الخدمات

ابواب التحكيم الرئيسية
  • المحكم وهيئة التحكيم / رد المحكم / الكتب / التحكيم في القوانين العربية / رد المحكم في التحكيم المؤسسي

  • الاسم

    د. أحمد ابو الوفاء
  • تاريخ النشر

  • اسم دار النشر

    منشأة المعارف بالأسكندرية
  • عدد الصفحات

    216
  • رقم الصفحة

    266

التفاصيل طباعة نسخ

رد المحكم في التحكيم المؤسسي

ومن المسائل الهامة التي تثور في رد المحكم، تلك التي تتعلق بمدى جواز الخروج على هذه القواعد، وإعطاء الاختصاص بالرد وشروطه لجهة ثالثة غير القضاء. وتبدو أهمية هذه المسألة في التحكيم المؤسسي بشكل خاص ، مثل غرفة التجارة الدولية، ومركز دبي للتحكيم الدولي، ومركز القاهرة الإقليمي للتحكيم التجاري الدولي. وقد درجت مؤسسات التحكيم، على وضع قواعد تحكيمية خاصة بها، تشمل أيضاً قواعد لرد المحكم وشروط وإجراءات ذلك، بما في ذلك إعطاء المؤسسة ذاتها، صلاحية البت في طلب رد المحكم، الذي يجب أن يقدم لها. فلو فرضنا أن (أ) و (ب) اتفقا في أبو ظبي على التحكيم وفق قواعد غرفة التجارة الدولية، وكان مكان التحكيم أبو ظبي أيضاً، وتم تعيين (ج) محكماً لتسوية النزاع بينهما. ولو فرضنا أن (أ) رغب برد المحكم (ج) ، فهل يتقدم بدعوى الرد أمام المحكمة المختصة في أبو ظبي حسب القانون الإماراتي؟ أم أمام غرفة التجارة الدولية حسب قواعد التحكيم المطبقة لديها؟

لا يوجد في القوانين العربية موضوع الدراسة حل لهذا التساؤل. وقد تكون هناك وجهة نظر مفادها أن النصوص القانونية المنظمة لدعوى الرد ، وإعطاء الإختصاص فيها للقضاء هي من النظام العام الذي لا يجوز مخالفته. إلا أننا لسنا مع هذا الرأي، على الأقل إذا كان التحكيم مؤسسياً دولياً ، حيث نرى جواز الاتفاق علـى نـزع الاختصاص القضائي بالنسبة لدعوى الرد ، وإعطائه لغرفة التجارة الدولية في مثالنا السابق فاختيار طرفي النزاع أبو ظبي مكاناً للتحكيم، قد يكون للمواءمة ليس أكثر، مثلاً لجمال المدينة، وحرية الدخول والخروج منها ، وتوفر وسائل الراحة والرفاه فيها. لذلك، فإن كثيراً من الدول، لا تمانع باستبعاد الأطراف لقواعد التحكيم الإجرائية لديها، والاتفاق على تطبيق قواعد أجنبية تشجيعاً لإجراء التحكيم على أراضيها، واستقطاب الشركات الأجنبية لها، وهو ما يتعين أخذه بالاعتبار بالنسبة لهذه المسألة.

ومن جانب آخر، نجد أن القضاء في الدول العربية، أجاز اللجوء للتحكيم المؤسسي الدولي، وتطبيق قواعد تحكيم أجنبية على التحكيم الذي يجري داخل الدولة، بالرغم من عدم وجود نص صريح يسمح بذلك. كما أن القوانين العربية محل البحث، نصت على اختصاص القضاء الوطني بتعيين المحكم في حال تعذر ذلك من جانب طرفي النزاع أو أحدهما حسب الأحوال. وعليه، فإن هذه القوانين، باستثناء القانون اللبناني ، لم تنص على جواز الاتفاق على إعطاء جهة ثالثة صلاحية تعيين المحكم، في حال عدم الاتفاق مباشرة على هذا التعيين، وإنما أعطى ذلك للمحكمة المختصة أصلاً بنظر النزاع . ومع ذلك، فإنه لا خلاف على صحة الاتفاق الذي يعطي جهة ثالثة هي عادة مؤسسة تحكيم، صلاحية تعيين المحكم .

كما يلاحظ أن قواعد التحكيم في هذه القوانين، أعطت إرادة الأطراف حرية كبيرة في المسائل الأساسية الخاصة في التحكيم وإجراءاته، مثل جواز الاتفاق على التحكيم، في نزاع مستقبلي محتمل الوقوع بموجب شرط تحكيم ، والاتفاق عليه بعد وقوع النزاع ، والاتفاق على المحكمين ، وعزلهم ، ومدة التحكيم، وتمديدها للأجل أو الآجال التي يراها الأطراف مناسبة . ومن غير المنطقي مثلاً، جواز اتفاق الأطراف على عزل المحكم، وعدم جواز إعطائهم حق إيلاء ذلك لجهة ثالثة وفق الشروط التي يتفقون عليها. ومن غير المنطقي كذلك، جواز الاتفاق على منح تلك الجهة صلاحية تعيين محكم بناءً على طلب أحد الأطراف وفق شروط معينة، وعدم جواز إعطائها صلاحية عزل المحكم الذي عينته بناءً على طلب أحـد الأطراف أيضاً، إذا توفرت شروط معينة.

بل يمكن القول في هذا الشأن، بأن المشرع في القوانين العربية موضوع الدراسة، باستثناء القانون اللبناني، عندما نظم أحكام التحكيم كان بذهنه التحكيم الوطني البحت أي مواطنون تنازعوا فيما بينهم على صفقة تجارية، أبرمت ونفذت أو كان يمكن أن تنفذ في الدولة. فجاءت أحكامه بما فيها الأحكام الخاصة بـرد المحكم، لتواجه هذا الوضع. والأمر في هذه الحدود الضيقة قد يكون مقبولاً لدى البعض، وإن كنا لا نؤيده. ولكن نظراً لانتشار التحكيم في التجارة الدولية بشكل واسع، بحيث أصبح هو الأصل وليس الاستثناء، كان على القضاء، مع الاحترام، أن يواجه هذا الوضع الواقعي في العديد من الحالات التي عرضت عليه، وإعطائها الحلول المناسبة، بما يتلاءم مع متطلبات التجارة الدولية تحت غطاء تفسير النصوص، بالرغم من أن حرفية هذه النصوص قد لا تسعفه في ذلك، وحسناً فعل القضاء في هذا الشأن بالنسبة لبعض الحالات. ومثال ذلك، اعترافه بالتحكيم المؤسسي ، واستقلالية شرط التحكيم ، وقبول الاختصاص بالاختصاص ولو بطريقة غير مباشرة ، كل ذلك بالرغم من عدم وجود نصوص صريحة تغطي هذه الحالات مباشرة.

أمام هذه الاعتبارات، نرى بالنسبة لرد المحكم، على الأقل في التحكيم الدولي المؤسسي كما تقدم، إجازة الاتفاق على تطبيق قواعد الرد المنصوص عليها والمتبعة لدى إحدى مؤسسات التحكيم التي تعنى بالتحكيم الدولي، علماً بأن هذه القواعد، تنص على اختصاص مؤسسة التحكيم ذاتها بالنسبة لطلبات رد المحكم، ولا تحيل الأمر للقضاء في هذا الشأن. وقد راعى المشرع اللبناني هذا الأمر صراحة، عندما ميز بين التحكيم الداخلي والتحكيم الدولي. وفي باب التحكيم الدولي نصت المادة (812) ، على أنه عندما يكون التحكيم الدولي خاضعاً للقانون اللبناني، لا تطبق عليه أحكام المواد (712 - (792) ، إلا إذا لم توجد اتفاقيات خاصة. ومن ضمن ذلك، أحكام رد المحكم المنصوص عليها في المادة (770)، حيث تخضع هذه الأحكام لاتفاق الطرفين، ومن ضمنها اتفاقهما على إخضاع التحكيم لقواعد إحدى مؤسسات التحكيم، بما تتضمنه من أحكام خاصة برد المحكم .

وباختصار، نرى بأن قواعد الاختصاص القضائي بالنسبة لرد المحكم، ليست من النظام العام بمفهومه الضيق، وإنما يجوز للأطراف الاتفاق على خلافها، وإعطاء الاختصاص لأي جهة أخرى، التي عادة ما تكون إحدى مؤسسات التحكيم الدائمة.