لكل من الطرفين عزل المحكم قبل الحكم، والرجوع عن التحكيم بمثابة العزل سواء كانا متفقين أو كان العزل من أحدهما ولم يرض الآخر، وعلى هذا يكون التحكيم من العقود غير اللازمة ويرد هنا إستحكام في أن التحكيم يثبت بتراضي الطرفين فيجب أن يثبت العزل أيضاً بتراضيهما حتى يكون ذلك كفسخ العقد فيرد ذلك بأن من الجائز أن لا يثبت العقد إلا بإتفاق الطرفين، وأن ينفرد أحد الطرفين بفسخ ذلك العقد كالمضاربة والشركة، وعلى ذلك للطرفين عزل الحكم و لو إشترط عدم عزله واتفقا على ذلك إذ ليس لهذا الشرط محكم، كما أنه لو شرط عدم عزل القاضي المنصوب من قبل السلطان جاز عزله
ويتفرع على هذا إنه لو حاكم المحكم الطرفين وقال: إني أرى المدعي محقاً في دعواه فعزله المدعى عليه قبل الحكم، وحكم المحكم بعد ذلك للمدعي فلا ينفذ حكمه، كذلك لو حكم الطرفان حكماً ليفصل في دعوى محددة مثلاً، ففصل هذا الحكم في قضية أو قضيتين أو ثلاثة لصالح أحد الطرفين، وحكم على الآخر فعزل المحكوم عليه المحكم، فيصح عزله في حق الدعاوي الأخرى، ولا يحق للمحكم الحكم بها، أما حكمه في الدعاوى التي حكم بها فباق ونافذ قبل الحكم أما لو عزلاه بعد الحكم فلا يبطل حكمه، لأن هذا الحكم قد صدر من ذي ولاية شرعية فكما لا يبطل حكم القاضي بعزله بعد الحكم، فلا يبطل حكم المحكم أيضاً وهذا عند الأحناف وسحنون. وحاصل ما ينعزل به المحكم أحد أسباب ثلاثة: بالعزل أو بإنتهاء الحكومة "نهايتها" بأن كان مؤقتاً فمضى الوقت، أو خروجه من أن يكون أهلاً للشهادة بأن عمي أو إرتد والعياذ بالله.
وبالجملة فان المحكم ينعزل بما ينعزل به القاضي كأن يطرأ عليه ما يفقده صفة من صفات صحة القضاء أو التحكيم كالجنون والإغماء والخرس أو الفسق – على الأخير - أو مرض يمنعه من التحكيم، قال الماوردي:
ينقض حكم القاضي وغيره إذا خالف ما لا يسوغ فيه الإجتهاد وهو أن يخالف نصاً من ! الكتاب والسنة أو إجماع أو خالف القياس كما أن للمحكم أن يعزل نفسه عن التحكيم لأنه وكيل والوكالة تبطل بعزل الوكيل وقال إن أبي ليلى وهو بمنزلة المولى من جهة الأمام. ن لا يكون لأحد أن يقض حكمة ما لم يخالف الدليل الشرعي، وقول ابن أبي ليلى ظاهر الوجاهة ورجحانه لما فيه من إستقرار الأحكام إذ المحكم كالقاضي فيما يخص ) وقال المالكية والشافعية والحنابلة: لا ينقض تحكم المحكم إلا الخصمين بما ينقض به حكم القاضي، قال القاضي عبد الوهاب من المالكية جاز حكمه عليهما إذا حكم بما يسوغه الشرع وافقر حكم القاضي بلدهما أو خالفه أما بخصوص نقض الخصمين حكم المحكم قال المالكية: إذا حكم المحكم فليس لأحد المحكمين أن ينقض حكمه وإن خالف مذهبه إلا أن يكون جوراً بيناً يختلف فيه أهل العلم وقال المازري: إذا كان المحكم من أهل الاجتهاد مالكياً و لم يخرج باجتهاده عن مذهب مالك، لزم حكمه، وإن خرج عن ذلك لم يلزم إذا كان الخصام بين مالكيين، لأنهما لم يحكماء على أن يخرج عن قول مالك وأصحابه، وكذلك إذا كانا شافعيين أو حنفيين وحكماء على مثل ذلك لم يلزم محكمه إن حكم بينهما بغير ذلك وقال الماوردي فيما يكون الحكم به لازماً للمحكمين: أن فيه للشافعي قولين: انه لا يلزم مهما حكم إلا بالتزامه بعد الحكم كالفتيا، لأنه لما وقف على خيارهما في الابتداء وجب أن يقف على خيارهما في الإنتهاء،
وهو قول المزني.
٢- وهو قول الكوفيين وإن كثر أصحابنا أنه يكون حكم المحكم لازماً لهما ولا يقف بعد الحكم على خيارهما، وحكى أبو سعيد الأصطخري فيه أن خيارهما في التحكيم ينقطع بشروعه في الحكم، فإذا شرع فيه صار لازماً لهما، وإن كان قبل شروعه فيه موقوفاً على خيارهما بعد الشروع في الحكم مفض إلى أن لا يلزم بالتحكيم حكم وإذا رأى أحدهما توجه الحكم عليه فيصير التحكيم لغواً).
وجملة القول: إن الخلاف بين الفقهاء إذا كان الحكم على صلاحيته على ما كان عليه وقت التحكيم، ولم يصدر فيه ما يقتضي عزله أو ينصف لأحد الخصوم بإرادته المنفردة عزله بعد الإتفاق بما يتنافى مع أهليته، هل على تحكيمه؟ وقد إنحصر الخلاف في الآراء الأربعة التالية:
1- يری جمهور المالكية أن لأي من الخصوم عزل المحكم بالرجوع عن التحكيم قبل الترافع إليه وإذا ما غزل إمتنع عليه الحكم وإذا حكم بعد العزل لا ينفذ حكمه.
۲- بری أن الخصم ينقطع حقه في عزل المحكم بالرجوع عن التحكيم بشروع المحكم في الحكم وقبل تمامه، فإذا ترافع الخصوم أمام المحكم، ثم قال أحدهما للمحكم وقبل أن يشرع في إصدار الحكم عزلتك، إمتنع عليه النظر في الخصومة وإذا قضى بعد ذلك لا ينفذ قضاؤه.
3- يرى أن للخصم حق عزل المحكم ما لم يصدر الحكم، فإذا ما صدر لزم ولا عبرة برجوع من رجع، وإذا عزله قبل الحكم إمتنع عليه الحكم لعدم الولاية لأن الرضا هو المثبت للولاية.
1 يرى أنه ليس لأحد الخصوم عزل المحكم بعد الإنفاق على التحكيم وحتى صدور الحكم وييدو أن القول الراجح: هو القائل يحق للمحتكم الرجوع قبل صدور الحكم أما بعد صدوره فلا عبرة برجوع أحدهما أو كليهما، لأن هذا يتمشى طبيعة التحكيم باعتباره عقد الأصل فيه الجواز وعدم الروم، شأن العقود غير اللازمة كالوكالة والشركة والمضاربة، وأن التحكيم ليس بأعلى مرتبة من ولاية القضاء، فكما أن للولي عزل القاضي، فكذلك للمحتكم عزل المحكم قبل الحكم، ويؤيد هذا أن الإنفاق الفرقاء على أن للمحتكمين الإنفاق على عزل المحكم قبل الحكم ولو كان التحكيم لازماً قبل الحكم لما كان لهم الإتفاق على غزل المحكم قبل إصداره الحكم.
هذا وتنتهي ولاية المحكم بثلاث صور هي:
1- العزل (فسخ التحكيم).
2- إنتهاء مهمة الحكم (أي بصدور الحكم فاصلاً في موضوع النزاع على الوجه المشروع.
3- سقوط أهلية الحكم (تخلف أحد شروط صلاحيته للحكم)
طلب رد الحكم:
ويشترط الفقه أن يكون الفريق الذي يصدر القرار التحكيمي لمصلحته أن هذا أن يكون زوجاً أو من أصول أو فروع المحكم، والأمر الذي يعني . الأخير لا يمكن أن يمارس مهامه التحكيمية لمصلحة هذه الفئة الأشخاص، إلا أن بإمكانه القيام بذلك ضدهم.