ولقد أجازت القوانين الوطنية رد المحكم، سواء لأسباب أحاطت به بعد تعيينه أو الأسباب أحاطت به قبل تعيينه ولم يعلمها الطرفان عند التعيين. فوفقا للمادة ١٤٦٣ مرافعات فرنسي جديد لايجوز رد المحكم إلا لأحد أسباب الرد التي حدثت بعد تعيينه أو التي لــم تكتشف إلا بعد تعيينه. كما نصت المادة ۳/۱۷۸ مرافعات كويتى على أنه لايجوز رده (المحكم) إلا لأسباب تحدث أو تظهر بعد تعيين شخصه". ولم يخرج عن ذلك قانون التحكيم المصرى حيث نصت المادة ١٨ على أنه "لا يجوز رد المحكم إلا إذا قامت ظروف تثير شكوكا جدية حول حيدته أو إستقلاله، ولا يجوز لأى من طرفى التحكيم رد المحكم الذي عينه أو إشترك في تعيينه إلا لسبب تبينه بعد أن تم هذا التعيين".
ولقد نصت المادة ٣/١٧٨ مرافعات فرنسي على أن يكون رد المحكم" لذات الأسباب التى يرد بها القاضي"، وذلك على خلاف القانون الفرنسي والقانون المصرى الذين لم يتقيدان بأسباب رد قضاة المحاكم القضائية حيث إكتفيا بأى سبب يثير شكوكاً جدية حول حياد المحكم وإستقلاله ويبرر ،رده، وهو ما يتفق مع ما قدمناه من إختلاف المحكم عن القاضي من حيث إستناد وجود الأول بعكس -الآخر إلى إرادة الطرفين التى تتجه إلى إرتضائهما بتعيين المحكم أو إستمراره في خصومة التحكيم برغم وجود سبب من أسباب رد القضاة كصلات القربي أو الصداقة أو علاقات الأعمال .
وأيا ما كان الأمر فإن أسباب رد المحكم عديدة وتختلف باختلاف الخصومة ويخضع تقديرها للسلطة المعينة للفصل فى طلب الرد. ومن هذه الأسباب قيام علاقة شخصية بين المحكم وأحد الطرفين أو قيام مصلحة للمحكم فى النزاع أو معرفته السابقة بطبيعته وتفاصيله وموقف الخصوم منه أو قيام بأى عمل إستشارى بشأنه أو توليه رئاسة مجلس إدارة الشركة التى تعلق بها النزاع أو قيامه بتمثيل أحد الطرفين فى العمل الذى تعلق به النزاع على سبيل الوكالة أو النيابة .
فإذا طلب أحد الطرفين رد المحكم وصادف هذا الطلب تسليما من جانب المحكم نفسه فضلا على الطرف الآخر فإنه لن تثور أية مشكلة في ترتيب أثر الرد وهو إنتهاء مهمة المحكم، أما إذا نازع المحكم أو ا الطرف الآخر في الأساس الذي بنى عليه هذا الطلب فلا مناص حينئذ من تدخل السلطة التي تملك الفصل في طلب الرد. وينبنى تقدير أسباب الرد على أساس ما إذا كانت هذه الأسباب لو صحت مؤثرة فى رضاء صاحب الطلب بتكوين محكمة التحكيم من عدمه، بحيث لا يحكم بالرد إلا إذا كان إستبعاد المحكم الذي تعلقت به هذه الأسباب من تشكيل المحكمة سوف يؤثر فى الحكم المنهى لخصومة التحكيم بغرض تعيين محكم آخر بدلا منه . ويكون الأمر كذلك إذا كان هذا المحكم مستشارا للطرف الذي عينه وأبدى له رايا قانونيا فى النزاع قبل تعيينه ولم يحط الطرف الآخر علماً كافياً بذلك، أو كان وسيطا intermediaire فى عقد بيع ويعلم بعناصر المنازعة ولم يفصح للطرف الآخر عن ذلك ، ومن ثم فإن اشتراك هذا المحكم في إصدار الحكم التحكيمى يدفع هذا الحكم بالبطلان تأسيساً على الغلط الذى شاب رضاء الطرف الآخر بتشكيل محكمة التحكيم ، وذلك فيما لو لم يقبل طلب الرد.
وتخضع إجراءات رد المحكم، فى فرنسا للمادتين ١٤٥٧ و ١٤٦٣ مرافعات فرنسي جديد. وفي الكويت يرفع طلب الرد إلى المحكمة المختصة أصلا بنظر الدعوى خلال خمسة أيام من إخبار الخصم بتعيين المحكم أو من تاريخ حدوث سبب الرد أو علمه به إذا كان تاليا لإخباره بتعيين المحكم ، وفى جميع الأحوال لا يقبل طلب الرد إذا صدر حكم المحكمين أو أقفل باب المرافعة فى القضية، ويجوز لطالب الرد إستئناف الحكم الصادر في طلبه أيا كانت قيمة المنازعة المطروحة على المحكم ن وذلك ما قررته المادة ٣/١٧٨ و ٤ و ٥ مرافعات كويتي.
ولقد فصلت المادة ۱۹ من قانون التحكيم المصرى رقم ۲۷ لسنة ١٩٩٤ إجراءات تقديم طلب رد المحكم والحكم في الطلب وأثره ، فنصت على أن يقدم طلب الرد كتابة إلى هيئة التحكيم مبيناً فيه أسباب الرد خلال خمسة عشر يوماً من تاريخ علم طالب الرد بتشكيل هذه الهيئة أو بالظروف المبررة للرد، فإذا لم يتتح المحكم المطلوب رده فصلت هيئة التحكيم في الطلب ( فقرة ١) ولا يقبل الرد ممن سبق له تقديم طلب برد المحكم نفسه في ذات التحكيم ( فقرة ٢) . ولطالب الرد أن يطعن في الحكم برفض طلبه خلال ثلاثين يوما من تاريخ إعلانه به أمام المحكمة المختصة طبقاً لهذا القانون، ويكون حكمها غير قابل للطعن بأي طريق (فقرة ۳ ) . ولا يترتب على تقديم طلب الرد أو على الطعن في حكم التحكيم الصادر برفضه وقف إجراءات التحكيم، وإذا حكم برد المحكم ، سواء من هيئة التحكيم أو من المحكمة عند نظر الطعن ، ترتب على ذلك إعتبار مايكون قد تم من إجراءات التحكيم، بما في ذلك حكم المحكمين ، كأن لم يكن (فقرة ٤).
وهكذا فبينما تختص هيئة التحكيم ذاتها بالفصل فى طلب الرد وفقاً للقانون المصرى فان المحكمة المختصة أصلاً بنظر النزاع هى التى تختص بالفصل في هذا الطلب وفقاً للقانون الكويتي. ونعتقد أن منهج القانون المصرى فى هذا الصدد، أوفق من منهج القانون الكويتي لأن إجراءات تقديم طلب الرد والفصل فيه عن طريق هيئة التحكيم أبسط من تلك التي تتبع أمام القضاء العادى غالباً ، وقد يكون حكم هيئة التحكيم في طلب الرد مرضياً للطرفين معـ فيغنيهما عن اللجوء إلى القضاء مما يوفر المرونة والبساطة خصومة التحكيم، أما إذا لم يك هذا الحكم مرضياً لأحد الطرفين فلا مناص حينئذ من الطعن فيه أمام المحكمة المختصة طبقاً للقانون المصرى أو القانون الكويتي .