لا يوجد إختلاف ذو شأن بين رد المحكمين وعزلهم فى النظام الوطنى عنه في النظام الدولي، إذ أخذت أنظمة وإتفاقيات التحكيم التجارى الدولي بمبدأ جواز الرد والعزل وإن اختلفت في تفاصيل الإجراءات الواجب إتباعها فى هذا الشأن، وذلك مع تحويل الطرفين حرية الإتفاق على تنظيم هذه الإجراءات.
ففيما يتعلق برد المحكم عرضت معظم أنظمة وإتفاقيات التحكيم التجارى الدولي صراحة للرد وإجازته وإن إختلفت في تفصيل أسباب وإجراءات الرد وفي الجهة التي يناط بها الفصل في طلب الرد. فقد عالج نظام تحكيم غرفة التجارة الدولية بباريس موضوع رد المحكم معالجة مقتضية، إذا إكتفى بالنص على أنه إذا طلب طرف رد محكم فصلت فيه الهيئة حسب تقديرها المطلق (وهى لا تتولى بنفسها الفصل في خصومة التحكيم ) بقرار غير قابل للطعن" (المادة ٧/٢) . وتبرر الغرفة عدم قابلية هذا القرار للطعن بأنه لما كان قرار الهيئة بالرد ذا طابع إدارى فإن قرار الهيئة بالرد يكون نهائياً وغير مصحوب بأسباب أو دواعي إتخاذه . وعلى عكس نظام الغرفة الذي عرض لرد المحكم صراحة وإن كان ذلك بنص مقتضب فإن الإتفاقيات الأوربية للتحكيم التجارى الدولى لم تعرض صراحة لهذا الموضوع وإنما قررت بطلان حكم التحكيم إذا صدر من محكمة تحكيم مشكلة تشكيلا مخالفا لإتفاق الطرفين أو لأحكام الاتفاقية . وإذا يقوم تشكيل محكمة التحكيم في ظل هذه الإتفاقية – على إرادة الطرفين فإنه يجوز لأى منهما طلب رد المحكم إذا استند إلى أسباب تبرر وفقا للقواعد العامة التي تضفى على تشكيل محكمة التحكيم طابعاً رضائيا . وتصدق نفس الملاحظة على أحكام التحكيم الصادرة من مركز تحكيم منازعات الإستثمار المنشأ بإتفاقية واشنطن لعام ١٩٦٦، حيث أوجبت المادة ١٤ منها على المحكم ضمان إستقلاله في خصومة التحكيم، وبالتالي يجوز رده إذا فقد هذا الإستقلال بناء على طلب أحد الطرفين طبقا للقواعد العامة المذكورة.
لكن يلاحظ أن النصوص المتقدمة لم تميز بين أسباب الرد التي يعلمها الطرفان عند تعيين المحكمة والأسباب التى تحدث بعد تعيينه، وذلك بعكس بعض أنظمة التحكيم التجاري الدولى الأخرى التى عرضت لرد المحكمين بنصوص أكثر تفصيلا من ذلك مانصت عليه المادة من قواعد تحكيم لجنة الأمم المتحدة UNCITRAL من أنه" يجوز لأى طرف إذا قامت أسباب (أو ظروف) نثير شكوكاً جدية حول حيدته وإستقلاله، ولا يجوز لأى طرف رد المحكم الذي قام بتعيينه إلا لأسباب حدثت بعد تعيينه ، وهو نفس المبدأ المقرر في النظام الوطني للتحكيم والذي تبناه أيضا القانون النموذجي للتحكيم التجارى الدولى لعام ١٩٨٥. فقد نصت المادة ٢/١٢ من هذا القانون على أنه لا يجوزرد محكم إلا إذا وجدت ظروف تثير شكوكا لها ما يبررها حول حيدته أو استقلاله أو إذا لم يكن حائزا لمؤهلات اتفق عليها الطرفان ولا يجوز لأى من طرفي النزاع رد محكم عينه هو أو إشترك في تعيينه إلا لأسباب تبينها بعد أن تم تعيين هذا المحكم ويستفاد من هذا النص ضمنياً أن رد المحكم جائز إذا لم تتوافر فيه الشروط التي اتفق عليها الطرفان ولم يعلما بذلك إلا بعد تعيينه و لم توجد هذه الشروط ضمن الأسباب التقليدية لرد المحكمين في النظام الوطني، مثل شرط الثقافة أو التعليم أو المؤهل ، حيث لا وجود لذلك الشرط ضمن الأسباب المذكورة.
ولقد نظمت المادتان، ۱۱ و ۱۲ من قواعد تحكيم لجنة الأمم المتحدة UNCITRAL إجراءات رد المحكم ووفقا لهذا التنظيم يلزم إخطار المحكم الذى تعلق به سبب الرد بطلب الرد كتابة كما يلزم إخطار الطرف الآخر بذلك فضلا على إخطار المحكمين الآخرين الذين لم يتعلق بهم الرد، ويجب أن تتضمن هذه الاخطارات أسباب الرد. فإذا وافق الطرف الآخر على رد المحكم أو تنحى المحكم فلن تثور مشكلة، حيث يقتصر الأمر على تعيين محكم آخر بدلا منه وفقا للإجراءات المقررة لتعيين المحكمين أما إذا اختلف الطرفان حول رد المحكم اختصت السلطة التي تملك تعيين المحكمين بالفصل في طلب الرد ، فإذا قضت بالرد قامت بتعيين محكم بديل طبقا للإجراءات المذكورة.
ويلاحظ أن قواعد تحكيم اللجنة لم تخول محكمة التحكيم ذاتها سلطة الفصل في طلب الرد وإنما حولت هذه السلطة للجهة التي تملك التعيين Appointing authority إذا لم يتنح المحكم ولم يوافق الطرف الآخر على رده، وهو حل يقترب من الحل المقرر في نظام تحكيم غرفة التجارة الدولية بباريس ، حيث تختص بالفصل في طلب الرد جهة أخرى غير محكمة التحكيم هي هيئة التحكيم الدائمة للغرفة. وعلى عكس ذلك قررت المادة ١٣ من القانون النموذجي للتحكيم التجارى الدولى لعام ۱۹۸۵ - التي أخذت بأغلب قواعد لجنة UNCITRAL في شأن شروط الرد وإجراءاته وخاصة شرط موافقة الطرفين على الرد بناءا على إخطارات مكتوبة بطلب الرد - تخويل سلطة الفصل في طلب الرد لمحكمة التحكيم ذاتها ، كما قررت جواز الطعن في قرارها الصادر برفض طلب الرد أمام المحكمة أو السلطة الأخرى المنصوص عليها في المادة ٦ من القانون المذكور، ويكون قرار هذه المحكمة أو السلطة الأخرى فى الطعن غير قابل للطعن فيه مرة أخرى, وقد حرصت المادة ١٣ المذكورة على تأكيد مبدأ مقرر فى النظام الوطني للتحكيم - ولم تعرض له معظم أنظمة وإتفاقيات التحكيم التجارى الدولى الأخرى - وهو ان تقديم طلب رد المحكم أو الطعن في القرار الصادر برفضه لا يحول دون استمرار إجراءات التحكيم وإصدار حكم التحكيم ، حيث لا تقف هذه الإجراءات إلا بصدور قرار نهائى برد المحكم وتستأنف سيرها بتعيين المحكم البديل
وأخيراً تجدر الإشارة إلى أن تعيين محكم بديل للمحكم الوحيد أو الرئيس الذي تم رده قد يستتبع إعادة جلسات الاستماع التي حصلت قبل الرد حتى يتمكن هذا المحكم من الإحاطة بظروف الدعوى ودفاع الخصوم ودفوعهم ، وهو ماقررته صراحة المادة ١٤ من قواعد تحكيم لجنة الأمم المتحدة UNCITRAL . لكن ينبغى الإنتباه إلى أنه إذا جاز للطرفين الإتفاق على تنظيم إجراءات الخصومة كان لهما تحديد الجلسات التي يتعين إعادتها بحضور المحكم البديل، كما يكون لهما الإتفاق على عدم إعادة الجلسات السابقة على الرد، إذ لما كان يجوز لهما النزول عن الرد أصلاً فإنه يجوز لهما تحديد آثاره من باب أولى لأن من يملك الأكثر يملك الأقل.