الأصل المسلم به أن من يجلس مجلس القضاء والحكم بين الناس قاضياً كان أو محكماً - يتمتع بجملة سمات يأتي في مقدمتها الحياد والاستقلال... وعليه، فإن القانون يتطلب في المحكم - باعتباره سيجلس مجلس القضاء للفصل في خصومة التحكيم - بعض الشروط والضوابط التي تكفل حياده واستقلاله باعتبار الحياد والاستقلال يرتبطان ارتباطاً وثيقا بفكرة العدالة ذاتها، أيا كان الفلك الذي تدور فيه سواء أمام القضاء أو التحكيم .. فأهم ما يشترط في المحكم لضمان عدالة حكمه شرطي الحياد والاستقلال .
بمعنى أن الحياد مسألة نفسية تعنى خلو ذهن المحكم من أي ميل مسبق مع وجهة نظر أحد الخصوم في النزاع الذي سيفصل فيه بحيث يجلس المحكم على منصة التحكيم وليس في ذهنه سوى حسن أداء مهمته، بقطع النظر عن الطريقة التي تم بها تعيينه ، وهذا هو جوهر الحياد الواجب توافره فيمن يلي أي مهمة قضائية.
وهو عين ما نهجه المشرع المصري في قانون التحكيم الحالي رقم ۲۷ لسنة ١٩٩٤ في المادة ۱٩ بعد تعديلها بالقانون رقم 8 لسنة ٢٠٠٠ - على إثر حكم المحكمة الدستورية العليا بعدم دستورية الفقرة الأولى من تلك المادة والتي كانت تخول هيئة التحكيم مهمة الفصل في طلب رد المحكم ، فكانت تجمع بين صفتي الخصم والحكم بما يفقدها الحيدة والاستقلال - الذي عهد بالفصل في طلب الرد إلى المحكمة المشار إليها في المادة (٩) ، وهى المحكمة المختصة أصلا بنظر النزاع، وهو ما يتيح لها دوراً رقابياً بهذا الصدد.. وقد صار نص الفقرة الأولى من المادة ١٩ من قانون التحكيم بعد تعديلها كالتالي : " يقدم طلب الرد كتابة إلى هيئة التحكيم مبينا فيه أسباب الرد خلال خمسة عشر يوماً من تاريخ علم طالب الرد بتشكيل هذه الهيئة أو بالظروف المبررة للرد ، فإذا لم يتنح المحكم المطلوب رده خلال خمسة عشر يوماً من تاريخ تقديم الطلب فإنه يحال بغير رسوم إلى المحكمــة المشار إليها في المادة ۹ من هذا القانون للفصل فيه بحكم غير قابل للطعن".
ويثير موضوع رد المحكم جملة أمور تتعلق بحالات رد المحكـم وضوابطه، ودور القضاء بشأنه.. وهو ما نوجزه تباعاً في ثلاث نقاط.