توجب بعض القوانين العربية، مثل القانون الليبي على المحكم وقف السير بالتحكيم عند تقديم عريضة للقضاء لرد المحكم، إلى حين الفصل فيها. وعندئذ يمتد ميعاد التحكيم، بمقدار المدة التي توقفت فيها القضية التحكيمية . إلا أن قوانين أخرى لا يوجد بها حكم يعالج هذه المسألة. ولمعرفة الرأي القانوني بشأنها في هذه القوانين بعيداً عن القواعد العامة في الإجراءات، تجدر الإشارة إلى أن قليلاً من قوانين التحكيم المدنية، تتبنى رأياً مماثلاً للقانون الليبي، أي وجوب وقف إجراءات التحكيم إلى حين البت بدعوى الرد . وبعض القوانين الأخرى، تذهب لرأي عكس هذا الرأي تماماً، أي إلى وجوب استمرار هذه الإجراءات بالرغم من دعوى الرد . وقوانين أخرى وقفت موقفاً وسطاً، بإعطاء صلاحية وقف أو عدم وقف إجراءات التحكيم لهيئة التحكيم ذاتها وفق ما تراه مناسباً.
والهدف من النص على وجوب أو جواز استمرار إجراءات التحكيم، بالرغم من وجود دعوة لرد المحكم، هو منع أطراف النزاع التحكيمي من المماطلة وتأخير الإجراءات. ففي كل حالة يرغب فيها أحد الطرفين المماطلة في الدعوى التحكيمية، ما عليه سوى التقدم بدعوى رد المحكم لأحد الأسباب التي يدعيها. وفي حال رفض الدعوى، يتقدم بدعوى مماثلة ولكن لسبب آخر، وهكذا مما يؤدي إلى إعاقة التحكيم. لذلك، نصت هذه القواعد على الاستمرار بإجراءات التحكيم بمعزل عن دعوى الرد.
ولهذا المبرر المنطقي والمعقول، نرى في هذه الحالة، كمبدأ عام الأخذ بالحل الوسط المشار إليه أي ليس وقف إجراءات التحكيم إجبارياً، ولا استمرارها إجبارياً، وإنما ترك ذلك لتقدير المحكم حسب الظروف) ، ولكن تحت رقابة المحكمة التي تنظر دعوى الرد، وهي صاحبة القرار النهائي في ذلك. ففي قضية معينة مثلاً، تم الاستماع فيها لكافة البينات ولم يتبقى سوى حجز القضية للحكم، قد يجد المحكم أن المصلحة تقتضي الاستمرار بالإجراءات التي شارفت على الانتهاء وبالتالي إصدار الحكم بالرغم من دعوى الرد. وفي قضية أخرى معقدة، ولا زالت في بدايتها، وكان من الواضح للمحكم أنها ستأخذ إجراءات طويلة تكاد تستغرق مدة التحكيم، قد يرى المحكم عكس ذلك، أي أن المصلحة تقتضي وقف الإجراءات، فيقرر وقفها .
ومع ذلك، نرى وجوب وقف الإجراءات في حالتين على الأقل: الأولى: حيث تأمر المحكمة المرفوع أمامها دعوى الرد ، بوقف هذه الإجراءات بناء على التماس طالب الرد بعد الأخذ بالاعتبار لكافة الظروف، بل والاستماع للمحكم إذا لزم الأمر. الثانية: إذا تعذر الاستمرار بالتحكيم مع وجود دعوى الرد ، كأن يكون أصل ملف التحكيم من البينات المطلوبة في دعوى الرد ، ويتم تقديمه فعلاً للمحكمة، مما يعني توقف إجراءات التحكيم حكماً.