الخدمات

ابواب التحكيم الرئيسية
  • المحكم وهيئة التحكيم / رد المحكم / الكتب / سلطة القضاء إزاء خصومة التحكيم / سلطة القضاء المعاونة في رد المحكم

  • الاسم

    د. فهيمة أحمد علي القماري
  • تاريخ النشر

    2017-01-01
  • اسم دار النشر

    دار الكتب والدرسات العربية
  • عدد الصفحات

    287
  • رقم الصفحة

    129

التفاصيل طباعة نسخ

سلطة القضاء المعاونة في رد المحكم

   رد المحكم هو نظام قانوني وضعه المشرع بهدف توفير الحماية الأطراف التحكيم ولذلك حرصت جميع قوانين التحكيم الوطنية فى الدول العربية والدولية في النص على ذلك.

  وإذا كان المحكم يؤدى نفس الدور الذي يؤديه القاضي، وهو دور قانوني، ولذلك فإنه يجب أن تتوافر فيه الحيدة التامة بين طرفي التحكيم، والبعد عن أي عمل يؤدى إلى تأثير أي منهم على تكوينه لعقيدته، وكان من اللازم أن يحاط بنفس ضمانات التقاضي - التي يحاط بها القاضي - فى سبيل استقلاله وحيدته، وذلك لأن حياد القاضي من المسلمات التي لا تحتاج إلى نص أو بيان.

   وبما أن المحكم يمارس مهمة قضائية، فإنه لابد أن يتاح للخصوم إمكانية رد المحكم أسوة برد القاضي - ولكن نظرا للأصل الإتفاقى لنظام التحكيم وكون المحكم قاضيا مختارا - بحسب الأصل - بمعرفة الخصوم . فإن نظام رد المحكم له نظامه الخاص والذي يختلف عن نظام رد القاضي سواء فى حالاته، أسبابه، إجراءاته .

حالات رد المحكم وأسبابه : 

   المحكم كالقاضي يتم تعيينه بواسطة الأطراف فى الغالب الأعم وذلك للفصل فيما نشأ بينهم من نزاع إلا أنه يجب أن يتوافر في المحكم كما سبق وأن أوضحنا الحيدة التامة والإستقلال عن الخصوم والرد هو بمثابة ضمانة من ضمانات التقاضي لاستقلال المحكم.

  وقد اختلفت التشريعات بشأن أسباب رد المحكم : 

   فنجد أن المشرع المصري لم يحدد أسبابا معينة لرد المحكم، ولم يحل أسباب الرد إلى نفس أسباب رد القاضي والتي يكون بمقتضاها غير صالح لنظر الدعوى . وذلك لأنه سلك طريق التفصيل بالنسبة لأسباب رد القضاة على حين أنه بالنسبة للمحكمين سلك طريق الإجمال والعمومية.

   فنص فى المادة (1/18) على أنه " لا يجوز رد المحكم إلا إذا قامت ظروف تثير شكوكا جدية حول حيدته أو استقلاله .

مما تقدم يتضح لنا أن المشرع المصرى جعل كل ظرف يثير شكوكا جدية حول حيدة المحكم أو استقلاله فهو يعتبر سببا لرده، وتأييدا لذلك فقد ألزم المشرع المصرى المحكمين في قانون التحكيم، بأن يفصحوا عند قبول المهمة عن أية ظروف من شأنها إثارة الشكوك

حول حيدته واستقلاله المادة (3/16) من قانون التحكيم رقم 27 لسنة 1994 .

  وتطبيقا لذلك قضت المحكمة الإقتصادية بأن : "يبدأ تاريخ العلم بالظروف التي تؤدى إلى إثارة شكوك جدية حول حيدة المحكم واستقلال المحكم من تاريخ علم صاحب المصلحة وليس من تاريخ إخطار المحكم لمركز القاهرة بقبول المهمة – قبول المحكم لمهمة تحكيم تالية تتعلق بذات العقد دون التنبيه إلى ذلك يعد إخلالا منه بالتزامه بالإفصاح" .

 

 وفي حكم آخر لمحكمة فرنسية تخطو خطوة هامة فى مجال إفصاح المحكمين : " في جلسة الثانى من نوفمبر سنة 2011 قضت محكمة استئناف Reims الفرنسية بإبطال حكم تحکیم جزئى صادر عام 2007 من غرفة التجارة الدولية على أساس ما يتقن لديها من وجود شكوك لها ما يبررها حول حيدة واستقلال رئيس هيئة التحكيم التي أصدرت الحكم  

   وقد استندت المحكمة إلى إخفاق المحكم المذكور فى الإفصاح بشكل كامل عن نطاق العلاقة بين مكتب المحاماة الذي كان يعمل به وبين الشركة المحتكمة في التحكيم، وذلك خلال الفترة منذ توقيعه على بيان الحيدة والاستقلال في 2002 وحتى صدر الحكم الجزئى بخصوص المسئولية عام 2007. هذا وقد أكدت المحكمة الفرنسية على وجود التزام لدى المحكمين بالإفصاح ليس فقط عن الظروف الشخصية التي من شأنها إثارة شكوك حول حيدتهم أو استقلالهم، وإنما أيضا الوقائع التي تشمل مكاتب المحاماة المنضمين إليها، وذلك طول مدة العملية التحكيمية وبشكل شامل وقد أوضحت المحكمة أنه من المنطقى أن يكون معيار الإفصاح بالنسبة بالنسبة لرئيس هيئة التحكيم جوهريا بالنظر إلى أن " دوره هو دعم ثقة الأطراف فى إجراءات التحكيم "، وإذا تبين للمحكمة أن مكتب المحاماة المنضم له رئيس هيئة التحكيم قد مثل وقدم المشورة إلى الشركة المحتكمة وشركات مرتبطة بها فى ست مسائل خلال ذات الوقت الذي كان يتولى خلاله رئاسة هيئة التحكيم، فإن إخفاقه فى الإفصاح الفورى عن هذه الظروف من شأنه أن يثير شكوكا لها ما يبررها لدى الشركة المحتكم ضدها حول حيدته واستقلاله مما يترتب عليه إبطال الحكم ."

 وقد أثار هذا الحكم ردود أفعال متباينة فى الأوساط التحكيمية الدولية :

يرى البعض أن هذا الحكم فيه مساهمة هامة فى تطوير المعيار الدولى لإفصاح المحكمين المنضمين لمكاتب المحاماة الدولية الكبيرة وأنه يرسل رسالة قوية جدا إلىالمحكمين على أساس ما قررته المحكمة من وجوب أن يكون الإفصاح " عفويا " وشاملا " spontaneous and comprehensive 

   بينما يرى البعض الآخر أن الحكم قد خالف الفقه الفرنسي، وكذلك أحكام القضاء الفرنسي، فضلا عن القانون الفرنسي الجديد للتحكيم الذي يجبر الأطراف على الإعتراض فورا خلال أربع أسابيع فى التحكيمات غير المؤسسية ) على حيدة أو استقلال أحد المحكمين وإلا سقط حقهم في رد المحكم . ويرى المعارضون للحكم أن من شأنه إتاحة الفرصة للأطراف كى يتأخروا في تقديم طلبات الرد لحين ما إذا اتضح لهم أن التحكيم يسير على غير هواهم أو لحين صدور حكم تحكيم ضدهم . 

  ويضيف المعارضون للحكم أنه يتعارض مع مبدأ سلطان الإرادة، إذ اتفق الأطراف على تطبيق قواعد غرفة التجارة الدولية ICC والتي تنص على مدة ثلاثين يوما فقط ليتم خلالها تقديم طلب الرد، فى حين اعتبرت المحكمة أن عدم تقديم طلب الرد خلال تلك المهلة لا يحول دون إمكانية الطعن لا حقا بالبطلان على الحكم استنادا لذات السبب إذ ذهبت المحكمة إلى أن رد المحكم المقدم أمام المؤسسة التحكيمية هو إجراء مغاير للرقابة القضائية على حكم التحكيم في إطار دعوى بطلان حكم التحكيم، إذ أنه لا يخدم ذات الهدف ولا يخضع لرقابة ذات السلطة " .

   وأيا ماكان الأمر من جانب المحكمين حتى في الحالات التي أهمية الإفصاح يساورهم فيها الشك، فإن اختيار الأطراف لقواعد مؤسسة تحكيمية ما، بما في ذلك النصوص المنظمة لرد المحكمين لابد وأن يحترم ليس فقط من المؤسسة التحكيمية ذاتها والأطراف والمحكمين، بل أيضا من القضاء.

   وهذا هو ماتم النص عليه فى التشريعات الأخرى منها القانون النموذجي للتحكيم التجارى الدولى حيث نص فى المادة (2/12) على أنه " لا يجوز رد المحكم إلا إذا وجدت ظروف تثير شكوكا لها ما يبررها حول حيدته واستقلاله أو إذا لم يكن حائزا لمؤهلات اتفق عليها الطرفان " وهذا هو ما نص عليه القانون الأردني في قانون التحكيم فى المادة (1/17) ، وأيضا ما نص عليه القانون العماني في المادة (1/8)، وأيضا هي نفس العبارة الواردة من قبل فى قواعد اليونسترال المادة (1/10) . 

إجراءات رد المحكم والمحكمة المختصة بالفصل فيه : 

   مما سبق يتضح لنا أن أسباب رد المحكمين أوسع من أسباب رد القضاه، وذلك لأن أسباب رد القضاه محددة على سبيل الحصر، فى حين أن أسباب رد المحكمين تتسع لتشمل كل أسباب رد القضاه وأكثر منها ما دام ينال من حيدة المحكم ، وهذا هو ما ورد فى قانون التحكيم المصرى رقم 27 لرقم 1994 قيدين لابد من مراعاتها : 

   القيد الأول : أنه لا يجوز لأى من طرفى التحكيم رد المحكم الذي عينه أو أشترك في تعيينه إلا لسبب تبينه بعد أن تم هذا التعيين .

    وهذا قد يمليه المنطق وذلك لأن من اختار محكما معينا لابد وأنه قد اختاره عن قناعة وتبصر ولا يجوز أن يختار محكما اليوم ويرده إذا ولكن المشرع إحتاط مع ذلك وفتح الباب للرد إذا كانت أسبابه قد إستبانت بعد الاختيار السابق أو أثناء نظر الدعوى التحكيمية.

  أما القيد الثانى : فهو عدم قبول طلب الرد ممن سبق له تقديم طلب برد ذات المحكم في ذات التحكيم ولذات الأسباب وإلا كان الرد نوعا من العبث.

    أما بالنسبة لإجراءات رد المحكم والجهة المختصة بالفصل فيه فقد تباينت التشريعات المقارنة، فمنها من أسند الاختصاص بنظر طلب الرد إلى القضاء مباشرة ومنها من لم يحدد ميعادا لتقديم طلب الرد .

  ومن هذه التشريعات ما نصت عليه المادة (13) من القانون النموذجي بأنه " على طرف التحكيم الذى يعتزم رد المحكم أن يرسل خلال خمسة عشر يوما من تاريخ علمه بتشكيل هيئة التحكيم أو من تاريخ علمه بأى ظرف من الظروف التي توجب الرد، بيانا مكتوبا بالأسباب التي يستند إليها طلب الرد ، فإذا لم يتنح المحكم المطلوب رده أو لم يوافق الطرف الآخر على طلب الرد، فعلى هيئة التحكيم أن تبت في طلب الرد، ويجوز لطالب الرد، إذا لم تقبل هيئة التحكيم طلبه أن يطلب من المحكمة المختصة خلال ثلاثين يوما من تسلمه قرار الرفض أن تبت في طلب الرد، ويكون قرارها في هذا الشأن غير قابل للطعن" .

   وفى التشريع المصرى نصت المادة (19) " يقدم طلب الرد كتابة إلى هيئة التحكيم مبينا فيه أسباب الرد خلال خمسة عشر يوما من تاريخ علم طالب الرد بتشكيل هذه الهيئة أو بالظروف المبررة للرد فإذا لم يتنح المحكم المطلوب رده فصلت هيئة التحكيم في الطلب " إلا أن المشرع المصرى قد أدخل تعديلا على نص المادة (19) وذلك من خلال حكم المحكمة الدستورية. 

   وهكذا أوضحت المادة (19) من قانون التحكيم فى المواد المدنية والتجارية الصادر بالقانون 27 لسنة 1994 بعد تعديله حيث أخذ القانون المصرى للتحكيم بهذا الحكم الصادر بتاريخ السادس من نوفمبر سنة 1999 حيث أصدرت المحكمة الدستورية العليا فى مصر حكمها فى الدعوى رقم 84 لسنة 19 قضائية دستورية، بعدم دستورية المادة (19) من قانون التحكيم وبناء على هذا الحكم صدر القانون رقم 8 لسنة 2000 بتعديل المادة (19) ومنح الإختصاص بنظر دعوى الرد للمحكمة المختصة المشار إليها في المادة (9) إلى أن يقدم طلب الرد إلى هيئة التحكيم التي تحيله بدورها إلى المحكمة المختصة لتفصل فيه بحكم غير قابل للطعن" . 

   وأستجابة لحكم المحكمة الدستورية العليا بعدم دستورية المادة في صياغتها الأصلية -أن طلب الرد يقدم كتابة إلى الهيئة التحكيمية ذاتها التي يدخل المحكم المطلوب رده في تكوينها . ويبين فى طلب الرد أسباب الرد . ويتعين أن يتم ذلك خلال الخمسة عشر يوما التالية لعلم طالب الرد بتشكيل هذه الهيئة أو بالظروف المبررة للرد . 

  ويتصور – بل هو الغالب عادة - أن يتنحى المحكم المطلوب رده عن نظر النزاع وعندئذ ينتهى الأمر . أما فى حالة إذا لم يتنحى المحكم ويرى الاستمرار في نظر المنازعة التحكيمية عندئذ يتعين أن يحال طلب الرد بغير رسوم إلى المحكمة المختصة المشار إليها في المادة (9) وهى المحكمة المختصة أصلا بنظر التراع في حالة التحكيم الوطني، ومحكمة استئناف القاهرة إذا كان التحكيم أجنبي .

  والمحكمة تفصل في طلب الرد على وجه السرعة وحكمها في هذا الشأن غير قابل للطعن ورفع دعوى الرد لا توقف إجراءات التحكيم بل تستمر الهيئة في نظر المنازعة المعروضة عليها ..

    ويلاحظ أنه إذا ما تم رفض طلب رد المحكم فإن الأمور تسير في سيرها الطبيعي أما إذا ما تم قبول طلب الرد فإنه يترتب على ذلك بحكم القانون إعتبارا ما يكون قد تم من إجراءات التحكيم بما فى ذلك حكم المحكمين كأن لم يكن . ويستوى في ذلك أن يكون المطلوب رده محكما واحدا أو أكثر وقد أخذ القانون العماني بالنص المصرى قبل تعديله أى أنه أخذ بحكم القانون النموذجى، وهو ما أخذ به أيضا المشرع البحرينى، أما القانون اليمنى فقد أخذت المادة (24) باختصاص المحكمة المختصة، بنظر دعوى الرد ويكون قابلا للطعن فيه أمام المحكمة الأعلى درجة . 

   وأيضا نصت المادة (18) من القانون الأردني الجديد على أن " يقدم طلب الرد إلى المحكمة المختصة وهي محكمة الاستئناف التي تفصل فى الطلب بحكم غير قابل للطعن.

وتطبيقا لذلك قررت محكمة استئناف القاهرة فى بعض قضايا رد المحكمين، مبادئ قانونية خلاقة تكمل دور قانون التحكيم، دون أن تخرج على نصوصه أو تخالفها.

من ذلك ما قضت به أنه" لا يجوز تقديم طلب رد المحكم قبل تشكيل هيئة  التحكيم وبمجرد تعيينه من قبل الشركة المحتكمة في طلب التحكيم، ذلك أن المادة (19) من قانون التحكيم تشترط تقديم طلب الرد كتابة إلى هيئة التحكيم مما يعني أن هيئة التحكيم التى تضم المحكم المطلوب ،رده قد تم تشكيلها فعلا، ومن ثم فإن طلب الرد يكون غير مقبول لتقديمه قبل الأوان، وتشير المحكمة إلى أن طلب رد المحكم لا يقدم إلى المحكمة مباشرة بل إلى هيئة التحكيم التي تضم المحكم المطلوب رده .

   ويلاحظ أنه في حالة الحكم برد المحكم فإن هذا لا يعنى انتهاء الدعوى التحكيمية أصلا، وإنما يظل التحكيم قائما ويتعين اختيار محكما أخر طبقا للإجراءات المتبعة في اختيار المحكم الذي تم رده وذلك وفقا لنص المادة (21) من قانون التحكيم .

  طبقا لنص المادة (21) من قانون التحكيم والتي نصت على أنه " إذا انتهت مهمة المحكم برده أو عزله أو تنحيه أو بأى سبب آخر، وجب تعيين بديل له طبقا للإجراءات التى تتبع فى اختيار الحكم الذي انتهت مهمته .

   وبناء عليه يتضح لنا مما تقدم أن القضاء له دور مساعد من أجل تحقيق فاعلية التحكيم حيث أنه يقوم بدورا رقابيا عن طريق الفصل فى طلب رد المحكم المقدم من طالب الرد ، وأيضا يكون له دور مساعدا عن طريق تدخله بتعيين محكم بديلا عن المحكم الذي تم رده.