الخدمات

ابواب التحكيم الرئيسية
  • المحكم وهيئة التحكيم / رد المحكم / المجلات العلمية / مجلة التحكيم العالمية - ملحق العدد الثامن / رد المحكم

  • الاسم

    مجلة التحكيم العالمية - ملحق العدد الثامن
  • تاريخ النشر

  • عدد الصفحات

  • رقم الصفحة

    761

التفاصيل طباعة نسخ

    في عام 1976 وضعت لجنة الامم المتحدة للقانون التجاري الدولي، قواعد للتحكيم وتـسمى أيضاً (بقواعد اليونسترال) وأوصت الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها الحادية والثلاثين بإستعمالها في تسوية المنازعات الناشئة في اطار العلاقات التجارية الدولية.

    وعلى الرغم من أن هذه القواعد نصت على اجراءات تطبق على التحكـيم الخـاص (Ad Hoc) الا ان بعض مراكز ومؤسسات التحكيم تبنت هذه القواعد وتطبيقها على قضايا التحكـيم التي تجري عن طريق تلك المؤسسات.

    وفي عام 1985 أصدرت اللجنة قانون الاونسيترال النموذجي للتحكيم التجاري الدولي ليكون دليلاً تسترشد به الدول عند تعديل قوانينها أو عند وضع قوانين جديدة للتحكيم وقد بلغ عدد الدول التي تبنت هذا القانون حتى منتصف عام 2009 سبع وثلاثين دولة منهـا مـن اخـذت بعـض نصوص القانون النموذجي وضمنتها في قوانينها ومنها من تبني نصوص القانون كلياً واعتبرهـا قانوناً وطنياً كما هو في البحرين.

    وبما ان المطلوب هو البحث في نصوص قواعد التحكيم الاونسيترال لعام 1976، الخاصـة برد المحكم لذلك سوف يقتصر بحثي هذا بشكل رئيسي على ما جاء في نصوص القواعد المشار اليها ذات العلاقة برد المحكم.

    كذلك لا بد ان نشير بعد تطبيق تلك القواعد لمدة ثلاثين عاماً. ان لجنة الأمم المتحدة للقانون التجاري الدولي وافقت في دورتها التاسعة والثلاثين عام 2006 على ان يعطي فريق العمل الثاني المعني بالتوفيق والتحكيم الأولوية لتنقيح وتعديل قواعد التحكيم التي وضعتها اللجنة، وأعربـت عن أملها في ان يتمكن فريق العمل من إنجاز مهمته وان يعرض التعديلات علـى اللجنـة فـي اجتماعها الثالث والأربعين الذي سيعقد في نيويورك في الفترة من 21 يونيو/حزيران - 9 يوليو/ تموز 2010 ولقد انتهى فريق العمل من مهمته واعد تقريره ليقدمه الـى اللجنـة فـي دورتهـا المذكورة أعلاه.

   وسوف نشير في بحثنا هذا الى ما توصل اليه فريق العمل في تقريره الخاص بتنقيح وتعديل النصوص الخاصة برد المحكم واجراءات الرد.

أولاً: أسباب رد المحكم:

    رد المحكم يعني طلب تنحيتة عن المشاركة في عملية التحكيم لأسباب تجعل من يطلب الرد من أطراف النزاع غير مطمئن إلى أن المحكم المطلوب رده سوف يتولى مهمته دون تحيـز او محاباة للطرف الآخر.

    ولذلك نصت المادة (1-9) من قواعد الاونسيترال للتحكيم "يجب على من يرشـح ليكـون محكماً ان يصرح لمن يتصل به في أمر هذا الترشيح بكل الظروف التي من شأنها إثارة شكوك لها ما يبررها حول حياده أو إستقلاله. وعلى المحكم بعد تعيينه أو إختياره، التصريح بمثل هـذه الظروف لطرفي النزاع إلا إذا كان قد أحاطهما علما بها".

    وقريب من هذا النص نص المادة 12/1 من القانون النموذجي للتحكيم التي جاء فيها "علـى الشخص حين يفاتح بقصد أحتمال تعينيه محكماً أن يصرح بكل الظروف التي من شأنها أن تثير شكوكاً لها ما يبررها حول حيدته واستقلاله. وعلى المحكم منذ تعيينه وطوال إجراءات التحكـيم أن يفضي بلا إبطاء الى طرفي النزاع بوجود أي ظروف من هذا القبيل، إلا اذا كان قد سبق له ان إحاطهما علما بها".

    يظهر من هذين النصين ان الأسباب التي يمكن ان يستند اليها طرف في تحكيم لرد محكـم هي الحالات التي يتبين فيها للطرف المذكور من أمور تجعله أن يشك في حيدة المحكـم أو فـي استقلاليته الامر الذي يجعله غير مطمئن الى سير اجراءات التحكيم وبالتالي تولدت لديه قناعـة بأن المحكم المذكور سوف لن يحقق العدالة في ما قد يصدره من حكم بشأن القضية المنظـورة امامه. ولنرى الحالات التي تقع تحت مفهوم عدم حيدة او استقلالية المحكم.

(أ) الحيدة Impartialisty :

    لم يرد في قواعد التحكيم التي وضعتها اليونسترال عام 1976 وكذلك في القانون النموذجي للتحكيم تعريفاً للحيدة أو لإستقلاية المحكم من عدمها.

   إلا أنه يفهم من النصوص أعلاه ان يستند الطرف الذي يطلب رد المحكـم الـى وقـائع أو ظروف تثير لديه شكوكاً حول عدم حيدة أو أستقلاية المحكم المراد رده.

    والحيده حالة نفسية تجعل الشخص يتجرد عن محاباة أو التحيز لأحد اطـراف النـزاع وأن لا يلجأ في تعامله مع طرف بطريقة تختلف عن تعامله مع الطرف الأخر، فلو توافرت لدى أحد الأطراف قناعة مبنية على أسباب تجعله يعتقد بأن المحكم سوف لن يعامله كما يعامل خصمه في النزاع. أو أن المحكم خلال جلسات التحكيم لم يعامل هذا الطرف على قدم المساوات خلافاً لتعامله مع الطرف الأخر أو لا يترك له الوقت الكافي لتقديم دفاعه ومستنداته خلافاً لمـا عليـه الحال مع الطرف الآخر، مثل هذا السلوك من المحكم يجعل الطرف الاول لا يطمئن الى حيـدة المحكم وبالتالي يشك في ما ستوؤل اليه عملية التحكيم وقد تنتهي في غير صالحة لو إستمر هذا المحكم في نظر الدعوى.

   ومن المعروف أن إثبات عدم حيدة المحكم ليس بالأمر السهل لكن هناك حالات يمكـن اثباتها بوقائع مادية كأن يقبل المحكم هدايا أو عطايا من أحد الأطراف أو يكون قد أبدى رأيـاً في قضية مماثلة. والمسألة تقديرية تعود الى السلطة التي لها حق بت طلب الرد وتقدير مـدى جدية تلك الاسباب ومدى تأثيرها على موقف المحكم في اتخاذ قراره الخـاص بموضـوع التحكيم.

   وقد يختلف رأي السلطة التي لها حق بت الطلب في وقائع متماثلة ولدينا مثال على ذلـك ففي اتفاق على تحكيم جاء فيه ان كل طرف يتحمل مصاريف ومكافأة المحكـم الـذي إختـاره والطرفان يتحملان مناصفة مصاريف مكافأة رئيس هيئة التحكيم. مثل هذا النص ورد في إتفاق آخر وكان الاتفاق الأول في احدى الدول العربية والآخر في دولة عربية أخرى.

    طلب احد الاطراف في كل من الاتفاقين رد احد المحكمين وابطال شرط التحكيم والسبب ان تحمل طرف النزاع مصاريف واتعاب المحكم الذي اختاره يجعل المحكم غير محايد في موضوع التحكيم.

    في الإتفاق الأول نظرت هيئة التحكيم ولم تجد أن الشرط المذكور يؤثر في حيـاد المحكـم وقررت رفض طلب الرد والإستمرار في اجراءات التحكيم. طعن طالب الرد في قرار الهيئة لدى القضاء وقررت المحكمة أبطال الشرط التحكيمي.

   اما في الدولة الثانية فقد رأت المحكمة المختصة التي قدم اليها طلـب الـرد مباشـرة دون المرور بهيئة التحكيم" ان الشرط المذكور لا يمس بحيدة المحكم وقررت صحة الشرط التحكيمي واستمرت الهيئة في عملية التحكيم ثم اصدرت حكمها النهائي في النزاع.

     إن ما يثير الشك في حياد واستقلالية المحكم لدى أحد أطراف التحكيم قد لا يراهـا طـرف أخر. واسباب الشك في حياد المحكم هي وقائع لا يمكن حصرها ولكن يمكن استنتاج الشك احتمال محاباة المحكم لطرف دون آخر من الظروف أو التصرفات التي قد تجد طريقاً الى علـم أحد أطراف التحكيم وتثير لديه الشكوك قبل بدء إجراءات التحكيم، أي عندما يراد اختيار المحكم ليتولى مهمة التحكيم أو يلمسها او يعلم بها هذا الطرف خلال سير إجراءات التحكيم، أي ان تلك الاسباب قد تكون موجودة قبل تعيين المحكم أو أنها تتحقق بعد تعيينه.

    ولإبعـاد الشـك عن المحكم نصت الفقرة الاولى من المادة (9) من قواعـد الاونـستيرال على المحكم أن يصرح للطرفين عندما يقبل مهمة التحكيم بأن ليس هناك مـا يمـس حيدتـه أو إسقلاليته.

    اما فريق العمل المعني بالتحكيم والتوفيق التابع للاونستيرال والذي اشرنا إليه في مقدمة هذا البحث فقد وضع المادة (11) في مشروعه لتحل محل المادة (9) من القواعـد النافـذة، وتحـت عنوان اختصاصات المحكمين والاعتراض عليها (المواد 11-13) حيث جاء في المادة (11 من المشروع المنقح) الآتي:

     "عند مفاتحة شخص بشأن احتمال تعيينه محكماً، على ذلك الـشخص أن يفـصـح عـن اي ظروف يتحمل ان تثير شكوكاً مسوغة حول حياده أو إستقلاليته، وعلى المحكم منذ وقت تعيينـه وطوال إجراءات التحكيم، ان يفصح للأطراف ولسائر المحكمين دون أبطاء عن اي ظروف من هذا القبيل ما لم يكن قد أعلمهم بها من قبل" ولكن هذا لا يعني ان احد الأطراف لو تكونت لديـه اسباباً تدعوه للشك في حياد واستقلال المحكم لا يمكنه أن يطلب الرد.

    ويلاحظ ان هذا النص لا يختلف عن نص المادة (9) من القواعد النافذة لكن المشروع قـد أوجب على المحكم أن يفصح عن تلك الظروف ليس فقط لأطراف التحكيم كما هو في المادة (9) وانما أضاف أن يتم الإفصاح لسائر المحكمين دون أبطاء.

    ونرى أن يكون الإفصاح كتابة او يذكر في محضر الجلسة؟.

(ب) الاستقلالية: Independence:

    السبب الآخر الذي يمكن ان يثير الشكوك لدى أحد أطراف التحكيم هـو عـدم استقلالية المحكم، والاستقلالية تقاس بدرجة العلاقة الموجودة أو توجد اثناء سير عملية التحكيم بين المحكم واحد اطراف النزاع والتي قد تؤثر على المحكم وبالتالي قد ينحاز الى احد الاطراف.

    ومن المعروف أن المحكم وان كان قد تم اختياره من أحد أطراف النزاع (عندما تتكون هيئة التحكيم من أكثر من محكم واحد) ليس محامياً أو وكيلاً او ممثلاً لذلك الطرف.

    ان عدم استقلالية المحكم يمكن اثباتها بوجود صلة بينه وبين أحد أطراف التحكـيم وهـذه الصلة قد تؤثر على إستقلاليته، وقد تكون هذه الصلة هي صلة قرابة، صـداقة، صـلـة عمـل ، شراكة أو مصلحة في النزاع. فإذا كانت مثل هذه الصلة قائمة قبل اختياره محكماً او حدثت خلال النظر في النزاع على المحكم أن يصرح عنها للطرفين فإذا قبل الطرفان دون أن يطلبا تنحيتـه عندئذ يكونا قد تنازلا عن حقهما في الرد.

    اما اذا كان الطرفان أو أحدهما لا يعلم بمثل هذه الصلة للمحكم والتي لو كان يعلم بها لمـا وافق على ترشيحه محكماً في النزاع أو اذا علم بتلك الوقائع أو الصلة خلال سير عملية التحكيم عندئذ لهذا الطرف أن يطلب رد المحكم.

    وهذا تطبيقاً لنص الفقرة الاولى من المادة (10) من قواعد الاونستيرال التي نصت على أنه "يجوز رد المحكم اذا وجدت ظروف تثير شكوكاً لها ما يبررها حول حياده او استقلاله".

    الا ان هذه المادة نصت في فقرتها الثانية على تقييد حق طرف النزاع في التحكيم في طلب رد المحكم الذي اختاره إلا إذا اكتشف الأسباب التي تخوله الرد بعد تعيين ذلك المحكم، وهذا مـا عبرت عنه الفقرة المذكورة بنصها "لا يجوز لأي من طرفي النزاع رد المحكم الذي اختـاره الا لأسباب لم يتبينها الا بعد ان تم تعيين هذا المحكم".

    وعلى كل حال ما يثير الشكوك لدى أحد أطراف النزاع هو سلوك المحكم أو صلاته التي قد تجعل الطرف المذكور لا يطمئن إلى عدالة ذلك المحكم وبالتالي يطلب رده. وقد حاولت بعـض المؤسسات التحكيمية وضع قواعد سلوك للمحكم، منها الجمعيـة الأمريكيـة للتحكـيم (AAA) بالإشتراك مع الجمعية الامريكية للمحاماة (ABA) والجمعية الدولية للمحامين (IBA) كمـا أن مركز القاهرة الإقليمي للتحكيم التجاري الدولي، اصدر قواعد لسلوك المحكم اسـماها سـلوكيات المحكم نوردها كالآتي :

    المادة (1): لا يجوز للمحكم الاتصال بأطراف التحكيم نحو التعيين أو الإختيار كمحكم.

    المادة (2): لا يجوز للمحكم قبول التعيين أو الإختيار كمحكم الا بعد التأكـد مـن القـدرة والصلاحيـة لأداء المهمة المنوطة به دون تحيز، ومن امكـان تـخـصيص الوقـت والإهتمـام اللازمين.

    المادة (3): يجب على من يرشح ليكون محكماً ان يصرح لمن يتصل به فـي امـر هـذا الترشيح بكل الظروف التي من شأنها احتمال اثارة شكوك حول حياده او استقلاله وعلم المحكـم بمجرد تعيينه او اختياره بهذه الظروف لأطراف النزاع الا اذا كان قد احاطهم بهـذه الظـروف وعليه أن يفصح لهم الآتي:

   أ- علاقات الأعمال والعلاقات الإجتماعية المباشرة أو غير المباشرة السابقة أو الحالية مـع اي من أطراف التحكيم أو الشهود أو المحكمين الآخرين.

   ب- علاقات القرابة والمصاهرة مع اي طرف من أطراف التحكـيم او الـشهود او المحكمـين الآخرين.

   ج- الإرتباطات السابقة على موضوع التحكيم ويسري هذا الإلتزام بالتصريح بالنسبة للظـروف التي تظهر بعد بدء الاجراءات.

    المادة (4): على المحكم ان يوفر الشروط الضرورية للفصل في التحكيم بالعدل و دون تحيز أو تأثر بضغوط خارجية، الخشية من الانتقاد، أو مصلحة شخصية. وعلى المحكـم تـخـصيص الوقت والجهد اللازمين لسرعة الفصل في التحكيم مع الأخذ في الاعتبـار مختلـف الظـروف المحيطة بالقضية.

    المادة (4) مكرر: على المحكم أن لا يتصرف خلال اجراءات التحكيم كمحام لأي طـرف ولا ينصح اي طرف بشأن موضوع التحكيم او ما قد يؤول اليه النزاع. سواء كان ذلك قبـل او بعد تعيينه.

    المادة (1/4) مكرر: كل من تعين للقيام بمهمة المحكم، ولم يكن مسجلاً في سجل المركـز للمحكمين، عليه أن يزود المركز. بخلاصة عن أهليته، وخبرته، وعن ماضيه وحاضره المهني. وان يقبل كتابة بجدول المركز الخاص بالمصاريف والمكافآت. في حالة طلب مكافأة اضـافية لا يجوز للمحكم أن يبلغ او يخبر او يتصل بأي طرف في هذا الأمر والمقترح بالمكافأة الإضـافية يجب ان يقدم الى مدير المركز الذي يتصل بالأطراف قبل اتخاذ القرار النهـائي فـي المكافـأة الإضافية طبقاً للمادة (40) من قواعد المركز والقواعد العامة ذات الصلة.

  المادة (5): على المحكم تجنب اجراء اتصالات من جانب واحد مع أحد الأطـراف بـشأن التحكيم. وفي حالة حدوث ذلك يتعين على المحكم التصريح لباقي الأطراف والمحكمين بما تم.

   المادة (6): لا يجوز للمحكم أن يقبل هدايا او مزايا سواء كان ذلك مباشرة أو بشكل غيـر مباشر بعد الفصل في التحكيم ما دامت مرتبطة به.

   المادة (7): لا يجوز للمحكم ان يستعمل المعلومات السرية التي حصل عليها اثناء اجراءات التحكيم لتحقيق مغنم لنفسه أو للغير أو للمساس بمصالح الغير.

   المادة (8): يلتزم المحكم بالمحافظة على السرية في جميع المسائل المتعلقـة بـإجراءات التحكيم بضمها المداولات وقرار التحكيم.

    تلك هي قواعد السلوك للمحكمين التي وضعها مركز القاهرة الإقليمـي للتحكـيم التجـاري الدولي، دوناها في البحث لكي يستطيع القارىء أن يتلمس ويستنتج الأفعال التي يمكن اعتبارهـا سبباً في طلب رد المحكم.

ج - عدم قدرة المحكم على السير في عملية التحكيم:

     هذه الحالة تنطوي على ظروف وحالات عديدة يصبح المحكم فيها غير قادر أو يكون غيـر اهل للسير في عملية التحكيم وبالتالي فقد يتنحى المحكم بسبب قانوني أو فعلي أو قد يرغب أحـد الأطراف تبديله حيث يعتبر ان بقاء مثل هذا المحكم سوف يعرقل عمليـة التحكـيم او ان عـدم معرفته بالأمور الفنية في التحكيم قد يؤدي الى ضياع حق الاطراف او الى ابطال الحكم النهائي بسبب عدم اتباع الاجراءات اللازمة في سير عملية التحكيم.

    وقد عبرت الفقرة (2) من المادة (13) من قواعد الاونسيترال عن هذه الحالة بقولهـا حالة عدم قيام أحد المحكمين بمهمته أو في حالة وجود استحالة قانونية أو فعليـة تحـول دونـه والقيام بها، تطبق الإجراءات المنصوص عليها في المواد السابقة بشأن رد المحكمين او تبديلهم".

   والحالة الثالثة هذه تندرج تحت حالات طلب تبديل المحكم وليس الرد انما يصار فيها الـي اتباع إجراءات الرد. وهذا ما ذهب إليه أيضاً فريق العمل الخاص بالتحكيم والتوفيق والذي انجز عمله لتنقيح قواعد اليونسترال حيث الحالات الثلاث في المادة (12) من مشروع التنقيح والتـي جاء فيها:

1- يجوز الإعتراض على اي محكم اذا وجدت ظروف تثير شكوكاً مسوغة حـول حيـاده او استقلاليته.

2- لا يجوز لأي طرف ان يعترض على المحكم الذي عينه إلا لأسباب لم يعلـم بهـا الا بعـد تعيينه.

3- في حالة عدم قيام المحكم بمهامه أو في حال وجود مانع قانوني أو واقعي يحول دون ادائه تلك المهام، تنطبق الإجراءات المتعلقة بالإعتراض على المحكم المنصوص عليها في المادة (13) وقد بين فريق العمل الإجراءات الواجب اتباعها من الطرف الذي يعتزم الاعتـراض على محكم.

ثانياً- اجراءات الرد و تبديل المحكم:

   اجراءات رد المحكم أو تبديله وردت في قواعد اليونسترال لعـام 1976 المـادتين (11) و (12) حيث بينت الإجراءات الواجب إتباعها في هذا الشأن نوجزها في الآتي:

(أ) طلب الرد:

    بينت الفقرة الاولى من المادة (11) كيفية طلب أحد الاطراف رد المحكم بقولها: "1- على الطرف الذي يعتزم رد محكم ان يرسل اخطاراً بطلب الرد خلال خمسة عشر يوماً من تاريخ اخطاره بتعيين هذا المحكم أو خلال خمسة عشر يوماً من تاريخ علمـه بـالظروف المذكورة في المادتين (9 و 10).

2- يخطر الطرف الآخر والمحكم المطلوب رده والعضوان الآخران في هيئة التحكـيم بطلـب الرد. ويكون الإخطار كتابة، وتبين فيه أسباب الرد".

    ولكن ما العمل لو كان التحكيم يجري بمحكم فرد؟ فهل يعقل أن يقدم طلب الرد لكي فيه ويكون هو الخصم والحكم كما جاء في المادة 1466 من قانون المرافعات الفرنسي. حيـث نصت هذه المادة على انه "إذا نازع احد الاطراف امام المحكم في مدى صلاحية المحكم لنظـر القضية المعروضة عليه فيعود لهذا الاخير أن يفصل في صحة أو مدى صلا حيته".

    اما الفقرة الثالثة من المادة المذكورة فقد بينت ما سينتج عن الاخطار الـذي ارسـل الى الطرف الآخر والى المحكم، والنتيجة هي أنه قد يجد الطرف الآخر في النزاع أن الاسباب التـي أوردها طالب الرد جدية ومبررة عندئذ يوافق على الرد، وفي هذه الحالة نكون امام عزل المحكم بموافقة طرفي النزاع. والنتيجة الثانية قد يتنحى المحكم وينسحب من عملية التحكيم. ويصار الى تعيين المحكم البديل.

وما العمل إذا لم يوافق الطرف الثاني على طلب الرد ولم يتنح المحكم المطلوب رده؟

     تولت معالجة هذه الحالة المادة (12) من قواعد الاونسيترال حيث تركت امر بت الطلب الى سلطة التعيين.

    تلك هي اجراءات تقديم طلب الرد بموجب قواعد اليونسترال لعـام 1976، وهـذا مـا يقترحه فريق العمل الذي كلفته اللجنة بتنقيح وتعديل هذه القواعد حيث وضع مشروع المـادة (13) وهي لا تختلف كثيراً عن المادة 12 من قواعد الاونسيترال ونص فريـق العمـل فـي الفقرة الرابعة المقترحة "اذا لم يوافق جميع الاطراف على الاعتراض، او لـم يـتـنـح المحكـم المعترض عليه في غضون 15 يوماً من تاريخ الإشـعـار بـالاعتراض، يجـوز للطـرف المعترض ان يواصل اجراءات الاعتراض، وعليه في تلك الحالة، وفي غضون 30 يوماً مـن تاريخ الإشعار بالإعتراض، اما ان يلتمس من سلطة التعيين قراراً بشأن الاعتراض او اذا لـم تكن سلطة قد اتفق عليها أو سميت، ان يباشر الإجراء من أجل الإتفاق على سلطة تعيـين أو تسميتها، ثم يلتمس في غضون (15) يوماً من هذا التعيين أو تلـك الـتـسمية قـراراً بشأن الإعتراض.

   ولكن السؤال الذي يفرض نفسه إذا لم يكن الطرفان قد سبق ان سميا سلطة تعيين ولم يحـصل فيما بعد الإتفاق مع الطرف الآخر على تسمية مثل هذه السلطة فمن الذي سيحسم الموضـوع في رد المحكم؟

     في رأينا لم يبق إلا للطرف الذي يرغب في رد المحكم الا ان يلجأ للقضاء ليعرض اســبـاب طلبه الرد ويترك الأمر إلى القضاء لبت الطلب وتعيين بديل للمحكم.

وكنا نتمنى أن يستبدل فريق العمل سلطة التعيين بالمحكمة المختصة أو بهيئة التحكيم التـى يقدم لها طلب الرد كما هو موجود في بعض القوانين أو ان تكون الجهة التي تنظر فـي الرد. هي المحكمة المختصة بنظر النزاع، وهذا ما أخذت به قوانين أخرى، ولكن السلطة التـى تنظر في طلب الرد بقيت في مشروع التعديل الذي يعمل علية فريق العمـل المعـنـي بـالتوفيق والتحكيم كما هي في قواعد الاونسيترال.

(ب) أثر الرد على سير التحكيم:

1- توقف إجراءات التحكيم:

   عند تقديم طلب الرد هل تستمر اجراءات التحكيم أم تتوقف لحين بت في الطلب؟

    لم نجد في قواعد اليونسترال معالجة هذا الامر، الا ان بعض القوانين تنص صراحة علـى استمرار اجراءات التحكيم كالقانون العماني الذي نص في المادة 4/19 "لا يترتب علـى تقـديم طلب الرد أو على الطعن في حكم التحكيم الصادر برفضه وقف اجراءات التحكيم واذا حكم برد المحكم سواء من هيئة التحكيم أو من المحكمة عند نظر الطعن ترتب على ذلك اعتبار ما يكـون قد تم من اجراءات التحكيم، بما في ذلك حكم المحكمين كأن لم يكن".

    كذلك اخذ بهذا الرأي كل من القانون الكويتي المادة (3،2/178) والقانون الإماراتي المـادة (4/205)، القانون التونسي المواد (58،22،13).

    كذلك جاء في الفقرة الثالثة من المادة (13) من القانون النموذجي للتحكيم "....وريثما يـتم الفصل في هذا الطلب – طلب الرد – يجوز لهيئة التحكيم وضمنها المحكـم المطلـوب رده آن تواصل اجراءات التحكيم وأن تصدر قرار التحكيم".

    اما القوانين التي جعلت للمحكمة المختصة سلطة بت طلب الرد كالقانون القطـري المـادة 2/194 و3، القانون الكويتي المادة 3/2/178، القانون الإماراتي المادة 4/207، النظام السعودي المادة11 و12، القانون الأردني المادة 1/18 والقانون اللبناني إذا كان التحكيم محلياً المادة 770، القانون الفرنسي المادة 1463 والقانون الانكليزي المادة 1/24.

   إن التشريعات التي نصت على الإستمرار بإجراءات التحكيم حتى في حالة النظر فـي رد المحكم وبما كانت ترمي الى عدم إعطاء فرصة لأحد أطراف النزاع للمماطلة وابطـاء عمليـة التحكيم، ولكن عدم ايقاف اجراءات التحكيم له سلبياته، فقد يكون سبباً في ضياع الوقـت الـذي استغرقته اجراءات التحكيم دون ايقافها وهذا يحدث عندما تقدر السلطة التي تنظر طلب الرد قبول الطلب واصدار قرارها برد المحكم وبالتالي فكل ما جرى يعتبر كأن لم يكن وتبدأ الهيئـة مـرة أخرى من جديد بعد تعيين البديل.

    وهذا الامر يجرنا الى ان نجد ما يضمن سير عملية التحكيم اثناء نظر طلب الرد، يجب في ذات الوقت الذي تنظر فيه السلطة التي يقدم اليها طلب الرد. لذلك نقرح ان يصار الى بت طلب الرد على وجه الإستعجال وأن تتخذ السلطة التي تنظر النزاع قرارها خلال مدة قصيرة يحـددها القانون او قواعد التحكيم واذا مرت المدة دون أن تتخذ قرارها في هذا الشأن يعتبـر رفـضاً. ونفضل أيضاً أن يقدم طلب الرد الى المحكمة وليس الى هيئة التحكيم او الى جهة ما في المؤسسة التحكيمية. ويعتبر قرار المحكمة في طلب الرد قطعياً.

   هناك مثال قريب من هذا المقترح وان كان يجوز الطعن في قرار الرد نورده كما جاء فـي المادة (24) من قانون التحكيم، حيث نصت المادة (24) من القانون اليمني "يقدم طلب الرد الـى المحكمة المختصة، اذا رفضت جاز لطالب الرد الطعن في قرارها امام المحكمة الاعلى درجـة ويجوز تقديم طلب الرد الى لجنة التحكيم ذاتها، المحكمة المختصة اذا لم تفصل في طلب الـرد خلال اسبوع واحد فيعتبر مرور هذه المدة وكأن المحكمة اقتنعت برفض الطلب".

2 - تبديل المحكم:

     نصت الفقرة الثالثة من المادة (11) من قواعد الاونسيترال "عندما يطلب احد الطـرفين رد محكم، يجوز للطرف الآخر الموافقة على الرد.. كما يجوز للمحكم الذي طلب رده التنحي عـن نظر الدعوى. ولا تعتبر هذه الموافقة أو هذا التنحي إقراراً ضمنياً بصحة الأسباب التي يـستند اليها طلب الرد. وفي كلتا الحالتين تتبع في تعيين المحكم البديل كل الإجراءات المنصوص عليها في المادتين 6 و7 ولو لم يمارس احد الطرفين أثناء اجراءات تعيين المحكم الذي طالب رده حقه في هذا التعيين أو الاشتراك فيه."

   في هذه المادة حالتان.

   الاولى، عندما يوافق الطرف الثاني بعد أن تبينت له الأسباب التي يستند اليها الطرف الأول في طلبه لرد المحكم في هذه الحالة نكون أمام عزل المحكم. ومن أجل تعيين محكم جديد قد يتفق الطرفان على تسمية المحكم البديل.

   الثانية : عندما يتسلم المحكم طلب رد المحكم قد يتنحى هذا من تلقاء نفسه. عندئذ ايضاً قـد يتفق الطرفان على تعيينه.

    ولكن قد لا يتفق الطرفان على تعيين البديل في هذه الحالة تعينه سلطة التعيــن التـي ورد ذكرها في المادة السادسة من قواعد اليونسترال والتي اتفق الطرفان في البداية علـى تـسميتها لتعيين المحكم المعزول أو المتنحي. أما إذا لم يكن الطرفان قد اتفقا على تسميتها أو لم تتمكن من تعيينه خلال ستين يوماً من تاريخ تسلم الطلب الذي قدمه اليها أحد الطرفين جاز لكل من الطرفين ان يطلب من الأمين العام لمحكمة التحكيم الدائمة في لاهاي تسمية سلطة التعيين.

    ملاحظتنا على هذا الإجراء الأخير في تعيين المحكم البديل من سلطة التعيين انه غير عملي ولا ينسجم مع طبيعة التحكيم فمدة الستين يوما المعطاة لسلطة التعيين لكي تقرر تعيين البديل مدة طويلة كذلك في حالة عدم وجود سلطة للتعيين أو كانت موجودة ولم تتمكن من تسمية المحكـم البديل. في هذه المادة (6) ان يطلب أحد طرفي النزاع من الأمين العام تسمية سلطة تعيين. وهنا ايضاً سوف يتطلب الامر مدة أخرى للأمين العام لكي يسمي سلطة تعيين وهذه السلطة سـوف تحتاج الى وقت لتعيين المحكم البديل فهل تعطى لها مدة ستين يوماً ايضاً. ألا يبـدو مثـل هـذا الاجراء معرقلا لعملية التحكيم؟

    لهذه الأسباب نرى أن يعدل نص المادة المذكورة وتكون المحكمة المخصة بنظر النزاع في مكان التحكيم هي التي تعين المحكم البديل وقرارها غير قابل للطعن.

    بعد أن استعرضنا الأحكام الخاصة برد المحكم التي وردت في قواعد الاونسيترال للتحكيم، واستعرضنا بعض الأحكام التي وردت في قانون التحكيم النموذجي للتحكيم، وبعـض القـوانين الوطنية. نجد ان نخرج بنتيجة لهذا البحث سيما وان هذا المؤتمر قد نظم للبحـث حـول تعـديل قواعد الاونسيترال وان نجد وسيلة لملئ الفراغ في تلك القواعد او معالجة بعض النصوص التي لا تبدو عملية وغير واقعية سيما، أن الفريق العامل على تنقيح وتعديل هذه القواعد لم يلتفت الى الامور التي أشرنا اليها في بحثنا هذا ولذلك نقترح التالـي : ان تستبدل سلطة التعيين بمؤسـسة تحكيمية.

1- أن تكون الجهة التي يقدم اليها طلب الرد المحكمة المختصة بنظر النزاع وليس هيئة التحكيم أو المؤسسة التحكيمية. وان تكون المحكمة المختصة هي التي تعين المحكم البديل في حالة عدم اتفاق الأطراف علي تعيينه. وهذا يدعونا الـى تعـديل المـادتين 6 و7 مـن قواعـد الاونسيترال وقرار المحكمة يعتبر قطعيا.

2- ان تحدد مدة للمحكمة لكي تصدر قرارها في طلب الرد وفي حالة عدم اصداره خلال مـدة محددة يعتبر ذلك رفضا لطلب الرد.

3- أن يكون تصريح المحكم بقبوله للمهمة وإفصاحه عن حيدته واستقلاله كتابة أو أن يفصح عن ذلك في محضر أول جلسة للتحكيم.