فإذن الرباط الوثيق بين المحكم والخصوم أو بينه وبين أحدهم، لا يؤثر في صحة اختياره متى كان معلوماً لهم قبل اختيار المحكم.
ولما كان من بين أسباب عدم صلاحية القاضي لنظر الدعوى سبق الإفتاء أو المرافعة أو الكتابة فيها لأن كل هذا يدل على ميل القاضي إلى جانب الخصم الذى حصل الإفتاء أو المرافعة أو الكتابة لمصلحته، وقد يأنف من التحرر منه، فإن المحكم هو الآخر يكون غير
صالح لنظر الخصومة إذا قام سبب به من الأسباب المتقدمة وكان الخصم على جهل به وقت اختياره.
وكذلك لمـا كـان المحكـم – كالقاضي – يجب ألا يقضى بمعلوماته الشخصية التي استمدها من خارج نطاق الخصومة – أى من خارج الأوراق المقدمة أو الاستدلالات التي استمدها مما اتخــده مــن إجراءات الإثبات التي أمر بها، فيكون غير صالح لنظر الدعوى إذا كان قد أدى بشهادة فيها فإن المحكم هو الآخر يكون غير صالح للتحكيم إذا كان الخصم على جهل مما تقدم وقت اختياره محكما.
ولما كانت أيضا من أسباب عدم صلاحية القاضي لنظر الدعوى سبق الإدلاء برأيه كقاض أو خبير أو محكم فإن هذه الأسباب في ذاتها تعد من أسباب عدم صلاحية المحكم لنظر الخصومة في التحكيم مالم يكن الخصوم على علم بها قبل اختياره .
وإذن صفوة القول، أنه لا يعيب المحكم توافر مصلحة أدبية له حسم النزاع القائم بين الخصوم، وإنما يعيب اختياره رغبته في حسمه على وجه معين لمصلحة خصم ما سواء لتحقيق مصلحة مادية أو لتحقيق مصلحة أدبية.
كما يعيب اختيار المحكم مساس هذا الاختيار بمظهر الحيدة الذي يجب أن يتحلى به فلا يكون في موقف متكافيء بين طرفي الخصومة، إما بسبب علاقة عائلية أو خاصة بينه وبين أحدهم، أو بسبب سبق الإدلاء برأى له فى موضوع النزاع، أو بسبب علمه الشخصي بصدده، أو لقيام أى سبب من الأسباب الأخرى لرد القاضي أو لعدم صلاحيته لنظر الدعوى التى وردت فى التشريع على سبيل الحصر في المادة 313 وما يليها ويشترط في كل الأحوال المتقدمة ألا يكون الخصوم على علم بها وقت اختيار المحكم.
وفي هذا تنص المادة 828 على أنه لا يجوز رد المحكمين عن الحكم إلا لأسباب تحدث أو تظهر بعد مشارطة التحكيم. وتنص المادة 829 على أنه يطلب رد المحكمين لنفس الأسباب التي يرد بها القاضي أو يعتبر بسببها غير صالح للحكم - وذلك حتى يتمتعوا بثقة الخصوم ويطمئنوا إلى قضائهم.
وقد حكم بناء على ما تقدم بأنه يصح أن يعين محامى أحد الخصوم محكما بشرط أن يكون الخصم الآخر على علم بذلك وقت التوقيع على المشارطة التي تتضمن اختياره .
ويدق الأمر إذا اتفق على أن تشكل هيئة التحكيم من ثلاثة يكون لكل طرف من طرفى الخصومة تعيين حكمه ورئيس الهيئة يتم الاتفاق عليه منهما معا، ففى هذه الحالة لا نرى غضاضة إذا كان المحكم الذى يملك الخصم وحده اختياره قريبا أو وكيلا له حتى ولو كان الخصم الآخر على جهل بذلك وقت الاختيار، لأن الممنوع هو قيام الصلات المتقدمة بالنسبة إلى المحكمين الذين يتم اختيارهم باشتراك طرفي الخصومة معا، أما إذا كان لكل خصم اختيار محكمه بشرط أن تكون رئاسة هيئة التحكيم الآخر يتم الاتفاق عليــه مــن جانب الطرفين معا ففى هذه الحالة يكاد يكون المحكم الذي يملك الخصم - وحده - اختياره بمثابة وكيل له وتكون صفة المحكم في واقع الأمر مقصورة على رئيس الهيئة. وعلى أي حال فإن هذه المسألة موضوعية تختلف النظرة إليها بحسب كل حالة ووقائعها وظروفها ونية المتعاقدين. ويقدح من اتجاه رأينا المتقدم ما يستشف من نص المادة 829 ، فهي تقرر بصفة عامة جواز الطعن على اختيار المحكم بطلب الرد الذي توجب رفعه خلال خمسة أيام تبدأ من تاريخ إخبار الخصم بتعيين المحكم. وتعيين المحكم عبارة عامة يفهم منها أن هذا التعيين قد يكون من جانب القضاء عملا بالمادة 825 وقد يكون من جانب أحد أطراف الخصومة - وحده - إذا كان الاتفاق يخول له ذلك. وإذن قد يصح تفسير المادة 829 على النحو المتقدم فيكون للخصم طلب رد أى محكم كان متى توافرت الشروط المتقدمة.