الخدمات

ابواب التحكيم الرئيسية
  • المحكم وهيئة التحكيم / رد المحكمين وعزلهم / المجلات العلمية / مجلة التحكيم العالمية - العدد 29 / أحكام رد المحكمين في قانون التحكيم المصري وقواعد مركز القاهرة الإقليمي للتحكيم التجاري الدولي: بين التقارب والتباعد   

  • الاسم

    مجلة التحكيم العالمية - العدد 29
  • تاريخ النشر

  • عدد الصفحات

  • رقم الصفحة

    163

التفاصيل طباعة نسخ

 مقدمة:

1- يتناول هذا المقال البحث في أحكام رد المحكمين الواردة في قانون التحكيم المصري رقـم 27 لسنة 1994 ("قانون التحكيم") وتلك الواردة في قواعد مركز القاهرة الإقليمي للتحكـيم التجاري الدولي الصادرة في مارس 2011 ("قواعد مركز القاهرة")، ولعـل أهميـة هـذا البحث تكمن في الاختلاف الجوهري بين أحكام وإجراءات الرد الواردة في قانون التحكيم، وتلك المنصوص عليها في قواعد مركز القاهرة.

2- وفيما يلي سوف نناقش: أولاً- أهمية وجود آلية لرد المحكمين حال توافر ما يبرر ذلـك، ثانياً- أسباب ومبررات طلب رد المحكم، ثالثاً- حالات سقوط الحق في رد المحكم، رابعاً- سرد إجراءات وضوابط طلبات رد المحكمين والجهة المختصة بالفصل فيهـا، خامساً نتعرف إلى أثر تقديم طلب رد المحكم على إجراءات التحكيم وأثر الحكم برد المحكم على التحكيم ككل وذلك كله طبقاً لقانون التحكيم مقارنة بقواعد مركز القاهرة لتبيـان أوجـه التقارب والاختلاف، على النحو التالي:

أولا- أهمية وجود آلية قانونية لرد المحكم:

3- الحياد والاستقلال هما مجد وعماد العدالة وجوهر تحقيقها، ولما كان التحكـيـم بـديلاً مـن القضاء في الفصل في المنازعات بحكم، فإن الحياد والاستقلال يعدان – بلا شـك - مـن المسائل الجوهرية للعملية التحكيمية، ففي حالة تشكك أي من المتخاصمين فـي حيـدة أو استقلال أي من المحكمين، فإن مقتضى العدالة يستوجب إتاحة الحق لهـذا الطـرف فـي الاعتراض على الاحتكام إلى هذا المحكم، وأن تتاح له الفرصة في أن يحتكم إلـى آخـر يطمئن إلى حيدته واستقلاله، ومن ثم إلى نزاهة الحكم الصادر عنه. وفـي ذلـك قـضت محكمة النقض المصرية بأنه:

   "ولئن كان من المقرر أن اعتبار التحكيم ذا طبيعة قضائية، يوجب على هيئة التحكيم مراعاة المبادئ الأساسية في التقاضي، وذلك سواء كان التحكيم تحكيمـاً عاديـاً أو تحكيمـاً مـع التفويض بالصلح، ... وتعتبر حيدة المحكم واستقلاله مـن الـضمانات الأساسـية فـي التقاضي.

4- يؤكد ذلك أيضاً ما قضت به محكمة استئناف القاهرة بأن:

"حياد المحكم واستقلاليته هما جوهر العملية التحكيمية، من أجل الحصول علـى محاكمـة عادلة وتأمين الحقوق الأساسية لأطراف التحكيم ".

5- وما قضت به أيضاً من أن:

"مؤدى نص المادة 18 من القانون المشار إليـه قـانون التحكـيم أنـه لا بد من توافر الضمانات الأساسية للتقاضي في عمل المحكم بـأن تتـوافر فيـه صـفتا الحيـدة والاستقلال.

6- وقد ذهب رأي في الفقه إلى تكييف الحق في طلب رد المحكم علـى أنـه أحـد الأركـان الأساسية للحق في الدفاع، وذهب رأي آخر إلى تكييف رد المحكم على أنه فـي حقيقتـه طعن في بطلان تشكيل هيئة التحكيم، وهو ما ذهبت إليه محكمة استئناف القاهرة في حكم حديث لها حين قضت بأن:

"عدم حيدة المحكم أو استقلاله يعد في الأصل سبباً لإبطال حكم التحكيم، لأن تشكيل هيئـة التحكيم يكون والحال هذه معيباً، هذا العيب يهدر على الأقل مبدأ المساواة بين الأطراف".

7- وأياً كان تكييف الحق في طلب الرد، فقد أكد المشرع المصري علـى أن الحـق فـي رد المحكم هو أحد المبادئ الأصولية للخصومة التحكيمية، فجاء بالمذكرة الإيضاحية لمشروع قانون التحكيم المصري أن "استقلال محكمة التحكيم ... هو ... من المبادئ الأصولية التي تقوم عليها الأنظمة المتقدمة في التحكيم، ومن مظـاهر هـذا الاستقلال فـي المـشروع اختصاص محكمة التحكيم بنظر طلبات رد أعضائها".

8- فالمشرع المصري حينما أراد التأكيد على استقلال المحكمين، أعطى الحق في الفصل فـ طلب الرد لهيئة التحكيم ذاتها، وهو ما قضى لاحقاً بعدم دستوريته، فنجد المشرع في المادة 19 من قانون التحكيم – قبل القضاء بعدم دستورية جزء منها وقبل تعديلها بموجب القانون رقم 8 لسنة 2000 – قد خول هيئة التحكيم سلطة الفصل في طلب الرد، وأنه أثناء مناقشة هذه السلطة في مجلس الشعب، علق أحد أعضاء المجلس على اختصاص هيئـة التحكـيم بالفصل في طلب رد أحد أعضائها خوفاً من المجاملة أو الممالاة لصالح المحكم المطلـوب رده؟، إلا أن رأيه لم يجد إنصافاً في حينه، وصدرت المادة 19 – قبل التعـديل تجيز لهيئة التحكيم الفصل في طلب رد طلب رد أعضائها جميعهم أو بعضهم.

9- وبعد صدور قانون التحكيم تم الطعن على عبارة البند الأول من المادة 19 المشار إليهـا، فيما تمنح هيئة التحكيم السلطة في الفصل في طلب الرد، وبتاريخ 6 نوفمبر 1999 صـدر حكم المحكمة الدستورية العليا بعدم دستورية هذا البند من عبارة "فصلت هيئة التحكيم ف الطلب"، وقد أستست المحكمة الدستورية العليا قضاءها، على أنه:

"لا يجوز أن يكون العمل القضائي موطئاً لشبهة تداخل تجرده وتثير ظلالاً قاتمة حول حيدته، فلا يطمئن إليه متقاضون استرابوا فيه بعد أن صار نائياً عن القيم الرفيعة للوظيفة القضائية، وكان النص الطعين، قد خول هيئة التحكيم الفصل في طلب ردها لتقول كلمتها في شأن يتعلق بذاتها، وينصب على حيادها، وكان ذلك مما ينافي قيم العدل ومبادئه، وينقض مبدأ خـضوع الدولة للقانون، وينتهك ضمانة الحيدة التي يقتضيها العمل القضائي بالنسبة إلى فريـق مـن المتقاضين، بينما هي مكفولة لغيرهم، فإنه بذلك يكون قد خالف أحكام المواد 40 و 65 و 67 و 68 و 69 من الدستور،... فلهذه الأسباب حكمت المحكمة بعدم دستورية العبارة الـواردة بالبند (1) من المادة 19 من قانون التحكيم في المواد المدنية والتجارية الصادر بالقانون رقـم 27 لسنة 1994، والتي تنص على أن (فصلت هيئة التحكيم في الطلب)".

10- ونتيجة للحكم بعدم الدستورية سالف الإشارة إليه وإمعاناً في ضرورة وجود آلية لرد المحكم تضمن حقوق الأطراف، فقد بادر المشرع في تعديل المادة 19 من قانون التحكـيـم بـنص جديد يمنح المحكمة المنصوص عليها في المادة (9) من قانون التحكيم سلطة بت طلب رد المحكم، وأصبح دور هيئة التحكيم يقتصر على تلقي طلب الرد وإحالته للمحكمة المختصة فقط دون الفصل فيه أو بحثه أو تبيان مشروعيته أو رفض قبوله شكلاً.

ثانياً- أسباب ومبررات طلب رد المحكم:

11- لم يأت أي من قانون التحكيم أو قواعد مركز القاهرة بحالات محددة ومفصلة تستنهض إعمال أحكام الرد، لكنهما اكتفيا بإيراد سبب عام مجمل يتسع للعديد من الحالات يتمثل في وجود ظروف تثير شكوكاً جدية – أو لها ما يبررها حسب نص قواعد مركز القاهرة حول حيدة المحكم أو استقلاله. فنصت المادة 1/18 من قانون التحكيم على أن: "لا يجـوز رد المحكم إلا إذا قامت ظروف تثير شكوكاً جدية حول حيدته أو استقلاله". ونصت المـادة 1/13 من قواعد المركز على صيغة مشابهة، وهي أنه "يجوز رد أي محكـم إذا وجـدت ظروف تثير شكوكاً لها ما يبررها بشأن حيدته أو استقلاله".

12- فقانون التحكيم وقواعد المركز قد أكدا أن أسباب الرد هي تلك التي تثير شكوكاً جدية حول حيدة المحكم من ناحية و/أو استقلاله، من ناحية أخرى، ولا يشترط الجمـع بينهمـا، إذ إن لكل منهما مفهومه. وإزاء عدم وجود حالات محددة أو مفصلة للرد، فإن القول الفـصل في توافر مسوغات الرد من عدمها يخضع في النهاية للسلطة التقديرية للجهـة المختصة بالفصل في طلب الرد.

13- كذلك أكدت النصوص على ضرورة أن تكون مبررات الرد موجودة بالفعل وقائمة وقـت طلب الرد، وليست مجرد ظنون محتملة في المستقبل كأن يتوقع أحد الأطراف علاقة عمل بين خصمه والمحكم سواء قبل أو بعد صدور حكم المحكمين.

14- ولم يأت قانون التحكيم أو قواعد مركز القاهرة بنص مشابه لما نصت عليه المادة 503 من قانون المرافعات الملغاة في خصوص رد المحكم، والتي كانت تنص على أن "يطلب الـرد لذات الأسباب التي يرد بها القاضي أو يعتبر بسببها غير صالح للحكم ". وعلى الرغم من ذلك فقد ذهب رأي في الفقه إلى القول بأن حالات الرد المنصوص عليها في قانون التحكيم تتسع لتشمل أحكام رد ومخاصمة القضاة المنصوص عليهـا فـي قـانون المرافعـات المصري .

15- فوفقاً لنص قانون التحكيم وقواعد مركز القاهرة لا يجوز رد المحكم، إلا إذا قامت ظروف جدية أو لها ما يبررها تشكك في حيدته أو استقلاله سواء أكانت هذه الظروف تدخل ضمن الأسباب المنصوص عليها كسبب لرد القاضي في قانون المرافعات، أو أن تـدخل ضـمن أسباب عدم الصلاحية، وهو ما يؤكده رأي محكمة استئناف القاهرة، بتقريرها أنه:

"تجدر الإشارة إلى أن محكمة النقض الفرنسية قد ذهبت في حكم حديث لهـا صـدر فـي 1990/11/14 إلى أن أسباب رد المحكم هي ذات الأسباب الخاصة برد القضاة في المـادة 341 من قانون المرافعات الجديد، وهو ما لا يتفق مع ما قرره قانون التحكـيم المـصري الذي حصر أسباب الرد في قيام ظروف تثير شكوكاً جدية حول حيدة المحكم أو استقلاله، مخالفا بذلك ما كان عليه نص المادة 503 من قانون المرافعات الملغاة".

16- فالمشرع المصري قد ميز بين القضاة والمحكمين من حيث أسباب رد أو عدم صلاحية أي منهما، فقضت محكمة استئناف القاهرة بأنه:

"ولأن التحكيم غير القضاء؛ فقد غاير المشرع المصري بين القضاة والمحكمـين فـي مـا أورده من أسباب رد أو عدم صلاحية كل منهما: فبالنسبة للقاضي الـذي يباشـر وظيفـة القضاء في محاكم الدولة، الذي يعد مفروضاً على الخصوم، سلك المشرع طريق التفصيل في إيراد أسباب عدم صلاحيته لنظر الدعوى، على سبيل الحصر (المادة 146 مرافعات)، وكذلك عندما حدد أسباب رده (المادة 148 مرافعات)، في حين أنه سـلك بالنـسبة إلـى المحكمين، طريق الإجمال والعمومية، فنص في المادة 18 من قانون التحكيم على أنه: "لا يجوز رد المحكم إلا إذا قامت ظروف تثير الشك حول حيدته واستقلاله، ولا يجوز لأي من طرفي التحكيم رد المحكم الذي عينه أو اشترك في تعيينه، إلا لسبب تبينه بعد أن تم هـذا التعيين". من الواضح، إذا، أن رد المحكمين وعدم صلاحيتهم الوارد في قـانون التحكـيم يختلف عن رد وعدم صلاحية القضاة الوارد بقانون المرافعات، ذلك أن ما يفقـد المحكـم صلاحيته لنظر الدعوى التحكيمية يختلف بالضرورة عن أسباب عدم الصلاحية الواردة في شأن القضاة، وعلى سبيل المثال، فإن قانون المرافعات يجعل القاضي غير صـالح لنظـر الدعوى، ممنوعاً من سماعها، إذا كان قريباً أو صهراً لأحد الخصوم إلى الدرجة الرابعـة، بحسبانه يكون في هذا الفرض غير مستقل عن الخصم، هذا الحظر لا يعرفه قانون التحكيم، ولیس محتماً ولا تستلزمه طبيعة العملية التحكيمية. فلم يضع القانون أي شـروط أو قيـود تحول دون تعيين الأقارب والأصهار كمحكمين في دعاوى تحكيميـة طـالمـا قبـل ذلـك الأطراف الآخرون في الدعوى التحكيمية، بينما يضع القانون قيوداً صارمة تتعلـق بعـدم صلاحية القضاة إذا عرضت عليهم أي منازعات تتعلق بأقارب لهم من درجات معينة، ومن ناحية أخرى، وكغيره من النظم القانونية واللوائح المؤسسية، يتطلب المشرع المـصري (المادة 3/16 تحكيم) من المحكم عند قبوله التحكيم ضرورة الكشف عن أيـة اعتبـارات تتصل بالعلاقة بينه وبين كل من أطراف النزاع أو أي علاقة له بموضوع النزاع قد تثيـر الشكوك حول نزاهته واستقلاله، ويلاحظ أن الهدف من هذا الكشف أو الإفصاح هو إتاحـة الفرصة للأطراف للوقوف على أسباب قد تثير مظهر التحيز دون أن ترتـب بالـضرورة تحيزاً حقيقياً من جانبه، بيد أنه إذا حصل التصريح من المحكم على النحو السابق، فقـد لا يمنعه ذلك من أن يكون محكماً في النزاع موضوع الإفصاح، ذلك إذا ما ارتضى الأطراف مباشرته مهمته بعد علمهم بما صرح به، فالخصوم قد يثقون في عدالة المحكم وحياده رغم الإفضاء لهم بأمور أو اعتبارات قد تثير الشكوك في هذه الحيدة، وأياً ما كان الأمر فإنه إذا قام المحكم، عند ترشيحه أو عند قبوله التحكيم، بالإفصاح عن الاعتبارات التي تربطه بأحد الأطراف أو الكشف عن الظروف التي من شأنها أن تثير ظنوناً مبررة حول عدم حيدته أو انتفاء استقلاله، ولم يعترض الطرف الآخر، لم يعد من الجائز مستقبلاً إعادة إثارة الأمـر بالنسبة إلى صلاحية المحكم، فأمر استقلال المحكم يخضع في الكثير من الأحـوال لإرادة أطراف النزاع، فقد يتغاضون عن مثل هذا الاستقلال أو عن بعض المظاهر الخارجية التي قد تثير - ظاهرياً- عدم الحيدة أو عدم النزاهة، هذا التغاضي ينفرد به نظام التحكيم، ولا يسمح به قانون المرافعات بحسبانه قانون القضاة، لأنه أمر غير مستساغ، ولا يمكن هضمه أو القبول به في العمل القضائي  .

17- وفي حكم حديث لها ذهبت محكمة استئناف القاهرة إلى القول:

"إنه على خلاف الحال في الخصومة القضائية التي يتعين فيها الالتزام دائما بالحدود الضيقة لمعنى الحيدة والاستقلال وضوابطهما الدقيقة التي عينها القانون بالنسبة للقاضي، فإن تجسيد ضمانة الحيدة في التحكيم أو تقويضها – بالنظر إلى طبيعته وآلياته الرضـائية – يختلـف حسب كل حالة على حدة، ووفقاً لظروف الحال التي أحاطت التحكـيم والنيـة المـشتركة للأطراف تجاه تشكيل هيئة التحكيم، وهذا الأمر يخضع لتقدير محكمة الإبطال في ضـوء اقتناعها".

 ثالثاً- حالات سقوط الحق في رد المحكم:

(أ) التنازل عن الحق في رد المحكم:

18- أوردت المادة 2/18 من قانون التحكيم المصري ܟܠܝܐ يقضي بأنه لا يجوز لأي من طرفي التحكيم رد المحكم الذي عينه أو اشترك في تعيينه، إلا لسبب تبينه بعد أن تم هذا التعيين، وقد أوردت قواعد مركز القاهرة نصاً مشابها في المادة 2/13 منها، والتي تنص على أنه: "لا يجوز لأي طرف أن يرد المحكم الذي عينه، إلا لأسباب لم يتبينها، إلا بعد أن تم تعيين هذا المحكم".

19- فالمادة 2/18 من قانون التحكيم قد قررت بأنه لا يجوز لأي من طرفي التحكيم رد المحكم الذي عينه أو اشترك في تعيينه، إلا لأسباب تبينها بعد هذا التعيين، وحالة اشتراك الطرف في تعيين المحكم هي الاشتراك المباشر في التعيين كاتفاق الطرفين على تعيين المحكم الفرد أو اشتراك المحتكم ضدهم المتعددون على اختيار محكم واحد عنهم، أو اتفاق الأطراف على اختيار رئيس هيئة التحكيم.

20- وفي تقديرنا، فإن الاشتراك في التعيين المعني بنص المادة 2/18 لا يشمل حالـة المحك المعين من قبل الغير بحسبانه سلطة التعيين، ففي هذه الحالة لا يكون التعيين مباشراً، بل من خلال طرف ثالث وهو الغير، ومن ثم فالعلة من النص غير متوافرة، إذ إن العلة التي على أساسها يحجب الطرف من رد المحكم الذي عينه أو اشترك في تعيينه هـي أن هـذا الطرف أثناء التعيين أو أثناء الاشتراك في التعيين كان يعلم بالظروف التي قد تثير شكوكاً في حيدته أو استقلاله، إلا أنه على الرغم من ذلك آثر المضي قدماً في التعيين دون اعتراض، ومن ثم تنازل عن حقه في الرد، ولا يمكن التيقن من توافر هذه العلة، إلا في حالة أن يقوم الطرف ذاته في تعيين المحكم المعنى بالرد. أما وأن هذه العلة غير متيقنة في حالة تخويل الغير سلطة التعيين، خصوصاً أن الغير غير ملزم بأخذ رأي الأطـراف فـ شأن تعيين المحكم، فإنه ليس من الإنصاف حرمان الطرف من الحق في طلب الرد بمقولة أنه اشترك في اختيار سلطة التعيين لهذا المحكم.

21- من ناحيتها، فإن قواعد مركز القاهرة قد حددت حالة واحدة فقط لا يجوز فيهـا لأي مـن طرفي التحكيم رد المحكم، إلا لأسباب تبينها بعد تعيينه، هذه الحالة هي أن يكون المحكم قد عينه هذا الطرف، ولم يتطرق النص الوارد في قواعد مركز القاهرة لحرمان الطرف مـن رد المحكم الذي اشترك في تعيينه - حال توافر العلة.

22- سبق وأوضحنا في التعليق على نص المادة 2/18 بأن العلة من حرمان الطرف من رد المحكم الذي عينه أو اشترك في تعيينه، إلا لأسباب تبينها بعد هذا التعيين، هي أن الطـرف يعـد قـد تنازل بالنسبة للأسباب التي تبينها قبل تعيين المحكم ولم تمنعه هذه الأسباب من المـضـي فـي التعيين، مما يسقط بموجبه حقه في التمسك برد هذا المحكم استنادا إليها، فهذه العلة ذاتهـا هي تأخذ في الاعتبار حال تفسير نص المادة 2/13 من قواعد مركز القاهرة أعلاه.

23- جدير بالذكر أن النص 2/18 من قـانون التحكـيـم والـنص 2/13 مـن قواعـد مـركـز القاهرة يخاطبان الجهة المنوط بها الفـصل فـي طـلـب الـرد بالأسـاس، أي أن هـذين البندين لا يمنعان الطرف من تقديم طلب الرد، ويقع على طـالـب الـرد الالتـزام بإثبـات أنه علم بالأسباب المبررة للرد بعد التعيين، ويكون لخصمه اثبات العكـس بكافـة طـرق التي الإثبات.

(ب) سقوط الحق في طلب الرد بفوات المواعيد:

24- حددت المادة 1/19 من قانون التحكيم ميعاد طلب الرد على أنه 15 يوماً من تـاريخ علـم طالب الرد بتشكيل هيئة التحكيم أو بالظروف المبررة للرد، فنصت على أن "1- يقدم طلب الرد كتابة إلى هيئة التحكيم مبيناً فيه أسباب الرد خلال خمسة عشرة يوماً من تاريخ علـم طالب الرد بتشكيل هذه الهيئة أو بالظروف المبررة للرد".

25- ومن ناحيتها، فإن المادة 3/13 من قواعد المركز تنص على أنه "3- على الطرف الـذي يعتزم رد محكم أن يودع لدى المركز إخطاراً بطلب الرد خلال 15 يوماً من تاريخ إخطاره بتعيين هذا المحكم أو خلال 15 يوماً من تاريخ علمه بالظروف المبررة للرد".

26- فطلب الرد هو حق لصاحبه يجوز له استعماله في الميعاد، وإلا سقط الحق فيه، إذ يعتبر ذلـك قبولاً من الطرف في أن يفصل هذا المحكم في موضوع النزاع. ويثور التساؤل عما إذا كان يجوز النزول عن الحق في طلب الرد قبل نشوئه؟ ونرى عدم جواز ذلك بحسبان أن الحق فـي الرد هو من المسائل الجوهرية والمتعلقة بضمانات التقاضي الأساسية من حـق الطـرف فـي الاحتكام لشخص يطمئن إليه، ومن ثم فمن غير المستساغ التنازل عن هذا الحق قبل نشوئه.

(ت) سقوط حق طالب الرد في طلب رد ذات المحكم مرة ثانية:

27- أورد قانون التحكيم المصري نصاً لم يرد نظيراً له في قواعد مركز القاهرة، وهو سقوط حـق طالب الرد في طلب رد ذات المحكم مرة ثانية. فتنص المادة 2/19 على أنه "لا يقبل طلب الـرد ممن سبق له تقديم طلب رد المحكم نفسه في ذات التحكيم". وذهب رأي في الفقـه تعليقـا علـى نص المادة 2/19 إلى القول بأنه إذا قدم أحد الأطراف طلبا برد محكم عن نظـر تحكـيـم معـين فليس له بعد رفض طلبه أن يقدم طلباً آخراً برد نفس المحكم في نفس التحكيم ولو لسبب آخر.

28- فعلى الرغم من المزية التي يقدمها هذا النص من دعوة الطرف في التفكير بشكل متـأن ومتعمق قبل تقديمه طلب رد المحكم ومنع طلبات الرد المتكررة لذات الأسباب، إلا أن هذا النص بالتفسير الذي ذهب إليه الرأي الفقهي المشار إليه ينكر حق طالب الرد في التقدم لرد ذات المحكم لأسباب لم يعلمها طالب الرد وقت طلب الرد الأول، ولو تعمد المحكـم عـدم الإفصاح عنها وقت تعيينه وقبوله مهمة التحكيم، كذلك ينكر حق الطرف في التقدم بطلـب رد المحكم لأسباب جديدة نشأت بعد تعيين المحكم وبعد رفض طلب الرد الأول، كعمل هذا المحكم مستشارا لدى أحد الطرفين في تاريخ لاحق على رفض طلب رده الأول! فتحصين المحكم من الرد حال نشوء أسباب جديدة لا يتفق والمستقر عليه من جوهرية ضمانة الحق في طلب الرد. 29

- وتصويباً للأمر، فإننا نقترح تعديلاً تشريعياً لنص المادة 2/19 من قانون التحكيم المصري بإضافة عبارة "لذات الأسباب" لتقرأ كما يلي: "لا يقبل طلب الرد ممن سبق له تقديم طلـب رد المحكم نفسه لذات الأسباب في ذات التحكيم".

30- ومن ناحيتها، فلم يأت بقواعد مركز القاهرة نص يحجب حق الطرف فـي طـلـب رد ذات المحكم الذي سبق طلب رده في ذات التحكيم، ولو لذات الأسباب.

 رابعاً- إجراءات رد المحكم:

31- أورد قانون التحكيم المصري إجراءات رد المحكم في المـادة 1/19 منـه، وقـد سـبق وأوضحنا كيف انتهى الحال بطلب الرد بعد أن قضت المحكمة الدستورية بعدم جـواز أن تفصل هيئة التحكيم في طلب الرد. وكذلك أوردت قواعد مركز القاهرة إجراءات الرد فـى المادة 13 منها، وفي ما يلي سوف نفصل إجراءات تقديم طلب الرد والفصل فيـه، وفقـا لأحكام القانون المصري من حيث الجهة التي يقدم لها الطلب، وشـكله، وميعـاد تقديمـه ولغته، والجهة المنوط بها الفصل فيه وأطراف خصومة الرد، ثم نعقب ذلك بذات التفصيل، وفقاً لأحكام قواعد مركز القاهرة، وفقاً لما يلي:

(أ) إجراءات الرد طبقاً لقانون التحكيم المصري:

32- بعد الحكم بعدم دستورية عبارة "فصلت هيئة التحكيم في الطلب" الواردة بالبند (1) من المادة 19 من قانون التحكيم، والتي كانت تجيز لهيئة التحكيم الفصل في طلب رد أحد أعضائها أو جميعهم، تم تعديل المادة 19 بنص جديد يخول المحكمة المنصوص عليها المادة (9) من قانون التحكيم المصري سلطة بـت طـلـب الـرد، وأصـبح دور هيئة التحكيم يقتصر على تلقي طلب الرد وإحالته للمحكمة المختصة فقط دون الفصل فيه.

33- وقد نصت المادة 19 من قانون التحكيم بعد التعديل على أن "1- يقدم طلب الرد كتابة إلى هيئة التحكيم مبيناً فيه أسباب الرد خلال خمسة عشرة يوماً من تاريخ علـم طـالـب الـرد بتشكيل هذه الهيئة أو بالظروف المبررة للرد، فإذا لم يتنح المحكم المطلـوب رده خـلال خمسة عشر يوماً من تاريخ تقديم الطلب، يحال بغير رسوم إلى المحكمة المشار إليها فـي المادة (9) من هذا القانون للفصل فيه بحكم غير قابل للطعن. 2- لا يقبل طلب الرد ممـن سبق له تقديم طلب برد المحكم نفسه في ذات التحكيم".

34- يبين النص أن إجراءات طلب رد المحكم تتمثل في مرحلتين: الأولى هي تقديم الطلب مـن حيث الجهة المقدم لها وموعد تقديمه وشكله، والثانية هي مرحلة الفصل في الطلـب مـن حيث الجهة التي تفصل في الطلب ومدى جواز الطعن على الحكم الصادر فـي الطل الطلـب، وذلك كله على النحو التالي:

(1) تقديم طلب الرد:

 أ. الجهة التي يقدم إليها طلب الرد:

35- يقدم طلب الرد إلى هيئة التحكيم بحسبانها الجهة التي حددها القانون لتلقي طلبـات الـرد، ويقدم إليها طلب الرد بصفتها هيئة تحكيم، ولو كان طلب الرد يشمل جميع أعضائها، بيد أن هيئة التحكيم ليست الجهة المختصة بالفصل في الطلب فلا يمكنها سوى الانتظار لمـدة 15 يوماً لفسح المجال للمحكم أو المحكمين المطلوب ردهم للتنحي، وإلا فتحيل الطلـب بغيـر رسوم إلى المحكمة المشار إليها في المادة (9) من قانون التحكيم.

36- ولا يجوز التقدم بطلب الرد مباشرة إلى المحكمة المشار إليها في المادة (9) مـن قـانون التحكيم، وإلا قضي فيه بعدم القبول لرفعه بغير الطريق الذي رسمه القانون.

ب. شكل طلب الرد:

37- يجب أن يستوفي طلب الرد الشكل الذي تطلبه القانون من أن يقدم مكتوباً أياً كان نـوع أو شكل الكتابة سواء كانت ورقية أو الكترونية طالما يمكن لهيئة التحكيم استخدام هذه الكتابـة لإحالتها إلى المحكمة المختصة إذا استوجب الأمر ذلك.

38- كذلك يجب أن يقدم طلب الرد في صورة "طلب"، وليس في صورة تقرير أو إعلان قـرار بالرد، على أن يكون الطلب جازماً في رد المحكم وليس مجرد رغبـة أو رجـاء بتنح المحكم18، وأن يحتوي الطلب على الأسباب المكتوبة التي يستند إليها مقدم الطلب وتقديم ما يساندها من أدلة ومستندات، إن وجدت، حتى يمكن نظره وبته. ويجـب أيـضاً أن تكـون الأسباب ضمن الطلب ذاته، وليس ضمن أية مراسلات أخرى بـين الأطـراف أو هيئـة التحكيم، على أن ذلك لا يمنع مقدم الطلب من إرفاق ما يراه مناسباً من المراسـلات بـين هيئة التحكيم أو الطرف الآخر لتدعيم طلبه.

39- وطلب الرد يجب أن يكون خاصاً لهذا الغرض، أي مستقل عن غيره من الطلبات، ولا يمنع ذلك من تقديم طلب الرد في ذات وقت تقديم طلبات أخرى أمام هيئة التحكيم، حيث إن طلب الرد لا يعطل سير إجراءات التحكيم. كذلك نعتقد أن طلب الرد حال إثباته فـي محـضر الجلسة يجب أن يتبعه طالب الرد بطلب مستقل مكتوب يبين فيه الأسباب مدعمـة بالأدلـة حتى يمكن لهيئة التحكيم إحالته إلى المحكمة المختصة إذا استوجب الأمر ذلك.

ت. میعاد تقديم طلب الرد:

40- يشترط لقبول طلب الرد أن يقدم خلال الأجل المقرر قانوناً وهو خمسة عشرة يوماً من تاريخ علم طالب الرد باكتمال تشكيل هيئة التحكيم أو بالظروف المبررة للرد، ولا يجـوز تقديم الطلب قبل اكتمال تشكيل الهيئة، ولو كان علم طالب الرد بأسبابه في هذا التاريخ، وإلا كان الطلب غير مقبول. والتاريخ المعول عليه في الشأن هو تاريخ علـم طـالـب الـرد بتشكيل هيئة التحكيم، وليس التاريخ الذي تشكلت فيه الهيئة بالفعل، أي يسقط الحق في طلب الرد لأسباب يعلمها طالب الرد وقت تشكيل هيئة التحكيم إذا فات موعد 15 يوماً من تاريخ علمه باكتمال تشكيل هيئة التحكيم، وليس من تاريخ علمه بالأسباب المبررة للرد. وتعتبـر هيئة التحكيم قد اكتمل تشكيلها بتعيين جميع المحكمين، وينفتح ميعاد الـ 15 يوماً من تاريخ إخطار الطرف طالب الرد بقبول آخر عضو من أعضاء هيئة التحكـيم لمهمـة التحكـيم واكتمال تشكيل هيئة التحكيم بناء عليه.

41- كذلك يجوز تقديم الطلب خلال خمسة عشرة يوما من تاريخ علم طالب الرد بـالظروف التـ يقدر أنها تبرره، وتفترض هذه الحالة أن تكون هيئة التحكيم قد تشكلت، إذ أن الطلب يقدم إليها.

42- فإذا علم طالب الرد بسببه ولم يبادر لتقديم الطلب في الميعاد المقرر قانوناً، سقط حقه فـي طلب الرد، ويقع عبء إثبات التاريخ على عاتق طالب الرد، ولخصمه إثبات العكس، وذلك بكافة طرق الإثبات.

43- وفي ذلك قضت محكمة النقض المصرية بأنه: "ولئن كان من المقرر أن اعتبار التحكـيم ذا طبيعة قضائية، يوجب على هيئة التحكيم مراعاة المبادئ الأساسية في التقاضـي، وذلـك سواء كان التحكيم تحكيماً عادياً أو تحكيماً مع التفويض بالصلح، وتعتبـر حيـدة المحك واستقلاله من الضمانات الأساسية في التقاضي، إلا أن الأصل فـي المحكـم أنـه محـايـد ومستقل ما دام قد قبل القيام بمهمته، وعلى من يدعي عدم حياد المحكم أو عدم استقلاله أن يتمسك بذلك ويثبته طالما أنه قد علم بالعيب قبل صدور حكم التحكيم، وليس له بعد صدوره أن يرفع دعوى ببطلانه استناداً إلى عدم توافر أيهما في المحكم .

44- وتلتزم هيئة التحكيم التعامل مع طلب الرد وفقا للحدود التي بينتها المادة 19 مـن قـانون التحكيم، ولا تتمتع هيئة التحكيم بسلطة تقديرية في هذا الشأن، فتلتزم هيئة التحكيم أن تحيل طلب الرد إلى المحكمة حتى ولو كان طلب الرد قد قدم بعـد الميعـاد أو غيـر مـستوف للضوابط القانونية الأخرى، فلا يجوز لها الالتفات عنه بحجة تقديمه بعد الميعاد.

ث. لغة طلب الرد:

45- تثور من الناحية العملية مسألة اللغة التي يقدم بها طلب الرد في حالة كون لغة التحكيم لغة أجنبية، فالمقرر بموجب قانون السلطة القضائية أن لغة المحاكم المصرية هي اللغة العربية، ومن ثم فهنالك إشكالية عملية قد تؤدي إلى إجهاض آلية طلب الرد، خصوصاً في المرحلة التي تعقب تقديم الطلب مروراً بإحالته من قبل هيئة التحكيم وقيده ونظـره مـن المحكمـة الوطنية المختصة. وللتغلب على هذه الإشكالية فإن الطرف طالب الرد يجب، وعلى نفقته، أن يتقدم بطلب الرد إلى هيئة التحكيم مصحوباً بترجمته إلى اللغة العربية حتى تستطيع هيئة التحكيم إحالته إلى المحكمة المختصة وقيده بها دون معوقات. لكن لا يترتب على مخالفـة ذلك بطلان طلب الرد طالما استوفيت الشرائط الأخرى، ويبقى على هيئة التحكيم، في هذه الحالة الأخيرة، تنبيه الطرف مقدم الطلب وإلزامه بتقديم ترجمته باللغة العربية خلال أجـل بحسبان الترجمة إلى اللغة العربية شرطاً لقبول الطلب ونظره لدى المحاكم الوطنية، ولكن في جميع الأحوال يجوز لهيئة التحكيم أن تصرف أمورها بمعرفتها وتحيل الطلب بحالتـه إلى المحكمة المختصة على نفقة طالب الرد.

(2) الفصل في طلب الرد:

أ.  الجهة المنوط بها الفصل في طلب الرد:

46- قررت المادة 19 من قانون التحكيم أنه إذا لم يتنح المحكم المطلوب رده خلال خمسة عشر يوما من تاريخ تقديم الطلب، يحال الطلب بغير رسوم إلى المحكمة المشار إليها في المـادة (9) من ذات القانون للفصل فيه بحكم غير قابل للطعن.

47- فالنص صريح باختصاص المحكمة المشار إليها في المادة 9 من قانون التحكيم بالفصل في طلب الرد، أي المحكمة المختصة أصلاً بنظر النزاع في حالة التحكيم التجاري، ومحكمـة استئناف القاهرة في حالة التحكم التجاري الدولي. وهذا النص، سلف وأوضـحنا، مـستجد بموجب القانون رقم 8 لسنة 2000 بعد أن قضت المحكمة الدستورية العليا بعدم دستورية النص على سلطة هيئة التحكيم في الفصل في طلب الرد المقدم ضد أي من أعضائها.

48- سبق وبينا في الفقرات أعلاه أن طلب الرد يقدم إلى هيئة التحكيم، لكن دون تحويلها السلطة للفصل فيه، وقد أورد المشرع النص الصريح بأن هيئة التحكيم تلتزم في حالة عدم تنحـي المحكم المطلوب رده خلال 15 يوماً من تاريخ تقديم طلب الرد بإحالة طلب الرد للمحكمة المختصة، وفقاً لنص المادة (9) من قانون التحكيم، فهيئة التحكيم تلتزم عدم إحالـة طلـب الرد لمدة 15 يوماً من تاريخ تقديمه كي تفسح المجال للمحكـم المطلـوب رده أن يتنح طواعية حال تقديره ذلك. ولا تستطيع هيئة التحكيم إجبار المحكـم المطلـوب رده علـى التنحي. وفي تقديرنا لا يجوز لهيئة التحكيم إحالة طلب الرد إلى المحكمة المختصة قبـل مضي 15 يوماً من تقديم الطلب حتى لو أفصح المحكم المطلوب رده عن نيته عدم التنحي. فالمدة ممنوحة له كاملة كي يراجع نفسه فيها. ولعل هذا الأمر يهدف إلى الاقتـصـاد فـي الإجراءات حال أن قرر المحكم المطلوب رده في التنحي دون الحاجة لاستكمال إجراءات الرد.

49- والمحكم الذي يختار التنحي لا يلتزم تقديم أسباب تنحيه، ولا يعد التنحي في ذاتـه بمثابـة إقرار من المحكم بصحة أسباب الرد.

 

50- كذلك قرر المشرع أن إحالة طلب الرد من هيئة التحكيم إلى المحكمة المختـصـة يـتم دون رسوم يلتزمها الطرف مقدم الطلب أو هيئة التحكيم. والمقصود بهذه الرسوم هي تلك التـي تحصلها المحكمة، تختلف عن النفقات التي قد تتكبدها هيئـة التحكـيم لتوصيل الطلـب للمحكمة، والتي نرى أن يتحملها طالب الرد على أن يتم الفصل في شأنها مع الحكم النهائي في شأن مصروفات وتكاليف التحكيم.

51- يحال الطلب من هيئة التحكيم بالطرق المعتادة لرفع الدعوى وتنظره المحكمة المحال إليها بكامل هيئتها22. وتقوم المحكمة بالفصل فيه بحكم قضائي نهائي علـى ذات النحـو الـذي تصدر فيه أحكامها، وليس بقرار من رئيسها. ولم يعف المشرع المحكمة المحال إليها مـن تسبيب حكمها، وبالتالي فالمحكمة ملزمة بتسبيب حكمها، وفقا للقواعـد العامـة. والحكـم الصادر عن هذه المحكمة غير قابل للطعن عليه، سواء صدر هذا الحكم بقبول الطلـب أو بعدم قبوله أو برفضه. أي أن المشرع قد آثر أن تحجب عن خصومة الرد إحدى درجتي التقاضي والاكتفاء بواحدة فقط. ب. أطراف خصومة الرد:

52- المدعي في خصومة الرد هو الطرف طالب الرد، وليس هيئة التحكيم التي أحالته إلـى المحكمة، فهيئة التحكيم يقتصر دورها على إحالة الطلب. والمدعى عليه فـي خـصومة الرد – بعد إحالتها إلى المحكمة المختصة – هو خصم طالب الـرد، وليس المحكـم المطلوب رده. وفي تقديرنا أنه، وفي جميع الأحوال، يجب تمكين المحكـم المطلـوب رده من إبداء ملاحظاته على أسباب الرد الموجهة ضده إعمالاً واحترامـاً للحـق فـي الدفاع.

(ب) إجراءات الرد طبقا لقواعد مركز القاهرة:

53- نظمت قواعد المركز إجراءات رد المحكمين في المادة 13 منها، وقد اتخذت القواعد منحى مختلفاً عن ذلك الذي تبناه قانون التحكيم المصري، من حيث الجهة التي يقدم إليهـا طلـب الرد، وكذلك الجهة المختصة بالفصل في طلب الرد.

(1) تقديم طلب الرد:

أ. الجهة التي يقدم إليها طلب الرد:

54- في حين أن طلب الرد، طبقا لقانون التحكيم المصري، يقدم إلى هيئة التحكيم ذاتها، فإن طلب الرد طبقا لقواعد مركز القاهرة يودع لدى المركز الذي يتولى بدوره إخطار هيئة التحكيم ومتابعة الإجراءات فيه. فالطلب يقـدم باسـم المركـز باعتبـاره المخـول بتلقي طلبات الرد وإخطار هيئة التحكيم به. على أنه لو قدم الطلب إلى هيئة التحكـيم مباشرة أو إلى رئيسها، وجب على الرئيس إيداع الطلب لدى المركز لاتخاذ إجراءات الرد، ولا يترتب على ذلك بطلان الطلب. فتنص المادة 13 من قواعد مركز القاهرة على أن:

"3- على الطرف الذي يعتزم رد محكم أن يودع لدى المركز إخطاراً بطلب الرد خلال 15 يوماً من تاريخ إخطاره بتعيين هذا المحكم أو خلال 15 يوماً من تاريخ علمـه بـالظروف المبررة للرد، على أن يتضمن الإخطار أسباب الرد. 4- يخطر المركز جميع الأطـراف والمحكم المطلوب رده وباقي المحكمين بطلب الرد".

ب. شكل طلب الرد:

55- لم تنص قواعد المركز صراحة على ضرورة أن يكون طلب الرد كتابة كيفما فعل قـانون التحكيم، ولكن يفهم من سياق نص المادة 13 أنه يجب أن يكون طلب الرد مكتوباً في شكل "إخطار" بحيث يودع لدى المركز في الموعد المحدد، ويجب كذلك أن يتضمن الإخطـار الأسباب المبررة للرد، وأن تدعم هذه الأسباب بالأدلة المستندية، وليـسـت مجـرد أقـوال مرسلة.

56- كذلك يجب أن يكون الطلب خاصاً لهذا الغرض جازماً في شأن الرد، وليس مجرد طلب لتنحي المحكم المعني أو مراسلات بين طرفي الدعوى مع بعضهما البعض أو مع هيئة التحكيم.

ت. میعاد تقديم طلب الرد:

57- حددت قواعد مركز القاهرة الميعاد اللازم لتقديم طلب الرد بأنه 15 يوماً من تاريخ إخطار طالب الرد بتعيين هذا المحكم، وليس من تاريخ تشكيل هيئة التحكيم، كما هو الحـال فـي قانون التحكيم، ولعل السبب من وراء تقديم طلب الرد، وفقاً لقانون التحكيم خلال 15 يوماً من تاريخ تشكيل هيئة التحكيم هو أن الطلب يقدم إلى هذه الهيئة، وهو ما يختلف عن قواعد المركز، إذ إن طلب الرد يودع لدى المركز، فلا ضرورة إذن لانتظار تشكيل هيئة التحكيم اقتصادا في الوقت والإجراءات.

58- كذلك يجوز، وفقاً لقواعد المركز، أن يقدم طلب الرد خلال 15 يوماً من تاريخ علم طالـب الرد بالظروف المبررة للرد. وتحسب مدة الـ 15 يوماً المذكورة في ضوء نـص المـادة الثانية من قواعد المركز والمتعلقة بالإخطار وحساب المواعيد. .

ث. لغة طلب الرد:

59- لا تثير اللغة التي يقدم بها طلب الرد وفقا لقواعد المركز مشكلات من الناحية العملية مثـل تلك التي قد تثار في حالة تقديم طلب الرد، وفقاً لقانون التحكيم، بحسبان أن قانون التحكـيم قد منح السلطة للفصل في طلب الرد إلى المحكمة المختصة التي يحال إليها طلـب الـرد، وهي محاكم الدولة المصرية واللغة العربية هي اللغة الرسمية للعمل أمامها، أما طلب الرد، وفقا لقواعد مركز القاهرة، يقدم بذات اللغة المستخدمة في التحكيم، ويتم الفصل فيه ونظره بذات اللغة، فالجهة المنوط بها الفصل في طلب الرد – على نحو ما سوف نفصله أدنـاه – هي لجنة ثلاثية من أعضاء اللجنة الاستشارية للمركز، تتكون مـن شـخـصيات أسيوية وأفريقية وأوروبية، ولم تشترط قواعد مركز القاهرة أو لائحة اللجنة الاستشارية لغة معينة لنظر طلب الرد والفصل فيه.

(2) الفصل في طلب الرد:

أ. الجهة المنوط بها الفصل في طلب الرد:

60- في حين يلزم قانون التحكيم المصري هيئة التحكيم بأنه في حالـة حالـة عـدم تنحـي المحكـم المطلوب رده أن تحيل طلب الرد إلى المحكمة المنصوص عليها في المادة (9)، فإن قواعد مركز القاهرة قد اتخذت أسلوباً مختلفاً للفصل في طلب الرد، حيث قررت أن الفصل فـي طلب الرد يكون بموجب قرار صادر من لجنة ثلاثية محايدة ومستقلة تشكل بواسطة المركز ("اللجنة الثلاثية")، فالمختص بالفصل في طلب الرد هو "لجنة" من ثلاثة أعـضاء ولـيس المركز ذاته أو مدیره.

61- وهذا ما قررته المادة 6/13 من قواعد المركز، حين نصت على أن:

"إذا انقضى 15 يوماً من تاريخ الإخطار بطلب الرد دون أن يوافق جميع الأطراف علـ عزل المحكم المطلوب رده أو لم يتنح هذا الأخير عن نظر الدعوى، جاز للطرف طالـب الرد الاستمرار في إجراءات الرد. وفي هذه الحالة، يتم الفصل نهائياً في طلب الرد بموجب قرار صادر من لجنة ثلاثية خاصة محايدة ومستقلة تشكل بواسطة المركز من بين أعضاء اللجنة الاستشارية".

62- وقد جاء في هامش المادة 6/13 من قواعد المركز التصريح بـأن "تشكيل وقـرارات تلك اللجنة الثلاثية تنظمه المادتان الثالثة والثامنة من لائحة اللجنـة الاستشارية". وهـذا الهامش قد تم إقراره لسد ما قد يتذرع به الـبعض بـالقول إن نـصوص لائحـة اللجنـة الاستشارية المنظمة لعمل اللجنة الثلاثية ليست جزءاً من قواعد مركز القاهرة التـي اتفـق الأطراف عليها.

1. تشكيل اللجنة الثلاثية:

63- تتشكل اللجنة الثلاثية بثلاثة من أعضاء اللجنة الاستشارية للمركز، يختارهم المركز لهـذا الغرض دون الإعلان عن أسمائهم للأطراف. فاللجنة الثلاثية هي لجنة "خاصـة" لغـرض الفصل في طلبات رد المحكمين.

64- تنص المادة الأولى من لائحة اللجنة الاستشارية لمركز القاهرة الاقليمي للتحكيم التجـاري الدولي على أنه:

 "يكون لمركز القاهرة الإقليمي للتحكيم التجاري الدولي لجنة استشارية تشكل مـن رئـيس ونائبين، بالإضافة إلى عدد لا يزيد على اثني عشر عضواً يختارهم مدير المركز من بـين أعضاء مجلس محافظي المركز، ومن غيرهم من كبار المتخصصين في مجـال التحكـيم الدولي والتجارة الدولية من الشخصيات الآسيوية والإفريقية والأوروبية".

65- تنص المادة الثالثة من ذات اللائحة على أن:

"تتولى اللجنة (اللجنة الاستشارية) المهام المنصوص عليها في قواعد تحكيم المركز السارية منذ مارس 2011 ("القواعد") وكذلك أي اختصاصات أخرى تشير إليهـا قواعـد تحكـيم المركز مستقبلاً. ويشمل ذلك، على وجه الخصوص، الاختصاصات التاليـة: ... (د) الفصل من خلال لجنة ثلاثية خاصة محايدة ومستقلة يشكلها المركز من بين أعضائها دون علان أسمائهم للأطراف في طلبات الرد طبقا لنص المادة (6/13) من القواعد. ويـصدر القرار بأغلبية أعضاء اللجنة دون أن يكون مسببا، ويكون نهائياً غير قابل للمراجعـة. ... وللجنة (اللجنة الاستشارية) أن تفوض مدير المركز في بعض اختصاصاتها لاتخاذ ما يلزم من قرارات بشأنها...".

66- وفضلاً عما تطلبته المادة الثالثة من اللائحة من ضرورة توافر الحياد والاستقلال فى جميع أعضاء اللجنة الثلاثية، فقد قررت اللائحة أن مركز القاهرة حال تشكيله اللجنة الثلاثية يجب أن يتجنب من تتوافر فيهم إحدى حالات تعارض المصالح، وفي ذلك تنص المادة الثامنة من لائحة عمل اللجنة الاستشارية على أنه:

"يراعى عند اختيار أعضاء اللجنة الثلاثية الخاصة المحايدة والمستقلة التي يشكلها المركـز من بين أعضاء اللجنة الاستشارية لبت طلبات عزل المحكمين وردهم، تجنب من قد تتوافر فيه إحدى حالات تعارض المصالح المتعارف عليها في هذا المجال".

67- وهذا النص يعد حماية لضمانات التقاضي الأساسية، إذ إن أعضاء اللجنـة الثلاثي معلومة أسماؤهم لدى أي من الأطراف.

2. إجراءات عمل اللجنة الثلاثية للفصل في طلب الرد:

68- لم تحدد قواعد المركز إجراءات عمل اللجنة الثلاثية، إلا أننا نرى ضرورة تقديم المحكم المطلوب رده جواباً عما أثير من طالب الرد في شأن أسباب رده احتراماً لحقوق الـدفاع، وكذلك ضرورة أن تتاح للطرف الآخر في النزاع من أن يقدم تعليقاته على طلـب الـرد، ونرى أيضاً أنه قد تطلب اللجنة الثلاثية، من خلال إدارة المركز ودون التواصل المباشـر مع الأطراف، أن يقدم باقي أعضاء هيئة التحكيم رأيهم في شأن أسباب الرد المثارة.

69- كذلك لم تحدد قواعد المركز الأجل اللازم للفصل في طلب الرد، إلا أن اللجنة الثلاثية يجب أن تفصل في الطلب في أقرب الآجال، كلما كان ذلك ممكناً، نظراً إلى ما يرتبه قبول طلب الرد من أثر على إجراءات التحكيم ككل.

3. قرار اللجنة الثلاثية:

70- نصت المادة 13 من قواعد المركز على أن "يتم الفصل نهائيا في طلب الرد بموجب قرار صادر من لجنة ثلاثية"، ونصت المادة الثانية من لائحة اللجنة الاستشارية للمركز "ويصدر القرار بأغلبية أعضاء اللجنة دون أن يكون مسبباً ويكون نهائياً غير قابل للمراجعة".

71- فاللجنة الثلاثية تفصل في طلب الرد بموجب قرار غير مسبب، وليس بموجب حكم، وعليـه فهي ليست ملزمة باستيفاء مستلزمات الأحكام. ويصدر القـرار بأغلبيـة أعـضاء اللجنـة الثلاثية، ويكون نهائياً غير خاضع للمراجعة، أي لا يجوز لأي من الأطراف التظلم من قرار اللجنة أمامها، ولا يجوز للمركز أو للجنة الاستشارية ذاتها مراجعة قرار اللجنة الثلاثية.

72- جدير بالذكر أن قواعد المركز الصادرة في يونيو 2007 كانت تخول سلطة التعيين سـلطة الفصل في طلب الرد، حيث كانت تنص في المادة 12 على أن: "1- إذا لم يوافق الطرف الآخر على طلب الرد ولم يتنح المحكم المطلوب رده في نظر الدعوى، فإن القـرار فـي طلب الرد يصدر على النحو التالي: (أ) إذا كان تعيين المحكم قد قامت به سـلطة تعيـين فهي التي تصدر القرار، (ب) إذا لم يكن التعيين قد قامت به سلطة التعيين، ولكـن سـبق تسمية هذه السلطة، فهي التي تصدر القرار، (ج) في جميع الحالات الأخرى يصدر القرار من سلطة التعيين التي تتم تسميتها وفقاً للإجراءات المنصوص عليها في المادة (6)".

73- ويثور التساؤل عن مدى حجية القرار الصادر من اللجنة الثلاثية بقبول أو رفـض طلـب الرد؟ ونعتقد أن قرار اللجنة الثلاثية لا يكتسب ثمة حجية قضائية، ومن ثم فيخضع القـرار برفض طلب الرد لرقابة محكمة البطلان، بحسبان حيدة المحكم واستقلاله أحد الـضمانات الأساسية التي يجب مراعاتها في التقاضي.

ب. تعدد طلبات الرد:

74- لم تحظر قواعد المركز إمكانية تقدم الطرف بطلب رد المحكم لمرة ثانيـة حـال ظهـور ظروف جديدة، مخالفة بذلك ما قرره قانون التحكيم المصري في هذا الشأن. وقـد سـبق وفصلنا هذا الأمر في البند 27- أعلاه، وهو ما نشير إليه منعاً للتكرار.

رابعا- أثر طلب الرد والفصل فيه:

(أ) أثر تقديم طلب الرد:

75- لا يترتب على تقديم طلب الرد إلى هيئة التحكيم أو إحالته إلى المحكمة وقـف إجـراءات التحكيم، فتنص المادة 3/19 من قانون التحكيم على أنه "لا يترتب على تقديم طلـب الـرد وقف إجراءات التحكيم"، وهذا النص على الرغم من أنه يشير إلى أثر تقديم طلب الرد، إلا أن ذات العلة متوافرة في حالة لم يتنح المحكم المطلوب رده، وأحالت هيئة التحكيم طلـب الرد إلى المحكمة للفصل فيه، وذلك سدا لباب الكيد والتحايل في تعطيل إجراءات خصومة التحكيم دون مبرر حقيقي. فالوقف التلقائي للإجراءات كأثر لطلب الرد يتنافى مع ما يتميز به التحكيم من السرعة في الفصل في المنازعات. ويثور التساؤل عن مدى سـلطة هيئـة التحكيم في إصدار أمرها بوقف الإجراءات كنتيجة لطلب الرد، فذهب رأي إلى عدم جواز ذلك حتى ولو قدرت هيئة التحكيم جدية الطلب. وذهب رأي آخر إلـى القـول بجـواز إصدار هيئة التحكيم الأمر بوقف إجراءات التحكيم كنتيجة طلب الرد حال رجحـت قبـول المحكمة طلب الرد. ونحن نتفق مع الرأي القائل بسلطة هيئة التحكيم في وقف إجراءات التحكيم حال قدرت ذلك، مع التحفظ بضرورة التشاور مع الأطراف، وأنه في حالة اتفـق الأطراف على عدم الوقف، فتلتزم بذلك هيئة التحكيم وتستمر في الإجراءات.

76- ومن ناحيتها، لم تتضمن قواعد مركز القاهرة نصاً مشابهاً لما نص عليه القانون المـصري في المادة 3/19، وهو ما مفاده عدم الوقف كأصل عام قرره قانون التحكيم، ويكون الأمـر ملك للأطراف وهيئة التحكيم، وفقاً لما هو منصوص عليه في المـادة 1/17 مـن قواعـد المركز، والتي تنص على أنه "مع مراعاة أحكام هذه القواعد، لهيئة التحكيم ممارسة التحكيم بالكيفية التي تراها مناسبة"، وممارسة هيئة التحكيم تخضع في ذات الوقت لما نصت عليـه المادة 7/17 من قواعد المركز التي تنص على أن "تمارس هيئـة التحكـيم، فـي إطـار استخدامها سلطتها التقديرية، إجراءات التحكيم على نحو فعال بما يكفـل تجنـب التـأخير والنفقات غير الضرورية التي من شأنها أن تزيد من مصاريف التحكيم دون مبرر".

(ب) أثر رد المحكم:

77- يعتبر صدور حكم أو قرار برد المحكم إنهاء لمهمته، ويترتب على ذلك أن تصبح إجراءات التحكيم التي تمت بعد تعيينه كأن لم تكن، ووجب تعيين بديل له طبقـاً للإجـراءات التـي اتبعت في اختياره. فتنص المادة 3/19 من قانون التحكيم على أنه "إذا حكم بـرد المحكـم ترتب على ذلك اعتبار ما يكون قد تم من إجراءات التحكيم، بما في ذلك حكم المحكمـين كأن لم يكن".

78- وعلى الرغم من أهمية نص المادة 3/19 من قانون التحكيم في خصوص الجزاء المقـرر في شأن إجراءات وقرارات هيئة التحكيم التي شارك فيها المحكم المحكوم بـرده، إلا أنـه وبنظرة متأنية لما يرتبه هذا النص من آثار باعتبار ما تم من إجـراءات التحكـم علـى اطلاقها، كأن لم تكن، نجد أن هذا النص يهدر ما قد تم من إجراءات صحيحة قبل تعيـين المحكم المحكوم برده والتي لم يشارك فيها هذا المحكم، ومثال ذلك حالة أن يكون المحك المحكوم برده هو بديل لمحكم سبق تنحيه أو غزل لأي سبب بعد أن قـضى شـوطاً ف الإجراءات صحيحة، فما هو مصير الإجراءات التي تمت قبل تعيين المحكم المحكوم برده؟ وهناك حالة أخرى، وهي أن يكون المحكم المحكوم برده هو رئيس هيئة التحكيم المعين من قبل المحكمين المعينين من قبل الأطراف، حيث أنه وفقاً لهذا النص تعتبر جميع إجـراءات التحكيم كأن لم تكن، على الرغم من أن تعيين المحكم المعين من قبل المدعى عليه قد تـم خلال إجراءات التحكيم، وذلك في ضوء نص المادة 27 من قانون التحكيم التـي تبـين أن إجراءات التحكيم تبدأ من تاريخ تسلم الطرف المدعى عليه طلب التحكيم، أي قبـل تعيـين المدعى عليه المحكم الثاني، وربما قبل قبول المحكم المعين من قبل الطرف المدعي لمهمة التحكيم. فما هو نصيب تعيين المحكمين المعينين من قبل الأطراف من عبارة نص المـادة 3/19 بأن "ما يكون قد تم من إجراءات ... كأن لم يكن"!

79- ونحن نرى ضرورة تدخل المشرع المصري بتعديل نص المادة 3/19 من قانون التحكـيم بقصر جزاء هذا النص بشكل صريح على إجراءات التحكيم التي تمت بعـد تعيـين هـذا المحكم فقط، وليس على جميع إجراءات التحكيم، وذلك، خصوصاً، أن المادة 21 من قانون التحكيم تنص على أنه "إذا انتهت مهمة المحكم برده أو ... وجب تعيين بـديـل لـه طبقـاً للإجراءات التي تتبع في اختيار المحكم الذي انتهت مهمته".

80- ولحين التدخل التشريعي، فإن الأطراف يمكنهم الاتفاق صراحة على اعتماد ما قد تم مـن إجراءات قبل تعيين المحكم المحكوم برده، ولم يشارك فيها، وكذلك يمكنهم الاتفاق مـ مسبقاً على ذلك، ولو قبل الحكم برد المحكم، إذ إن هذا الاتفاق لا يخالف الغاية من هـذا الـنص بتلافي إجراءات تمت بمشاركة محكم قضي بعدم حيدته أو استقلاله. 81

- ولم تأت قواعد مركز القاهرة بنص مثيل لنص المادة 3/19 مـن قـانون التحكيم، إلا أن القواعد أوجبت في المادة 15 منها على هيئة التحكيم في حالة تبديل أحد المحكمين أن تعقـد جلسة مرافعة شفهية واحدة على الأقل في حضور المحكم البديل. وهذا النص قد جاء تلافيـاً للحكم ببطلان حكم التحكيم في حالة عدم مشاركة المحكم البديل في المرافعة الشفوية حـال سبق انعقادها، ولكن ليس لهذا النص لزوم في حالة اتفاق الأطراف أو تقرير هيئة التحكـيم - قبل صدور قرار برد المحكم – بعدم الحاجة لانعقاد جلسة مرافعـة شـفوية والاكتفـاء بالمذكرات المكتوبة وهو الأمر المكفول في نص المادة 3/17 من قواعد المركز، والمـادة 33 من قانون التحكيم.

82- ولم يرتب قانون التحكيم أو قواعد المركز أي أثر سلبي لرد المحكم على اتفـاق التحكـيم المنعقدة باسمه إجراءات التحكيم، فلا يبطل ويظل صحيحاً، وهذا يستفاد من حكم المادة 21 من قانون التحكيم والمادة 14 من قواعد مركز القاهرة بما أوجبتاه أن يعين محكم بديل من المحكم التي انتهت مهمته برده، فلو كان للحكم برد المحكم أثر على اتفـاق التحكـيم لمـا أوجبت النصوص تعيين بديل له بذات إجراءات تعيين المحكم الذي قضي برده.