الخدمات

ابواب التحكيم الرئيسية
  • المحكم وهيئة التحكيم / أسباب رد المحكم / المجلات العلمية / مجلة التحكيم العالمية - العدد 3 / حياد المحكم غير حياد القاضي

  • الاسم

    مجلة التحكيم العالمية - العدد 3
  • تاريخ النشر

  • عدد الصفحات

  • رقم الصفحة

    1

التفاصيل طباعة نسخ

الاستقلال أمر مختلف عن التحيز. - محكمة البطلان ليست محكمة درجة ثانية لمحكمة التحكيم.

رغم ان المحكم ليس قاضيا ولكن يشترط فيه، شأنه في ذلك شأن القاضي، أن يكون محايداً، الأمر الذي يعني عدم التحيز لأي من الخصوم أو التعاطف مع وجهة نظرهم وهو مبدأ يتأسس على قاعدة دينية حضارية قوامها وجوب اطمئنان الخصوم الى من يفصل فيما شجر بينهم من نزاع - معنى الحيدة يختلف في التحكيم عنه في القضاء - كثيرا ما يكون أساس التحكيم والغرض الرئيسي منه رغبة الطرفين في وضع النزاع في يد شخص امين حريص على العلاقات القائمة بينهما كصديق حميم للطرفين. فالصلة إذا بين المحكم والخصوم لا تؤثر في صحة تعينه طالما كانت معلومة للخصوم عند الاختيار الأمر المسموح به في التحكيم ولا يمكن قبوله بالنسبة إلى القاضي.

بما أن الطاعن وافق على تعيين المحكم الثالث المرجح الذي قبل مهمته مع افصاحه انه زوج للمحكمة ايناس محيي الدين المختارة من قبل الطاعن ولم يعترض هذا الاخير على ذلك وانما ارتضى السير بالتحكيم فليس له أن يتعلل بعد ذلك بعدم الحيدة.اسباب البطلان منصوص عنها في القانون – المحكمة لا تناقش صوابية أو خطأ الحكم التحكيمي أو كفاية أسبابه.

(محكمة استئناف القاهرة- الدائرة السابعة التجارية الدعويين رقم 65 لسنة 124 قضائية، ورقم 71 لسنة 125 قضائية - تاريخ 2009/2/3).

وحيث ان التحكيم هو نظام يسمح فيه القانون بحسم نزاع ما خارج نطاق محاكم الدولة، ومقتضاء اتفاق طرفين او اكثر على اخراج نزاع معين من اختصاص القضاء، على ان يعهد به لى هيئة تتكون من محكم أو أكثر للفصل فيه بقرار أو حكم ملزم، وهو بهذا المعنى نظام قانوني متميز ومستقل عن القضاء، فلا هو يتفرع عنه، كما أنه ليس استثناء منه، ذلك ان التحكيم يقوم على فكرة من نوع خاص، ترتكن في الأساس إلى الاتفاق، تملك خصائصها الذاتية المميزة، يعترف بها المشرع ويرسم حدودها، ويتميز التحكيم بذاتيته، يعني أن له تطبيقاته المستقلة عن القضاء، وصياغته الفنية المغايرة وكذلك قواعده الخاصة التي تفرضها العملية التحكيمية ومقاصدها القائمة على مفاهيم ليست هي بالضرورة مفاهيم وقواعد المرافعات القضائية، وان تشابهت - في كثير من الاحيان- الاسماء واتحد المصطلح، على الرغم من ان المحكم ليس قاضياً ولا تكون له صفته، ولكن لكونه يؤدي عملاً شبيهاً بالعمل القضائي، فيشترط في المحكم - شأنه في ذلك شأن القاضي- ان يكون محايداً، وشرط الحيدة مسألة شخصية، أو حالة تعني عدم التحيز لأي من الخصوم أو التعاطف المسبق مع وجهة نظر أحدهم، ويفهم هذا الشرط ضمناً من المبادئ القانونية العامة، ويفرضه المنطق السديد حتى بغير نص في القانون، بحسيانه أمراً يقتضيه المركز القانوني لكل من القاضي أو المحكم، بل ولكل من يعيد اليه مهمة الفصل في خصومة، ويتأسس مبدأ الحياد هذا على قاعدة أصولية دينية حضارية وأن أوردتها التشريعات قوامها وجوب اطمئنان الخصوم الى من يفصل فيما شجر بينهم من نزاع سواء كان قاضيا ام محكماً، وإن حكمة (القاضي أو المحكم) لا يصدر الا عن الحق دون تحيز او هوى، ومع ذلك فإن معنى الحيدة يختلف في التحكيم عنه في القضاء، فكثيراً ما يكون أساس التحكيم والغرض الرئيسي منه، هو رغبة الطرفين في وضع النزاع في يد شخص أمين حريص على العلاقات القائمة بينهما، كرب الاسرة أو صديق حميم للطرفين أو محام لاحدهما يحترمه الآخر، وعلى ذلك فإن الصلة بين المحكم والخصوم أو بينه وبين أحدهم، لا تؤثر في صحة تعيينه طالما كانت معلومة للخصوم عند الاختيار، هذا الأمر المسموح به في التحكيم، لا يمكن قبوله بالنسبة إلى قاضي المحاكم.

ولايضاح المفهوم المختلف لحيدة المحكم عن الحيدة الواجبة في القاضي، تشير المحكمة الى ان مبدأ الحيدة في القضاء، ينبغي أن يسود كل نواحي الخصومة القضائية، وحتى يتاح لهذا المبدأ ان ينتج كل آثاره، تحرص التشريعات على مبدأ ثان يكمله، وهو ضروري مثله، إذ أن الاخلال به قد يؤدي الى افراغ مبدأ الحيدة من مضمونه، هذا المبدأ (المكمل لمبدأ الحيدة) يتعلق بما يعرف باستقلال القاضي، ويعني استقلال القاضي، في احدى صوره، استقلال القاضي عن الخصوم وعن الغير أصحاب المصلحة في النزاع، فالاستقلال وعدم التحيز (عدم الميل)، اذن امران مختلفان وليسا شيئاً واحداً، فهما فكرتان متشابهتان في غايتهما، ولكنهما لا تختلطان في مضمونهما، والاستقلال بشكل عام يدفع مظنة التأثير على القاضي، وهو أمر يدعم ويوفر الحيدة المطلوبة، وينظر إلى استقلال القاضي عن الخصوم بحسبانه صفة لصيقة بقضاء الدولة، تمترج بطبيعته ورسالته، بل أن القانون يتجرد من كل قيمة اذا لم يقم على حمايته قضاء محايد مستقل، بينما في مجال التحكيم قد يختلف الحال ولو قليلاً، ذلك أن أمر استقلال المحكم عن اطراف التحكيم غير ضروري وليس لازماً دائماً، كما قد يكون للاستقلال في التحكيم مفهوماً مختلفاً عنه في القضاء، فرغم إن عمل المحكم يحاكي في جوهره الوظيفة المنوطة بقاضي الدولة، ومع ، فإنه لا يمكن اعتبار المحكمة من الناحية الفنية والواقعية قاضياً، حتى بالنسبة إلى النزاع التحكيمي المعروض عليه، ومن ثم لا تنطبق على المحكم قواعد قضاء الدولة.

وحيث أن المحكم غير القاضي، ولأن التحكيم غير القضاء؛ فقد غادر المشرع المصري بين القضاة والمحكمين فيما أورده من اسباب رد او عدم صلاحية كل منهما: فبالنسبة للقاضي الذي بباشر وظيفة القضاء في محاكم الدولة، الذي يعد مفروضاً على الخصوم، سلك المشرع طريق التفصيل في ايراد اسباب عدم صلاحيته لنظر الدعوى على سبيل الحصر (المادة 146 مرافعات)، وكذلك عندما حدد أسباب رده (المادة 148 مرافعات)، في حين الله سلك بالنسبة إلى المحكمين، طريق الأحمال والعمومية، فنص في المادة 18 من قانون التحكيم على أنه: "لا يجوز رد المحكم الا اذا قامت ظروف تثير الشك حول حيدته واستقلاله، ولا يجوز لأي من طرفي التحكيم رد المحكم الذي عينه أو اشترك في تعيينه، الا لسبب تبينه بعد أن تم هذا التعيين"، من الواضح، لذا، ان رد المحكمين وعدم صلاحيتهم الوارد بقانون التحكيم يختلف عن رد وعدم صلاحية القضاة الوارد بقانون المرافعات، ذلك أن ما يفقد المحكم صلاحيته النظر الدعوى التحكيمية يختلف بالضرورة عن أسباب عدم الصلاحية الواردة في شأن القضاة، وعلى سبيل المثال فإن قانون المرافعات يجعل القاضي غير صالح لنظر الدعوى ممنوعاً من سماعها، إذا كان قريباً أو صهراً لأحد الخصوم الى الدرجة الرابعة، بحسبانه يكون في هذا الفرض غير مستقل عن الخصم هذا الحظر لا يعرفه قانون التحكيم وليس محتماً ولا تستلزمه طبيعة العملية التحكيمية، فلم يضع القانون أي شروط أو قيود تحول دون تعيين الاقارب والأصهار كمحكمين في دعاوى تحكيمية طالما قبل ذلك الاطراف الأخرون في الدعوى التحكيمية، بينما يضع القانون قيوداً صارمة تتعلق بعدم صلاحية القضاة اذا عرضت عليهم اي منازعات تتعلق بقارب لهم من درجات معينة، ومن ناحية أخرى، وكغيره من النظم القانونية واللوائح المؤسسية، يتطلب المشرع المصري (المادة 3/16 تحكيم) من المحكم عند قبوله التحكيم ضرورة الكشف عن اية اعتبارات تتصل بالعلاقة بينه وكل من أطراف النزاع او اي علاقة له بموضوع النزاع قد تثير الشكوك حول نزاهته واستقلاله، ويلاحظ ان الهدف من هذا الكشف او الافصاح هو اتاحة الفرصة للاطراف للوقوف على أسباب قد تثير مظهر التحيز دون ان ترتب بالضرورة تحيراً حقيقياً من جانيه، بيد انه اذا حصل التصريح من المحكم على النحو السابق، فقد لا يمنعه ذلك من أن يكون محكماً في النزاع موضوع الافصاح، ذلك اذا ما ارتضى الاطراف مباشرته لمهمته بعد علمهم بما صرح به، فالخصوم قد يثقون في عدالة المحكم وحياده رغم الاقضاء لهم بأمور أو اعتبارات قد تثير الشكوك في هذه الحيدة، واياً ما كان الأمر فإنه إذا قام المحكم، عند ترشيحه او عند قبوله التحيكم، بالافصاح عن الاعتبارات التي تربطه بأحد الاطراف أو الكشف عن الظروف التي من شأنها أن تثير ظنون مبررة حول عدم حيدته او انتفاء استقلاله ولم يعترض الطرف الآخر، لم بعد من الجائز مستقبلاً أعادة اثارة الأمر بالنسبة إلى صلاحية المحكم، فأمر استقلال المحكم يخضع في الكثير من الأحوال لارادة اطراف النزاع، فقد يتغاضون عن مثل هذا الاستقلال أو عن بعض المظاهر الخارجية التي قد تثير - ظاهريا- عدم الحيدة او عدم النزاهة، هذا التغاضي ينفرد به نظام التحكيم، ولا يسمح به قانون المرافعات بحسبانه قانون القضاة، لأنه أمر غير مستساغ، ولا يمكن هضمه او القبول به في العمل القضائي. وحيث انه لما كان ذلك وكان الثابت من أوراق التحكيم الطعين وبجلسة التحكيم المنعقدة في 2007/4/24 أن الطاعن إبراهيم مهدي وافق على تعيين المحكم الثالث المرجح الذي قبل مهمته التحكيمية مع اقصاحه كتابة على له زوج للمحكمة ايناس محيي الدين المختارة من قبل الطاعن أيضاً، ولم يعترض الأخير على ذلك وانما ارتضى السير في التحكيم رغم درايته بتلك الصلة ومن ثم فليس له أن يتعلل بعد ذلك بالزعم بعدم حيدة هيئة التحكيم أو بعدم صحة تشكيلها توصلاً للقضاء ببطلان حكمها.

وحيث ان استقلال المحكم يقوم في الغالب على مظاهر خارجية، مثل علم ارتباطه بالخصوم بأي طريقة تؤثر في استقلاله، ومن ثم كان من السهل اثبات وتقرير وجود الاستقلال لدى المحكم او عدم وجوده بالرجوع إلى هذه المظاهر، ومع ذلك فإن عدم استقلال المحكم، ورغم الكشف عنه او اثباته، قد يتم للأطراف التغاضي عنه أو اقراره ولو ضمناً. وعلى ذلك فلا يصح الاحتجاج على حكم التحكيم بأن وكيل المحتكم يعمل بمكتب المحكم المرجح، ذلك أن الواضح من اوراق التحكيم ان الطاعن كان على علم بهذه الصلة ولم يعترض عليها حتى صدور الحكم التحكيمي.

ومن حيث ان هيئة التحكيم ملزمة بأثر اتفاق التحكيم فيما يتعلق بتحديد اطراف الخصومة التحكيمية، وعلى هذا فليس هناك محل لما ينعاه الطاعن على التحكيم الطعين لأنه لم يشمل شخصاً ثالثاً طرفاً في العقد موضوع النزاع المتضمن شرط التحكيم، ذلك أن طرفا التحكيم الطعين لم يحتجا بوجود ذلك الطرف الثالث ووجوب اختصامه، كما لم توجه اليه ثمة طلبات تحكيمية، ولم يلزمه الحكم الطلعين بشيء، ولا يعد ذلك الحكم في جميع الأحوال حجة عليه، بل ان الطاعن لم ينكر ان هذا الطرف الثالث كان طرفاً في نزاع تحكيمي آخر بخصوص العقد ذاته المدرج به شرط التحكيم.

ومن حيث ان البين من الاوراق أن مسألة تعويض المحتكم ضده عن الاضرار التي أصابته من جراء منعه من الانتفاع بملكه الشائع نتيجة أخطاء نسبها للطاعن -المحتكم ضده - . منها مخالفته لاعمال البناء ووقف هذه الاعمال فضلاً عن فروق اسعار مع وجود شرط جزائي- كانت مطروحة أمام هيئة التحكيم للفصل فيها دون اعتراض، وهو ما يكفي لاعتبار هذه المسألة داخلة في نطاق التحكيم الذي يتحدد نهائيا بالطلبات المتبادلة بين طرفي النزاع امام هيئة التحكيم، وعليه فلا صحة اذن لما قال به الطاعن من ان طلب التعويض لم يشمله النزاع التحكيمي أو بأن هيئة التحكيم فصلت في مسألة لا يشملها اتفاق التحكيم، فضلاً عما هو مقرر أن العبرة بالطلبات الختامية، وقد عدل المدعي عن الطلبات الموضوعية.

اما من حيث ما ينعاء الطاعن من مخالفة الحكم التحكيمي للقانون والخطأ في تكييف ماديات النزاع ومن ثم الخطأ في تطبيق القانون، وكذلك عدم انتظاره لصدور أحكام جنائية متعلقة بالعقار موضوع عقد البند التحكيمي، فمردود ذلك ان المشرع حدد أسباب ابطال حكم التحكيم على سبيل الحصر (بالمادة 53 تحكيم) بحيث لا يقبل في الطعن بدعوى البطلان الطعون المؤسسة على سبب غیر منصوص عليه، ومن ثم لا تملك المحكمة وبحسب تلك المادة التعرض بشكل مباشر للموضوع الذي تناوله حكم التحكيم، أو مناقشة مدى صواب او خطأ ما ذهب إليه الحكم التحكيمي في تصديه لفهم أو تكييف او تفسير القانون أو تطبيقه أو كفاية أسباب الحكم أو قصورها طالما كشف التعليل الوارد بالحكم عن الطريق الذي اتبعته هيئة التحكيم لتكوين رأيها في النزاع التحكيمي المعروض عليها، بإعتبار أن محكمة البطلان ليست محكمة الدرجة الثانية لحكم التحكيم.

اميـن السـر                                               رئيس المحكمـة