إلى جانب ضمانة رد المحکم کإحدى الوسائل الفنية لحماية مبدأ حيدة أوجدت التشريعات المقارنة وسيلة أخرى تصب في نفس الاتجاه وسيلة عزل المحكم تكون بين الطرفين معا الإقصاء المحكم ولكن بناء على مناط مختلف عن الرد، وإن تشابه معه أحيانا.
أما مناط العزل فهو يشبه إلى حد ما مناط عزل القاضي الأسباب صحية أو مهنية غير أن توافر هذا المناط يفقد القاضي ولايته القضائية بصفة مطلقة، بينما لا يفقد المحكم صلاحيته لولاية دعاوی تحكيمية أخرى غير التي عزل عنها . وإن كان ذلك من الناحية النظرية، أما من حيث الواقع فإذا ما اشتهر عنه ما يبرر عزله، فلن يقربه أطراف متنازعة يريدون التحكيم ليعينوه محکما.
وقد نصت على قاعدة العزل التشريعات الدولية وأنظمة التحكيم القومي، والتشريعات الوطنية العربية، بصياغات مختلفة يمكن استخلاص مناطه منها.
فقد نصت المادة ۲/۱۳ من قواعد البوتسترال على أنه في حالة عدم قيام الحكمين بمهمته أو في حالة وجود استحالة قانونية أو فعلية تحول دونه قيام بها تطبق الإيرادات المنصوص عليها بشأن رد المحكمين وتبديلهم.
ونصت المادة 1/14 على أنه «إذا أصبح المحكم غير قادر بحكم القانون أو بحكم الواقع على أداء وظائفه أو تخلف عن القيام تنتهي ولايته إذا هو تنحي عن وظيفته، وإذا اتفق الطرفان على إنهاء مهمته إذا ظل هناك خلاف حول أي من هذه الأسباب فيجوز لأي من الطرفين أن يطلب إلى المحكمة أو إلى السلطة الأخرى المسماة في المادة(6) أن تفصل في موضوع إنهاء ولاية المحكم، ويكون قرارها في هذا الشأن نهائياً.
ونلاحظ هنا أن مناط العزل واحد في القانونين وهو الاستحالة القانونية أو الواقعية لأداء المحكم لمهمته، أو تقاعسه عن أدائها بالشكل وفي المواعيد المقررة، أي لأسباب صحية، أو لأسباب مهنية ترتبط بكفاءته المهنية وإما لأسباب تتعلق بأهليته في التصرف أو غير ذلك.
وقد نظمت المادة ۱۲ من نظام التحكيم لدى غرفة التجارة الدولية عزل المحكم تحت ما أسمته باستبدال المحكمين، حيث أعطت للخصوم حق عزله واستبداله بالإجماع، كما أعطت للهيئة الدولية للتحكيم المنبثقة عن غرفة التجارة الدولية بمبادرة منها «عزل واستبدال المحكم إذا ما قدرت أن مهمته صارت متعذرة بحكم الواقع أو القانون أو إذا رأت أنه لا يقوم بمهامه طبقا للنظام خلال المدد المحددة مع اعطائه الفرصة كاملة لسماع أقواله وأقوال لأطرافه.
وهذا ما نصت عليه كذلك المادة ۱۲ مکرر من نظام مركز القاهرة الإقليمي التحكيم بقولها، وفي حالة عدم قيام أحد المحكمين بمهمته أو في حالة وجود استحالة قانونية أو فعلية تحول دون القيام بها، أو في حالة تراخيه أو تعمده.
تعطيل البدء، أو السير في إجراءات التحكيم، يجوز للمركز بعد موافقة اللجنة القانونية العليا أن يعزله بناء على طلب أي من الطرفين، وذلك بعد إتاحة الفرصة له. وللطرف الأخر لابداء وجهات نظرهم في طلب العزل.
وهنا نلاحظ أن العزل يكون من قبل المركز، هذا فيما يتعلق بالتحكيم المؤسسي، أما فيما يتعلق بالتحكيم الخاص، وحيث لا يوجد مرکز پرعی عملية التحكيم، فإن الأمر يختلف، فهل يكون العزل باتفاق الطرفين بغير حاجة للجوء إلى القضاء، أم أن اللجوء إلى المحكمة المختصة أصلاً بنظر النزاع أمر لا مناص منه؟
ويلاحظ أن عزل الحكم، وإن كان يؤدي مطبقا لرأي، إلى فسة شد التحكيم باعتبار أن شخص المحكم يعتبر ركنا من أركانها، إلا أن التشريعات الحديثة تنص على أنه «إذا انتهت مهمة المحكم برده أو عزله أو تنحيته أو بأي سبب آخر وجب تعيين بديل له طبقا للإجراءات التي تتبع في اختيار المحكم الذي انتهت مهمته». (م 15 من القانون النموذجي) (م ۲/۲۰ ) من قانون التحكيم المصري.
وهذا ما نصت عليه القوانين التي حذت حذو المشرع المصري في الأخذ بالقانون النموذجي للتحكيم. من ذلك قانون التحكيم الأردني (م۱۹ ۲۰) ومشروع قانون التحكيم السوري (م۱۹)، وقانون التحكيم العماني (م۲۰) وقانون التحكيم اليمني (م؛ ۲). وقانون التحكيم البحريني (14، 16) ومجلة التحكيم التونسية (م۲۱) وقد حرص المشرع التونسي على تحديد مهلة زمنية للمحكمة للبت في طلب العزل حيث نصت المادة ( ۳/۲۱ ) على أنه يجب البت في الموضوع في أسرع وقت وعلى كل حال في ظرف لا يتجاوز ثلاثة أشهر من تاريخ تقديم الطلب، وذلك حرصاً من المشرع على قيمة الوقت في خصومة التحكيم كضمانة أخرى، وخاصة أن القانون التونسي قد نص على وقف إجراءات التحكيم بناء على طلب الرد أو العزل وفي ذلك تنص المادة (۲۰) من القانون التونسي على أنه «تتوقف اجراءات التحكيم إذا قدم طلب في عزل المحكم أو في التجريح منه إلى حين البت في الطلبة، هذا فيما يتعلق بالتحكيم الداخلي أما فيما يتعلق بالتحكيم الدولي، فلم يحدد المشرع مهلة زمنية لإصدار حكم العزل، وإنما جعله مستعجلا، حيث نصت المادة 59 من مجلة التحكيم التونسية على أن «يطلب من الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف بتونس أن يفصل في موضوع عزل المحكم بقرار استعجال يكون غير قابل لأي وجه من أوجه الطعن.
واكتفى القانون الجزائري بالنص على أنه لا يجوز عزل المحكمين خلال الميعاد المنصوص عليه في المادة 444 إلا باتفاق جميع الأطراف (445) ويقصد بهذا الميعاد مهلة التحكيم كما يحددها الاتفاق، فإن لم تحدد اتفاقاً، كانت ثلاثة أشهر تبدأ من تاريخ تعيين المحكمين (م 44 من قانون الإجراءات المدنية الجزائري). واكتفت بعض القوانين التي لم تأخذ بالقانون النموذجي للتحكيم بالنص على مبدأ العزل باتفاق الخصوم دون بيان مناطه أو إجراءاته أو أثاره، من ذلك قانون المرافعات العراقي (م۲۰۹) وقانون أصول المحاكمات المدنية اللبناني (م۷۷۰).
ونصت المادة 11 من نظام التحكيم السعودي على أنه لا يجوز عزل المحكم إلا بتراضي الخصوم، ويجوز للمحكم المعزول المطالبة بالتعويض إذا كان قد شرع في مهمته قبل عزله ولم يكن العزل بسبب منه ....
وهنا نلاحظ حرص المشرع السعودي على كفالة حق التعويض للمحكم المعزول وهذا وإن لم يرد به نص، فهو مفترض بداية تطبيقا للقواعد العامة في المسئولية.