الخدمات

ابواب التحكيم الرئيسية
  • المحكم وهيئة التحكيم / رد المحكم / الكتب / دراسة تحليلية للمشكلات العلمية والقانونية في مجال التحكيم التجاري / النظام القانوني لرد المحكم

  • الاسم

    د. ابو العلا علي ابو النمر
  • تاريخ النشر

    2004-01-01
  • عدد الصفحات

    520
  • رقم الصفحة

    75

التفاصيل طباعة نسخ

النظام القانوني لرد المحكم

 دراسة النظام القانوني لرد المحكم يقتضي التصدي لأهم التزام يقع على عاتق المحكم عند قبوله لمهمة التحكيم وهو الالتزام بالإفصاح عن أية ظروف من شأنها إثارة شكوك حول حيدته واستقلاله . ثم بیان مجال الرد أو أسبابه .

التزام المحكم بالإفصاح

 يعد التزام المحكم بالإفصاح من الالتزامات الجوهرية التي تقع علي عاتقه بمجرد ترشيحه لمهمة التحكيم. وقد ورد النص على هذا الالتزام في المادة 3/16 من قانون التحكيم المصري(1).

وهذا الالتزام مستحدث ولم يرد النص عليه في قانون المرافعات المصري رقم 13 لسنة 1968م. ويقصد بالإفصاح مبادرة المحكم بإحاطة الأطراف بصلته السابقة والحالية بموضوع النزاع وأطرافه وممثليهم وذويهم، يعد هذا الالتزام من الالتزامات اللصيقة بجوهر مهمة المحكم وتفرضه الطبيعة الخاصة لمهمته وكيفية تعيينه والطابع المؤقت لسلطاته. ويفصح هذا الالتزام عن تراجع الاعتبارات الشخصية البحتة التي تحكم اختيار المحكم ويعكس ضرورة ترشيحه بناء على اعتبارات موضوعية تتركز حول خبرة المحكم فضلا عن حياده قبل الخصوم وانتفاء صلته بهم . وليس للمحكم سلطة تقديرية في تخير الوقائع التي يفصح عنها، وإنما يتعين عليه الإفصاح عن كافة الوقائع التي قد تثير شكوكا حول حياده أو استقلاله ويمتد النطاق الزمني لهذا الالتزام من لحظة ترشيحه وحتی صدور الحكم، وبالتالي يمتد هذا الالتزام إلى أية واقعة جديدة تطرأ أثناء سير الإجراءات، أو أية واقعة لم يكن يعلمها عند ترشيحه . وعلى سبيل المثال، يمتد الالتزام بالإفصاح إلى علاقة المحكم محامي الأطراف ومساعديهم ووكلائهم وأقاربهم وسواء أكانت هذه الصلات مهنية أو مالية أم اجتماعية والتزام المحكم بالإفصاح يمتد إلى جميع الخصوم يستوى في ذلك أن يكون محكماً منفرداً أو عند تعدد المحكمين، وسواء انفرد أحد الخصوم بتعيينه أم اختاره الأطراف مجتمعين ، وأنفراد أحد الخصوم بترشيح المحكم لا يسقط حقه قبل المحكم في الإفصاح عن علاقاته ، ومرجع ذلك أن واقعة ترشيحه لهذا الحكم لا تدل في ذاتها عن موقف الخصم إلا بعد أن يتحقق من كل ما يمكن أن يؤثر في حياده أو استقلاله.

وترتيبا علي ذلك، فإن هذا الإلتزام لا يتوقف على مطالبة الأطراف به وإنما يلتزم المحكم بالمبادرة بأدائه فور ترشيحه ، ولا يفسر سکوت الأطراف على أنه تنازل عن هذا الالتزام.

 اثر تنفيذ الالتزام بالإفصاح

لم يتصد المشرع المصري في قانون التحكيم الحالي لتوضيح هذه المسألة . وهو الأمر الذي يجب على المشرع أن يعالجه نظراً لأهمية العملية. ونهيب بالمشرع في أقرب تعديل ممكن : تنظيم كيفية الاعتراض على ترشيح المحكم. وتحديد المدة التي يتعين إبداء هذه الاعتراضات خلالها . وتحديد الأثر المترتب علي تقديم مثل هذه الاعتراضات .


 

مجال الرد في قانون التحكيم :

 المحكم كالقاضي يتعين أن تتوافر فيه الجيدة التامة بين طرفي التحكيم والبعد الكامل عن تأثير أي منهما على تكوينه لعقيدته . وفيما يتعلق بأسباب الرد ، نجد أن المادة 18 من قانون التحكيم المصري نصت على أنه:

«1- لا يجوز رد المحكم إلا إذا قامت ظروف تثير شكوكاً جدية حول حيدته أو استقلاله .

2- ولا يجوز لأي من طرفي التحکیم رد المحكم الذي عينه أو اشترك في تعيينه إلا لسبب تبينه بعد أن تم هذا التعيين » .

ويتضح من هذا النص أن المشرع لم يعين أسباباً محددة لرد المحكم وإنما جعل كل ظرف يثير شكوكاً جدية حول حيدته أو استقلاله سبباً لرده. في حين أن المشرع المصري في قانون المرافعات الحالي حدد الأسباب التي تجيز رد القاضي في المادة 148 مرافعات .

وهو يعني أن المشرع لم يربط أسباب رد المحكم بحالات رد القاضي وإنما أطلق حق الخصوم في رد المحكم ليشمل كافة الظروف التي تثير شكوكاً جدية حول حيدته أو استقلاله ولو لم تكن من بين حالات رد القاضي ومرجع ذلك أنه لا يمكن تشبيه المحكم بالقاضي تشبيهاً مطلقاً في هذا الصدد، فالقاضی شخص يؤدي وظيفة عامة ولا صلة له بالخصوم بحسب الأصل، واستقلاله ونزاهته مفترضة ولذلك حدد المشرع الحالات التي تبرر الرد وقصرها على تلك الواردة في النص، أما المحكم فهو قاض مختار بواسطة الخصوم وقد يكون من نفس الوسط الذين يعملون فيه. ولذلك فإن الحالات التي ورد النص عليها في مجال رد القاضي قد لا تفي لضمان استقلاله ونزاهته. ومن ثم فإن المشرع المصري كان موفقا بعدم حصر حالات رد المحكم. وعلى هذا النحو أصبح الرد وسيلة للرقابة على استقلال المحكم ماديا ومعنويا عن الخصوم وعن النزاع .

ولذلك واستناداً إلى ما سبق، فإن قرابة المحكم لأحد الخصوم أو لهما معا أو صداقته لأحدهما وكونه مستشارا لأحد الطرفين، لا تعد سببا لرده طالما لم تكن هذه الأسباب مجهولة للطرف الآخر وقت اختیار المحكم. ومرجع ذلك أن قرابة المحكم بالخصوم أو صلته الوثيقة بهم أو بالنزاع قد تكون هي السبب في اختياره على وجه التحديد باعتبار ثقة الخصوم فيه وقناعتهم بقدرته علي الفصل في النزاع وحيدته واستقلاله بالنظر إلى أن اختياره يرجع إليهم وليس مفروضا عليهم. وتطبيقا الفكرة علم أحد الخصوم بعلاقة المحكم المختار بالخصم الآخر قبل اختياره قضى بأنه يصح أن يعين محامي أحد الخصوم محكما بشرط أن يكون الخصم الآخر على علم بذلك وقت التوقيع على المشارطة التي تتضمن اختیاره .

وفي الواقع العملي، عندما يتعدى المحكمون ، فإن اختيار المحكم المرجح وحده يتم باتفاق الطرفين أو بواسطة سلطة أخرى في حابة عدد الاتفاق، أما بقية المحكمين فيتقاسم الطرفان تعيينهم على سبيل التساوي بحيث يستقل كل منهما باختيار محكم أو أكثر منهم بحسب الأحوال، وبحيث يكون المحكم أو المحكمون الذين يختارهم اشبه بممثلين له ولذلك فلا ضير في أن يختار من كان قريبا أو وكيلا له حتى ولو كان خصمه جاهلا بعلاقته به وقت الاختيار» .

ونحن لا نؤيد هذا الاتجاه ، لأنه وإن كان من حق الخصم أن يختار المحكم الذي يمثله إلا أنه من حق الخصم الآخر أن يعلم بكل ما من شأنه أن يؤثر على حيدته واستقلاله وهو التزام أدبي وقانوني في نفس الوقت، حيث أوجب المشرع على المحكم - في المادة 3/16 من قانون التحكيم المصري - الإفصاح عن أية ظروف من شأنها إثارة شكوك حول حيدته أو استقلاله . واكتشاف ظرف من هذه الظروف بعد تعيين المحكم، يجعل للطرف الآخر الحق في طلب رده.

وقد قضت محكمة النقض الفرنسية بأنه لا سبيل إلى الحكم بإبطال حكم التحكيم على أساس تحيز المحكم المعين من قبل أحد الأطراف لعلاقته بالطرف الذي عينه وكونه يعمل مستشارا لشركاته على أساس أن الأطراف كانوا يعلمون بوجود هذه العلاقة ولكنهم لم يبدوا اعتراضا على هذا المحكم أو ردا له قبل ذلك ..

ويتعين التفرقة بين حالة ما إذا كان طالب الرد هو الذي عين المحكم أو اشترك في تعبينه وبين حالة ما إذا كان تعيينه قد تم بواسطة الطرف الآخر أو الغير:

في الحالة الأولى: لا يكون للفرد أن يطالب رد المحكم إلا لسبب تبينه بعد أن تم هذا التعيين ومن ثم لا يجوز له طلب الرد إن كان عالما بسبب الرد وقت هذا التعيين . والعبرة هي بالعلم بالسبب وقت التعيين لا بمجرد وجوده في هذا الوقت..

ويبدو لنا أن أساس التفرقة بين الحالتين مرجعه أن الفرد عندما يختار محكما هو على علم بما من شأنه أن يمس حيدته واستقلاله فهذا يعني من جانب توافر الثقة في هذا المحكم ومن جانب آخر فإنه يتعذر السماح للفرد بعد ذلك الاستناد إلى هذه الأسباب لرد المحكم الذي اختاره وهو على بينة من أمره .

والقول بغير ذلك يفتح باب التحايل واسعا أمام الأفراد لعرقلة سیر خصومة التحكيم عن طريق تقديم طلب رد المحكم فالشخص يعد متنازلا عن التمسك بهذه الأسباب إذا اختار المحكم وهو على علم بما قد يمس حيدته واستقلاله أو علم بهذه الاسباب ولم يطلب رد المحكم اثناء سير خصومة التحكيم. أما إذا كان الشخص يجهل هذه الاسباب ثم تكشفت له بعد تعيينه أو علم بها الطرف الآخر فهنا يكون الطرفي التحكيم طلب رد هذا الحكم

والخلاصة أن الحكم الوارد في المادة 2/18 من قانون التحكيم المصري، كان موفقا وأقرب إلى المنطق لأنه ربط بين حق الخصم في طلب رد المحكم ولحظة تعيين المحكم سواء بالاسم في الاتفاق على التحكيم أو فيما بعد إعمالا لطريقة التعيين المنصوص عليها في هذا الاتفاق.

ويلاحظ أن المشرع المصري قد ساير المشرع الفرنسي في هذا المجال من حيث عدم تحديد أسباب الرد ، كما أنه لم يعتد إلا بالاسباب التي تكتشف بعد تعيين المحكم أو تحدث بعد ذلك وفقا لما ورد النص عليه في المادة 1/1463من قانون المرافعات الفرنسي الحالي .

 

يلاحظ أن المشرع المصري لم يفرق في قانون التحكيم بين حالات رد المحكم وحالات عدم الصلاحية كما فعل في قانون المرافعات الحالي بالنسبة لعدم صلاحية القاضي النظر الدعوى وسماعها ولو لم يرده أحد الخصوم.

ووفقا لنص المادة 147 مرافعات ، فإنه «يقع باطلا عمل القاضي أو قضاؤه في الأحوال المتقدمة الذكر ولو تم باتفاق الخصوم» (۲).

ويلاحظ أنه كان يسرى على المحكمين ما يسرى على رجال القضاء بالنسبة لعدم الصلاحية والرد إذا ما توافرت إحدى الحالات الواردة بالمادة 146 وما بعدها من قانون المرافعات لأن المحكم يعتبر بمثابة قاضي عند فصله في النزاع المعروض عليه. وذلك في ظل المادة 503 من قانون المرافعات، قبل صدور قانون التحكيم المصري الحالي ، وهي تنص على أنه «... ولا يجوز ردهم عن الحكم إلا لأسباب تحدث أو تظهر بعد إبرام وثيقة التحكيم ويطلب الرد لذات الأسباب التي يرد بها القاضي أو يعتبر بسببها غير صالح للحكم ويرفع طلب الرد إلى المحكمة المختصة أصلا بنظر الدعوى في ميعاد خمسة أيام من يوم إخبار الخصم بتعيين المحكم» .

إلا أن المشرع في قانون التحكيم الحالي لم يفرق بين حالات عدم الصلاحية وحالات الرد في شأن المحكم. وتطلب لإمكان رد الحكم في جميع الحالات ضرورة مبادرة الخصم صاحب المصلحة بتقديم طلب الرد ، ومن ثم فأنه إذا توافرت إحدى حالات عدم الصلاحية أو الرد وصدر الحكم دون أن يطلب أحد الخصوم رد المحكم، كان حكمه صحيحا .

وإذا كان يجب أن يتوافر في المحكم نفس ضمانات الاستقلال والنزاهة في القضاة ، فيجب عليه بسبب النشأة الاتفاقية لمهمته أن يعني من كل ريبة يمكن أن تعيب رضاء أحد أطراف التحكيم، ولذلك لم يقيد المشرع المصري في قانون التحكيم ، حق طالب الرد باسباب محددة كما فعل في قانون المرافعات في شأن القضاة.

وفي الواقع العملي، فإنه يتعذر وضع تصور تفصيلي نموذجي المسلك المحكم يوضح الحدود الدقيقة المسلك المحكم وعلاقاته باطراف النزاع وبزملائه المحكمين ، وإنما يتعين إضفاء بعض المرونة على مسلك المحكم علي نحو پیسر له اداء مهمته ويحتفظ في ذات الوقت بالطابع القضائي لمهمته ، وهو ما لا يتحقق إلا من خلال تقييم مسلك المحكم موضوعياً.

ومما لاشك فيه ان الاهتمام بتسجيل محاضر الجلسات و تمکین الأطراف من الاطلاع عليها يكفل الحد من تحيز المحكم وييسر اثباته ، ويلاحظ أن تحيز الحكم قد يأخذ شكلا مستترا على نحو قد يصعب إثباته، هذا من ناحية ومن ناحية أخرى، فإن التحقيق في دوافع الحكم ليس بالأمر اليسير بل وقد يتعارض مع استقلالية الحكم في اداء مهمته.