باب المراقبة ساقطاً، كما هو حال استئناف الحكم القضائي مثلاً، فإن انقضاء مهلة الإستئناف تجعل الحكم مبرماً بصرف النظر عن صحة أو عدم صحة مضمون الحكم المطعون فيه.

   وقد اعتبرت المحكمة العليا في كندا أنه "ليس هناك أدنى شك في أن الحكـم التحكيم يكون قابلاً للإبطال إذا كانت الظروف التي من طبيعتها عزل المحكم معروفة من الطرفين قبـل بدء سير التحكيم، ولم يبد أي طرف أي اعتراض على ذلك"، وذلك يعني أن الطرف الذي كان من حقه طلب عزل المحكم قد تنازل عن هذا الحق في بداية التحكيم وبعـد معرفتـه بـالمحكم وظروفه.

  والقانون السويسري الجديد الصادر سنة 1989 يفرض تقديم طلب العزل "بـدون إبطـاء"، ولكن بدون تحديد مهلة.

5- محكم جديد يحل محل المحكم السابق:

   إذا غزل المحكم أو استقال أو توفي، فكيف يصار الى تعيين البديل منه؟ إذا كـان التحكـيم نظامياً تابعاً لمركز تحكيمي، فإن المشكلة محلولة فيعين المركز التحكيمي المحكم البـديل، وفقـاً لنفس إجراءات تعيين المحكم الذي سبقه.

   أما إذا كان التحكيم تحكيم حالات خاصة ad hoc فهنا تكمن المشكلة، ولا سيما إذا لم يكـن الأطراف متفقين على المحكم البديل، في هذه الحالة لا يبقى هناك طريق سألك سـوى المحـاكم القضائية، ولا يطرح موضوع محكمة أي بلد هي المختصة، لأنه من المفترض في هذه المرحلة أن التحكيم قد اتخذ مكانا له وتصبح محاكم مكان التحكيم هي المختصة. ولكن السؤال: هل يحـق للمحاكم القضائية تعيين المحكم البديل وفقا لقانون بلد مكان التحكيم أو القـانون المطبـق علـى التحكيم الذي يمكن أن لا يكون قانون مكان التحكيم، لأن قوانين بعض الدول لا تجيـز للمحـاكم القضائية التعامل مع التحكيم ولا تعيين محكمين.

6- محكم يغيب عن المحاكمة التحكيمية:

   من المفروض أن المحكم المعين، سواء سماه أحد الطرفين أو كان محكمـاً ثالثـاً، أن يتصرف بأمانة واحترام للتحكيم، وأن لا يقبل مهمته، إلا إذا كان وقته يسمح بذلك، وهذا ما يحصل إجمالاً، ولكن كل قاعدة لها استثناءاتها. أحياناً يتغيب المحكم عن جلسات التحكيم ما يفضي الى شلل التحكيم. وإذا كان هذا التغيب أخذ يحصل في بداية التحكيم فالأمر يهون... لأن طلب استبدال المحكم الذي سيلجأ له طرف أو الطرفان يكون علاجـاً مناسـباً، ولكـن المشكلة تكون أكبر إذا أخذ هذا التغييب يحصل في آخر مراحل التحكيم وجـرى استبدال المحكم الذي يعطل التحكيم عن إهمال أو عن سوء نية، إذ ذاك فإن المحكم الجديد الذي يحلّ ܘܦܠܦ ملزم بإعادة إجراءات المحاكمة من أولها ولو مختصرة، كما أن هذا المحكـم الجديـد سيحتاج الى وقت ليستوعب تحكيماً كان المحكمان الآخران يسيران به منذ البداية واستوعبا كل معطياته...

   وأمر تغيب المحكم لعبة سوء نية يلجأ إليها طرف بالتواطؤ مع المحكم الذي سماه من أجل المماطلة بالتحكيم، ولا يقبل هذه اللعبة إلا من هم دون المستوى المطلوب للعمل القضائي. وفي كل الأحوال فإن هذا المسلك يرتب مسؤولية مدنية على المحكم الذي يتغيب، والذي لم يحترم الإلتزام التعاقدي الذي أخذه على نفسه حين قبل أن يكون محكماً. بالطبع هذا لا ينطبق على حالة تغيب المحكم بسبب الوفاة أو فقدانه الأهلية.

   وقد أخذت تتكرر في الآونة الأخيرة ظاهرة تغيب المحكمين، إما عن جلسات المحاكمـة أو عن جلسة المذاكرة. وقد طرح الموضوع في نزاع عرض أمام مركز تحكيم القاهرة وصدر فيـه حكم بتاريخ 2006/3/7 بين شركة إنكليزية Malicorp والدولة المصرية، وامتنع أحد المحكمين الثلاثة عن حضور جلسة المذاكرة، لأن المحكمة القضائية قررت إبطال الشرط التحكيمي وإبطال العقد الأساسي، ومع ذلك صدر الحكم عن محكمين صدر الحكم عن محكمين واستند الحكم المذكور الى أن النظر في صحة الشرط التحكيمي يعود لهيئة التحكيم وليس للقضاء، وأعطي هذا الحكم الـصـادر عـن محكمـين الصيغة التنفيذية من محكمة استئناف باريس في 2006/8/9.

7- بوليصة تأمين تغطي نفقات وأضرار تغيب المحكم:

   في التحكيمات الكبرى ذات التكاليف الكبيرة جداً يلجأ أحياناً إلى إبرام بوليصة علـى حيـاة وأهلية المحكمين الذين ينظرون النزاع، بحيث إذا طرأ طارئ على حياتهم أو أهليتهم واضطرت المحكمة التحكيمية إلى العودة بالتحكيم الى بدايته تعوض شركة التأمين الخسائر.