حيث إن المادة (۱۹) من قانون التحكيم في المواد المدنية والتجارية الصادر بالقانون رقم ۲۷ لسنة ١٩٩٤ تنص على أن:
1) يقدم طلب الرد كتابة إلى هيئة التحكيم مبيناً فيه أسباب الرد خلال خمسة عشر يوماً من تاريخ علم طالب الرد بتشكيل هذه الهيئة أو بالظروف المبررة للرد ، فإذا لم يتنح المحكم المطلوب رده فصلت هيئة التحكيم في الطلب.
2) ولا يقبل طلب الرد ممن سبق له تقديم طلب رد المحكم نفسه في ذات التحكيم.
3) نطالب الرد أن يطعن في الحكم برفض طلبه خلال ثلاثين يوماً من تاريخ إعلانه به أمام المحكمة المشار إليها في المادة (۹) من هذا القانون ويكون حكمها غير قابل للطعن بأي طريق.
4) لا يترتب على تقديم طلب الرد أو على الطعن في حكم التحكيم الصادر برفضه وقف إجراءات التحكيم. وإذا حكم برد المحكم سواء من هيئة التحكيم أو من المحكمة عند نظر الطعن، ترتب على ذلك إعتبار ما يكون قد تم من إجراءات التحكيم، بما في ذلك حكم المحكمين، كأن لم يكن».
وحيث إن الثابت من الاطلاع على ملف الدعوى الموضوعية أن تقدير محكمة الموضوع لجدية الدفع بعدم الدستورية المبـدي أمامها قد إقتصر على ما ينص عليه عجز البند الأول من المادة (۱۹) المشار إليها من عبارة فصلت هيئة التحكيم في الطلب»، وإذ كان نطاق الدعوى الدستورية - على ما جرى به قضاء هذه المحكمة - يتحدد بنطاق الدفع بعدم الدستورية المثار أمام محكمة الموضوع وفي الحدود التي تقدر فيها جديته فإن نطاق الطعن الراهن يتحدد بالعبارة سالفة الذكر. وحيث إن المدعية تنعي على النص المطعون فيه - محدداً نطاقه على ما تقدم – مخالفته لمبادئ الشريعة الإسلامية بجعله الخصم في نزاع حكماً فيه، وإخلاله بمبدأ المساواة أمام القانون إذ أهدر ضمانة الحيدة الواجب توافرها فــــي المحكمين في حين إستلزم الدستور توافرها في كل من يلي عملاً قضائياً الأمر الذي يشكل تمييزاً غير مبرر بإسقاطه ضمانة الحيدة التي يتطلبها كل عمل قضائي عن فئة من المتقاضيين بينما هي مكفولة لغيرهم، ومساسه كذلك بحق التقاضي وذلك بالمخالفة للمواد (٢ و ٤ و ٦٨) من الدستور. وحيث إن الأصل في التحكيم - على ما إستقر عليه قضاء هذه المحكمة هو عرض نزاع معين بين طرفين على محكم من الأغيار يعين باختيارهما أو بتفويض منهما أو على ضوء شروط يحددانها ليفصل هذا المحكم في ذلك النزاع بقرار يكون نائياً عن شبهة الممالأة، مجرداً من التحامل، وقاطعاً لدابر الخصومة في جوانبها التي أحالها الطرفان إليه، بعد أن يدلي كل منهما بوجهه نظره تفصيلياً من خلال ضمانات التقاض الرئيسية. ولا يجوز بحال أن يكون التحكيم إجبارياً يذعن إليه أحد الطرفين إنفاذاً لقاعدة قانونية آمرة لا يجوز الاتفاق على خلافها، وذلك سواء كان موضوع التحكيم نزاعاً قائماً أو محتملاً، ذلك أن التحكيم مصدره الاتفاق، إذ يحدد طرفاه - وفقاً لأحكامه – نطاق الحقوق المتنازع عليها بينهما، أو المسائل الخلافية التي يمكن أن تعرض لهما، وإليه ترتد السلطة الكاملة التي باشرها المحكمون عند البت فيها، وهما يستمدان من إتفاقهما على التحكيم التزامهما بالنزول على القرار الصادر فيه وتنفيذه تنفيذاً كاملاً وفقاً لمحتـواه ليؤول التحكيم إلى وسيلة فنية لها طبيعة قضائية غايتها الفصل في نزاع مبناه علاقة محل إهتمام من أطرافها وركيزته إتفاق خاص يستمد المحكمون منه سلطاتهم ولا يتولون مهامهم بالتالي بإسناد من الدولة. وبهذه المثابة فإن التحكيم يعتبر نظاماً بديلاً . عن القضاء، فلا يجتمعان، ذلك أن مقتضاه عزل المحاكم جميعها عن نظر المسائل التي إنصب عليها إستثناء من أصل خضوعها لولايتها. وحيث إن المادة (۱۸) من قانون التحكيم المشار إليه قد عنيت ببيان أسباب رد المحكم فنصت في فقرتها الأولى على أنه «لا يجوز رد المحكم إلا إذا قامت ظروف تثير شكوكاً جدية حول حيدته أو إستقلاله وكان ذلك تأكيداً على أن ضمانة الحيدة في خصومة رد المحكم هي من ضمانات التقاضي الأساسية التي لا غنى عنها بالنسبة إلى كل عمل قضائي ليعدو الحق في رد المحكم قرين الحق في رد القاضي. وحيث إن ضمانة الفصل إنصافاً في المنازعات على إختلافها وفق نص المادة (٦٧) من الدستور تمتد بالضرورة إلى كل خصومة قضائية، أياً كانت طبيعة موضوعها جنائياً كان أو مدنياً أو تأديبياً، إذ أن التحقيق في هذه الخصومات وحسمها إنما يتعين إسناده إلى جهة قضاء أو هيئة قضائية منحها القانون إختصاص الفصل فيها بعد أن كفل إستقلالها وحيدتها وأحاط الحكم الصادر فيها بضمانات التقاضي التي يندرج تحتها حق كل خصم في عرض دعواه وطرح أدلتها ، والرد على ما يعارضها على ضوء فرص يتكافاً أطرافها، ليكون تشكيلها وقواعد تنظيمها وطبيعة النظم المعمول بها أمامها وكيفية تطبيقها محدداً للعدالة مفهوماً تقدميا يلتئم مع المقاييس المعاصرة للدول المتحضرة، وحيث إن الحق في رد قاضي بعينه عن نظر نزاع. محدد وثيق الصلة بحق التقاضي المنصوص عليه في المادة (٦۸) من الدستور ذلك أن مؤداه لكل خصومة - في نهاية مطافها - حلاً منصفاً يمثل الترضية القضائية التي يقتضيها رد العدوان على الحقوق المدعى بها، وتفترض هذه الترضية أن يكون مضمونها موافقاً لأحكام الدستور، وهي لا تكون كذلك إذا كان تقديرها عائداً إلى جهة أو هيئة تفتقر إلى إستقلالها أو حيدتها أو هما معاً، ذلك أن هاتين الضمانتين – وقد فرضهما الدستور على ما تقدم - تعتبران قيداً على السلطة التقديرية التي يملكها المشرع في مجال تنظيم الحقوق ومن ثم يلحق البطلان كل تنظيم تشريعي للخصومة القضائية على خلافهما وحيث إن ضمان الدستور - بنص مادته التاسعة والستين - لحق الدفاع قد تقرر باعتباره أحد الأركان الجوهرية لسيادة القانون، كافلاً للخصومة القضائية عدالتها، وبما يصون قيمتها، ويندرج تحتها ألا يكون الفصل فيها بعيداً عن أدلتها أو نابذا الحق في إجهاضها من خلال مقابلتها بما يهدمها من الأوراق وأقوال الشهود، فلا يكون بنيان الخصومة متحيفاً حقوق أحد من الخصوم، بل متكافئاً بین فرصهم في مجال إثباتها أو نفيها، إستظهاراً لحقائقها، وإتصالاً بكل عناصرها. وحيث إن البين من نص البند 1 من المادة (۱۹) - المطعون على عجزه - أنه قضى بأنه إذا لم يتنح المحكم المطلوب رده فصلت هيئة التحكيم في الطلب، فدلت على أنها ناطت الفصل في خصومة رد المحكم بهذا المحكم نفسه طالما أنه لم يتنح وظل متمسكاً بنظر النزاع الأصلي، إذا كانت هيئة التحكيم مشكلة منه وحده، أما إذا كانت تلك الهيئة مشكلة من أكثر من محكم وكان طلب الرد يتناول بعضهم أو يشملهم جميعاً إختصوا بالفصل في هذا الطلب، وقد كشفت الأعمال التحضيرية لنص البند المطعون عليه عن أن المشرع قد إعتبر حكمه يظاهر إستقلال هيئة التحكيم باعتباره من المبادئ الأصولية التي تقوم على الأنظمة المتقدمة في التحكيم. وحيث إن إستقلال هيئة التحكيم فيما يصدر عنها من أعمال قضائية ليس إستقلالاً دائراً في فراغ بـــل يتحدد مضمونه - في نطاق الطعن الراهن - بمفهوم إستقلال السلطة القضائية باعتبارها المنوط بها أصلاً مهمة القضاء، وقد جرى قضاء هذه المحكمة على أن إستقلال السلطة القضائية وحيدتها ضمانتان تنصبان معاً على إدارة العدالة بما يكفل فعاليتها، وهما بذلك متلازمان، وإذ جاز القول - وهو صحيح - بأن الخصومة القضائية لا يستقيم الفصل فيها حقاً وعدلاً إذا خالطتها عوامل تؤثر في موضوعية القرار الصادر بشأنها، فقد صار أمراً مقضياً أن تتعادل ضمانتا إستقلال السلطة القضائية وحيدتها في مجال إتصالها بالفصل في الحقوق إنتصافاً لتكون لهما معاً القيمة الدستورية ذاتها، فلا تعلو إحداهما على الأخرى أو تجبها بل تتضاممان تكاملاً وتتكافآن قدراً. وحيث إن من المقرر أن مبدأ خضوع الدولة للقانون - محدداً على ضوء مفهوم ديمقراطي مؤداه ألا تخل تشريعاتها بالحقوق والضمانات التي يعتبر التسليم بها في الدول الديمقراطية مفترضاً أولياً لقيام الدولة القانونية، وكان لا يجوز أن يكون العمل القضائي موطناً لشبهة تداخل تجرده وتثير ظلالاً قاتمة حول حيدته فلا يطمئن إليه متقاضون إسترابوا فيه بعد أن صار نائياً عن القيم الرفيعة للوظيفة القضائية، وكان النص الطعين قد خول هيئة التحكيم الفصل في طلب ردها لتقول كلمتها في شأن يتعلق بذاتها وينصب على حيادها، وكان ذلك مما ينافي قيم العدل ومبادئه وينقض مبدأ خضوع الدولة للقانون وينتهك ضمانة الحيدة التي يقتضيها العمل القضائي بالنسبة إلى فريق من المتقاضين بينما هي مكفولة لغيرهم، فإنه بذلك يكون قد خالف أحكام المواد (٤٠و ٦٥ و ٦٧ و ٦٨ و ٦٩) من الدستور، ولا ينال من ذلك ما أشارت إليه هيئة قضايا الدولة في مذكرة دفاعها وردده المدعي عليه الرابع في مذكرته الواردة - بعد حجز الدعوى للحكم - بتاريخ ۱۹۹۹/۱۰/۲۱ من أن المشرع قد إستمد أحكام النص المطعون فيه من القانون النموذجي للتحكيم التجاري الدولي الذي إعتمدته لجنة الأمم المتحدة لقانون التجارة الدولي سنة ١٩٨٥ وإتخذته معظم الدول منهاجاً وطريقاً لحل المنازعات في مجال التجارة الدولية، ذلك أن الرقابة القضائية على دستورية التشريع التي تباشرها هذه المحكمة - على ما جرى به قضاؤها – مناطها تعارض النصوص القانونية المطعون عليها مع الأحكام التي تضمنها الدستور، سواء وردت هذه النصوص بالتشريعات الأصلية التي تقرها السلطة التشريعية أو تضمنتها التشريعات الفرعية التي تصدرها السلطة التنفيذية في حدود صلاحيتها التي ناطها الدستور بها، ومن ثم تمتد تلك الرقابة إلى النص المطعون فيه بعد أن أقرته السلطة التشريعية ولو كان قد إستعار قواعده أو بعضها من القانون النموذجي للتحكيم التجاري الدولي المشار إليه، كما لا ينال من ذلك أيضاً أن يكون المشرع قد جعل التقاضي في خصومة رد المحكـم على درجتين، ذلك أن الحقوق والضمانات التي كفلتها النصوص الدستورية السالف الإشارة إليها تعتبر حجر الزاوية والركن الركين في النظام القضائي، ومن ثم يقع الإخلال بها في حماة المخالفة الدستورية ولو إقتصر على إحدى الدرجتين وحيث إن إبطال هذه المحكمة للنص الطعين يقتضي تدخل السلطة التشريعية لإقرار نص بديل يتلافي العوار الدستوري السابق بيانه إعمالاً للحجية المطلقة التي أسبغها قانون المحكمة الدستورية العليا على أحكامهـا فـي المسائل الدستورية والتي لازمها نزول الدولة بكامل سلطاتها عليها لتعمل بوسائلها وأدواتها - ومن خلال سلطة التشريع أصلياً أو فرعياً كلما كان ذلك ضرورياً - على تطبيقها. فلهذه الأسباب، حكمت المحكمة بعدم دستورية العبارة الواردة بالبند 1 من المادة (۱۹) من قانون التحكيم في المواد المدنية والتجارية الصادر بالقانون رقم ۲۷ لسنة ۱۹۹٤ والتي تنص على أن «فصلت هيئة التحكيم في الطلب» وألزمت الحكومة المصروفات ومبلغ مائة جنيه مقابل أتعاب المحاماة.
(دستورية عليا 1999/11/6 في القضية رقم ٨٤ لسنة ١٩ق. دستورية)