فاذن الرباط الوثيق بين المحكم والخصوم أو بينه وبين أحدهم ، لا يؤثر في صحة اختياره متى كان معلوماً لهم قبل اختيار المحكم .
ولما كان من بين أسباب عدم صلاحية القاضي لنظر الدعوى سبق الافتاء أو المرافعة أو الكتابة فيها لأن كل هذا يدل على ميل القاضي إلى جانب الخصم الذى حصل الافتاء أو المرافعة أو الكتابة لمصلحته ، وقد يأنف من التحرر منه ، فان المحكم هو الآخر يكون غير صالح لنظر الخصومة إذا قام سبب به من الأسباب المتقدمة وكان الخصم على جهل به وقت اختياره . وكذلك لما كان المحكم - كالقاضي - يجب ألا يقضى بمعلوماته الشخصية التي استمدها من خارج نطاق الخصومة أي من خارج الأوراق المقدمة أو الاستدلالات التي استمدها مما اتخذه من اجراءات الإثبات التي أمر بها ، فيكون غير صالح لنظر الدعوى إذا كان قد أدلى بشهادة فيها فان المحكم هو الآخر يكون غير صالح للتحكيم إذا كان الخصم على جهل بما تقدم وقت اختياره محكماً .
ولما كانت أيضاً من أسباب عدم صلاحية القاضي لنظر الدعوى سبق الإدلاء برأيه كقاض أو خبير أو محكم فان هذه الأسباب في ذاتها تعد من أسباب عدم صلاحية المحكم لنظر الخصومة في التحكيم ما لم يكن الخصوم على علم بها قبل اختياره .
وإذن صفوة القول، إنه لا يعيب المحكم توافر مصلحة أدبية له في حسم النزاع القائم بين الخصوم، وإنما يعيب اختياره رغبته في حسمه على وجه معين المصلحة خصم ما سواء لتحقيق مصلحة مادية أو لتحقيق مصلحة أدبية .
كما يعيب اختيار المحكم مساس هذا الاختيار بمظهر الحيدة الذي يجب أن يتحلى به فلا يكون فى موقف متكافيء بين طرفي الخصومة ، إما بسبب علاقة عائلية أو خاصة بينه وبين أحدهم ، أو بسبب سبق الإدلاء برأى له في موضوع النزاع ، أو بسبب علمه الشخصي بصدده .. أو لقيام أى سبب من الأسباب الأخرى لرد القاضى أو لعدم صلاحيته لنظر الدعوى التي وردت فى التشريع على سبيل الحصر في المادة ١٤٦ وما يليها ويشترط في كل الأحوال المتقدمة ألا يكون الخصوم على علم بها وقت اختيار المحكم .
وفي هذا تنص المادة ٥٠٣ على أنه لا يجوز رد المحكمين عن الحكم إلا لأسباب تحدث أو تظهر بعد ابرام وثيقة التحكيم وتنص أيضاً على أنه " يطلب رد المحكمين لنفس الأسباب التي يرد بها القاضي أو يعتبر بسببها غير صالح للحكم - وذلك حتى يتمتعوا بثقة الخصوم ويطمئنوا إلى قضائهم :
وقد حكم بناء على ما تقدم بأنه أن يصح يعين محاني أحد الخصوم محكماً بشرط أن يكون الخصم الآخر على علم بذلك وقت التوقيع على المشارطة التي تتضمن اختياره.
وبدق الأمر إذا اتفق على أن تشكل هيئة التحكيم من ثلاثة ، يكون لكل طرف من طرفى الخصومة تعيين حكمه ورئيس الهيئة يتم الاتفاق عليه منها معاً ، ففي هذه الحالة لا نرى غضاضة إذا كان المحكم الذي يملك الخصم وحده اختياره قريباً أو وكيلا له حتى ولو كان الخصم الآخر على جهل بذلك وقت الاختيار ، لأن الممنوع هو قيام الصلات المتقدمة بالنسبة إلى المحكمين الذين يتم اختيار هم باشتراك طرفي الخصومة معاً ، أما إذا كان لكل خصم اختيار محكمة بشرط أن تكون رئاسة هيئة التحكيم لآخر يتم الاتفاق عليه من جانب الطرفين معاً في هذه الحالة يكاد يكون المحكم الذي يملك الخصم - وحده - اختياره بمثابة وكيل له وتكون صفة المحكم في واقع الأمر مقصورة على رئيس الهيئة. وعلى أي حال فان هذه المسألة موضوعية تختلف النظرة إليها بحسب كل حالة ووقائعها وظروفها ونية المتعاقدين. وقد يقدح من اتجاه رأينا المتقدم ما يستشف من نص المادة ٥٠٣ ، فهي تقرر بصفة عامة جواز الطعن على اختيار المحكم بطلب الرد الذي توجب رفعه خلال خمسة أيام تبدأ من تاريخ اخبار الخصم بتعيين المحكم.