اود ان اناقش معكم، فـي هـذا الـصباح، مسألة رد (challenge/disqualification) المحكمين عملاً بأحكام الإتفاقية بشأن تسوية منازعات الإستثمار بين الـدول ومـواطني الـدول الأخرى (اتفاقية الـ ICSID) وقواعد تحكيم الـ ICSID من جهة، و من جهة اخـرى عمـلاً بقواعد التحكيم التي وضعتها لجنة الأمـم المتحـدة للقـانون التجـاري الـدولي سـنة 1976 .(UNCITRAL Arbitration Rules)
اود ان استهل كلمتي بثلاث ملاحظات تمهيدية:
اولاً- من حيث المصطلحات:
تستعمل قواعد تحكيم الـ UNCITRAL كلمـة "challenge" بينمـا تـستعمل اتفاقيـة الــICSID وقواعد تحكيم الـ ICSID عبارة "disqualification". وتجدر الإشـارة الـى ان مصطلحي disqualification challenge مترادفان، ويقصد بهمـا "رد" المحكـم. ويمكـن استبدال احدهما بالآخر.
ثانياً- من حيث التعديلات المقترحة لقواعد تحكيم الـ UNCITRAL:
ان التعديلات المقترحة حاليا لقواعد تحكيم الـ UNCITRAL ضئيلة في ما يتعلق بمسألة رد المحكمين. وهي لا تغير في جوهر الملاحظات التي ابديها في ما يلي. لذلك سأكتفي بالإشارة في بحثي الى قواعد تحكيم الـ UNCITRAL الموضوعة سنة 1976.
ثالثاً- من حيث تزايد عدد طلبات رد المحكمين:
تميزت السنوات القليلة المنصرمة بإزدياد ملحوظ في طلبات رد المحكمـين، سـواء فـي القضايا المحالة الى تحكيم الـ ICSID او في تلك المحالة الى تحكيم الـ UNCITRAL. ولا بد هنا من التنويه بأنه منذ دخلت اتفاقية الـ ICSID حيز التنفيذ سنة 1966، تم التقـدم بأربعـة واربعين طلب رد محكم. بعبارة أخرى، فقد تلقى المركز، في سنواته الأربع والأربعـين اربعـة واربعين طلب رد محكم. من هذه الطلبات، تم تقديم سبعة وعشرين طلباً خلال الأعوام الأربعـة الأخيرة.
انتقل الآن الى دراسـة الأحكـام والمعايير المعتمـدة لـدى كـل مـن قواعـد تحكـيم الـUNCITRAL من جهة، واتفاقية الـ ICSID وقواعد تحكيم الـ ICSID من جهة اخرى.
اولا- سلطة تقرير طلب رد المحكم:
في القضايا المحالة الى الـ ICSID، يفصل في الطلب المقدم لرد احد المحكمـين سـائر اعضاء محكمة التحكيم (اتفاقية الـ ICSID، مادة 58). ولكن اذا كان هؤلاء الأعضاء منقسمين بالتساوي، او اذا كان المطلوب رده هو محكم فرد، او اذا كان المطلوب ردهم يشكلون غالبيـة اعضاء محكمة التحكيم، عندئذ يفصل رئيس المجلس الإداري للمركز (اي رئيس البنك الـدولي) في الطلب (اتفاقية الـ ICSID، مادة 58). اما في تحكيمات الـ UNCITRAL، فإن سـلطة التعيين تبت في طلب رد المحكمين (قواعد تحكيم الـ UNCITRAL، مادة 12).
ثانياً- آثار طلب رد المحكم على اجراءات التحكيم:
تنص قواعد تحكيم الـ ICSID انه عندما يقدم طلب رد محكم يتم وقف اجراءات التحكـيم الى ان يبت في طلب الرد (قواعد تحكيم الـ ICSID، مادة 9 فقرة 6). وخلافاً لذلك ليس فـي قواعد تحكيم الـ UNCITRAL، سواء تلك الموضوعة سنة 1976 او التعـديلات المقترحـة حالياً، نص يحتم وقف اجراءات التحكيم الى ان تبت سلطة التعيين بطلب رد المحكم.
ثالثاً- المهلة الزمنية لتقديم طلب رد المحكم:
تنص قواعد تحكيم الـ UNCITRAL انه يجب على الطرف الذي يعتـزم رد محكـم ان يرسل اخطاراً بطلب الرد خلال خمسة عشر يوماً من تاريخ اخطاره بتعيين هذا المحكم او خلال خمسة عشر يوماً من تاريخ علمه بظروف من شأنها احتمال اثارة شكوك لها ما يسوغها حـول حياد او استقلال المحكم (قواعد تحكيم الـ UNCITRAL، مادة 11 فقرة 1).
اما قواعد تحكيم الـ ICSID، فهي تكتفي بالإشارة الى ان على من يعتزم تقديم طلـب ردّ محكم ان يقدم الطلب بسرعة وفي كل الأحوال قبل قفل باب المرافعة (قواعد تحكيم الـ ICSID، مادة 9 فقرة 1).
يتبين من ذلك ان قواعد تحكيم الـ UNCITRAL تبدو اكثر صرامة من قواعـد تحكـيم الــICSID في شأن مهل تقديم طلبات رد المحكمين. ذلك ان قواعد تحكيم الـ UNCITRAL تفرض تقديم طلب رد المحكم خلال مهلة خمسة عشر يوماً بينما تكتفي قواعد تحكيم الـ ICSID بالإشارة الى وجوب السرعة. لكن من الخطأ بمكان الإستنتاج انه ليس من ضوابط لإحتساب مهل تقديم طلبات رد المحكمين عملاً بأحكام قواعد تحكيم الـ ICSID.
ولقد اشار في هذا الصدد محكمان، لدى بتهما طلب رد محكم ثالث في قضيتين متلازمتـين تتعلّقان بالأرجنتين، الى ان معاهدة الـ ICSID وقواعد تحكيم الـ ICSID لا تتـضمن مهلـة محددة يتوجب فيها تقديم طلب رد المحكم. لكنهما اضافا ان ذلك لا يعني، وجوباً، ان قواعد تحكيم الـ ICSID لا تضع حدوداً زمنية في ما يتعلق بتقديم طلبات الرد :
"[N]either the ICSID Convention nor the ICSID Rules specify a definite, quantifiable deadline beyond which a challenge is not to be considered. However, ICSID Rules are not without limits with respect to time."
(Suez v. Argentina, Decision of October 22, 2007, para. 22, ICSID Review – FILJ, vol. 23, at 388 (2008))
ففي بعض قضايا الـ ICSID التي تم فيها تقديم طلب رد محكم، اجمع المحكمان الآخران المخولان بت طلب الرد على ان هذا الطلب لم يقدم على وجه السرعة كما تدعو قواعد تحكـيم الـ ICSID. والجدير بالذكر انه كانت قد انقضت في كل قضية من تلك القضايا اشهر معـدودة بين تاريخ تبلغ الطرف الذي تقدم بطلب رد المحكم بالظروف التي اوجبت عليه ان يقدم الطلـب وتاريخ تقديم الطلب. (راجع ,2009 ,6 CEMEX v. Venezuela, Decision of November (para. 37, ICSID Review – FILJ, vol. 23, at 415 (2008)
رابعاً- في قبول طلب رد المحكم من حيث الأساس:
تختلف المعايير المعتمدة من حيث الأساس فـي قبـول طلـب رد المحكـم بـين الـICSID والـ UNCITRAL.
عملاً بأحكام اتفاقية الـ ICSID، يتوجب على الطرف الذي يطالب برد محكـم ان يثبـت وجود واقعة تفيد بشكل ظاهر ("manifest‘‘) عدم توافر احدى الصفات الواجب توافرها لـدى المحكمين بمقتضى الفقرة الأولى من المادة 14 من اتفاقية الـ ICSID (اتفاقيـة الـ ICSID مادة 57). وتنص الفقرة الأولى من المادة 14 ان على المحكمين ان يكونوا مـن ذوي الأخـلاق العالية وان يكون مسلماً بكفايتهم في ميادين القانون او التجارة او الصناعة او المـال ويمكـن الإعتماد على استقلالهم في اداء مهامهم.
اما قواعد تحكيم الـ UNCITRAL، فهي تنص على انه يمكـن رد محكـم اذا تـوافرت ظروف تثير شكوكا لها ما يسوغها حول حياده او استقلاله (قواعد تحكيم الـــــــ UNCITRAL، مادة 10 فقرة 1).
يعتمد نظاما الـ ICSID و الـ UNCITRAL معايير موضوعية في ما يتعلـق بقبـول طلبات رد المحكمين من حيث الأساس، ويشكل ذلك جامعاً مشتركاً بينهما. لكنهما يفترقـان فـي مسألة درجة الإثبات اذ يضعان على كاهل الطرف الذي يطالب برد المحكم درجات متفاوتة لمـا يجب اثباته. ومن المتعارف عليه ان عبء الاثبات الذي يفرضه نظام الـ ICSID (عدم تـوافر احدى الصفات "بشكل ظاهر") هو ارفع درجة من ذلك الذي يفرضه نظام الـ UNCITRAL.
انهي كلمتي ببعض الملاحظات الختامية:
تتغير الأزمنة بسرعة خاطفة، وتتغير معها المعايير والأحكام المعتمدة في غير مجال واحد. هناك ممارسات وتقاليد كانت مقبولة في عالم التحكيم لعقدين من الزمن مضيا اصـبحت تشكل اليوم مادة خلافية لدى اصحاب الإختصاص، مما زاد عدد طلبات رد المحكمين. وعلاوة علـى ذلك، فقد ادى اعتماد مبدأ الشفافية في التحكيم المتعلق بالإستثمار بصورة خاصـة الـى تغيـر التوقعات في ما يتعلق بحياد واستقلال المحكمين العاملين في هذا الحقل. وعلى سبيل المثـال، ان قواعد تحكيم الـ ICSID المعدلة سنة 2006 وسعت نطاق المسائل التـي ينبغـي للمحكـم ان يصرح بها لدى تعيينه. فبعد ان كان على المحكم ان يصرح فقط عن اية صلة سـابقة او حاليـة تربطه بالأطراف، اضحى عليه منذ سنة 2006 ان يصرح ايضا عن آية ظروف قد تجعل احـد الاطراف يشكك في استقلاليته (قواعد تحكيم الـ ICSID، مادة 6 فقرة 2). وتجدر الإشارة هنـا الى ان اعتماد هذا التعديل لدى الـ ICSID يشكل عامل تقارب اضـافي بـين قواعـد تحكـيم الـICSID وقواعد تحكيم الـــــــ UNCITRAL اذ ان المـادة التاسـعة مـن قواعـد تحكـيم الــUNCITRAL توجب على من يرشح ليكون محكماً ان يصرح لمن يتصل به في امر هـذا الترشيح بكل الظروف التي من شأنها احتمال اثارة شكوك لها ما يسوغها حول حياده او استقلاله. وقد ادى اعتماد مبدأ الشفافية في التحكيم المتعلق بالإستثمار الى تطور آخر متصل بالأحكام الصادرة عن مراكز التحكيم في موضوع رد المحكمين. فبعد ان كانت تلك الأحكام لسنوات خلت لا تبين الأسباب التي بنيت عليها، اصبحت الآن تصدر مرفقة بالأسباب الموجبة. ومن المعلوم ان العديد من هذه الأحكام يتم نشرها بإرادة الطرفين. وينتج عن ذلك ان المعايير المعتمـدة تـصبح جلية ليس لطرفي النزاع فحسب، وانما للعامة بمن فيهم ارباب الإختصاص.
في زمن اضحى فيه موضوع تضارب المصالح يكتسب اهمية فائقة في عالم التحكيم، يبقى العلاج الأنجع هو في تبني دلائل مستخلصة من الأحكام الصادرة في موضوع رد المحكمين. ولا شك ان مراكز التحكيم تستطيع ان تقوم بدور بارز توصلا الى دلائل مقبولة يتم تبنيها بالتـشاور مع اصحاب الإختصاص.